د. مجيـــــد القيسي*:فتح العرب المسلمون العراق، او(ميزوپوتاميا) كما سماه الإغريق، في القرن السابع الميلادي، فحرروا شعبه من ربقة الإحتلال ألأخميني / الساساني الفارسي الذي جثم على صدورهم اكثر من عشرة قرون. وخلال تلك الحقبة الزمنية الطويلة عاث فسادا وبطشا وخرابا في البلاد. فعمل على تفتيت وحدة العراقيين وتدميرعقائدهم وتفريس لسانهم، بعد ان دمر اعظم حضارة في التأريخ ؛ ألا وهي الحضارة البابلية المتأخرة عام 539 ق.م، تلك التي ورثت عن السومريين حضارة تعد بحق من ارقى الحضارات ألإنسانية في العالم القديم.
والسومريون من الأقوام غير السامية الذين سكنوا جنوب العراق قبل ما يزيد عن الستة آلآف عام. وكانوا يطلقون على انفسهم (ساگ گیگا)، أي (ذوي الرؤوس السود). كما اطلق عليهم الأكديون الساميون اسم (شوميرو). كما ورد ذكر ارضهم في الكتاب المقدس باسم ارض (شنعار) ومعناها ارض (الحراس). ومن شدة اعتزازهم بوطنهم (سومر) فقد اطلقوا عليه (كي- إينْ- گيرْ) اي (ارض النبلاء الأصلاء).
وكان السومريون اول من قدم للبشرية الرموزالكتابية التي تعرف اليوم بالخط المسماري الذي استعملوه مع الرقم والألواح والأختام الطينية. كما صنعوا اول عجلة في التأريخ وبنوا الزوارق والسفن التجارية وجابوا بها البحار. وكانت (أورُوكْ) اعظم حواضرهم يومذاك، ويرجح المؤرخون ان اسم (العراق) كان قد اشتق من هذا الأسم الجميل.
اما الأكديون (وبلغتهم أكادو) فقد عاصروا العديد من السلالات السومرية حتى أفول دولتهم العظيمة بعد ان هاجمها البرابرة (الگوتيون) ؛ سكنة جبال (زاگروس)(1). وكان سرگون الأول واحدا من اعظم ملوكهم. وقد تركوا لمن جاء بعدهم من البابليين الذين أنشأوا حضارة مزدهرة في وسط العراق إرثا لغويا وثقافيا غنيا، في حين اقام اشقاؤهم الآشوريون امبراطوريتهم الواسعة القوية في شماله. وكان آشور پانیپال من اشهر اباطرتهم. وقد اتخذوا من مدينة نينوى عاصمة لإمبراطوريتهم المترامية الأطراف. وقد امتد نفوذها وسلطانها ولغتها حتى خارج العراق.
وفي بابل ازدهرت اللغات وألآداب والعلوم والفنون والتكنولوجيا. وبرع علماؤها في علوم الفلك والتنجيم والرياضيات والهندسة والطب والصنعة (الكيمياء) ؛ وهي الميادين التي عرفوا بها حتى يومنا هذا، الى جانب سبقهم المرموق في تشريع القوانين وإقامة قضاء متطور. اما اقتصادها فقد اعتمد على التجارة والزراعة والري والصناعة. وقد وثقوا تلك المنجزات الكبيرة في الألوف من التماثيل والمنشآت والألواح والرقم الطينية في بابل (الحلة) وما حولها.
ولقد تجلت قدرات العراقيين القدماء في مجال العقائد وألأفكار والفلسفة والملاحم والأساطير. ولعل العالم سوف يظل زمنا طويلا يتغنى بملحمة گلگامش ؛ لحكمها وعبرها ولغتها الشعرية العالية، كما ستظل قصص الخليقة والطوفان من الاساطير والحكايات المثيرة في مطالعات الأمم وحكاياتهم ومجالسهم. اما فقهاء الدستور والقانون فلا نظنهم سيغفلون لحظة واحدة عن ذكر اول شريعة سنها انسان من قبلُ ألا وهي شريعة حمورابي الذائعة الصيت.
