منع كتب الحمد، ونقشبندي وحفني إشاعة
سلوى اللوباني من القاهرة: توسم الجميع خيرا بتعيين د. عبد العزيز خوجة وزيرا للثقافة والاعلام في التعديلات الوزارية التي جرت مؤخرا في السعودية. اعتبرها البعض خطوة نحو الاصلاح في مجالي الثقافة والاعلام انطلاقا من سياسة الاصلاح والانفتاح التي ينتهجها الملك عبد الله منذ سنوات. ورغم ان السعودية شهدت تغيرات عدة في السنوات الأخيرة، الا أن البعض يرى ان السلطة الدينية ما زالت مهيمنة وتقف كحائط صلب يحول دون الكثير من الاصلاحات وخصوصا في مجال الثقافة، فمؤخرا تم منع عدة كتب في معرض الرياض الدولي للكتاب بدورته الحالية، وهو يعتبر من اهم واكبر المعارض العربية. هناك أسئلة كثيرة تطرح عند منع كتاب.. هل هو اسم الكاتب ام محتوى الكتاب نفسه؟ لان المنع الذي تم هذه المرة في المعرض تم بشكل عام.. فعلى سبيل المثال تم منع جميع كتب تركي الحمد وروايات هاني نقشبندي وكذلك روايات زينب حفني. quot;إيلافquot; توجهت للمعنيين بالأمر لمعرفة رأيهم في منع هذه الكتب وكتب أخرى، إضافة الى قضية المنع بشكل عام.
منع الكتب.. منع الناس من حق التفكير
ما هي القاعدة او المعايير التي يبني عليها الرقيب قراره لمنع الكتب والروايات؟ وهل المجتمع السعودي بحاجة الى وصي على فكره ليقول له ماذا يقرأ؟ لاحصل على اجابات لهذه الاسئلة اتصلت بالاستاذ يوسف اليوسف مسؤول الرقابة في معرض الرياض للكتاب، الا انه رفض الادلاء بأي تصريح معللا ذلك بوجوده في اجتماع مهم!! وفضل ان اتصل بالدكتور عبد العزيز السبيل وكيل وزارة الثقافة والاعلام والمشرف العام على المعرض وزودني برقم هاتفه لاكتشف بعد ذلك ان الرقم خطأ، وافترضت حسن النية وعاودت الاتصال باليوسف اكثر من مرة للحصول على الرقم الصحيح دون أن يجيب!!
بعكسه تماما كان موقف وزير الثقافة والإعلام عبد العزيز خوجة الذي استقبل مكالمتي بكل لطف وسعة صدر مدليا بتصريح بسيط حول المنع على الرغم من وجوده ايضا في اجتماع مهم، كما بادر الى تزويدي بالرقم الصحيح لهاتف د. عبد العزيز لاحصل منه على اجابة حول المنع. ولكن للاسف لم تنجح محاولاتي ايضا مع الدكتور السبيل إذ لم يرد على أي مكالمة! ولكن علمت ايلاف في ما بعد بزيارة د. السبيل للمعرض وسؤاله لبعض دور النشر عن عناوين الكتب الممنوعة وأسماء الكتاب أيضا!
وبالعودة الى مسألة المنع، فقد يكون من المحرمات مناقشة الرقيب في قراره، لكن العبارة التي تتردد احيانا من قبل المسؤولين عن الرقابة، ان هناك كتبا تقدم صورة مسيئة لبلدها، كما صرح وزير الثقافة والاعلام. إلا انه يبدو من الصعوبة تقبل الأمر على علاته، اذ كيف لرواية أو كتاب ان يقدم صورة مسيئة عن بلد بحجم وتاريخ المملكة العربية السعودية!! كما أن من الطبيعي ان يحتوي اي مجتمع على الايجابيات والسلبيات، وهو ما تعكسه الاعمال الادبية بشكل عام في جميع انحاء العالم وليس فقط في العالم العربي. ومن هذا المنطلق فإن البعض يرى ان الرقابة المبالغ بها تحدث خللا ثقافيا بغض النظر عن خلفية هذه الرقابة سواء ثقافية او دينية.
