ترجمة: صلاح نيازي: كنتُ أزجي الوقت ليس إلاّ، مع laquo;تْرويْraquo;، المفتش السابق في شرطة دبلن، عند زاوية شارع quot;آربرْ هِلْquot; وهناك أتى واللعنة عليه منظّف المداخن (1) الحقير وكاد يخرق عيني بعُدّته. التفتُّ إليه وسلقته بلساني، ساعة رأيت جوهاينـز لا غيره، يتراوغ في شارع ستوني باتر.
ـ عجباً، يا جو، قلتُ. كيف تسير أمورك؟ هل رأيتَ منظّف المداخن الحقير كاد يخرق عيني بمكنسته؟
ـ السخام حظ سعيد (2)، قال جو. مَنْ ذلك الرجل الأخرق (3) الذي كنتَ تتحدث إليه؟
ـ العجوز laquo;تْرويْraquo; قلتُ، كان في سلك الشرطة. تتناهبني فكرتان هل أتّهم منظف المداخن بعرقلة السير في الطريق العام. بمكانسه وسلالمه.
ـ ما الذي تفعله هنا في هذه الأنحاء؟ قال جو.
ـ لا شيء، قلتُ. يوجد سارق ماكر كبير حقير في الخلف قرب كنيسة المعسكر في زاوية شارع تشيكن ـ العجوز تْرويْ كان يعطيني معلومات كاذبة (4) عنه ـ سرق كمية معتبرة من الشاي والسكّر ليدفع ثلاثة شلنات كلَّ أسبوع قال لديه مورد ثابت من حقل يمتلكه (5) في مقاطعة داون من قزم يدعى موسى هيرتزوغ هناك قرب شارع هيتسبيري.
ـ اليهودي المختون؟ قال جو.
ـ إيْ، قلتُ. قطعة صغيرة من فوق (6)، رجل أخرق اسمه جيرافي. إنني: quot;ماسك بسوطهquot; (7) لمدّة أسبوعين الآن ولم أحصل على بنس واحدٍ منه.
ـ وهذا هو انشغالك الإجرامي (8) الآن؟ قال جو.
ـ إيْ، قلتُ. كيف سقط الجبابرة (9)! محصّل الديون الباطلة والمشكوك فيها. (10) إنه أحقر لصّ سيئ السمعة يمكن أن تقابله في حياتك وله وجه مجدّر يمكن أن يحوي رشة مطر في حُفَرِهِ. قُلْ له، قال، أتحدّاه قال، وأتحدّاه بالضِّعْف أن يرسلك إلى هنا مرّة ثانية، أو إذا فعل، قال، فإنني سأطلب استدعاءه إلى المحكمة، لذا سأفعل، لأنه يتاجر بلا رخصة سنوية (11). وهو يحشو نفسه إلى درجة الآنفجار. حقّاً لابدَّ أن أضحك من اليهودي القزم وهو يفقد أعصابه. هو يشرب شاياتي. هو يأكل سكّراتي. لأنه لا يدفعـ (لي) فلوسي؟
لبضاعةٍ غير قابلة (12) للتلف تم شراؤها من موسز هيرزوغ من سكنة شارع سانت كيفنز ﭙـيريد رقم 13 بمدينة دبلن، حيّ رصيف ميناء وود، تاجر، يدعى فيما يلي البائع، باع وسلّمَ إلى ميشيل إي. غيراتي، المحترم من سكنة آربر هِلْ رقم 29 من مدينة دبلن، حيّ رصيف ميناء أرّان، جنتلمان، يدعى فيما يلي المشتري أي، خمسة جنيهات، وزن شاي من أفضل الأنواع بسعر ثلاثة شلنات لا غير للباوند واثنين وأربعين باونداً وزناً من السكّر المسحوق الصافي، بسعر ثلاثة بنسات للباوند وزناً، البائع المذكور آنفاً مدين إلى البائع المذكور آنفاً بمبلغ باوند واحد وخمسة شلنات وستة بنسات استرلينية، عن قيمة ما تسلّمه ويجب أن يدفعها المشتري المذكور آنفاً إلى البائع المذكور آنفاً بأقساط أسبوعية كل سبعة أيام بمقدار ثلاثة شلنات لا غير استرلينية، وإن البضائع غير قابلة للتلف يجب ألاَّ تُرهن أو تُودع كضمانة، أو تباع، أو خلاف ذلك تحوّل ملكيتها من قبل المشتري المذكور آنفاً، لكن ستكون وستبقى ملكية واحدة مقتصرة على البائع المذكور آنفاً وتكون تحت تصرّفه كيفما يشاء إلى أن يدفع المشتري حسب الأصول المبلغ الذي بذمّته إلى البائع المذكور آنفاً بالطريقة التي وُضِعَتْ طيّاً في هذا اليوم وبموجبها تم الاتفاق بين البائع المذكور آنفاً، أو ورثته، أو خلفائه أو أمنائه ومَنْ الذي يتمَّ له التخلي عن الحق في طرف، والمشتري المذكور آنفاً، أو ورثته، أو خلفائه، أو أمنائه، أو مَنْ يتمُّ له التخلي عن الحق في طرف آخر.
ـ هل أنت ممتنع عن المسكرات (13) بتزمّت؟ قال جو.
ـ لا أتناول أيّ شيء بين شرابين مسكرين، قلتُ.
ـ ماذا لو شربنا الآن في حانة فلان (14)؟ قال جو.
ـ مَنْ؟ قلتُ. بالتأكيد إنه في مستشفى المجاذيب (15)، مضطرب العقل، يا للمسكين.
ـ يشرب شرابه الخاص؟ قال جو.
ـ أي، قلتُ، ويسكي وماء، ذلك ما يستحوذ عليه دائماً.
ـ تعال نذهب إلى laquo;بارني كيرنانraquo;، قال جو. أريد أن أرى المواطن.
ـ لنذهب إلى حبيبي بارني، قلتُ، هل ثمة شيء غريب أو عجيب، يا جو؟
ـ ولا كلمة، قال جو. كنتُ في ذلك الاجتماع في فندق ستي آرمز.
ـ وأيّ اجتماع كان ذاك؟ قلت.
ـ تجّار المواشي، قال جو، عن مرض القلاع الذي يصيب الماشية.
أردت أن أعطي المواطن (16) معلومات عنه (17).
هكذا ذهبت إلى هناك عن طريق موقع بنايات الملابس الكتانية (18) ومن خلف المحكمة، ونحن نتحدث عن هذا الشيء أو ذاك. جو رجل محتشم حينما يكون محتشماً، ولكنه لم يكن كذاك أبداً، حقّاً، لم أنقطع عن التفكير في جيراغتي ذاك، الحقير، اللص في وضح النهار، لأنه يتاجر بلا رخصة، قال.
