كانت محطة... لاتشبه باقي المحطات الا بجدرانها وسقوفها.... محطة غريبة من نوعها احتضنت مسافرين اثنين من بين من مروا عبرها على مدى سنين.... انها لا تعرف من اين جاءا او الى اين يسافران او حتى متى انطلقا... شيئا واحدا أدركته بحسها الازلي quot;انهما لا يسيران في نفس الاتجاهquot;.....
كانت محطة... استراحة في منتصف رحلة العمر الطويلة
محطة انتظار..... قضاه بعضهم في قراءة المجلات، والجرائد، او باللهو باللعب.. او حتى بالنوم... اما هذان المسافران فقد كانا على موعد مسبق هنا... حيث ان عينيهما تدوران... تبحثان بلهفة المشتاق وامل اليائس عن شيء مفقود.... هل بحث احدهما عن الآخر وجاء لكي يراه في هذه الاستراحة؟
جلست.... تراقب المسافرين، وتبحث في اعماق عيونهم عندما هبت نسمة تحمل صوتا هامسا لطالما سمعته في لياليها الطوال : مساؤك معطر بالمسك يا سيدتي
اعتدلت في جلستها بحركة مفاجئة وتردد صدى في داخلها.. ماذا قال؟
كأنها سمعت كلمة السر...... التى تربطها بتوأم روحها... وحدها تعرفها... من اين اتى بها هذا المسافر الغريب؟
دنا... مبتسما... مدمراquot; عندما سألته من انت؟
لم نكمل حديثنا مساء امس.. اشتقت الى الحديث اليك quot;.. جاوبها بهدوء ساحر.
اسألك ثانية من انت؟؟؟ -
- هل لنا ان نختصر العمر في حديث محطة؟ اجابها وفي عينيه فرح طفولي
عندها أيقنت انها أمام من كان يلون لياليها المظلمة بالوان العاطفة والغزل....
ابتسمت بحزن كوني... لطالما عرفه وعاش معه ليال طوال....
نظرت في مدى عينيه لتسأل quot;ما سر هذا الحزن؟
اجابها بنفس صمتها ليقولquot;ان الحزن الذي اراه في عينيك سيدتي... هو بعض بعض حزنيquot;
تحدثا طويلاً طويلاً بصمت..... تنهدا.... ضحكا معا... بكيا معا... كأنهما بحالة اعتراف بعد طول معاناة وعناد ومكابرة..... صمت مجنون...
تكلم الحنين في صوته التائه الساحر... زرع في حناياها محبة الرافدين
والانهار،، والارض.. واخذته هي الى متوسطها والسواحل والجبال..
وتكلمت كثيرا عن الفصول وعن المساء الذي يجمعهما بدون موعد مسبق...
امام قدحين من الشاي.... صمتا... ونظرا طويلا الى القمر.... الذي لم يعد يبدد
الظلام فحسب... بل ارجع صدى همس الكلمات التى لا تقال...
يا لسخرية القدر... هي تجلس معه... تنظر حولها تتفحص المكان لتتأكد ان اليوم هو اليوم وان المكان هو المكان...
نعم انها تجلس معه....
كان مساءا يحمل محطة!!!! ام كانت محطة تحتضن المساء...
انتظرته،،،،، وهل للانتظار معنى في تلك اللحظات...
بحث عنها،،، هل يذكر كم من الطرقات مشيت قدماه....
تكلما بل همسا برموز... جمل بسيطة... اسئلة صامتة.. واجابات تائهة... تختصر فصولا من العمر..
تكلما... كأنما يسابقان الوقت.... ينظران الى ساعة المحطة..
حاول كل منهما السفر الى الماضي... سردت هي بعضا منه.... بضع كلمات وغزارة في الدموع... حاول هو البدء في الكلام عندما ايقن ان ساعة المحطة لن تمهله حتى ينهي الحديث.... لم تعد تحمله الكلمات.... فاتكأ على الصمت لإكمال المهمة...
تسارعت دقات قلبيهما.. تسابق الانذار الاخير،الذي تعلنه ساعة المحطة في كل لحظة..
تقاربت العيون.... تشابكت الايدي.. تسارعت الكلمات... احتضنها ذابت بين يديه واستسلمت... احتضنته فامتزجت دقات قلبيهما مع دقات جرس المحطة لتصدر دقة تنذر بالرحيل...... دس يده في معطفه ليخرج كتاب اشعار.. اغرقه بعطره دافنا اياها في صدرها الى الابد.. وبدون ان يتكلما،، نظر كل واحد منهما في عين الآخر،، واتفقا تحت غطاء هذا الصمت ان يلتقيا في نفس المحطة كل مساء،، حتى وان لم تكن هذه المحطة في الطريق....
فأصبح المساء محطة لهما... لا... بل كانت المحطة هي المساء....