حاييم جوهرة فريدة وكنز ثمين من كنوز العراق المفقودة رجل متواضع أبيٌّ كريم النفس عرفه الجميع بدماثة خلقه وعاطفته الجياشة، وخاصة عندما كان مفوضا لمركز شرطة العبخانة ومديرا لمحطة قطار بغداد الموصل، عشق بغداد وأهلها وارتوى من دجلة ومائها لكن الأقدار ضربت ضربتها فاجبر على مغادرة العراق موطن أحلامه وذكرياته وفي عينيه دمعة وفي قلبه شجن. توفي وفي حشرجة الموت كان يقول quot;يا ليتني لم اترك العراق أبداquot;، وهو الذي لم يكن له جريرة أو جناية إلا لكونه من يهود العراق الطيبين الذين ينطبق عليهم قول الشاعر صفي الدين الحلي حين قال:
إنا لقوم أبت أخلاقنا شرفا أن نبتدي بالأذى من ليس يؤذينا
فإلى روحه الطيبة والى عائلته الكريمة واخص بالذكر منهم ابن شقيقته أخي الفاضل الأستاذ الدكتور شموئيل (سامي) موريه أهدي هذه القصيدة :
حاييم يا سفرا من الأسـفار ومحاسـناً من مَـعْـدِن مخــتار ِ
أسليل أسباط وصنو نبــوةٍ وشـبيه أحبـار ورمـز فـخــار
حاييم لو رجع الزمان هنيهـــة وتوقـفـت عجلاته بـجــوار
لو سوق حنون يعود لكي أرى ما ضمّ من تحـف ومن أقمـار
لو عاد دحام* يساعد أهلـنا في موقد أو شـعـلة من نــار
دحام لا تخشَ اليهودَ فإنـهـم من عهد بابـل صفوة ُ الأحـرار
وأبو الوفاء سموأل أهدى لهـم بُردَ الوفاء ونأزعة الإيثـار
حاييم اقسم لو رجعتَ لِحـيّـنا لفرشتُ دربَك بالشذى المـعـطار
وطبعت في خديك أجمل قُبـلة ٍ وطلبتُ منك الصَّفح عن أوزاري
يا بنَ الكِرام ولستُ ممن يشتري في شعره شيئا من الأطـمـار
لكن أوصافا لديك جعلنـنــي ذاك المتيّمَ في هـوى الأبـرار
يا خالَ إخْوان لدي أعــزة سامي وريموند الفتى المَغـْــوار
همْ عُصْبة ٌ رفعَ الإلهُ مقامَهـمْ واختارهم من جحفل جـرّار
حاييم يا نجمِ العراق وشِبْلـِـه ِ يا واحة َالأشراف والأخيــار
إن كان غيّبك الردى عن ناظري فلأنتَ في رُوحي وفي أفكـاري
طُوبَى لمنْ ولدَتـْك حُرًا طاهِــرًا طُوبى لكلِ حرائرٍ أطـْهـار
حاييم جئتك والهمومُ تنوشنــي والعيش في ضنك وفي أكـدار
عَلّي أنال، أخي الحبيب بقيــة من فيض جودك أو تفك إسـاري
ودخلت عالمك الفسيح فلم أجـد إلا قطوفِ مَحَبة وثمـار
ولثمتُ خدـَّك كالحجيج مقدّســا ما فيك من خلق ومن إيثـار
حاييم يا جرحَ العراق ِ وإنــه جُرح يفورُ بمدية ِ الـجزار
يا واصلا سفر الخروج* باشعيا* والتثنيات* بروعـة الزوهـار*
يا واهب الذكرى نضارة روحِـها ومحيل مُجْدِبَها إلى أزهـار
وَافاكَ وادي الرافدين بنفحـة فوّاحَة من روضِه المِعْطـار
فخذ الوفاء تحية من شاعــر ما كان ينسى صحبة َالأخيـار
يسمو مدى الأيام سِفْــرُ وِدادِه فاقـرأ به ما طابَ من أخبـار
تبقى مآثِرُكـم بكل مدينـة مزهوة دوما على الآثـار
أبداً يخلدها الزمانُ بذكـره فكأنها نغم على الأوتـار
حاييم هبني من رؤاك قصائدا يا سيدَ الأفكار والأشعـار
كمْ كنتَ تحلم بالسَّلام لعالـَـم تطغَى به الأحقادُ كالإعصـار
طُوبَاك مِن روح ٍتظل مقيمـة في كل أرض حـرة أو دار
هوامش:
*دحام :- صبي من أهالي بغداد محلة البتاويين كان يساعد عائلة الأخ الأستاذ سامي أيام السبت في إيقاد النار أو الشموع أو إعداد الطعام حيث أن العائلات اليهودية كانت تمتنع عن أي عمل من الأعمال في يوم السبت وذلك ضمن طقوسها الدينية.
*سفر الخروج :- من أسفار النبي موسى (ع) الخمسة وهي من أسفار التوراة.
*اشعيا :- أحد أسفار النبي موسى (ع) الخمسة وهي من أسفار التوراة.
*التثنية :- أحد أسفار النبي موسى (ع) الخمسة وهي من أسفار التوراة.
*الزوهار :- من كتب التصوف اليهودية المقدسة.