من جزيرة المصير (19) (إيرلندا) يقع بار القديس ميشان (20). هناك يقوم برج للمراقبة يراه الناس من بعيد (21). هناك ينام الأموات العظام كما كانوا ينامون في الحياة (22)، محاربون وأمراء من ذوي الصيت الذائع. إنها أرض بهيجة تتدفق بأنهار ذات خرير، وجداول ممتلئة بالأسماك،حيث يلعب فيها سمك الغرنار، والبلاليس، والروش والهلبوت، والهدوك، والسلمون الصغير، والداب المفلطح، والبريل، والسمك المسطّح، وخليط من السمك الرديء عموماً، وأخرى مؤقلمة في المملكة المائية وهي كثيرة العدد جدّاً لا يمكن حصرها. في النسائم المعتدلة الآتية من الشرق والغرب تتموّج الأشجار السامقة بأوراقها الزخرفية الراقية بكل الاتجاهات، شجر الجمّيز العطر، شجر الأرزّ اللبناني (23)، وشجر الدلب المجيد، والأوكالبتوس الطبيّ، ومزخرفات أخرى من العالم الشجري الذي تتزوّد به تلك المنطقة تزويداً حسناً. فتيات حسناوات يجلسن بالقرب من جذور الأشجار الجميلة يغنين، أجمل الأغنيات، بينما هنَّ يلعبن بمختلف الأشياء الجميلة مثلاً السبائك الذهبية، والأسماك الفضية، وخمسة وأربعون غالوناً من سمك الرنكة، ومقدار صيد شبكة من سمك الأنقليس، والبقليو الصغير، وأشراك لصيد السمك الصغير جداً، والصدف الأرجواني والحشرات المتواثبة. ورحلة أبطال قادمين من بعيد لمغازلتهنَّ، من ابلانا إلى جبل سليفمارجي، أمراء لا مثيل لهم من منطقة مَنْسترْ المستقلِّة، ومنطقة كوناخت العادلة، ومنطقة لينستر الناعمة الملسة بلاد الكروشان، ومنطقة أرما (24) الفاخرة، ومنطقة بويل النبيلة، أمراء، أبناء ملوك (25).
وهناك يرتفع بناء لامع يرى سطحَهُ البلّوريَّ المتلألئ (26)، الملاّحون الذين يجوبون البحر الواسع بمراكب شراعية مبنية لهذا الغرض خصيصاً، وهناك تأتي جميع القطعان المسمّنة، وأول ثمر تلك البلاد (27) فيتعهدها جميعاً اوكونيل فيتزموند وهو مفتش من نسل مفتش. هناك العربات الكبيرة جداً التي تجرّها الخيول محاصيل الحقول الوفيرة من زنابيل القرنابيط وحاويات واسعة للاسبانخ، ومقادير كبيرة من الأناناس، والبطيخ الأصفر، وصناديق الطماطم، وعلب التين، ومستنبتات مختلف أنواع اللفت، والبطاطس المدوّرة، والكرنب المقزّح، وأنواع أخرى من الكرنب، وصواني البصل، ويدعى لؤلؤ الأرض، وسلال عطر الفطر، والكوسا والجلّيان الممتلئ وثفل العنب وتفاح أحمر أخضر أصفر بنّي خمري حلو كبير مرّ ناضج وصناديق صغيرة لتوت الأرض وسلال عنب الثعلب ممتلئ ومتزغّب وتوت الأرض الذي يليق بالأمراء، وتوت العليق من عيدانه.
أتحدّاه، قال، وأتحدّاه بالضِّعْف. تعال إلى هنا، يا جيراغتي، أيّها الحرامي اللعين السيّئ السمعة!
وبذلك الطريق سارت قطعان عددٍ لا يحصى من الزعماء الكباش والنعاج المسمّنة والخراف والحملان المجزوزة الصوف والأوزّ البري والعجول المخصية المتوسطة الحجم وأفراس مصدورة والعجول الجمّاء والأغنام الطويلة الصوف والحيوانات الاستيلادية وأبقار laquo;كُفْraquo; والحيوانات التي هي دون المستوى وإناث الخنازير المخصية والخنازير المسمّنة ومختلف الأنواع العالية من الخنازير الممتازة وعجول laquo;أنغسraquo; والثيران الجمّاء من سلالة نقيّة مع الأبقار الحلوب المتلحمة الفائزة بالجوائز: وهناك أصوات وطء أقدام، وقوقأة، وجؤار، وخوار، وثغاء، وخرخرة، ونخار، وقضم، واجترار للخراف والخنازير والأبقار الحبالى من مراعي laquo;لَسْكْraquo; وlaquo;رَشّْraquo; وlaquo;كارِكْماينزraquo; ومن وديان laquo;ثوموندraquo; ذات الجداول، ومن جبال ماكجيكدي غير السالكة ومن نهر شانون الجليل الذي لا يُسْبَر غوره، ومن المنحدرات الرقيقة لمكان نسل laquo;كيارْraquo; (28) ضروعها منتفخة بالحليب الوفير، وبراميل الزبدة وأنفخة الجبن ومكاييل فلاّحية ورقاب وصدور الحملان ومكاييل القمح، وبيض مستطيل بالمئات مختلف الأحجام، العقيقي والكميْت.
ثمَّ درنا إلى بارني كيرنان وهناك كان بالتأكيد المواطن في الزاوية يتحدث مع نفسه ومع ذلك البغل الأجرب الحقير غاريوين، وهو ينتظر ما تجود عليه السماء من شراب.
ـ هاهو ذا، قلتُ، في محلّة المنعثل، مع قارورته وأوراقه، مشتغلاً بالقضية.
لو دمدم هذا البغل الحقير لأجفلك. ستكون صدقة لو أن شخصاً ما قضى على حياة ذلك الكلب الحقير. لقد نما إلى علمي كحقيقة أنه أكل قطعة كبيرة من ردف الشرطي في أبرشيه سانتري الذي جاء في يومٍ ما ومعه ورقة استدعاء للمحكمة (29) من أجل مخالفة في الرخصة.
ـ قفْ وسلِّمْ ما عندك (30)، قال.
ـ موافق أيّها المواطن، قال جو. نحن أصدقاؤك.
ـ اعبروا، يا أصدقاء، قال.
من ثمَّ فرك عينه بيده وقال:
ـ ما رأيكم بما يدور؟
كان يقوم بدور الحرامي (31) والفلاّح الجبليّ الثائر (32). لكنْ، انتبهوا، كان جو في المستوى المطلوب للمناسبة.
ـ أظن أن الأسعار في السوق في صعود، قال، داسّاً يده بين فخذيه.
لذا صَفَق المواطن ركبته بيده وقال:
ـ الحروب الأجنبية هي السبب.
وقال جو، غارزاً إبهامه في جيبه:
ـ إنهم الروس يرغبون في السيطرة على العالم (33).
ـ ياللهراء،كُفَّ، يا جو، عن هذه النكتة الحقيرة، قلتُ. لديَّ عطش لا أهتمُّ حتى إن صرفت عليه نصف كراون.
ـ اطلبْ ما تشاء أيّها المواطن، قال جو.
ـ نبيذ محلي، قال.
ـ ما الذي تشربه؟ قال جو.
ـ كما قال ماك أنا سبي (34). قلتُ.
ـ ثلاثة أقداح، يا laquo;تريْraquo; قال جو. وكيف حالك يا مواطن؟ قال.
ـ في أفضل حال، يا صديق (35)، قال. وأيّ laquo;غاريّraquo;؟ هل سنفوز؟ إيه؟
عند هذا الحدّ أخذ الكلبَ العجوزَ الحقير من مؤخرة عنقه، وكاد بحقّ السماء يخنقه.
كان الشكل البشري الجالس (36) على الجلمود الواسع عند أسفل البرج المدوّر (37) يعود لذاك البطل الواسع الكتفين العميق الصدر القوي الأعضاء الصافي العينين الأحمر الشعر المنمّش الأشعث اللحية الواسع الفم الكبير الأنف الطويل الرأس العميق الصوت العاري الركبة القوي اليد المشعر الساقين المحمّر الوجه المعروق الذراع. عرضه من المنكب إلى المنكب عدّة أذرع وركبتاه الشبيهتان بالصخر الجبلي يغطيهما، كما هو الحال مع بقية جسمه المكشوف، جمّة قوية من الشعر الأسمر الشائك وهو في لونه وخشونته أشبه بنبات الرتم الجبلي (Ulex Europeus). كانت فلقتا خيشومه المفروشتان كجنحين ويخرج منهما نفس اللون الأسمر، من السعة مايمكن لقبّرة أن تعشعش في ظلامهما الكهفي بسهولة. أمّا عيناه اللتان فيهما دمعة وابتسامة (38) تجاهد أن تكون لها الغلبة، فكانتا بأبعاد قرنابيط بحجمٍ لا بأس به. ثمّة تيار قويّ من تنفّس حار يخرج بفترات منتظمة من تجويف فمه العميق، بينما كان قلبه المخيف يرعد برنين موقّع بذبذبات شهيق قويّ عالٍ تهتزّ وترتجف له قمة البرج العالي والحيطان الأعلى للكهف.
