قال بالقهقهة: quot;النهيق هو منطِق الحمير. المُطفأ قلّما يعرف أكثر ممّا عرفه على أبويه اللذين قلّما عرفا أكثر ممّا عرفا على أبويهما اللذين قلّما عرفا أكثر ممّا عرفا على أبويهما، وكذلك حتى تصل إلى رأس الإسطبلات والبراري الجديدة والعتيقة. إنّ لون اللون الأبيض أحمر ياقوتquot;!.
شخر الثاني ونخر، وسبّ الشمسَ والقمر. قال: quot;لا يستقيم الظلّ والعود أعوج. لون اللون الأبيض أخضر زمرّدquot;!.
وأقبل صديق. استفسر عمّا يشغلهما. وقف عليه. إبتسم قائلاً: quot;ذهبَ الحمارُ يطلبُ قرنين فعادَ مصلومَ الأذنينquot;.
سألاه عمّا دعاه ليغمز. أجاب: quot;لون اللون الأبيض أزرق فيروزquot;!.
إستفظعا أن يسمعا ما سمعا. قالا أنّ أي لون غير الأزرق الفيروز نقبله لكنّ الأزرق الفيروز فلا!.
استمسك كلٌّ بما لديه وأقسم ألاّ يتراجع عن معتقده حتى لو أطبقت السماء على الأرض. شرع واحد ينهق، وآخر يلبط، فيما الثالث يضرط ويقول بين كل طلقة وطلقة: quot;واحد على السطرquot;.
أخيراً ضاق الظربّان ذرعاً بالثلاثة، والظربّان: دويّبة فوق جرو الكلب، منتنُ الريحِ، كثير الفسوِ، قالوا أنّه يأتي جحرَ الضبّ فيفسو فيه، فيخرج الضبُّ، فيأكله. وقالوا أيضاً أنّه يتوسّط الإبلَ، فيفسو، فتتفرّق، فلا يردّها الراعي إلاّ بجهد.
وهكذا توسّط الثلاثة وفسا. وهذا قولهم: quot;فسا بينهم الظربّانquot; فهربوا.
في اليوم التالي إجتمعوا عند الماء. قال الأوّل كأنّما لم ينقطعوا عن حديث الأمس: quot;أعقل الناس أعذرهم للناس. هل نعذر بعضناquot;؟.
قال الثاني: quot;مَنْ طلبَ أخاً بلا عيبٍ بقي بلا أخquot;.
قال الثالث: quot;شُخْبٌ في الإناء وشُخْبٌ في الأرض، وهذا المثل يُضرَب للرجل يصيب في فعلِه أو منطقِه مرّة ويُخطئ مرّة، وأصل المثل في الحالب الذي تارةً يُخطئ فيحلب في الأرض وتارةً يصيب فيحلب في الإناء، والشُخْبُ هو ما يخرج مِنَ الضرع مِنَ الحليب. وقيل: بكلّ وادٍ أثرٌ مِنْ ثعلبة، وهو مثل قاله رجل مِنْ بني ثعلبة رأى في قومِه ما يسوؤه فانتقل إلى غيرهم، فرأى منهم مثل ذلكquot;.
قال الأوّل، كأنّما لذاته، بعد الإتّفاق بينهم على إختيار لون كلون للون الأبيض: quot;تلبّدي تَصِيدي، والتلبّد: اللّصوق بالأرض لختْلِ الصيدquot;.
وأردف بصوت مسموع: quot;اللون المناسب هو اللون البنفسجيquot;!.
إرتعدت مفاصلُ الثاني فقال: quot;لا يكون ذلك حتى يشيب الغراب. ها، يا أزرق العين، ويُقال: quot;يا أزرق العينquot; للعدو، ويقولون في معناه: quot;هو أسود الكبدquot;. بل أجد أنّ اللون الأخضر الفوسفور هو لا غيره يجب أن نتّفق عليهquot;!.
رفع ذيلَه وجلد ظهره كأنّما حاله يقول وعمر الخيّرين يطول: quot;آخر كلام عنديquot;.
سمعَ الثالث. فارَ الدم فيه، وخرج الدخان من منخريه وفمه ومبعره. قال: quot;خذوا من اللئيم، إذا شبع، لبيطاً. حتى لو كان نمراً أو أسداً أو فيلاً أو تمساحاً فهو ليس إلاّ الحمار. الأكيد أنّ بني الحمار لن يكفّوا عمّا هم فيه حتى يكفّوا عن التخاطب مع الآخرين باللغة التي لا يفقهها غيرهم أحد. يا أصدقاء السوء: لون اللون الأبيض يكون أزرق نيل أو لا يكونquot;!.