والحقيقة، ان البابليين كانوا قد اولوا اهتماما خاصا لعلوم اللغة وكل ما يتصل بها من فنون ألأدب والشعر والموسيقى والغناء، وخصوصا عنايتهم بالتراتيل والأناشيد الدينية. كما عرف العالم اولى النظريات الموسيقية التي اشادت بها الباحثة (آن درافكورن كلمر)(2)، فضلا عن وضع اول مدونة (نوطة) موسيقية في التأريخ، الى جانب براعتهم في صناعة الآلات الموسيقية كالقيثارة والسنطور والطبل والناي وما شاكلها.
وكانت اللغة البابلية اللسان الرسمي للدولة البابلية، وهي لغة سامية جزرية اعقبت اللغة الأكدية وتطورت عنها، بينما اصبحت شقيقتها اللغة الآشورية لسان الأمبراطورية الآشورية التي انتشرت في المناطق الشمالية من العراق وفي كثير من اقطار الشرق الأوسط. ويرى المؤرخ (ريچارد نلسون فراى) (3) بأن الأمبراطورية ألآشورية الحديثة تعد اول امبرطورية حقيقية في تاريخ البشر، فقد وصل نفوذها وحكمها حتى بلاد عيلام وميديا وفارس (4).
ونحن حين نتحدث عن الإرث الثقافي المتميز للبابليين وألآشوريين فينبغي، بادئ ذي بدئ، ان نتلمس اصول ذلك الإرث. فبعد ابتكارالخط المسماري والرموز والتدوين والتوثيق من قبل السومريين تلقفتها شعوب المنطقة بأسرها. وكان الأكديون في مقدمتهم. ثم حمل راية التقدم من بعدهم كل من البابليين وألآشوريين، كما هو معروف.
ولكي ندرك ابعاد التقدم العلمي والثقافي الذي حققته الحضارات الأكدية والبابلية وألآشورية فلا بد اولا من ألإلمام بما قدمه السومريون في مضمار اللغة والمصطلح والتدوين والنشر والتوثيق.
فاللغة السومرية تعد من اقدم اللغات غير السامية، فهي ألأكثر تطورا ووفاء بحاجات المجتمع الثقافية في تلك الحقبة، وحتى ضمن المعايير العصرية. فهي لغة منهجية محكمة ومن اوائل اللغات المقطعية / الإلتصاقية في التأريخ ؛ مثلها مثل اللغات الإغريقية واللاتينية العصرية. ففيها يعبر عن الدلالات والمعاني المختلفة من خلال المقاطع الرمزية الملتصق بعضها بالبعض ألآخر في إطار بنية الكلمة.
واللفظة في السومرية تتكون من سوابق وحشوات ولواحق، اي كواسع، وبتلاصقها في صف واحد تنشأ الكلمة او المصطلح المطلوب (5)(6). ولعل في الأمثلة التالية ما يعطي صورة جلية عن الموضوع:
ألآس (الياس) واسمه : (گيشْ- شمْ- گيرْ) وترجمته: (شجرةٌ رائحتها طيبة).
الدُّرَّاق (الخوخ) واسمه : (گیشْ- دا- رو- كو).
الخس واسمه : (گیشْ- خي- أسْ- سا).
الثوم واسمه : (گیشْ- شي ndash; شارْ). وترجمته: (بصل البساتين).
النخلة واسمها : (گیشْ ndash; إمّارْ). ويلاحظ هنا ان العراقي يسمي لب النخلة اللذيذ : (جُمَّارْ).
كزبرة واسمها : (أو- شبيرْ- شارْ).
زيت السمسم : (إي- گيش). وترجمته (زيت النبات).
وتشيرالعلامات: (گیشْ) الى صنف (الشّجر) و(شارْ) الى صنف (نبات البُستان) و(أو) الى صنف (العُشب) و(إي)) الى الزيت او الدهن.
والسومري، كما شاهدنا، يميل الى التعبير بأسماء جميلة هي اقرب ما تكون الى الجمل التامة المعني. فلغته لغة جميلة، شريفة الأسلوب ودقيقة التعبير. فهو مثلا يسمي الشخص (اللطيف المعشر): (كا- لالْ) أي (فم + عَسَل) ومعناها: (فمُه يقطُرُ عَسَلا). ونحن نقول في العامية: (حلگه ينگطْ عسل). وان اراد تسمية: (العِطر) فيقول : (إي ndash; گو- لا). وترجمتها رمزيا: (زيتٌ + إنتشار+ اصفر + جمالٌ)، بعبارة اخرى: (الشئ الذي يثير الرغبة). او ليس هذا هو ما يفعله العطر في النفس؟. اما (شهرُ آب) فيسمونه: (إيزي ndash; أوتو)، اي الشهر الساخن. ويجاريهم البغدادي حين يقول (شهر آبْ اللهَّابْ). ولننظر ماذا يقول السومري في دهن الغنم المصفى؟. انه يسميه : (إي- نونْ)، أي (الزيت النبيل): ومعلوم ان العراقي يسمي الدهن او السِّلاء الناتج من قلي او حمس إلية الخروف: بـ (الدِهِنْ الحُرّ). وما يتخلف عنه فهو (الحَميس) اللذيذ الذي كنا ونحن صغارا نتسابق للإستئثاربإلتهامه.
