(2 ndash; 2)

الحلقة الأولى

- انا اول من عمل بـ (الواسطة) في ثورة 14 تموز
- في المانيا.. قصف الفندق ولم أمت!!
- رشيد عالي الكيلاني رئيسا ورمزا لقادة ثورة 14 تموز ولكن!!
- انشأت اول كلية تربية رياضية متخصصة في الوطن العربي
- كنت (دون جوان) زماني
- اقيمت ضدي ثمان دعاوى لاعتراضي على عدنان القيسي
- في مدينة درسوف رأيت الجحيم بعينه
- فريد الاطرش كان يقول لي (الله.. لسه بتحب من غير امل)

عبد الجبار العتابي من بغداد:خلال حديثي الطويل نجم الدين السهروردي (رحمه الله) عرفت منه معلومة لا يعرفها الا المقربون جدا من السيد (رشيد عالي الكيلاني) رئيس وزراء العراق الاسبق، وحيث لم تكن كلمة (عالي) ذات علاقة بأي اسم في العائلة، ولم تذكر من قبل لا في كتاب ولا مذكرات، وكلمة (عالي) هي لقب اطلق عليه من استاذ مادة القانون في كلية الحقوق بأستنبول عام 1918، اذ جاءت الكلمة لحيازته درجة عالية فكان الاستاذ يقول للكيلاني (رشيد.. عالي) مثلما كان يقول لغيره (فلان متوسط وفلان جيد)!!، وهكذا غلبت الكلمة على اسم والده واشتهر بها.

في الحلقة الثانية من الحوار الموسع مع الراحل السهروردي يفصح فيه عن الكثير من الاسرار في حياته التي لم يكشفها من قبل تتناول الرياضة والفن والسياسة والحب والزواج وتلك الحادثة الغريبة التي ابعدت عنه الموت، وهي ذكريات فيها العديد من الاسماء والوقائع التي تشكل جزء من تاريخ العراق بالتأكيد.

* متى كان اول تعيين وظيفي لك؟
- عام 1951 تعينت ملاحظا في مديرية العمل والشؤون الاجتماعية، قسم العمل الدولي الذي يرتبط بسويسرا،ثم عينت مدرسا بدار المعلمين الابتدائية في الاعظمية عام 1952، وبعد عام فصلت بعد ان اعتبرت مستقيلا بسبب ترشيحي للانتخابات النيابية ضد شقيق المرحومين خليل كنه وزير المعارف انذاك وعبد الكريم كنه، وأقمت حينها دعوى قضائية ضد الوزير بالاضافة الى وظيفته، والطريف انني حصلت على حكم المحكمة بعد (20) سنة اي عام 1971، ومن الطريف ايضا ان محكمة المهداوي حكمت على خليل بـ (350) سنة سجن!!، ومن الطريف ايضا انني كنت اول من يقوم بواسطة في ثورة 14 تموز لخليل كنه عند عبد الكريم قاسم، فأمضى خليل سنة في السجن وبعدها سمح له بالسفر الى النمسا ثم اقام في مصر!!.

* ما المحطات المهمة في حياتك وتتوقف عندها دائما؟
- الحرب العالمية الثانية، اذ كنت ذاهبا الى الجامعة الامريكية في بيروت استعدادا للالتحاق بالجامعة في امريكا، لكن نشوب الحرب جعلني اضطر الى العودة الى بغداد، وما ان قام الصراع بين العراق والانكليز تغير الاتجاه فذهبت الى استنبول، وبعد ذلك اصبحت في ألمانيا، واصبحت هذه نقطة تحول في حياتي، ونقطة التحول الثانية كانت عام 1942 اذ كنت مع صديق ننزل في (بنسيون) خاص تابع لوزارة الخارجية الالمانية، وذات مساء دعا صديقي امرأتين الى غرفته، فأعترضت مسؤولة الفندق.. ثم طردتنا، فأضطررنا الى الانتقال الى نزل اخر، تلك الليلة وقعت غارة جوية، علمنا في اليوم التالي ان المكان الذي كنا فيه قد قصف ودمر تماما (سبحان الله..) قلت لصاحبي جينها: (نحن لا نموت!!).

* ما الحدث الابرز الذي أثر في حياتك؟
- ثورة 14 تموز، رد الفعل كان قد أثر على حياتي لانني اكتشف ان الثورة ما قامت للمصلحة القومية التي من اجلها ضحينا، من اجل اعادة الوحدة العربية وليس المطالبة لتحقيق هذه الوحدة، واذا العكس كان، فكان قد غيّر حياتي، والنقطة الثانية ان الذين نفذوا ثورة 14 تموز وأتخذوا من السيد رشيد عالي الكيلاني رئيسا ورمزا لهم، ما ان نجحت الثورة حتى حكموا عليه بالاعدام للمرة الثانية، وأقصد عبد الكريم قاسم بالذات ارضاء لبريطانيا، لذلك اعتبرت انا ان ثورة 14 تموز 1958 هي الانقلاب الشعوبي الثاني في العراق اذ جاء امتدادا للانقلاب الاول الذي سمي بأنقلاب بكر صدقي عام 1936.