كان يلبس رداء طويلاً بلا ردنين من جلد ثوري مسلوخ حديثاً، يصل إلى ركبتيه بتنورة اسكتلندية مفكوكة وهي مشدودة إلى حوالي نصفه بحزام مضفور من القشّ والأسل، وتحت هذا كان يرتدي بنطلوناً ضيّقاً من جلد الغزال خيط بخيوط شرانق بلا إتقان. وقد كُسِيَتْ قدماه بجزمة نصفيّة عالية من نوع بولبريغان مصبوغة باللون الأرجواني المخضرّ وتحذّت قدماه بمركوب مدبوغ من جلد البقر وقيطانه من القصبات الهوائية للحيوان نفسه. ومن حزامه تدلى صف من الحصوات البحرية وهي تخشخش مع كل حركة من هيكله الفظيع، وعلى هذه الحصوات نُقِشَتْ وإن بطريقة بدائية، إلاَّ أنها مؤثرة، الصور القبلية لكثير من الأبطال والبطلات الإيرلنديات القدامى: كوشولن (39)، كون (40) صاحب المئة معركة، نيّال (41) صاحب التسعة رهائن، براين (42) الكونكورين الملك العظيم ملاخي (43)، آرت ماك مور (44)، شين أونيل (45)، الأب جون ميرفي (46)، أوين رو (47)، باتريك سارسفيلد (48)، رَدْ هيو أو دونل (49)، رَدْ جم ماك ديرموت (50)، سوغاث إيوغان أوغروني (51)، مايكل دواير (52)، فراسني هيغنز (53)، هنري جويماك كراكن (54)، جليات (55)، هوارس ويتلي (56)، توماس كونّيف (57)، بيغ ووفنغتن (58)، حدّاد القرية (95) كابتن مونلايت (60)، كابتن بويكوت (61)، دانتي أليجيري (62)، كرستوفر كولومبوس (63)، أس. فورسا (64)، اس براندن (65)، مارشال ماك ماهون (66)، شارلمان (67)، ثيوبولد وولف تون (68)، أمّ المكابيين (69)، آخر سلالة الموهيكاينين (70)، وردة قشتالة (71)، الرجل الصالح لغالوي (72)، الرجل الذي سرق المصرف في مونتي كارلو (73)، الرجل الذي يحمي (74)، المرأة التي لم (75)، بنيامين فرانكلين (76)، نابوليون بونابرت (77)، جون إلْ سوليفان (78)، كليوباترة (79)، سوفرنين ديلش (80)، يوليوس قيصر (81)، باراسيلس (82)، سير توماس لبتون (83)، وليم تيلْ (84)، مايكل انجلو هيز (85)، محمد (86)،عروس لا مارمور (87)، بطرس الناسك (88)، بطرس الخادع (89)، روزلين الكئيبة (90)، باتريك دبليو شيكسبير (91)، براين كونفوشيوس (92)، موتراغوتنبيرغ (93)، باتريشيو فيلاسكيث (94)، كابتن نيمو (95)، ترسثان وايزولدا (96)، أمير ويلز الأوّل (97)، توماس كوك وابنه (98)، الجندي الفتى الشجاع (99)، آرّا نا ﭙـوغ (100)، دِكْ تيربن (101)، لودفيك بيتهوفن (102)، الفتاة الشقراء (103)، وودلر هيلي (104)، انغوس المتفاني (105)، دولي ماولت (106)، شارع سدني باريد، تل بن هوث، فالنتاين الحكيم (107)، آدم وحوّاء (108)، آرثر وليسلي (109)، بوس كروكر (110)، هيرودوثس (111)، جاك البارع (112)، غواتاما بوذا، الليدي 113 غوديفا (114)، سوسنة كيلارنه (115)، بالور صاحب العين المهلكة (116)، ملكة سبأ (117)، آكي ناغل (118)، جو ناغل (119)، اليساندرو فولتا (120)، جيرميه أودونوفان روسا (121)، دون فيليب أو سوليفان بير (122). إلى جانبه وُضِعَ رمح مصنوع من الغرانيت المستدقّ الطرف بينما يضطجع عند قدميه حيوان وحشي من الفصيلة الكلبية وتنبئ لهاثاته الشخيريّة عن أنّة غارق في نومةٍ غير مريحة، وهذا افتراض أكّدته الهرهرات الجشّاء والحركات التشنجيّة التي كان سيّده يكبحها من وقت إلى آخر بضربات مهدئة بهراوة صُنعت بصورة بدائية من حجر قديم.
هكذا على أية حال جلب laquo;تريraquo; الأقداح الثلاثة وكان laquo;جوraquo; واقفاً وكاد النظر ياربُّ يفارق عيني حينما رأيته يعطي جنيهاً، آ، حقيقة لا يأتيها الباطل. جنيهاً ذهبياً وسيماً.
ـ وثمة شيء أكثر من ذلك ألا وهو من أين جاء به، قال.
ـ وهل كنت تسرق صندوق الصدقات (123)، قرب باب الكنيسة، ياجو؟ قلتُ.
ـ بعرق جبيني، قال جو. العضو الحصيف (124) هو الذي أعطاني الخطة.
ـ رأيت قبل أن ألتقي بك، قلتُ، منحدراً عن طريق ﭙـيل لين وشارع غريك بعين معتوه (124) آخذاً بنظر الاعتبار كل شئ.
مَنْ ذا الذي يأتي إلى أبرشيه ميشان (125) مكسوّاً بدرع أسود؟ laquo;اوبلومraquo; بن روري: إنه هو. إن ابن laquo;روريraquo; (126) منيع عن الخوف: له شجاعة حصيفة.
ـ قال المواطن إن صحيفة ألـ فريمان تتلقّى مساعدة حكومية (127). الحزب الذي أعطى العهد في البرلمان (128). وانظر إلى هذه الصحيفة التافهة اللعينة. صحيفة الاستقلال الإيرلندي، من فضلك، أوجدها ﭙارنل (129) لتكون نصيراً للعمال. أصغِ إلى المواليد والوفيات في الصحيفة الإيرلندية وكلها من أجل استقلال إيرلندا، وسأشكرك وأشكر الزواجات.
وشرع يقرأ بصوت عالٍ:
ـ غوردن (130)، في بارنفيلد كرسنت، أكستر، رد مين من إفلي، سانت آن اون سي، زوجة وليم تي. رَدْ مين، مولود ذكر، كيف ذلك، إيه؟ laquo;رايتraquo; وlaquo;فلنتraquo;، laquo;فنستْraquo; وlaquo;جيلتْraquo;، إلى روثا ماريون ابنة روسا والمرحوم جورج الفريد جيلت، 179، شارع كلابهام، ستوكول، بلي وود، وردزديل في سانت جود، كينسينغتن، بواسطة الدكتور فورست كاهن ورسستر. إيه؟ وفيات. برستو في وايت هول، لندن: كارّ، ستوك نيو ونكتون بالتهاب المعدة ومرض القلب: كوبيرن (131) في موت هاوس، تشبستو...
ـ أعرف ذلك المرض، قال جو، من خبرة مريرة.
ـ كوبيرن. دمزي، زوجة ديفيد دمزي، في الأميرالية سابقاً: ميللر، توتنهام، عمره خمسة وثمانون: ويلش، 21 يونيو/ حزيران، في شارع كاننغ، ليفربول، إيزابيلا هيلن، ما رأيك بصحافةٍ وطنية كهذه، إيه، يا قضيبي (132)! كيف تبدو تلك لمارتن ميرفي (133)، الفاسد (134) المتآمر من منطقة بانتري.