تشبّثوا بألوانهم. زفروا وشهقوا. من كان نعجة أكله الذئب. نهشتِ الحيّةُ ولدغتِ العقرب. أحدهم ينعق نعوق الغراب، وآخر يهدر هدير الجمل، والأخير يعزف عزيف الجنّ، حتى سمعوا زئير أسد.
شمّعوا خيوطهم وولّوا كلّ في اتّجاه.
في اليوم الثالث إجتمعوا عند معلف. قال الأوّل: quot;لكلِّ صارمٍ نبوة، ونبا السيف: تجافى عن الضربة. ولكلّ جوادٍ كبوة، وكبا الحصان: عثر. ولكلّ عالِمٍ هفوة، وهفوةُ العالِم: زلّتهquot;.
إلتقاه الثاني قائلاً: quot;النهيق لا الصراخ، فالنهيق مُنتَج طبيعي مئة بالمئة، أمّا الصراخ فمُنتج صناعي معبّأ مع أزيز الرصاص ودوي الإنفجارات وجعير الصواريخquot;.
فهِم الثالث وقال: quot;إذا تكاثرت الحوافر تكاثر النفور بين الحمير. لسان حال الريح يقول: الموت الزؤام للدكتاتور. أمّا لسان حال العاصفة فيقول: الحياة العظيمة للدكتاتورquot;.
وأخيراً إتّفقوا أنّ الكلب الحي خير من الأسد الميت، وأنّ لهم ناراً على علَم، والعلَم هو الجبل المرتفع، وصاحبُ الحاجة أعمى، والعبد مطيّةُ الإقطاعي، والوكيل ذيل الرأسمالي. ألا يقصدون الكبير ويستأنسون بعظيم خبرته وجمال فنّه وبحر علمه؟.
طاروا ووصلوا، وعرضوا عليه ما أشكل عليهم، وكلَّ ما قاله كلّ منهم، وأصغوا لأنّه الأبصر من عقاب.
قال بعدما جال بناظوريه متفقّداً المكان: quot;أعقلْ لسانَكَ إلاّ في أربعة: حقّ توضحه وباطل تدحضه ونعمة تشكرها وحكمة تظهرهاquot;.
وأردف: quot;الرجالُ أربعة: رجلٌ يدري ويدري أنّه يدري فذلك عالِمٌ فاتبعوه، ورجلٌ يدري ولا يدري أنّه يدري فذلك نائمٌ فأيقظوه، ورجلٌ لا يدري ويدري أنّه لا يدري فذلك مسترشدٌ فعلّموه، ورجلٌ لا يدري ولا يدري أنّه لا يدري فذلك جاهلٌ فارفضوه. الكنار للأحرار، أمّا النهيق فللعبد. صدري ضاق بجهلكم. السبيل لا يزال على ذات الحال. هل لم يبلغكم ذلك؟. إنطلِقوا إلى الميدان، والذي يعيش يكون يعيش على الحق، والذي يموت يكون قد مات على الباطلquot;.
قال الراوي: quot;سأل أبو العيناء رجلاً عن دربِ الحمير؟ فقال: أدخلْ أيّ دربٍ شئتquot;.
وأردف: quot;ليس الصحيح أنّ العنف حضارة، وإلاّ فإنّ بني حمار سبّاقون بحوافرهم، فأجدر بهم أن يكونوا قد سبقوا للهبوط على القمر، وغذاؤهم الضوء، ويحتسونه لا بالملعقة بل بالشوكةquot;.
تقاتلا بالسيوف الحدب والرماح المكعّبة. تعاكست بينهما ضربتان، وكان الأوّل أخير بمواقع الطعن وأرشق، فأتت طعنتُه في صدر الثاني.
وكبس الثالثُ على الأوّل. وصار بينهما طعن يقصف الأعمار، وشخصت لهما الأبصار، وتعاكست بينهما ضربتان صائبتان، فإذا كلّ منهما يبري رقبة الآخر كما يبري الكاتب القلم.
طار الخبر. زفر الكبير قهراً. شهق وقال: quot;دواءُ الدهر الصبر عليه. ما لي ثاغية ولا راغية، والثاغية هي النعجة والراغية هي الناقة. لو اتّجرتُ بالأكفان ما ماتَ أحد. ماذا لو نجا أحد الحمقى، وعلمتُ به حقيقة لون اللون الأبيض؟.
[email protected]