د. عبد العزيز خوجة: منع 90 كتابا ليس بالامر المهم
بادر الوزير بالقول quot;ان معرض الكتاب لهذا العام جاء مختلفا عن بقية الدورات السابقة، فهو أفضل بكثير، ولا توجد اي اشكالات تذكر حتى الآن. كما ان منع 90 كتابا لسبب او لاخر فقط من اصل 250 الف عنوان ليس بالشئ المهمquot;، ونفى الوزير علمه بمنع كتب تركي الحمد، كما طالب بعدم تصديق الاشاعات حول منع كتب هاني نقشبندي، وزينب حفني. وعلق الوزير quot;كما تعلمين هنا نحن في بلاد الحرمين الشريفين لنا خصوصية.. لا نستطيع ان نقدم كتبا تسيء إلى صورة السعوديةquot; واضاف ان الدكتور عبد العزيز السبيل لديه كل الاجابات التي ابحث عنها. وختم تصريحه قائلا: quot;لو باستطاعتك المجيء لمعرض الكتاب الحالي فنحن نرحب بك لتشاهدي بنفسك التغييرات الايجابية وتنقلي هذه الصورةquot;. وردا على استفساري عن اهدافه ومشاريعه القادمة لرفع شأن الثقافة ودعم المثقف السعودي، قال الوزير: هناك اشياء كثيرة وتغييرات قادمة سيراها ويلمسها الجميع. لن اسمح للإعلام ان يبتلع الثقافة. او بمعنى آخر ان هذا الزخم الاعلامي يضيع الدور الثقافي، لذلك ساقوم بفصل كامل بينهما واعطي الثقافة حقها بالكامل!
الكاتب تركي الحمد: سيطرة الهيئة الدينية سيقلل من سيادة الدولة
حكاية منع الكتب في عصر الانترنت والعولمة اصبحت امرا عقيما. بإمكان اي احد ان يحصل على الكتاب كاملا من الانترنت، ثانيا اذا كان المنع في سبيل الحماية الفكرية فهذا ايضا امر عقيم، فلن يؤثر كتاب او عشرات الكتبفي المجتمع، وفي فكر الناس اذا كان فكرهم قويا. وبصفة عامة فإذا كان الفكر قويا سيزيدهم قوة اما اذا كان ضعيفا سيندثر ولن تنفعه الكتب او تجعله قويا. من اي زاوية ومن اي اتجاه ارى قضية منع الكتب أمرا عقيما سواء من جانب الحماية الفكرية او من جانب عصر الانترنت. واذا كان هذا المنع تنازلا لفئات معينة او لمدارات خواطر معينة مثل الهيئة الدينية فذلك سيعطيها الاحساس بالسيطرة او الهيمنة ما سيقلل من سيادة الدولة. الدولة يجب ان تكون فوق الجميع. ولا يؤثر في ككاتب هذا المنع او على كتبي، عادة المنع في السعودية يؤدي الى انتشار الكتاب او الرواية اكثر، انت تمنع الكتاب لتحد من انتشاره ولكن يحدث العكس بالمنع. اما بالنسبة إلى سياسة الاصلاح والانفتاح التي اتخذها الملك عبد الله فهناك امل نسبي في نفوس الجميع لتحسين وضع الثقافة والمثقف، ولكن الوقت مبكر على مدى جدية الاصلاح في مجال الثقافة.