ومن الصدف النادرة في التسميات القديمة ما قد ينطبق على اسم مدينة (كربلا) العريقة. فقد ورد في السومرية مصطلح (كي- بالا) ومعناها (أرضُ الثوار). والرمز(كي) يشير الى معنى (الأرض). ولعل اسم (كربلا) تصحيف للكلمة السومرية المذكورة. علما بان مدينتي كربلا والكوفة هما من المدن القديمة.
ومن اللافت ان يلاحظ المرأ مبلغ التماثل بين التسميات السومرية وبين التسميات الإغريقية/ اللاتينية المعاصرة. فأسم (العراق) مثلا هو: (ميزو- پوتام - يا)، وترجمته الحرفية الى العربية : وادي (مابين- النهرين) او ارض (الرافدين). والكاسعة (يا) علامة الجمع. كما نلاحظ في مجال المصطلح الطبي/ الكيميائي تسمية العرَض الطبي الشاذ المعروف: بـ (هايپرْ- گلايسْ- إيمْيا)، وترجمته الحرفية: (إفراطية ndash; سُكر- الدم) (7)(8).
وكان لتلك الميزات اللغوية الفريدة التي تمتعت بها اللغة السومرية ان دونت بها العلوم والفنون وألآداب في ذلك الزمان وبقيت آثارها خالدة حتى أليوم.
اما اللغات العربية والأكدية (البابلية وألآشورية) والعبرية والآرامية وشقيقاتها الأخريات فهي جميعا من اللغات السامية التي انحدرت من اللغة السامية الأولى (پروتو سيميتك) والتي نشأت في الجزيرة العربية قبل زمن سحيق. وبخلاف اللغة السومرية، فهي جميعا لغات إشتقاقية، حيث يعبر عن الدلالات المختلفة بتغيير البنية التركيبية للكلمة من خلال مايعرف بعملية الإشتقاق او فن الصرف. مثال ذلك: (كتَبَ، يكتبُ، أكتبْ، إستكتب، كاتب، ومكتوب).
والمعروف ان اللغة الأكدية كانت قد اقترضت الكثير من المفردات السومرية، مثلما اقترض المعجم السومري بدوره الفاظا أكدية عديدة وذلك من خلال التلاقح بين الثقافتين المتجاورتين والمتداخلتين لزمن طويل.
ومع ذلك، فقد وجدنا أن الأكديين وغيرهم من الشعوب السامية لم يتأثروا بقواعد اللغة السومرية او بتراكيبها المذكورة وانما حافظوا على الأصول السامية للغاتهم، إلا ما ندر. ولعل السبب يرجع الى شعورهم بكفاية لغاتهم ومرونة ابجدياتها واليسر النسبي لقواعدها. وخصوصا بعد ان ابتكروا الخطوط والحروف وألأبجديات المطاوعة الخاصة بهم. هذا فضلا عن عشقهم لإوطانهم التي تعد اللغة رمزا حيا لوحدة اراضيها وتلاحم شعوبها ومحركا للمشاعر الوطنية.
ومما سبق يتضح بان الأقوام التي عاشت على أرض الرافدين قاطبة ومنذ فجر التأريخ وحتى الفتح الإسلامي كانت قد استخدمت اللغات السومرية والأكدية ألأولى والبابلية في وسط وجنوب العراق، والآشورية في المناطق الشمالية، وذلك قبل وبعد الإحتلال الفارسي للعراق، وقبل ان تنتشر اللغة الآرامية في عموم المنطقة. وكانت اللغة العربية الشمالية (العدنانية) لسان القبائل العربية التي سكنت قريبا من تخوم العراق الشمالية الغربية والجنوبية. ومن ثم اصبحت هي اللسان الرسمي للدولة العربية / الإسلامية بعد تحرير العراق من الهيمنة الفارسية.