ـ آ، حسن، قال جو، وهو يقدّم المشروب، الحمد لله أنهم سبقونا في هذا (135)، إشربْ ذلك يا مواطن.
ـ سأفعل أيّها الشخص المبجّل، قال.
ـ نخب صحتك، يا جو، قلتُ، وصحة كل المعزين.
آيْ! واي! لا تتكلم! كنت متعفناً بزرقة الفطر لحاجتي لذاك القدح قسماً بالله كدت أسمع المشروب وهو يرتطم في فم معدتي بقرقرة.
وعجباً، وبينما هم يعبّون قدح مسرّتهم، جاء رسول كإله بسرعة، وامضاً كالشمس، شاب وسيم، وخلفه مرَّ عجوز ذو محيّا نبيل وخطو مهيب، حاملاً مدارج القانون المقدسة ومعه زوجته وهي تحمل لقب laquo;ديمraquo; وتنحدر من سلالةٍ لا نظير لها، وهي أجمل بنات جنسها.
دخل آلف بيرغان الصغير الحجم من الباب واختبأ خلف الغرفة الصغيرة الملحقة بحانة بارني، وهو يتلوى من الضحك، ومَنْ يا ترى كان جالساً هناك في الزاوية شاخراً سكران أعمى عن العالم حواليه، أهو غير بوب دوران. ما كنت أدري ما الذي كان يدور هناك واستمر آلف بإعطاء إشارات إلى خارج الباب، ويالله لم يكن سوى ذلك الممثل المهرّج العجوز اللعين دنيس برين بقبقاب الحمّام مع مجلدين كبيرين لعينين حشرهما تحت إبطه والزوجة عجلة خلفه، امرأة تعيسة منحوسة، تخبُّ مثل كلب laquo;البودلraquo; الصغير. ظننت أن آلف سينشقّ.
ـ انظر إليه، قال: laquo;برينraquo;. إنه يتسكع في كلّ أنحاء دبلن مع بطاقة بريد كان قد أرسلها له شخص ما مع بطاقة عليها U.P: U.P (136) لإقامة دعوى تشويه السمعة.
وتلوّى.
ـ يتخذ ماذا، قلت:
ـ رفع قضية، قال، بمبلغ عشرة آلاف باوند.
ـ آ، اللعنة، قلتُ.
شرع الهجين الخبيث يدمدم لدرجة يضع خوف الله فيك فترى شيئاً ما قائماً هناك، إلاَّ أن المواطن لكزه في أضلاعه.
ـ اسكتوا (137)، قال.
ـ مَنْ؟ قال جو.
ـ برين، قال آلفْ، كان في مكتب جون هنري منتون، ومن ثمَّ ذهب إلى مكتب كوليس و وردْ، ومن ثمَّ التقى به توم روتشفورد وأرسله إلى معاون العمدة من أجل حادثة مثيرة. آ، يا الله، أُصبت بألم من فرط الضحك. قُضِيَ الأمر. نظر إليه الشخص الطويل بعين منتفخة وكان ذلك بمثابة دعوى والآن راح المجنون العجوز اللعين إلى شارع غرين (138) للتفتيش عن رجل البوليس السّري.
ـ متى يقوم ذلك الرجل الطويل بشنق ذلك الشخص من ماونتجوي (139)؟
قال جو.
ـ بيرغان، قال بوب دوران، وقد تنبّه. هل هذا آلفْ بيرغان؟
ـ نعم، قال آلف. إعدام؟ انتظروا حتى أريكم. يا تَرَي أعطنا قدحاً من الجعة. ذلك المجنون العجوز اللعين! عشرة آلاف باوند. ليتك رأيت عين جون الطويل. قُضِيَ الأمر.
وشرع يضحك.
ـ على مَنْ يضحك؟ قال بوب دوران. هل ذاك بيرغان؟
ـ أسرع، أيّها الولد تري، قال آلف.
سمعه تيرنس أوراين (140) وعلى الفور جلب له قدحاً بلورياً ممتلئاً بجعة سوداء ذات رغوة خمّرها الأخوان التوأمان النبيلان بونغيفيان وبنغاردليون (141)، في رواقيد النبيذ الرائعة، وهما بارعان كولديْ ليدا التي لا تموت (142)، لأنهم يجمعون البذور اللينة لنبات الجنجل ويكدسونها وينخلونها ويسحقونها ويخمرونها ويخلطونها بعد ذلك مباشرة بأنواع من العصير الحامض ويجلبون الخمر الفطير إلى النار المقدسة ولا يتوقفان عن عملهما ليلاً أو نهاراً، هذان الأخوان البارعان سيّدا رواقيد التخمير.
ألَمْ تقدِّم، يا ترنس الشهم، بما يحتّمه العرف (143) ذلك المشروب الرحيقي وأعطيته القدح البلوري التي تاقت إليها، روح الفروسية أشبه ما تكون بروح الخالدين جمالاً.
لكنه، وهو الزعيم الشاب لآل أوبيرغان لا يطيق أن يتفوق عليه أحد في الكرم، لذا قدَّم بإشارة شفيقة بنساً واحداً من أغلى البرونز. على ذلك نقشت بصياغة فائقة صورة ملكة النبيذ الملوكي الفاخر سليلة أسرة برنسك اسمها فكتوريا (144)، إنها صاحبة الجلالة الفائقة، وبنعمة الله، ملكة المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وإيرلندا والمستعمرات البريطانية وراء البحار، حامية حمى الدين، إمبراطورة الهند، وحتى هي، التي بيدها السلطة، مظفّرة على كثير من الشعوب، محبوبة جداً، لأنهم عرفوها وأحبّوها من شروق الشمس إلى غروبها (145)، الصفر، والسود، والحمر، والأحباش.
ـ ما الذي يفعله ذلك الماسوني اللعين، قال المواطن، يجوس ذاهباً آيباً في الخارج؟
ـ ماذا؟ قال جو.
ـ خذْ، قال آلف، قاذفاً النقود. مادام الحديث عن الشنق، سأريك شيئاً لم تره أبداً. رسائل الجلاّدين. انظر هنا.
كذا راح يخرج من جيبه حزماً صغيرة من الرسائل والمظاريف.
ـ هل أنت تمزح؟ قلتُ.
ـ أقسم إنني جادّ، قال آلف. إقرأْها.
هكذا أخذ جو الرسائل.
ـ على مَنْ تضحك؟ قال بوب دوران.
كذا شعرت أنْ سيكون هناك قليل من الاضطراب. بوب شخص غريب الأطوار، حينما تصعد الخمرة إلى رأسه، هكذا قلت حتى يتواصل الحديث.
ـ كيف حال ويلي مُرَيْ هذه الأيّام، يا آلف؟
ـ لا أدري، قال آلف، رأيته الآن في شارع laquo;كابلraquo; مع ﭙادي دغمان. كنت أغذّ السير مسرعاً وراء....
ـ كنتَ ماذا؟ قال جو، رامياً الرسائل، مع مَنْ؟
ـ مع دغمان، قال آلف.
ـ هل هو ﭙادي؟ قال جو.
ـ نعم، قال آلف. لماذا؟
ـ ألا تعلم أنه متوفى؟ قال جو.
ـ بادي دغمان متوفى! قال آلف.
ـ إي، قال جو.
ـ بالتأكيد بعد أن رأيته منذ خمس دقائق، قال آلف، كتأكّدي من عصا سيري.
ـ من المتوفّى؟ قال بوب دوران؟
ـ رأيتَ شبحه إذاً، قال جو، دفع الله الشرَّ عني وعنك...
