كنتُ على ضفةٍ بعيدةٍ، فأشارَ لي ضوءٌ، قالَ لي أدُخلْ في فسحةِ قلبي الفارغةِ، كنتُ ضائعاً متشرداً باحثاً عن وطنٍ جديدٍ، بدأتْ رحلةُ النهرِ في الوديانِ بعد أن نَزَلَ من الجبالْ، كالشجرِ مرةً نَمرُّ بخريفٍ ومرةً بصيفٍ وشتاءٍ وربيعٍ، مرةً تضيقُ فسحةُ قلبهِ عليَّ ومرةً تتسعُ، فأريدُ المزيدَ،...
لم أعلمْ بأننّي ذاهبٌ إلى وطنٍ مجهولٍ لم اعرفْ شيئاً عنه سوى عيونٍ جميلةٍ، ذهلتُ بهذا الوطن وصارتْ عيونُهُ مفخرةً لي ومكسباً جديداً... أغري الناسَ بهِ وأزعجُهم وأستندُ عليهِ حينَ أنهارْ، فتكونُ العيونُ سنداً وعوناً لي، فأغرقُ بدمعِها،...
كنتُ طفلاً ضائعاً يدخل كهفاً مجهولاً يخافُ من كلِ وحوشِهِ... كانَ هناكَ من يُساعدُني ويشدُّني للبقاءِ والتحدي، ويجعلُني أعشقُ هذا المكانْ وأُنشِدُ أغنيةً quot;لهذا الوطنِ الجديدِquot;... كان يأخُذُني على بساطِهِ السحري... يوصلُني الجوفُ المظلمُ لأبقى هناك، يتحدثُ إليَّ عن تجاربِ حياةٍ أجهَلُها، وأنظُرُها بوجهٍ آخر، هكذا تلاحَمتْ تجارِبُنا كما تَتَلاحَمُ الأشياءُ... والتصقنا، وانجذبتْ أرواحُنا، وكان أنيساً لي...........
تسير الدنيا بنا زمناً وعاصفةٌ أخرى تُقَلِبُ الأمورَ، وتثورُ الأشياءُ ويَظهرُ الباطنُ، حيث تأتي عاصفةٌ تقتلعُ جنبيَّ، ترحلُ بي بعيداً، أركبُ موجةً أخرى، وأصلُ في النهايةِ إلى شاطئٍ وحيدٍ، تسكنُهُ الوحدةُ،...
من أين أتيتَ؟، ولماذا تَضرِبُ هذه الأمواجُ صخريَ المحطمَ...
لصٌ يسرقُ جواهرَ روحي... ويسلبُ ذهباً وياقوتاً.. يمدُ يديهِ عبرَ شبابيكِ روحي... ويبررُ ذاكَ بالحبْ... تنفجرُ تلك القنبلةُ وسطَ قلبِهِ... وتخلعُ أبوابَهُ العاشقةَ... ويغتالُهُ الحبُ.... تتكررُ الحكايةُ بأساطير كَتَبَتْها أميراتُ العشقِ، وجسَّدَها أبطالُ الجنسِ والإغراءِ... ودخلتْ تلكَ المذكراتُ حقائبَ كلِ المراهقاتِ... وبقيتْ بأذهانِهن تلكَ الكلماتُ.. حتى هاجرَ بعضهُنَّ لوطنٍ آخر.... هاجرنَ لأنَّ الحب، حطَّ مرساتَهُ على شواطئِ بحرهنَّ...
فلماذا تحطُّ مرساتكَ عندي.. ولماذا أُنزلُ أشرعَتي لديكَ.... أعرفُ الحكايةَ... وأغتالُها بنفسي... كلانا يغتالُها كي لا يهرب أحدُنا من الآخر..
أعرفُ بأنكَ لصٌ... سرقَ الذهبَ بتهمةِ الحب...
اليوم سأقف... هنا... وأرسمُ خطوطاً أخرى لمداراتِنا... فقد إنتهتْ ليلتُنا الساحرةُ... ورَحَلَتْ تلكَ اللحظاتُ الثائرةُ... وظهرَ باطنُ كلينا...
إرحلْ، شبعتُ منكَ أيها المدُ الثائرُ... فهذه ليستْ حكايةً...
وضوضاءُ الناسِ حررتني من عاطفتي... جعلتني أدركُ بأنكَ لستَ عاشقاً... بل عاشقٌ يمدُ يديه ليسرقَ قلبي ويحنطَهُ... فيصير قلبي بحراً بمدٍّ، بحراً بلا جزرٍ... وريحاً بلا عاصفةٍ...
لا تكن آسراً لأحواضِ بحري... وتتلاعبُ بأقداري.... يا من تملكُ مفاتيحََ قلبي... فهي عِندك أسيرة.........
.............

الموصل