أحمد محمد أمين من السويد: واجهة تُغري وتستقطب كلّ مثقفٍ ، فقد تقاطر جمعٌ من الشعراء من أصقاع الوطن العربي على quot;أبو ظبيquot; للمشاركة واقتناص الفرصة، وهي فرصةٌ لا فرصتان، بعضهم غذ ّ مسيرته عن جدارة ومثابرة، وبالمصادفة أيضاً، وآخرون شدوا الرحال، غادروا المجد والصولجان بعد أن خذلهم إستطلاعُ الجمهور والمشاهدين. وهذه الشرائح في كلّ الأحوال، ما عدا قلة قليلة منها، لاتمتلك أرضية لطرح رؤية نقدية أو ذوقية مدعوم بالعلم والحرفية، ومنحها نصفَ الحكم عسف وحيف لا بحقّ الشعراء المشاركين وحسب، بل بميزان النقد الذي يميّز بين الغث والرصين، ذلك أن هؤلاء لايُمكن أن يصطفوا الى جوار الخمسة الكبار الأُلى يقوّمون الشعر بإيقاع نقديّ علمي صارم ، وأفق ثقافوي يستند الى الخبرة والتجربة والدراسة والعلم، وهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟ فهؤلاء هم أنفسهم ممّن يغريهم كحل عيون وفساتين المطربات وعارضات الأزياء، مع تقديري وتجلتي للفن والفنانين الذين يشعلون حرائق الفرح في ركامات الحزن الذي يعرو أوطاننا. كان الأجدى لو أبقى القائمون على شؤون هذا المهرجان الثقافي الماتع هذا النصف من الخلق على الحياد ليستمع الى الشعر وحسبُ، لذلك عاد شعراء مجيدون الى بلادهم بخفي حنين. بعد أن غيّب إبداعهم جمهور لايعي شيئاً من أبجدية الشعر ولا يميّز بين الحال والتمييز، ولا بين الإستعارة والمجاز والتورية، متلهم مثلُُ بعض الشعراء الذين دفعهم موجُ العشوائية الى الصفوف المتقدمة. وهم لا يفرقون بين همزة الوصل والقطع، وبين عمل الفعل الناقص والفعل المشيه بالفعل، أمّامقدم الحلقة، الدمث الجميل الإيقاع ، فقد تفاقمت أخطاؤه اللغوية بين حلقة وأُخرى، ولا ألومه فالعبء ثقيل، ومالديه من مبادرات ذكية يُغطّي أخطاءهويشفع له.

وإذ يُصنّف الجمهور على الأخذ بنصف التقويم ففي ذلك خطأٌ وتقليل من هيبة أعضاء لجنة التحكيم، فكيف يتساوى، على سبيل المثال، أُستاذا الجيل النقدي: د. صلاح فضل و د.عبد الملك مرتاض وزملاؤهما الأساتذة الأجلاء مع الجمهور الذي يغريه قبل كلّ شيْ تسريحة شعر الشاعر وربطة عنقه وهندامه، كما أن تسمية الحلقة : أمير الشعراء تتسع لكثير من وجهات النظر، قد نتقبلْ هذه التسمية على مضض، ففي ظني أنْ لا أمير للشعر، وكلّ شاعر هو أمير إبداعه، قد يخفق وقد يصيب، فما كان كلّ شعر شوقي يتناسب مع مكانته الشعرية. وما كان أبداً بأفضل من حافظ والجواهري وبشارة الخوري، وغيرهم من شعراء زمانه. أرى من الضروري أن يُدفن هذا المصطلح ويلغى، الا أن جهابذة البرامج الثقافية يبتكرون ألواناً من العنوانات لا تنطبق على مضامينها وأُطرها، سوى كونها مصائد تجذب المشاهدين وتغريهم على متابعة تفاصيلها.
