عبد الجبار العتابي من بغداد: اصدر القاص العراقي شوقي كريم حسن روايته الجديدة التي تحمل عنوان (شروكية) بـ (الكاف الاعجمية)، وهي من الحجم الصغير وبـ (170) صفحة، وقد ذيل الكاتب تاريخ ومكان كتابتها بـ (ابو غريب / سجن الاحكام الخاصة / 2000)، وقد حملت صفحة العنوان تعليقا من الكاتب الذي هو الناشر ايضا ملاحظة ربما ترد لاول مرة ضمن كتابة الروايات جاء فيها: (نشرت هذه الرواية استنادا الى نص المادة التسعة عشرة من الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر بموجب قرار الجمعية العامة للامم المتحدة (217) والمؤرخ في العاشر من كانون الاول / ديسمبر 1948).
وشرح الكاتب على الغلاف الاخير بموجز قصير ماجاء في روايته قائلا: ( حكاية مدينة، اعتتنقت منذ تأسييها الذي حدث توكيدا لوجود الاحزان والفقر قصصا لا تشبه تلك القصص التي كانت جداتنا ترويها ما ان تدلهم الظلمة، وتمتليء الازقة بصفير التأوهات والخوف الازلي، وتتغيراسناها ما ان تهب رياح التغيير على الوطن، لهذا تراها لا تثبت عند حقيقة ولا تمن بمسار مستقر.. قوافل ايامها مفعمة بالامتنان ذلك لان سكانها ابناء ممالك ساحت لتفيض بالاحلام.. اؤلئك هم الشروكية عبق تراب الدنيا وعنوان وجودها منذ بدء الخليقة، كان ادم المؤسس الاول للشراكوه، وامتدت الحكاية، ولا احد يعتقد لنها ستنتهي حتى وان توقف الزمن).
يبدأ الكاتب حكايته من قعر السجن، ينسج ايقاعا حزينا يتعالى صوته ليفزز كل الخلايا الحسية في الوجدان، ثم يمتد بها الى خارجه، الى البعيد من الذكريات التي تبدأ من الطفولة، وتنشر في الاصقاع صعودا الى تطلعاته الصارخة، يبدأ هكذا: ( كان يا ما كان....../ هكذا تبدأ الدورة الخامسة من نشيد الاكاذيب)، كأنه بعد تلك اللقطة الصادمة الموجعة يشعر بالاختناق، يضج من صخب داخلي رهيب، لكنه يحاول ان يهدأ ليحكي، انه يعرف ان الحكاية لا بد ان يكون راويها هادئا، فيقول راسما صورة عجيبة يقطعها بالتساؤلات الغريبة: ( يعزف الاول ايقاعا، فتهتز الحناجر بالشقاء، وتغور العيون زاحفة خلف ضجيج الغرف التي غسلتها روائح الاتفاس وضغط الخواتم وشواء الليالي التي ما احست بغير وحدتها، كانت القصة تبدأ بالسؤال:
- ماالذي صيّر السندباد غرابا؟!!
- مالي اصيّر الاوطان محض هراء؟!!
- ما الذي يمكن ان تفعله ببغاء علاء الدين في تفس حطمتها الغرف الحمر والتأوه وتوسلات الجوع والاهانات التي ماكان لفعلتها انتهاء؟!!
- ما الذي يمكن لانسانك ان يأنسه فيصير انسانا من صدق؟).

بعد تلك القائمة من التساؤلات المريرة يبدأ بشرح هاديء للصورة التي التقطها بذاكرته وظلت مضيئة في خياله: (كانت اللذة تمخر صباحات التحقيق وتحيل كل العذابات الى وجع السؤال لعمق مخاوفنا، ننصت لخطوة المفاتيح وصرير المزالج ورعاف التوسلات، عذب ان تحس نفسك رقما، ان تلعب والايام لعبة ارقام منسية، عذب ان تهان مباهجك بصمت رضاك!!، من يفتح ابواب الجولة، من يغلق مسافات الظلمة والانقياد معصوب العينين، من يمنح الجسد الفائر كالتنور بعض رضاه؟، كان معلمنا يتحدث عن بحر وجنود وسفن تأكلها نيران الله، كان معلمنا مهووس بالتاريخ السري، لاول اعمال الطين، يحدثنا عن عمال الجص والفعلة وعن توابيت القبب الذهبية التي ما انقطعت يوما )، ويتصاعد في سرد الانعطافات من خلال استذكاره للمعلم ليربطها بجده الذي يتحدث عنه ومن ثم يتركه يتحدث، لكنه يدمج تلك الصور المخزونة في مخزن الطفولة بصورته في المحنة، سوط من هناك وسوط من هنا)، وعذابات من هنا ومن هناك، وتنهمر الوجوه في فضاء الرواية وهي مليئة بطقوس الالم، وترتجف الحكايات حاملة اوجاعها باسلوب شيق يترك اثره في البال وتتعالى التفاصيل في غرس الخطى على الطرقات التي تؤدي الى مشاعر تجيش باوجاع جنوبية الملامح، تلك التي يرفع الكاتب عنوانها عاليا.