* تقول ارضاء لبريطانيا حكموا بالاعدام على رشيد عالي لماذا وكيف؟
- حتى تعترف بالنظام الجمهوري، لان احد شروط الاعتراف بالنظام الجمهوري في العراق من قبل الانكليز او امريكا كان هذا، والشروط كانت: اولا: عدم التحرش بحقوق النفط، ثانيا: لا وحدة مع الجمهورية العربية المتحدة، وثالثا لا عودة لرشيد عالي الكيلاني!!.

* ما الذي ترى ان عبد الكريم قاسم فعله؟
- قام بالقضاء على العهد الملكي والانتقام من جميع القيادات التي وقفت ضد انقلاب بكر صدقي والتي ذكرها العقيد عبد الكريم الجدة في كتابه (عبد الكريم قاسم).

* لماذا لم تسمّ الذين قاموا بالثورة بالضباط الاحرار؟
- لم يكن هناك تنظيم يحمل هذا الاسم او هذه التسمية، ان هناك اكثر من جهة تعمل فيما بينها للاطاحة بالحكم الملكي، والتسمية اطلقت بعد نجاح الثورة، اطلقها عبد السلام عارف تأثرا بثورة الضباط الاحرار في مصر وكأية مجموعة لو نجحت لسميت نفسها بالضباط الاحرار لانهم لم يريدوا اي مدني للاشتراك، وهذه نظرية الضباط كافة الذين حاولوا او تجمعوا لنفس الغرض، ارادوها حركة عسكرية صرفة لعدم ثقتهم بالمدنيين، والدليل على ذلك ان عبد الكريم قاسم كُلف عام 1957 بالاتصال بالمرحوم كامل الجادرجي رئيس حزب الوطني الديمقراطي الاهلي لكنه لم يتصل به!.

* من اختارك لتشغل منصب عميد لكلية التربية الرياضية؟
- فوجئت بالامر، وكان حينها معهد عالي، دخلته في 13 اذار / مارس 1963 وخرجت في 1/1/ 1980.

* ما ابرز ما حققته في تلك المدة؟
- دخلته وهو معهد عال للتربية وشهادته الدبلوم منذ ان تأسس عام 1955 فحولته الى كلية هي الاولى في الوطن العربي، وهذه الكلية صارت مركزا لجميع المنظمات والمؤسسات والاتحادات واللجنة الاولمبية وحتى الوزارات، وفي حكم منصبي اصبحت امينا للاتحاد العربي لكليات ومعاهد التربية الرياضية في جامعة الدول العربية لذلك استطعت ان اطور المعاهد وأحولها الى كليات، والشيء الاهم هو انني انشأت كلية تربية رياضية متخصصة في الجادرية عام 1976، كما وضعت عام 1976 الاساس للدراسات العليا في الكلية التي بدأت عام 1990.

* من هو اشهر شخصية رياضية قابلتها؟
- ايفري بروندج، رئيس اللجنة الاولمبية الدولية عام 1971 وخلفه سامرانش، اما الرياضيون فأشهرهم جاك دامبسي بطل العالم للملاكمة في الوزن الثقيل، قابلته عام 1947 في ديترويت وهو الذي كنت اتبع اسلوبه في التدريب، وقد عاتبته حول قبوله ان يكون محكما في المصارعة الحرة للمحترفين لانه لم يكن بحاجة اليها وهو على علم انها لم تكن مصارعة جادة، بل تمثيل في تمثيل، فكان جوابه لي (بزنس ان بزنس)!!.

* على ذكر هذه المصارعة، ما سر خلافك مع المصارع عدنان القيسي؟
- كلها (قشمريات)،لانها ليست رياضة، وقد اقيمت ضدي ثمان دعاوى لاعتراضي على عدنان القيسي، مع العلم انه كان مصارعا فذا، فهذه المصارعة مشينة بالاخلاق والتصارع فيها يكون من اللهو الواطي، للمصارعة قدسيتها وهؤلاء خرجوا على هذه المعايير وخرجوا على المباديء الاولمبية، انها عمل تجاري يتم بالاتفاق المسبق للفائز والخاسر وهناك تدريبات خاصة مع مسكات مختلفة معينة يتدربون عليها لذلك تراها حقيقية، واعتراضي عليها لاعتبارها مصارعة حرة عالمية وفيها احراز لبطولة العالم في حين لم يكن لهذا النمط اية صلة مع ماهو معمول به في الالعاب الاولمبية.