وهناك حقيقة تنبغي الإشارة اليها وهي ان هجرة القبائل العربية بين ارض الرافدين وبين قلب الجزيرة العربية استمرت دهورا طويلة ولم تنقطع ابدا وذلك لإسباب موضوعية عديدة. من ابرزها عامل الوحدة التأريخية والقومية والجغرافية والنفسية المشترك. ولعل خير دليل على ذلك ما روي عن الإمام (علي) (كرم الله وجهه) انه قال: (من كان سائلا عن نسبنا فإنا (نبطٌ) من (كوثىَ)، وهي سرة السواد التي ولد بها إبراهيم (عليه السلام) (9). يضاف الى ذلك عامل التماثل بين العربية وبين جميع اللغات السامية من حيث الأصول والقواعد.
أما ألأقوام التي استوطنت المناطق الجبلية من العراق فكانوا من قبائل (الگاردو) او (الگاردا) كما سماهم البابليون، ولعلهم من اجداد (الكورد)، الى جانب الگوتيين، فقد كانوا يتحدثون لغات هندية ndash; ايرانية شتى، هذا الى جانب اللغة الرسمية للدولة (10).
وهنا لابد من الإشارة الى بزوغ فجر لغة سامية حية في المنطقة وهي الآرامية التي تعد احدى اللغات السامية الشمالية / الغربية. فقد ترعرعت في ربوع بلاد الشام، وذلك في حدود القرن الخامس ق.م. وكان يتحدث بها الشعب الآرامي الصغير الذي لم يسعفه الحظ في تأسيس دولة كبيرة يعتد بها، بالرغم من مشاركة بعض قادتهم في حكم دولة البابليين.
وقد تميزت اللغة الآرامية بابجديتها العملية وقواعدها الميسرة، بخلاف الأكدية التي استعانت بالخط المسماري. وقد اتخذ السيد المسيح (عليه السلام) ألآرامية الغربية المهجنة بالعبرية لغة له. كما تم تدوين الكتاب المقدس بها، وهو ما ساعدها على الإنتشار في كافة ارجاء المنطقة، حتى اصبحت لغة رديفة او موازية الى جانب البابلية وألآشورية والعبرية واليونانية والفارسية (بفروعها المختلفة)، خصوصا بعد غزو الفرس للعراق والقضاء على دولة بابل. كما اتخذتها بعض ألأقوام السامية لغة لممارسة شعائرهم الدينية، كالمندائيين (الصابئة) الذين دونوا بها كتابهم المقدس المعروف باسم (الكنزاربا) وماثوراتهم وملاحمهم الممتعة المتوارثة. كما اصبحت ألآرامية (الشرقية) المهجنة بالأكدية (ألآشورية) ووريثتها السريانية لسان الأقوام الذين اعتنقوا الديانة المسيحية في وادي الرافدين والذين مايزالون يمارسون شعائرهم الدينية بهذه اللغة حتى اليوم الى جانب العربية. وهؤلاء هم الأشوريون والكلدان المعاصرون الذين استقروا منذ ألآف السنين في محافظة الموصل والمحافظات الشمالية الأخرى، وكذلك في البصرة وفي بغداد العاصمة بالذات. كما نجد الكثير من هؤلاء قد استقر في ربوع الشام (قرية معلولا مثلا) وتركيا وغيرها منذ آلآف السنين.
لقد اصبح العراق مختبرا للألسن واللهجات السامية التي ولدت من اللغة الأم. وكانت العاصمة (بغداد) بمثابة البوتقة لسبك تلك اللغات واللهجات منذ قرابة الأربعة عشر قرنا. وكانت خميرتها اللغة العربية الفصحى. وفي خضم التجارب والمحن نشأت وترعرعت (اللغة العامية البغدادية) حتى وصلت الى الصورة المتألقة الجامعة التي هي عليها الآن.