ـ ماذا؟ قال آلف. بالله، خمس فقط.... ماذا؟... وويلي مري معه، هما الاثنان قرب ما الذي تدعوه... ماذا؟ دغمان متوفّى؟
ـ ماذا عن دغمان؟ قال بوب دوران. مَنْ يتكلّم عن....؟
ـ متوفّى! قال آلف. إنه ليس متوفّى أكثر منك.
ـ ربما الأمر كذلك، قال جو. تمادوا ظلماً (146) بدفنه هذا الصباح على أية حال.
ـ بادي؟ قال آلف.
ـ إي، قال جو، لقد دفع دين الطبيعة. إرحمْه ياربّ.
ـ يالله! قال آلف.
قسماً كان كمنْ يوصف بأنه منصعق.
في الظلام كأن أيادي الشبح (147) ترفرف وحين تُوجَّه صلاة التانترا (148) إلى الجهة الخاصة تشرع بالظهور تدريجياً نورانية خفيفة ولكنها متزايدة من ضوء ياقوتيّ داكن الحمرة، فطيف الجسم الأثيري (149) يشبه الجسم المادي بوجه خاص نظراً لانبعاث طاقات الحياة (150) من هامة الرأس ومن الوجه. يقوم الاتصال بواسطة الغدّة الصنوبرية (151) وأيضاً بواسطة الإشعاعات البرتقالية الملتهبة والإشعاعات القرمزية وهي تنبعث من منطقة العجز وجوف المعدة. وحين يُسأل باسمه الأرضي عن العالم العلوي أجاب أنه الآن في درب البرالايا (152) أو العودة ولكنه على الرغم من ذلك يخضع إلى محاكمة على أيدي كائنات معينة متعطشة للدم (153) إذا كانت الأرواح من المرتبة الأثيرية الواطئة. وفي جواب لسؤال عن مشاعره الأولى لدى عبوره إلى الموت (154) قال إنه سابقاً كان ينظر في مرآة (155) في لغز، بيد أن لهؤلاء الذين قضوا احتمالات عالية في بلوغ المستوى الروحي المفتوح لهم (155). واستجوب عما إذا كانت الحياة هناك تشبه وجودنا الذي خبرناه بأجسادنا قال: إنه سمع من هؤلاء الذين تطوّرت أرواحهم أن مساكنهم الحديثة مزوّدة بالأشياء المريحة مثل التالافانا والألافاتار والكاتاكالدا وتاكلاسادا (156) وإن هؤلاء الذين في أعلى المراتب الروحية ينغمسون في أمواج النعيم بأنقى طبيعة له (157). وعندما طلب قدحاً من مخيض الحليب جيء له به وكان هذا مدعاة للارتياح بوضوح. سُئل فيما إذا كانت لديه أية رسالة للأحياء، فقد حضَّ كلّ مَنْ لم يبدأ السبيل إلى المايا (158) ليتعرف على الطريق القويم لأن في المدارات السماوية (159)، كما ذُكِرَ، أن المريخ والمشتري (160) برزا لإيقاع الضرر بالزاوية الشرقية حيث لبرج الحمل السلطة. ثم استفسر عما إذا كانت ثمة رغبات خاصة فكان جوابه: نحن نحييكم، أيّها الأصدقاء على الأرض، الذين ما زالوا داخل الأجسام، احذروا من سي.كي. خشية أن يثقل عليكم. من المؤكد أن الإشارة كانت للمستر كورنيلسر كيليتشر، مدير مؤسسة هـ.جي.اونيل لنقل الموتى، وهو صديق شخصي للمتوفى، والذي أخذ على عاتقه تنفيذ إجراءات الدفن. لقد طلب قبل وفاته أن يُخبر ابنه باتسي بأن فردة الحذاء الأخرى التي كان يفتّش عنها موجودة الآن تحت المنضدة في الغرفة الملحقة بالبيت وبأن الفردتين يجب أن ترسلا إلى صانع الأحذية كولن لإضافة نعل جديد إليهما لأن الكعبين ما يزالان بحالةٍ لا بأس بها.قال إن هذه المسألة شوّشت راحة باله كثيراً في العالم الأخروي وطلب بحماسة أن رغبته هذه يجب أن يُعلن عنها. لقد أُعطيتْ تأكيدات بأن هذه المسألة سينظر فيها وأُعلن أن هذا كان مُرْضياً.
لقد غاب عن مساكن البشر: أو دغنام، شمس صباحنا. كانت قدمه تنطلق بسرعة على أجمة السرخس. باتريك صاحب الجبين الوضّاء. أعولي، يابانبا (161) مع ريحك، وأعولْ أيها البحر، مع أعاصيرك.
ـ هاهو مرَّة ثانية، قال المواطن، وهو ينظر إلى الخارج.
ـ مَنْ؟ قلت.ُ
ـ بلوم، قال. إنه مثل شرطي، ذاهب آيب هناك لمدة عشر دقائق.
ويا لله، رأيته بقضّه يختلس النظر إلى الداخل ومن ثمَّ ينسل إلى الخارج مرّة أخرى.
انصعق آلف الصغير فترنّح من جانب إلى جانب. حقا كان منصعقاً.
ـ يارب! قال. أقسم أنه كان هو.
وقال بوب دوران، وقبّعته على شعره المستعار إلى الخلف، إنه لا مثيل له في بذاءته بدبلن حينما يكون مخموراً.
ـ مَنْ قال إن المسيح طيّب؟
ـ أستميح فجلك الأبيض عذراً، قال آلف.
ـ هل كان ذاك مسيحاً طيباً، قال بوب دوران، أن يأخذ المسكين العزيز وُلي دغنام؟
ـ آ، حسن، قال آلف، محاولاً أن يتجاوزها. إنه منشغل في متاعبه.
بيد أن بوب دوران زعق.
ـ إنه وحشي خبيث، قلت، أن يأخذ المسكين العزيز ولي دغنام.
جاء تَرَي وغمز له أن يسكت، ذلك أنهم لا يريدون ذاك النوع من الكلام في حانة مرخّصة محترمة. وشرع بوب دوران في البكاء على ﭙادي دغنام، تلك حقيقة لا مراء فيها.
ـ أرقّ رجل، قال، وهو يبكي، أرق وأنقى شخص.
الدمعة تجري قريباً من عينك (162)، يتكلم بأشياء لا يفقهها. من الأفضل له أن يذهب إلى البيت إلى زوجته المومس المسرنمة (163) الحقيرة التي تزوجها: موني، بنت أحد المستخدمين في المحاكم، وكانت أمّها تدير نزلاً في شارع هاردوِكْ وهي تجوس هناك متبطلة على بسطة السلّم، كما قال لي نزيلها بانتام ليونز، في الثانية صباحاً عارية عارضة نفسها على كلّ الوافدين إليها دون تفضيل أيّ منهم.
ـ الأشرف، والأصدق، قال. وقد ذهب، يالـ ولي المسكين العزيز، يا لـﭙـادي دغنام المسكين العزيز.
ومكروباً وبقلب شديد الحزن طفق يبكي انطفاء شعاع السماء ذاك.
شرع غاريأوين العجوز يدمدم مرّة ثانية على بلوم الذي كان ينظر قرب الباب.
ـ ادخلْ، تعالَ، قال المواطن، لن يلتهمك.
هكذا دخل بلوم بعين أحمق على الكلب وسأل تري هل كان مارتن كنينكهام هناك.
ـ آ، اللعنة عليك يا ماكيون، قال جو، وهو يقرأ إحدى الرسائل. إسمع إلى هذه، رجاء.
وشرع يقرأ إحدى الرسائل.