الكاتب هاني نقشبندي: ولى زمن العقوبة على الفكر.. لكن الانشوطة تلوح من بعيد
الحمد لله فقد منعت روايتي (اختلاس، وسلام) للسنة الثالثة على التوالي من المشاركة في المعرض. وأقول الحمد لله لأنه لايحمد على مكروه سواه. والحقيقة ان ما حدث ليس مكروها فقط بل معيب. اذ ليس من حق رقيب ايا كانت ثقافته ان يقرر من تلقاء نفسه ما يمكن قراءته وما لا يمكن. لا يمكن لانسان واحد ان يقرر ثقافة امة. هو لا يظلم الكاتب وحده، بل يظلم القارئ والمجتمع ككل. وأعلم يقينا ان الكلمة ذاتها ستتردد عند سؤال اي مسؤول عن المنع: انها خصوصية المجتمع السعودي. ليتني اعرف ما هي هذه الخصوصية. ثم ألا تتعارض هذه الخصوصية مع الاعلام المرئي الذي تموله رؤوس اموال سعودية؟ ما يعرضه بعض هذا الاعلام من مواضيع ومقاطع فاضحة يخجل اي كتاب عن ان يسجله او يصوره. فلماذا هذا التناقض؟ إذا كان الرقيب هو الهيئة، فأنا على ثقة انه ابعد مؤسسة على وجه الأرض عن الثقافة، والتنوير. وإذا كان الرقيب هو رجل دين، فمن نصبه ممثلا لله على الارض كي يقرر ثقافة أمة. اما اذا كان الرقيب هو الاعلام، فأي مستقبل ينتظر أمة يحرم إعلامها الفكر والثقافة؟ بالتأكيد هناك انفتاح اكبر على بعض الكتب، لكن ما يزال المنع قائما لأعمال لا تحمل اكثر من فكر جديد يستحق ان يطرح للنقاش لا ان يمنع. لا ينبغي على معرض كبير له مكانة بحجم معرض الرياض ان يكون سوقا للكتب فقط، بل ملتقى تطرح فيه الافكار حتى تلك التي تختلف معنا، لا ان نطمس هذه الافكار. هناك من يرى، كما يقول الدكتور الحمد، بأن منع اي كتاب يساهم في انتشاره. هذا خطأ في رأيي. إذ إن قيمة الكتاب في انتشاره لا في اشتهاره. فما فائدة ان يشتهر كتابي ويسمع به كل الناس ولا يتوصلون به؟ الناس تريد ان تقرأ لا ان تسمع فقط. السوق السعودية هي الأهم بالنسبة لي مقارنة بباقي الاسواق. فأولا، معظم كتاباتي تنطلق من المجتمع السعودي، ثانيا، انه المجتمع الأكثر استهلاكا للكتب والأكثر تطورا في حراكه الثقافي. سمعت اراء وزير الاعلام وبعض المسؤولين في معرض الرياض. يقولون ان منع مائة كتاب من اصل ربع مليون مرخص بها يعد رقما متواضعا. وضربوا امثلة بأن بعض الكتب تمنع في معارض عالمية. هذا غير صحيح. فالمعارض العالمية لا تمنع اي كتاب على الاطلاق، بل ان منع كتاب واحد يؤدي الى ثورة ضد قرار المنع. وحتى لو افترضنا ان هذا يحدث في بعض المعارض الدولية، أما كان من الأولى ان تكون السعودية اكثر انفتاحا في ظل قيادة تسعى جادة الى الاصلاح والانفتاح؟ ثم لماذا نقارن أنفسنا بالغرب في الكتب التي تمنع، لماذا لا نقارن انفسنا بمدى الحرية الموجودة هناك؟ يجب ان نفترض حسن النية في الكاتب، لا سوء النية. فالكاتب لا يهدف اكثر من تشخيص ما يراه خطأ، بلا نوايا سيئة.
الكاتب هو مرآة لمجتمعه، ويجب ان يحظى بالدعم حتى ولو طرح فكرا يخالف فكرنا. فالعقل البشري كله افكار يعارض بعضها بعضا. لقد ولى زمن العقوبة على الفكر، لكن المسؤولين عن معرض الرياضلا يزالون يلوحون من بعيد بالأنشوطة. لكني متفائل بما ذكره الدكتور خوجه، وأشد على يده آملا ألا يبتلع الاعلام الثقافة، فهو الأديب والوزير، بمعنى انه الاقرب الى الاحساس بنا، وهذا ما يدفعني الى ان اكون اكثر تفاؤلا.
الكاتبة زينب حفني: كيف تبدأ عهدك بالسماح للجهلاء بشنق الإبداع السعودي أمام الملأ؟!