ان نظرة فاحصة لألفاظ (اللغة العامية البغدادية) ترينا بوضوح مدى التماثل بينها وبين اللغات السامية المذكورة من حيث الأبنية والمعاني والأصوات، وخصوصا بين ألأكدية، بفرعيها البابلي والآشوري، والآرامية، بفرعيها الغربي والشرقي، والعربية العدنانية. وفيما يلي باقة من الألفاظ المشتركة بين اللغات المارة الذكر، وهي قليل من كثير(11):

ألفاظ مشتركة بين الأكدية (ألآشورية) والعربية والعامية البغدادية
ألأكدية العربية العامية البغدادية ألأكدية العربية العامية البغدادية
أبالو يعبيء يعبي بتْ أباتو بتَّ
آبو آبٌ آبْ ابودانيو أبدعَ بدَّعْ
أبوخونو ابوكمُ أبوكمْ أبورو عابرٌ عابرْ
أدامو عُضْوٌ عضُوْ أدمو دم ٌ دمْ
أدانو إذنٌ إذنْ أدّارو آذارُ آذارْ
اگا هذا هاذ َ أگوبو كوبٌ كوبْ
أگربو عقربٌ عگربْ أهارو أخيرٌ أخيرْ
أها أها أُحادا أحادا واحدْ واحدْ أخانا هاهنا هنانا
أخلو أكلَ أكلْ أخاتو أُخْتٌ أُخُتْ
أخيرتو أخيرةٌ أخيره أخو أخٌ أخْ
أخوتو أخوَّةٌ خوّه ألادو وَلدَ. وَلدٌ وِلدْ. وَلدْ
أللايو إلهيٌّ إلهي ألاپو ألفٌ ألفْ
ألمايو علماني - أمني ناعِمٌ ناعِمْ
أمّاني مواعين مواعينْ أنائيو ألأنا ابو ألآنا
أنائيتو ألأنانيةُ أنانيه أناهو يتنهدُ يتنهدْ
أناكو تنكٌ تنكْ أرميلو أرملةٌ أرمله
أرباسر اربعة عشر اربطعش أرمانو رُماَّنٌ رُمَّانْ
أرنُبو أرنبٌ أرنبْ أسرو قصْرٌ قصِرْ
أتَّ أنتَ إتَّ أتيرو ثريٌّ ثري
أتونو أنتمْ إنتو أوا هواءٌ هوا
بابو أبي بابا بكّالو بقالٌ بگالْ
بنو بَنى بِنى براكو برقٌ بريجْ
بتولو بتولٌ بتولْ بيبو أنبوبٌ پیپْ
بركو بَرَكَ بُرَكْ باتالو بطَّلَ بطَّلْ
بورو بئرٌ بيرْ بكاگو بقة ٌ بگه
دهبو ذَهَبٌ ذَهَبْ دامي دَمْعٌ دَمِعْ
داروگو دَرَجةٌ دِرْجه دشپو دبْسٌ دِبسِِْ
دوكرانو تذكرَ تِذكرْ درائيو دَوْرةٌ دَوْره
ألفاظ مشتركة بين الآرامية (المندائية) والعربية والعامية البغدادية (12):
ألآرامية العربية العامية البغداية ألآرامية العربية العامية البغدادية
ألآها الله ُ الله آمينْ آمينْ آمينْ
أنهورا نورٌ نورْ بابا بابٌ بابْ
بيتا بيتٌ بيتْ باروكا بَرَكةٌ بَرَكه
بِِركة بَرْقةٌ بَرْجه بوكرا بِِكرٌ بِِچرْ
بورا بَوْرٌ بورْ بزرانا بذرةٌ بزْره
دينا دينٌ دينْ درْگا دَرَجةٌ دِرْجه
دُخرانا ذِكْرٌ ذِكِرْ فتيرا فَطيرةٌ فُطيرايه
هَلالي حلالٌ حلالْ هوا حَوَّاءُ حَوَّا
هيا حياة ٌ حَيا هِلْما حِلْم ٌ حِلِمْ
هلْكا هَلاكٌ هَلاكْ هِوْيا حَيَّة ٌ حَيَّه
لكََبْْ لَقَب ٌ لَبُّوگه مَهيانا مُحْيي مُحْيي، مُحّي
مَلْيا مَلآنٌ مَلْيانْ مِسْكينا مِسْكينٌ مَسْكينْ
نْبيها نَبيّ ٌ نَبي نِشومْ نجُومٌ نْجْومْ
أوما أُمّ ٌ أُمْ پَرْشا فُرْصة ٌ فُرصه
پْتُولا بتولٌ بَتولْ كَبَلْتا قَبُولٌ قَبُولْ