* هل اشتغلت في اللجنة الاولمبية العراقية؟
- نعم وكنت فيها امين عام لها، واول شيء عملته نظام القانون في اللجنة الاولمبية المعمول به دوليا، استطعت ان احرر اللجنة الاولمبية من وزارة التربية سنة 1963، لذلك اصبحت حرة مستقلة، وهذا الاستقلال يخضع للمادة 26 من قانون اللجنة الاولمبية الدولية الذي ينص على عدم تدخل الدولة بشؤون اللجنة الاولمبية باعتبارها
حركة اهلية.

* هل من قدوة كنت تقتدي به؟
- اكثر من واحد، في المقدمة عبد الوهاب عبدي مدرس الغربية المتوسطة سنة 1935، وعبد الجبار عبد الواحد مدرس الرياضة البدنية في متوسطة العوينة الابتدائية ودار المعلمين الريفية في الرستمية، وطه عبد الجليل كان بطلا في كل الالعاب الرياضية وترك اثرا وهو من الاسماء التي يترحم عليها الاخرون، من حيث الاصول والخلق القويم، ومحمد صالح البياتي الملاكم ويلعب كل الالعاب، وكان لهؤلاء تأثير جذري ومباشر في الحركة الرياضية العراقية وفي الشارع والمجتمع.

* متى دق قلبك لاول مرة؟
- قلبي دق مرة واحدة.. هي الاولى والاخيرة، وذلك عندما رأيت في بيروت عام 1939 فتاة، لم اتوقع انها بنت رشيد عالي الكيلاني، ثم ألتقينا عام 1941 في برلين مع الاسرة وتم زواجنا في اذار / مارس 1947 في مصر، وهي ام اولادي نيران ونجود وسهيل (متوفي) وابراهيم الذي قتل في امريكا!!.

* لماذا لم يدق قلبك مرة اخرى؟
- في الحقيقة كنت مطلوبا من الفتيات كرياضي وبطل، على سبيل المثال في الثانوية المركزية عام 1939 كنت الوحيد الذي املك سيارة، كثيرة هي السمات الجاهزة بي، بطل ورياضي وحلو وابن عائلة، وصارت لي مشاكل غير هينة، معجبات بشكل غير معقول، هناك بنات يحملن صوري، اطلع الى السيارة اجد اربع فتيات جالسات فيها، كنت (دون جوان) زماني، وفي الحقيقة كنت بعيدا جدا عن كل ذلك لاعتبارات اسرية، كنت عفيفا، رغم ان المعجبات يحرجنني في البيت عبر الاتصال بالهاتف!!.

* الهاتف؟ هل تذكر رقم هاتفكم حين ذاك؟
- نعم رقمه واحد (1) في بغداد وبأسم الحاج محي الدين السهروردي، كان ذلك عام 1927، وللعلم حتى الاربعينات كانت ارقام الهاتف من ثلاثة ارقام فقط.

* اي الفنون تستهويك اكثر؟
- بدأت مع البيانو والعود في البيت ومع المقام العراقي الذي ماكان غيره عام 1926 ولدينا اسطوانات لسيد درويش واغان تركية، وكان عندنا (غرامافون) في البيت (ابو البوري) والى الان لا استطيع ان انام بدون الموسيقى، بقيت مستمعا، كان وقتي مزدحما، انا اكبر اخوتي التسعة وانا ادرسهم و (اقريهم) ثم استهوتني الاوبرا عبر فيلم سينمائي لجوهان شتراوس في سينما الوطني عام 1936، فأشتريت الاسطوانات الكلاسيكية والموسيقى الغربية، من (فكتور) امام باب السينما، مثل الرمبا والفوكس ستروت والفالس والتانغو.

* ألم يخطر في بالك احتراف الفن؟
- جاء الفن على بالي كثيرا، ما عدا الرسم، وقد مثلت على مسرح المدرسة الغربية عام 1936 مع حافظ الدروبي ومحمد عباس مسرحية (في سبيل التاج) لكنني كنت اعد التمثيل عيبا!!، ومع حقي الشبلي عملنا فيلم (يوم لن انساه) لمدة 22 دقيقة عن كلية التربية الرياضية واهدافها وغاياتها عام 1965، واذكر انني ذهبت مع ابراهيم جلال عام 1946 الى ستوديو الاهرام كان عنده دور في فيلم (بغداد ndash; قاهرة)، دخلت معه فحسبوا انني الممثل، كانوا يحسبون انني انور وجدي، وللعلم حتى الرياضة كان يقال عنها هذا، واذكر سنة 1939 كان عمي السيد صالح السهرودي مدير اوقاف الحلة، فألتقيته في الشارع، في باب المعظم، وكان يعاتبني لممارستي الالعاب الرياضية وانا ارتدي (الشورت) واتقافز امام الناس، قلت له: رياضة، قال: انظر.. هذا وقت رياضة، وهو يشير الى عمامته، ولكن جرت بطولات في ذلك الاسبوع وحققتها وأذيعت في الراديو، واذا به يحدثني عبر الهاتف من الحلة ويسألني ان استمر باللعب لان الناس راحوا يباركون له.