المعرض الحقيقي من وجهة نظري ليس منصبا فقط على السماح بالإختلاط بين الجنسين، أو إفساح المجال للكتّاب والأدباء في إجراء حفلات توقيع لكتبهم في ساحة المعرض!! القضية أكبر من هذا بكثير!! فمعارض الكتب يجب أن تقوم في الأساس على منح الفرصة كاملة للكتاب لأن يجد متنفسا في بلاده. أنتِ تعرفين أن أغلبية الأدباء السعوديين يطبعون كتبهم في الخارج، وهذا يعود إلى شروط الرقابة التعسفيّة التي تفرضها على حركة النشر في الداخل مما جعل الكتاب السعودي يعيش مُغتربا على أرضه ويُهاجر بعيدا حتّى لا يُقنن إبداعه!! وأنا هنا لا اتحدّث عن الغث من الكتب التي تُخرجها دور النشر العربية يوميّا مستغلة نهم الشارع العربي لمعرفة ما يدور في الأروقة السعودية من خبايا وكشف للمستور،!!ولكنني اتحدّث عن الكتاب والأدباء الواعين الذين تشهد لهم الساحة الثقافية العربية بجودة نتاجهم من أمثال تركي الحمد وهاني نقشبندي وغيرهما!! خاصة وأن القارئ السعودي كما تعلمين حديث العهد بالقراءة، وهذا يعود إلى أن ثقافة الكتاب غير مُشاعة لدينا بسبب عوامل كثيرة ساهمت الهيئة الدينية في ترسيخها من منطلق حرصها على سلامة العقول الناشئة من التشويه الفكري كما يُروجون !!بالتأكيد قيام معرض الرياض للكتاب واستمراريته عدة سنوات، يُعدُّ خطوة إيجابية تُحسب للملك عبد الله الذي أخذ على عاتقه تبني قضية الثقافة وقضية المرأة، وهو ما أدّى إلى ترسيخ مكانة المثقفة السعودية في وطنها. حقيقة لم أفكّر يوما في توقيع أيٍ من كتبي في معرض الرياض، ليس خوفا من الهيئة أو تحاشيا لها، ولكن لقناعتي المطلقة بأن معارض الكتب في العالم العربي غير ناجحة بما فيها معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي يُعدُّ أكبر معرض عربي، اللهم إلا إذا استثنينا من القائمة عدة معارض من ضمنها معرض بيروت والدار البيضاء وأبو ظبي أنا حريصة على تواصلي مع القارئ السعودي، رغم أن كُتبي يتحصّل عليها الكثيرون من معارض الكتب العربية في الخارج، مع هذا أستلم على بريدي الإلكتروني رسائل يومية تحمل مضمونا واحدا.. لماذا لا تُباع كُتبك في الداخل؟! وكنتُ أردُّ بأن هذا قدري!! لكنني مع خلال الترويج لحرية الكلمة التي هلل لها الإعلام السعودي مؤخرا بإفساح المجال كاملا للكتاب السعودي أن يتبختر واثقا داخل بلاده، استبشرت خيرا وقلتُ بداية الغيث قطرة!! لكن يظهر بأن الجفاف قد وقع على أرضي وأرض غيري من المبدعين!! نعم لقد اصابتني الدهشة حين علمتُ بأن الرقيب التابع لوزارة الإعلام قد قام بمنع كافة كتبي من البيع في المعرض بما فيها روايتي الأخيرة quot;سيقان ملتويةquot;. لقد تمَّ تكريمي في عدد من الدول العربية، وكم أشعر بالحزن والأسى وانا أرى مطارات العالم تزيح حواجزها من أمامي، وتفتح مؤسساتها الثقافية أذرعتها مرحبة بإبداعاتي، في الوقت الذي يرشقني الرقيب السعودي بنظرات الشك والريبة !!سؤال أوجهه لمعالي وزير الثقافة والإعلام السعودي الدكتور عبد العزيز خوجه.. كيف تبدأ عهدك بالسماح للجهلاء بشنق الإبداع السعودي أمام الملأ؟!