كَدْمونيا قَديمٌ قَديمْ كُرْبانا قُربانٌ قُرْبانْ
رَهْما رَحْمةٌ رَحمه ريها رائحةٌ ريحه
ريشْ رأسٌ راسْ رُوها روحٌ روح ْ
ساوما صَوْمٌ صومْ شَهْرْ سَهَرٌ سَهَرْ
شپتا السَّبْتُ السَّبِتْ شِكِنْتا سَكَنٌ سَكَنْ
سُورْيا صُورةٌ صُوره توبا توْبة ٌ توبه
تابْ، توبْ طَيِّبٌ طيِّبْ يَهْرا شَهْرٌ شَهَرْ
يُومْ، يُوما يَومٌ يومْ زوا ضَوْءٌ ضُوا
زَكيا زَكيٌّ زاچي زبْنا زَمَنٌ زَمَنْ
زِدْكا صَدَقةٌ صَدَقه زيرا ذرَّة ٌ ذرَّه
واذا ما اضفنا الي تلك الباقة الجميلة من الألفاظ البغدادية االمزينة بالألفاظ السامية الجذابة، ما تركه لنا السومريون من ألفاظ ظلت خالدة في ذاكرة العراقيين اكثر من ستة آلآف عام، نكتشف كم هي عزيزة ومقدسة تلك اللغة الجميلة التي وحدت الشعب العراقي طوال تلك الدهورالطويلة (5)(6).
فمن منا او من اهلنا، ياترى، بمقدوره ان يتناسى، ولو لدقائق، هذه الكلمات؟:
أكو = موجود. وفي السومرية (أكا)كرْبَلا = في السومرية (ارض الثوار (كي- بالا)
شَكر = سُكربُطُم = حبوب خضر اللون بقشور. وهي من النقل
مي = ماءتالة = فرع النخلة الصغيرالمتصل بالجذع
سُكان = مقْوَدتِبلية = حزام من الليف والحبال لتسلق النخيل
حَنظل = ثمرة برية مرة المذاقتِبن = ما يتخلف عن القمح بعد الحصاد والدرس
خِرّ = نهر صغير في بغداد ndash; الكرختركيس = اجسلاس عذق التمر على السعف
منوْ = مَنْتشرين = من اسماء اشهر السنة
خْلال = التمر غير الناضجتموز = كذلك
كبريت = معدن معروفآب = كذلك
كرَّاث = بقلة معروفة لها طعم لاذعجراب = كيس وحاوية من جلد الحيوان
دِبِس = سُلافة التمرجبن = احد منتجات ألألبان
دُخُن = نوع من الحبوبجُمـاَّر = لب ساق النخلة اللذيذ الطعم
نفط = زيت الوقود المعروفحلفا = نبات ذو سيقان عشبية
زمبيل = زبيل. حاوية تصنع من سعف النخيلحنطة = قمح
ماش = من الحبوب المعروفةحُمُّص = من الحبوب المعروفة
سُور= جدارعازلنكحَ = وتنطق في السومرية كما ينطقها البغدادي
يطمُّ = يدفن، وتنطق (كي- توم)تحت = وتنطق (كي- تا).
هنا = وتنطق في الأصل (كو- نو).كمُّون = من التوابل. وتنطق (كو- مول).
وتعتبر البداية الإفتراضية لنشوء اللغة العامية البغدادية يوم دخلت الجيوش العربية / ألإسلامية العراق. فقد وجد العرب هناك شعبا عراقيا عريقا موحدا بعد طرد الفرس وانهاء الإحتلال. وكان ذلك الشعب يتحدث الأكدية (البابلية وألآشورية)، والآرامية الشرقية، والعربية والفارسية ولغات اخرى ثانوية، كما بينا. وبعد انتشار الإسلام ورسوخه، بدأت العربية بالإنتشار نظرا لاستعداد الشعوب السامية لتقبل العقيدة الكتابية الجديدة من خلال جمالية اللغة العربية التي نزل بها كتاب الله العزيز، ولِما جاءت به تلك العقيدة السمحة من قيم وأحكام وأفكار انسانية واقعية.