7 ـ شارع هنتر
ليفربول
إلى عمدة مدينة دبلن
دبلن
أتشرّف أن أقدّم خدماتي في القضية المؤلمة المذكورة أعلاه فإني قمت بشنق جوْ غانّ في سجن بوتل في 12 فبراير/ شباط 1900، وإني قمتُ بشنق...
ـ أرِنا، يا جو، قلتُ.
ـ.... الجندي آرثر تثيس لقتله الغادر لجيسي تلست في سجن بنتونفيل وكنت مساعداً عندما....
ـ ياربّ، قلتُ.
ـ.... أعدمْ يا بيلنغتون، القاتل المرعب تود سمث....
مدَّ المواطن يده لأخذ الرسالة.
ـ أمسك بقوة، قال جو، لديَّ قدرة خاصة في وضع حلقة المشنقة مرّة واحدة فلا يقدر أن يتخلص آملاً أن يكون ذا حظوة أنني يا سيدي، أتشرّف وأجرتي خمسة جنيهات.
هـ. رمبولد
كبير الجراحين (الحلاقين).
ـ وهو أيضاً متوحش خبيث، قال المواطن.
ـ والكتابة الرذيلة التي لا تُقرأ لعديم الضمير هذا، قال جو. خذها، قال، أبعدْها عن ناظري، يا آلف، أهلاً، يا بلوم، قال، ماذا تشرب؟
عندئذٍ أخذوا يتجادلون حول المسألة، قال بلوم إنه لن ولا يمكن أن يعذره وما من إساءة قصدت أو ما إلى ذلك، ثم قال إنه تناول سيجاراً لا غير.
حقاً. إنه عضو حصيف من غير شك.
ـ أعطنا واحدة من أفضل سكائرك،، يا تري، قال جو.
وأخبرنا آلف أن هناك شخصاً أرسل بطاقة تعزية مع حافة سوداء حواليها.
ـ كلّهم جرّاحون حلاّقون، قال، من بلد الأسود، الذي لا يني يشنق آباءهم بالذات بخمسة جنيهات نقداً مع مصروفات السفر.
وبينما كان يخبرنا، ثمة شخصان ينتظران تحت ليسحبا قدميه عندما يشنق ويختنق اختناقاً تاماً، وبعد ذلك يقطّعون الحبل ويبيعونه أجزاء بشلنات قليلة لكل رأس.
فرسان الموسى طالبو الثأر يقيمون في البلد المظلم، يمسكون بالأنشوطات القاتلة: نعم، وفي ذلك المكان يقودون إلى مملكة الظلام (164) مثوى الأموات كل مَنْ سفك دماً ولن أسمح بأية حال بذلك حتى لو قال بها الربّ.
كذا شرعوا يتحدثون عن عقوبة الإعدام وبالطبع يطلع عيهم بلوم باللماذا واللأيّ شئ وكل ما تتضمنه القضية من تعابير مازحة والكلب العجوز يتشممه طيلة الوقت وقد أُخبرتُ أن لهؤلاء اليهود نوعاً من رائحة غريبة تنضح منهم للكلاب ولا أدري ما التأثير المعوّق وهكذا وهلَّم جرا.
_ هناك شئ واحد ليس لها تأثير المعوّق عليه، قال آلْفْ.
_ ما هو؟ قال جو.
ـ قضيب الرجل المسكين (165)، الذي يُشنق، قال آلف.
ـ صحيح؟ قال جو.
ـ حقيقة لا جدال فيها، قال آلف. سمعت ذلك من رئيس الحرس في سجن كيمينهام، فعندما شنقوا جو بريدي (166) الذي لا يقهر. أخبرني إنهم حينما خلصوه من الحبل بعد الشنق وجدوا آلته التناسلية منتصبة في وجوههم مثل قضيب تحريك النار.
ـ إن الرغبة المستحوذة على النفس قوية في الموت (167)، قال جو، كما ذكر أحدهم.
ـ يمكن تفسير ذلك علمياً، قال بلوم. إنها لا أ كثر من ظاهرة طبيعية، ألا ترى، لأنها إذا اعتبرنا...
ومن ثمَّ شرع بكلماته الصعبة في الحديث عن الظاهرة والعلم، وعن هذه الظاهرة والظاهرة الأخرى.
قدّم العالم البارز البروفيسور لوتبولد بلو مندفث بيّنة طبية (168) من أن الانكسار الآني لفقرات العنق ومايتبعه من انشطار الحبل الشوكي سينتج لا محالة في الإنسان، بناء على العلوم الطبية التي ثبتت صحتها بمرور الزمن، منبهاً عنيفاً في مركز نشاط القوة العصبية في الجهاز التناسلي وتجعل بهذه الوسيلة المسامات المطاطة للعناصر المجوّفة (169) تتمدد بسرعة بطريقة تسهّل معها تدفق الدم إلى ذلك الجزء من التركيب البنيوي للكائن البشري المعروف باسم القضيب أو الآلة الذكورية مؤدياً إلى الظاهرة التي تهيمن عليها القدرة على القيام والتمدد السقيمين في الانتصاب لحبّ النسل (170) عند لحظة الموت الناجم عن كسر الرقبة.
لذا كان المواطن بالطبع منتظراً لحظة الكلام وراح ينفث عن quot;الذين لا يقهرونquot; (171) وعن quot;الرجال العظام القدامىquot; (172) ورجال تمرّد 1867 (173) وقصيدة quot;مَنْ يخشى الحديث عن تمرد 98quot; (174) وشاركه في الحديث جو عن هؤلاء الذين شنقوا واعتقلوا ورحّلوا بسبب القضية بمحاكم عرفية عاجلة ومن أجل إيرلندا جديدة. وإذا دار الحديث عن إيرلندا جديدة فعليه أن يذهب ويشتري كلباً جديداً وهذا ما يجب أن يفعله. بهيمة جرباء شرهة تشمشم وتعطس في كل أنحاء المكان حاكّاً قشرة جلده. ويدور ذاهباً إلى بوب دوران الذي اشترى لآلف نصف كأس شراب وهو يتملّقه ليحصل على ما يمكن حصوله. لذا شرع بوب دوران يقوم بدور الأبله معه!
ـ أعطنا يدك! ارفع يدك، يا كليْب! كليْب جميل عزيز! ارفع يدك هنا! أعطنا يدك.
حقاً، نهاية لعينة لليد التي يمدُّ لها يده ويحاول آلفْ أن يجنّبه من الوقوع من الكرسيّ اللعين فوق الكلب العجوز اللعين وهو يتكلم بكلّ أنواع الحماقات عن تدريب الكلب الأصيل والكلب الذكي برفق: كلام يوقع في النفس الاشمئزاز. ثم شرع يجمع بعض حتاتات من البسكويت من قعر علبة جاكوب، التي طلب من تَرَيْ أن يجلبها. ياللعجب آزدردها بصورة مروّعة وكان لسانه يتدلّى خارجه بمسافة ياردة أو أكثر. قريباً من أكل العلبة وما احتوت، النغل اللعين جائع.