* هل لديك علاقات مع فنانين؟
- نعم كثيرة، مع الموسيقار محمد القصبجي وسيد يوسف امين عام المعهد العربي للموسيقى (افضل من نقل القرآن الكريم الى الانكليزية عام 1961) ومحمد عبد المطلب وفريد الاطرش الذي كنا نسهر معا، وليلى طاهر كنت ألتقي بها عن طريق فريد هي وزوجها المخرج المعروف، كذلك سامية جمال التي كانت تعزمني على (خوش عشاء) مع فريد الاطرش واخرين.

* هل من ذكرى مع فريد الاطرش؟
- عام 1961 كان فريد يحب فتاة عراقية وانه اراد الزواج منها، لكن اباها رفض، فكان فريد كلما يلتقيني يقول لي (الله.. لسه بتحب من غير امل) يقصد نفسه مع تلك الفتاة التي غنى لها (احب من غير امل)، وبالمناسبة نصف اغانيه القديمة لهذه الفتاة التي كانت اجمل ما خلق الله، كانت تريدني

* هل عشت حياة سعيدة؟
- السعادة هي انني كنت انفذ كل مشروعاتي الخيرة، والكلية كانت اكبر سعادة، السعادة ليست بالبناء وانما بمحتوى ما ينبغي تحقيقه.

* هل تسمع الغناء الحديث؟
- لا.. لانه نشاز جدا، ولا اتقبله كأنه تجاري مصطنع مفتعل ليس فيه مصداقية، انا اسمع مجموعات فريد الاطرش وعبد الوهاب والموسيقى الالمانية والموسيقى التركية لأن فيها حنين، كما اسمع الاخبار بثلاث لغات الانكليزية والالمانية والتركية.

* اين تهرب اذا شعرت بالضيق والضجر؟
- لدي حالتان: الاولى الاكل، والثانية: اترك البيت وامشي لا على التعيين، حاليا ابحث عن كيس الملاكمة الذي لم يفارقني طوال حياتي حتى اذا ما صارت عندي مثل هذه الحالة ألعب على الكيس!!.

* متى تشعر بالقلق؟
- القلق يبدأ في حالات غير مخطط لها، لذلك اخطط حتى ازيل القلق، انا اقلق على الوضع العام الذي يؤثر في واقعنا الذي نهدد فيه لانني عشت فترة الحرب العالمية الثانية، يوم كان الامريكان يقصفون المدن الالمانية على مدى 24 ساعة،وقصفوا مدينة درسوف يوم 13 شباط / فبراير 1045 ولا تزال اثارها السلبية باقية في نفسي لانني رأيت الجحيم بعينه.

* من اقرب الاصدقاء اليك؟
- الدكتور عبد العزيز الدوري، استاذ في الاردن، شيخ المؤرخين العرب، وللعلم من عام 1934 كان عندي لقاء اسبوعي مع اصدقائي الرياضيين واصدقاء العمر استمر طوال السنوات، ومنذ عشر سنوات صرنا نلتقي في البيت.

* ايهما تخاف اكثر: الموت ام الشيخوخة؟
- الموت حق، والشيخوخة اذا كانت بمصاحبة امراض فلا خير فيها، فالموت افضل، انا لا اخاف الموت ابدا، وهذه احدى اشياء الايمان،الشيخوخة ليست بالعمر، وانما عندما تعجز عن عمل شيء، ولان الشيخوخة تحتاج الى رعاية خاصة، وانا الان ابحث في موضوع (وظائف اعضاء الجسم وبخاصة عمر العضلة).

* ما اجمل ذكرى تحملها؟
- ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941، لاننا كنا نشعر بحرية عجيبة غريبة من التحرر من القيود حتى لو كانت وهمية الى حين، وربما عبر عنها بأمانة وحق رودولف هس نائب هتلر عندما هبط في اسكتلندا في 10/5/ 1941 وفي الاجتماع الثاني مع السلطات البريطانية يوم 24 مايس طالب بأستقلال العراق، وعندما سئل: لم العراق؟ اجابهم: ان هذا العراق البلد الصغير الذي تحدى بريطانيا العظمى يستحق الاستقلال.