وفي خضم التمازج الثقافي في البيئة الجديدة وبمرور الزمن شرعت العربية في اخذ بعض قواعد اللغات السامية والفاظها وأصواتها. فتعددت اللهجات واللكنات بين الناس. وبعد دخول المغول بغداد عام 656 هـ ومن ثم جاء في اعقابهم الأتراك العثمانيون ومعهم ثقافتهم ولغتهم، ساءت احوال العراقيين الإجتماعية والثقافية وشاع اللحن حتى بين خاصتهم. ومع ذلك ظلت العربية الفصحى هي اللغة السائدة والمباركة على الصعيدين الرسمي والشعبي، وخصوصا في المساجد ودورالعلم والكتاتيب، الى جوار العامية البغدادية التى بقيت هي الأخرى عربية المبنى والمعنى ولكن بنفس سامي ظاهر. ولم يضرها كونها استعانت بعدد لا يستهان به من الألفاظ اليونانية والفارسية والمغولية والتركية والهندية، واخيرا اللغات الأوربية الحديثة (13).
ونظرا لإصالة العربية وقدمها وثراء ابجديتها وسعة مداخلها من الأفعال الأساسية، مقارنة بالساميات الأخرى، وحيوية نحوها ومرونة صرفها وسحر بيانها، فقد جذبت اليها شعوب المنطقة الذين اصبحت لهم لهجاتهم العربية الخاصة بهم نتيجة للتمازج والتفاعل الحي بينها وبين لغاتهم السامية المحلية. ومن الطبيعي ان يكون التأثير السامي في تشكيل بنية الكلمة العامية وتغيير لفظها ونبرتها متوقفا على عمق ذلك التفاعل وعلى طول مدته.
وفي ضوء ما تقدم نلاحظ مثلا ان لهجتي ابناء مقاطعتي الموصل وتكريت تختلفان عن لهجة ابناء بغداد واطرافها، بصرف النظر عن العوامل المشتركة الأخرى. وكان لليهود لهجة مماثلة. وهي جميعا اقرب قليلا الى الفصحى، من حيث الحفاظ على بعض ألإصول والقواعد، وفي نطق حروف معينة وخصوصا حرف (القاف) وعدم قلبه الى (گ) (نحو گمریه) او (ج) (نحو جاسم) رغم قلبهم للعديد من الحروف والأصوات ألأخرى.
وتعد المنطقتان كلتاهما من مناطق التماس الإجتماعي الشديد بين الناطقين بالعربية الفصحى وبالأرامية / السريانية. ولا شك ان الحالة الجديدة هذه قد خلقت ما يمكن تسميته بخلية لغوية متفاعلة وشبه مستقلة عن المحيط الأوسع (الفارسي/ المغولي/ التركي) فظلت بعيدا عن تأثيراته، بينما فعل فعله في اللهجات ألأخرى في مقاطعات الوسط والجنوب. ومن المرجح القول بان العرب والناطقين بالسامية في تلك الخلية المفترضة كان لهم دور بارزفي نشوء تلك الظاهرة والحفاظ على اصول العربية بين كل من العرب والساميين. والشئ نفسه كان قد انطبق على المجتمع اليهودي في العراق.
واللغة العامية البغدادية لها من الخصائص الفريدة ما يجعلها ترفع راية الوحدة الوطنية عاليا. فهي، وقبل كل شئ، لغة عربية اصيلة الجذور وإن اقترضت واستعانت بالكثير من الألفاظ الأعجمية. فقد نشأت وترعرعت في عاصمة الخلافة العربية / الإسلامية. ولأبجديتها ثلاث وثلاثون حرفا، ينطقها البغدادي جميعا وبطلاقة نادرة، وقد ينفرد في هذه الميزة عن سائر الناس!. ففضلا عن احرف الابجدية الثماني والعشرين فهو ينطق الـ (پ) و(چ) و(ز المثلثة والمستعملة في الكوردية) و(ف المثلثة) و(گ). كما استعارت العامية البغدادية الفاظا اجنبية (غير سامية) من اثنتي عشرة لغة عالمية واكثر(13).
ويتحدث بالبغدادية ابناء بغداد وتوابعها منذ اربعة عشر قرنا. وبذلك فهم يرسمون على اديمها لوحة زاهية الألوان من القوميات والديانات والثقافات والعشائرالمختلفة. كما يسعى للتحدث بها كل من حل او مر بها واحبها من ابناء العراق بعامة.