أعود الى الجمهور مرّة أُخرى، فمن هو ؟ وبأيّ مقباس يقوّم الشعر؟ وأغلب أفراده لا يملكون خلفية ثقافية تؤهلهم لهذه المهمة سوى كونهم جاءوا ليكونواجزءاً من سينوغرافية الحلقة، وفضائها، خلقاً يملأ فراغاً وحسبُ، لا حكماً يُقصي ويُبقي، ومعذرة فلستُ أُبخس حقّ البعض ممّن تستهويه القصيدة ولديه قدْرٌمن ذائقة الشعر،وبات جزءاً من مكونه الثقافي. الا أن عدد هؤلاء قليل، كان ينبغي أن يُمنح هذا الجمهور عشر درجات من المئة، والا لمَ جيء بلجنة التحكيم، وأعضاؤه أعلام الثقافة؟، ولعلّ حزنهم أشدّ من حزني حين يُظلم شاعر ويُغمط حقه وحظي من لدنهم بما يستحق من تقدير وإشادة. كيف يمكن قبول حكم الجمهور والمشاهد حين يُعطى شاعر 48 درجة من 50، من لجنة التحكيم، ثمّ نفاجأ أن الطرف الآخر منحه 8 درجات من 50.هذه إهانة وعبث مبعثهما التسطح واللامبالاة والعشوائية واختلال ميزان الدقة. آلمني أن يغادرهذه المسابقة نجوم شعرية بناء على حكم اعنباطي جائر، غادرونا هادئين منظبطين ما عدا بعضهم وقد عبر عن إستيائه صراحة أو إيماءً.
وما دامت ثمة حلقات أُخر وفرص تالية للشعراء الباقين فعلى القائمين على شؤون المسابقة وضع ثوابت أُخرى، وليكن للجنة التحكيم إطار أوسع ونسبة 90 في المئة،أويؤتى بجمهور مختلف، كأن تُضيّف الحلقة جمهوراً من المثقفين شعراء وقصاصين وفنانين ومسرحيين وباحثين ليدلوا بدلوهم مع لجنة التحكيم، عندئذٍ يكون التقويم سليماً نزيهاً محايداً.أمّا بقاء الوضع على حاله فأمر يبعث على الرثاء والحزن، فمهرجان على هذا المستوى كان ينبغي أن يُبرمج له وفقاً لمعايير علمية فنيّة ثقافية قبل تنفيذه، ان الإصرارعلى هذا النهج في مثل هذه المعادلة الصعبة يسيْ الى جمالية الإبداع فثمة شعراء شباب ما زالوا في الإنتظارويمتلكون تجربة ابداع طويلة رافقتهم نصف أعمارهم، وثقافة إغترفوها من متون التجربة والمران، فمن الإجحاف أن تُهدر حقوقهم في مجرى هذه العشوائية الذي قد يجرف معه المؤهل والأصلح ويبقي مَنْ تدورحوله علامات الإستفهام.ولا ينطبق عليه أيّ تقويم علمي رصين. ينبغي أن تكون كفة الأساتذة المحكمين هي الراجحة ولها القول الفصل، والا فان هذا الجهد المبذول الباذخ الجميل سيذهب جُفاءً، كما أفضل أن يكون عنوان الحلقات الختامية : شاعر القمة وليس أميراً للشعر، وكلّ شعر تجلبب بجلباب خصوصية طبقية لن يكون شعراً يخدم أية قضية.وأقترح أن تنشر الصفحات الثقافية العربية هذه القصائد تعميماً للفائدة ليحتفظ بها مَنْ أراد ذلك في ملفاته الخاصة.انني انظر الى هذه التظاهرات الإبداعية التي تضطلع بها دولة الإمارات - وهي سبّاقة الى إحتضان الثقافة والفن بحرص ودراية- بكل تقدير، فالمثقف والفنان في وطننا العربي لا يزال مغموراً ومنسياً وتحت خطوط الفقر، أنه مهمّشٌ ومعزول، ولا يستطيع أن يطبع كتاباً من كتبه التي ما زالت مخطوطة يعلوها الغبار، ولولا هذه الحلقة الثقافية وحلقات أخرى تقدمها القنوات الإماراتية لما تعرفنا الى هذه الأسماء اللامعة التي أبهرتنا من شواطيْ الأطلسي حتى ضفاف الخليج، بادرة معرفية رائدة تضيء واعيتنا بالأمل والعنفوان.