وتجادل المواطن وبلوم بشأن المسألة: عن الأخـوين هنري وجون شيرز (175) وعن وولف تون (176) في السجن الواقع على تل آربر وعن روبرت أميت (177) الذي quot;مات من أجل وطنهquot; وعن محنة تومي مور (178) وخطيبته ساره كورّان وهي بعيدة من البلاد. وبالطبع، بلوم وسيجاره المريع متباهياً بوجهه الجرئ. ظاهرة! إن كومة اللحم السمينة التي تزوجها ظاهرة قديمة جميلة مع عجيزة عليها مثل تكوير كرة، وفي الوقت الذي كانا يقيمان في فندق سيتي آرمز مؤقتاً كما أخبرني ﭙـيسر بيرك، كانت هناك سيدة عجوز مع ابن أخت مخبول مخزٍ (179)، وبلوم كان يحاول يعابثها ويدلّلها ويلعب معها قمار البزيك ويأتي لقليل من النقود في وصيتها ولا يأكل اللحم أيّام الجمع لأن السيدة العجوز كانت ورعة (180) وتأخذ المغفّل للتمشّي، وفي إحدى المرّات طاف به في حانات دبلن، وأقسم بالبابا (181)، إنه لم يَصِحْ انهرتُ إلى أن جاء به إلى البيت وكان ثملاً مثل بومة مسلوقة وقال إنه فعلها ليعلّمه شرور الخمرة وقسماً بسمك الرنكة، إن النساء الثلاث العجوز وزوجة بلوم والمسز اودود صاحبة الأوتيل كدن يشوينه. وتلك قصة غريبة. يالله لم يبقَ لي إلاَّ أن أضحك على laquo;بيسر بيركraquo; وهو يضع حداً لمناقشاتهم. وبلوم مع تعابيره المتكررة: لكن ألا ترى؟ ولكن من الناحية الأخرى. ويقيناً بالإضافة إلى ذلك، فقد قيل لي إن المغفّل كان في متجر خمور باور بالقرب من شارع كوب عائداً إلى بيته بسيارة خمس مرات في الأسبوع بعد أن يشرب من كل عينات خمور المحلّ اللعين. ظاهرة!
ـ نخب ذكرى الأموات (182)، قال المواطن، رافعاً كأسه ومحدّقاً ببلوم.
ـ نخبهم، نخبهم، قال جو.
ـ لم تفهم ما عنيته، قال بلوم، ما عنيته....
ـ Sinn Fein (شِنْ فينْ: نحن) قال المواطن Sinn Fein Ambain (شِنْ فين أمبين ـ نحن لوحدنا) (183) الأصدقاء الذين نحبّ إلى جانبنا وأعداءنا الذين نكره أمامنا (184).
كان الوداع الأخير (185) مؤثراً كلّ التأثير (186). قُرِعَ ناقوس الموت من أبراج الكنائس القريبة والبعيدة بلا انقطاع بينما دقَّ في كلّ الأنحاء الكئيبة الإنذار المشؤوم لمئات الطبول الخفيضة الصوت يقطعها دويّ وحداتٍ مدفعية. يشهد قصف الرعود المصمّ وإيماضات البرق الخاطفة للبصر التي أضاءت المشهد المرعب على أن مدفعية السماء أضفت عظمة خارقة للطبيعة إلى المنظر المهول. ونزل مطر مدرار من بوابات السماء الغاضبة على الرؤوس الحسيرة للمجتمعين الذين يُعدّون مائة ألف شخص في الأقل.
وحافظت ثلّة من بوليس دبلن بإشراف مدير الشرطة شخصياً على النظام بين الحشود الحاشدة الذين من أجلهم قامت الفرقة الموسيقية النحاسية لشارع يورك بملء الوقت الفاصل بما يدعو إلى الإعجاب من عزفٍ على آلاتهم المجللة بالجوخ الأسود للحن الفريد الأثير لدينا منذ المهد، والذي جادت به ربّة شعر سبيرانزا (187) الحزينة، وجُهِّزت قطارات وحافلات الـنزهة الخاصة بما يجلب الراحة لأقربائنا الريفيين الذين وفدوا بأعداد غفيرة.
وأدخل مطربوا شوارع دبلن المفضلون البهجة في نفوس المتفرجين بطريقتهم المعتادة. Lـ Mـ Hـ N وMـ LL ـ Gـ N وقد غنّوا أغنية: quot;الليلة التي قبل وفاة هاريquot; (188). وقام مهرّجانا الفذّان ببيع أغانيهما بفورة صاخبة لعشّاق الفن الكوميدي وما من أحد في قلبه ركن للمزاح الإيرلندي الحقيقي الخالي من الدناءة سينكر عليهما رزقهما الذي يحصلان عليه بشقّ النفس. ودخل السرور في قلوب الأطفال الذكور والإناث في مستشفى اليتامى الذين تجمّعوا في النوافذ المطلّة على المشهد فكان بالنسبة لهم إضافة غير متوقعة لما حمله له هذا اليوم من لهوٍ وتسلية، ولابدَّ من كلمة ثناء للراهبات الحنونات في المستشفى الخيري للأطفال الفقراء اليتامى. ضمّت حفلة الاستضافة التي أقامها نائب الملك كثيراً من السيّدات المشهورات يرافقهن أزواجهنَّ أصحاب السعادة وقد أُخذوا إلى أفضل الأماكن على المدرج بينما هُيِّئت للوفد المفوّض الأجنبي البهيج الذين يُعرفون باسم أصدقاء جزيرة إيرلندا الزمردية منصة مقابل المدرج مباشرة. ضمَّ الوفد الذي حضر بكامل طاقمه قائد الفرسان يا سيباتشي بينينو بينوني (وهوع عميد السلك الدبلوماسي نصف المشلول الذي كان لابدَّ من إعانته للوصول إلى كرسيّه بواسطة مرفاع بخاري قوي، والمسيو بييربول بيتيياتان وكَراند جوكر فلادنمير بوكثانكرتشيف، وأرتشجوكر ليوبولد رودولف فون شوانزينباد ـ هودنثالر، والكونتيسة مارها فيراغا كيساسزوني بوثرا بسثي وهرام ى. بومبوست، والكونت أثاناثوس كراميلوبولس وعلي بابا بخشيش (189) راهات لكوم أفندي (190) والسنيور هيدالغو كاباليرو دون بيكاديلو وبالابراس وباترنوستر دي لامالورا دي لا مالاريا وهوكوبوكو هاراكيري وهاي هونغ تشانغ وأولاف كوبركديلسون ومنهير ترك فان ترمبس وبولاكس ﭙادي رسكي وغوسبوند بيهكلستر كراتشينا برتشيستش وبورس هيبنكوف وهير هورهوسدير كتوربرسيتند هانس تشوتشلي ـ ستيورلي، الجمنازيو ما الوطنيا المحتفا لمصحو القلق العلاجا لعاديا لمحاضر التاريخ العام البروفسور الدكتور الخاص كريغفرايد أبرالجميم (حرب سلام فوق كلّ شيء). عبّرت الوفود عن نفسها بلا استثناء بأقوى العبارات المتغايرة الممكنة عن الوحشية التي يُتعذّر وصفها والتي استدعوا ليشهدوها.
ثار جدال حادّ (اشترك فيه الجميع) بين أفراد أصدقاء إيرلندا فيما إذا كان اليوم الثامن أو التاسع من شهر مارس/ آذار هو التاريخ الصحيح لمولد سانت ﭙاتريك راعي إيرلندا، وفي أثناء الجدال لجأوا إلى استعمال قذائف المدافع، والسيوف والألواح الخشبية المعقوفة، والبنادق القصيرة، والمتفجرات النتنة الخانقة، والسواطير، والمظلاّت، والمنجنيق والبراجيم وأكياس الرمل وسبائك الحديد وكذلك تمّ تبادل اللكمات بسخاء. لقد استدعي الشرطي الريفي ذو الوجه الطفولي ماك فادن من قرية بوترستون بواسطة مبعوث خاص فأرجع الأمور بسرعة، إلى نصابها بحزم خاطف مقترحاً أن اليوم السابع عشر من الشهر هو الحلّ وهو مقبول بالتساوي لكلا الطرفين المتنازعين. راق الاقتراح الذي تقدّم به الشرطي السريع البديهة للجميع وقُبل بلا استثناء. لقد هنّأ أصدقاء إيرلندا جميعهم، الشرطي ماك فادن من صميم قلوبهم وكان بعضهم ينـزف نزيفاً غزيراً. وبعد أن تمَّ تخليص القائد بنينوبينوني من تحت كرسيّ الرئاسة علّل مستشاره القانوني أﭭاكادو باغاميمي (191) سبب وجود أشياء مختلفة تسرّبت خفية في جيوبه الاثنين والثلاثين (192)، بأن القائد انتزعها من جيوب زملائه الشباب، آملاً بذلك العمل أن يعيدهم إلى رشدهم. الأشياء (التي تضمنت ساعات رجالية ونسائية ذهبية وفضيَّة) أعيدت بسرعة إلى أصحابها الحقيقيين وساد وئام شامل.