واللغة عند البغدادي تتجاوز وظيفة التخاطب والتواصل مع الآخر. فهي سجل طويل حافل بالكفاح والعمل والمتعة والتأمل. فنحن مهما اوتينا من مقدرة تقنية على تمييز الأصوات لا يمكننا ان نصف لهجة البغدادي ألأصيل بكلمات ولا حتى بالنوطة الموسيقية!. وانما علينا ان ننصت الى موسيقى الفاظها وعباراتها. وليس هذا القول من الغلو، بل هو عند البغادة حق مشروع، مثلما هو عند غيرهم من البشر. وخصوصا وهو يستمع الى استغاثة مدينته المستباحة من قبل قوى الشر والعدوان فيشعر بنار الحنين تنهش احشاءه فيحاول إحتضانها للتخفيف من معاناتها وآلآمها.
ولكي نكون في خضم المشهد البغدادي وفي جو الإستمتاع باللهجة البغدادية علينا ان نستمع قليلا الى (حجي راضي) في (تحت موسىَ الحلاق) وهو ينادي على (عبوسي):
ولكْ هايْ شكو عِندكْ!؟ ولكْ ها........لكْ راح أضربْ!.
او نضحك ملأ اشداقنا لعبارت (راسم الجميلي) الذي اتعبته العمليات الحسابية الأربع، وعملية الضرب بالذات، ونفس زوجته (سهام السبتي) ورغبتها في عباءة جديدة، ثم مات وفي نفسه شئ من (في)! (14).
ثم لنشنف اسماعنا بصوت مطرب العراق الأول (محمد الگبنچي) وهو يندب والده بمقام اللامي وبكلمات قادمة من ازقة (سوق الغزل) التي تستظل بالشناشيل وبادخنة (النوارگيل) من (الگهاوي) (15):
علامَ الدهرْ شتتنا وطرْنا
عُگُبْ ذاك الطربْ بِالهَمْ وطرنا
ألِفْ يا حيفْ مَگضينا وطرْنا
لِيالي اللي مُضَتْ متعودْ لَىَّ
او نشاهد البغدادي وهو يجلس القرفصاء تحت الراديو الكبير في مقهى الفضل بانتظار (عزيز علي) ليزجل (16):
يا سامعينْ الصوتْ صلوا عالنبي
سمعوا حچي مضبوطْ من خوشْ صبي
ياناس إحنا بسنةِ ألألف وتسعمية
چنا ويَّا الأتراكْ وحْكومتنا تركية
حالتنا چانتْ فاينة ؛ صخامْ ودِهِنْ لِيَّة
او نجده يهرع للحصول على الجريدة ليقرأ فيها للملا عبود اللكرخي:
إسكُتْ وْلا يِحْبِسُوكْ ولا تگولْ إنْهزَمْ (كُوكْ)!
و(كوك) الهارب هذا كان مستشارا للحكومة ايام الإحتلال البريطاني الأول للعراق. فكم من (كوك) لدينا، ياترى،.... سوف لن تسنح له فرصة للهروب!؟.
تلك هي مشاهد عابرة من مدينة بغداد الحبيبة ؛ مدينة الأزل. وتلك كانت شذرات من لغة البغددة الجميلة.

* أكاديمي مغترب من العراق
[email protected]


References :
1.
http://en.wikipedia.org/wiki/Gutian dynasty_of_Sumer
2.
http://en.wikipedia.org/wiki/Nabnitu
3. http://en.wikipedia.org/wiki/Neo-Assyrian_Empire
4. http://en.wikipedia.org/wiki/Fall_of_Elam
5. Baqer,Taha, From our Old Linguistic Heritage , Iraqi Scientific Academy , 1980
6.
http://www.sumerian.org/sumg-k.htm
7. Al-Kayssi, Majid, Problems in Chemical Terminology, Plenary Lecture, Iraqi Scientific Academy, 1992.
8. Al-Kayssi, Majid, University Chemical Dictionary, (on CD-ROM), 2006.
9.Kawatha,
http://www.alwaraq.net/index2.htm?i=89amp;page=1
10. http://en.wikipedia.org/wiki/Kurdish_language
11. http://www.christiansofiraq.com/assyria1.html
12. http://doormann.tripod.com/aramaic.htm
13. Al-Kayssi, Majid, Foreign Words in Baghdadi Dialect (on CD-ROM), 2007.
14.
http://uk.youtube.com/watch?v=D4j6HQfaZd8amp;mode=relatedamp;search
15. http://www.youtube.com/watch?v=faNTqrUjsDkamp;feature=related
16. http://www.youtube.com/watch?v=j72ZfyjvhK0amp;feature=related