بوقار، بتواضع سار رمبولد إلى المشنقة بثياب صباحية نقية واضعاً زهرته المفضلة الدلبوث المنقطة بقطرات حمر. أُعلن عن حضوره بتلك القحّة الرقيقة الخاصة به التي حاول كثيرون جداً (ولم يحالفهم النجاح) أن يقلّدوها ـ قحّة قصيرة، جاهدة ومع ذلك تبقى خاصة به. لقد اسْتُقبل الجلاّد المشهور عالمياً بصياح من الترحيب من الحشد الحاشد ـ من سيّدات نائب الملك وهن يلوّحن بمناديلهن من فرط هياجهنَّ في حين رحَّب حتى أ كثر الوفود الأجنبية تأثّراً بصياح شديد بخليط من الأصوات: هوﭺ (193)، بانزاي، إلخن، زيفيو، تشنتش، بولا كرونيا، هبهـپ، ﭭـيـﭭـه، ألله، ووسط ذلك كان يمكن تمييز اﭭـيـﭭامن وفد بلاد الأغنية بسهولة (فاء مشدّدة عالية تذكّر بالنغمات الجميلة الحادة التي بها فتن المغنّي الكاتولوني المخصي جدّات جداتنا) (194). كانت الساعة الخامسة عصراً بالضبط، ومن ثمَّ أُعطيت إشارة للصلاة على الفور بواسطة مكبر الصوت وبلحظة حُسِرتْ كل الرؤوس وأمّا قبعة القائد البطريركية التي كانت في حوزة عائلته منذ ثورة رينزي (195)، فقد رفعها عن رأسه مستشاره الطبي ﭙـيـﭙـي. وقام المطران العالم برسم الطقوس الدينية الأخيرة للضحية البطل الذي سيدفع ديّة الموت شنقاً. ركع المطران بأسمى روحٍ مسيحية في بركة من ماء المطر وغفّارته الكهنوتية على رأسه الأشيب وقدّم إلى العرش الربّاني صلواتِ تضرّعٍ متحمسة.
ووقف شخص كالح هو الجلاّد ويده على حبل البكرة وقد سُتِرَ وجهه بوعاء بسعة عشرة غالونات مع فتحتين مستديرتين ومن خلالهما حملقتا عيناه بسعار. وبينما كان ينتظر الإشارة القاتلة فَحَصَ حافة أداته المرعبة. بمسحها على ذراعه المتعضلة أو بضرب أعناق قطيع من الخراف ضرباً متلاحقاً سريعاً وقد زوّده بها المعجبون بواجبه الوحشي ولكنه ضروري. وعلى طاولة جميلة من خشب الماهوغاني بالقرب منه صُفَّتْ بعناية سكّينة التقطيع (196)، والأدوات المختلفة المسقية بدقة لنـزع الأحشاء (وقد صنعتها خصيصاً شركة السكاكين المشهورة عالمياً: جون راوند وأولاده شفيلد) وقدور فخارية صغيرة لتوضع فيها الأمعاء الاثني عشر والقولون والمصران الأعور والزائدة الدودية الخ... حينما تُنتزع بنجاح، ودورقان وافيان أشبه بدورقي حليب خصّصا لتلقّي أغلى دم من أغلى ضحية. وكان ممثل ملجأ القطط والكلاب (197) حاضراً لإيصال تلك الأوعية حينما تمتلئ إلى ذلك الملجأ الخيريّ. وأقامت السلطات وجبة فاخرة جداً متكونة من شرائح لحم خنـزير وبيض، وشرائح لحم مشويّ وبصل، طبخت بصورة محكمة، وأقراص خبز صباحي حار لذيذ وشاي منعش، من أجل الشخصية المركزية، في هذه التراجيديا الذي كان بروح عالية حينما هُيِّئَ للموت وأبدى أشدّ اهتمام بالماجريات من البداية إلى النهاية ولكنه بنكران ذات نادر في أيّامنا هذه، ارتفع إلى مستوى المسؤولية بمروءة وعبَّر عن رغبته الأخيرة (وقد قُبِلتْ على الفور)، في أن الوجبة يجب أن تقسَّم إلى أقسام بالتساوي على أفراد جمعية المرضى والمعوزين كدليل على اهتمامه واحترامه. بلغت الرهبة أقصاها حينما شقّتْ عروسه الحيّية طريقها خلال صفوف المتفرّجين الملتزّة ورمت بنفسها على صدره المتعضّل الذي كان على وشك أن يُقْلع إلى الأبدية من أجلها، ثنى البطل جسدها اللّين الممشوق باحتضانة حنون وهو يتمتم بحنيَّة يا وطني شيلا أنت لي أنا (198). وبعد أن تشجّعت لأنه ناداها باسمها الأوّل، قبّلته بعنف في جميع أجزاء شخصه اللائقة المختلفة التي تسمح أصول ثياب السجن لصبابتها أن تصل إليها. أقسمت له، بينما مسيلا دموعهما المالح يختلطان، بأنها ستبقى مقيمة على ذكراه إلى الأبد، وأنها لن تنسى ولدها البطل الذي مضى إلى موته وعلى شفتيه أغنية وكأنما هو ماضٍ إلى لعبة إيرلندية قوية في متنزّه كلوتيرك. لقد أعادت لذاكرته أيّامها السعيدة في طفولتهما المنعّمة على شواطئ نهر laquo;لِفيraquo; حينما غرقا في لهو الشباب البريء، وبينما كانا ساهييْن عن الحاضر المرعب، ضحكا من صميم قلبيهما، كذلك فعل كل المتفرجين بما فيهم القسيس المبجّل الذي شارك في غبطتهما العميمة. ذاك الجمهور المتوحش ببساطة اهتزَّ بالسرور. لكنها في ذات الوقت غلبهما الحزن وشبكا أيديهما للمرّة الأخيرة. تفجّرت دموع جديدة من مؤقيهما وتأثر حشد الناس تأثراً من صميم قلوبهم ونشجوا نشجات تمزَّق النياط ولم يكن الكاهن الفخري العجوز نفسه أقلَّ تأثراً. رجال ضخام أقوياء (199) ضباط الأمن، الشرطة الملكية الإيرلندية الطوال، كلّهم نشّفوا دموعهم بمناديلهم ويمكن القول إنه ما من عين جافة في ذلك التجمّع القياسي. ووقعت حادثة من أكثر الحوادث رومانتيكية حينما تقدَّم شاب وسيم من خريجي جامعة أوكسفورد (200) وقد عُرِف بشهامته تجاه الجنس الناعم، وقدَّم بطاقته ودفتر حسابه المصرفي وشجرة عائلته وطلب يد البنت الشابة المنكودة (201)، سائلاً إياها أن تعيّن اليوم، وقد قُبِلَ طلبه فوراً.
قُدِّمت إلى كل سيدة بين الجمهور هدية تذكارية رفيعة الذوق بهذه المناسبة وهي عبارة عن حلية على شكل جمجمة مع عظميْن متصالبيْن، عملٌ في محله وسخي فجّر العواطف من جديد. بلغت الانفعالات زباها حينما وضع الشاب الأوكسفوردي الشهم (إنه يحمل بالمناسبة أكثر الأسماء شرفاً في تأريخ بريطانيا) في إصبع خطيبته الحيية خاتم خطوبة غالياً ومر