عبد الجبار العتابي من بغداد: على الرغم من الصورة الاليمة التي يظهر بها الاديب العراقي المعروف فهد الاسدي، بعد ان أصاب الشلل يده وساقه وجعله يسير بصعوبة متعكزا على عصا، الا أنه ما زال مواظبا على حضور الانشطة والفعاليات الثقافية، تشعر ان ما يعانيه في الاياب والذهاب يذوب فور جلوسه داخل القاعة واستماعه الى الاحاديث والنقاشات، لكن امله لن ينقطع في ان ينعم بالشفاء الذي طال انتظاره، مع فهد الاسدي كان لنا هذا الحوار الذي انغمس بعضه بالالم.

* ما نتاجاتك الادبية بعد روايتك الاخيرة؟
- انا الان معطل عن الكتابة، معطل منذ صدور روايتي الاخيرة (الصليب حلب بن غريبة)، ولي رواية الان تتحدث عن ثورة الاهوار، اكملت الجزء الاكبر منها، وعطلني عن اكمالها مانعان، الاول: سطوة الدكتاتورية سابقا، والثاني: مرضي الان، وكنت قد بدأت كتابة هذه الرواية عام 1998، كما لديّ مجموعة قصصية هي الرابعة ومعدة للطبع ايضا بعنوان (عقدة غوردوس)، كما لدي مجموعة تنتظر ان اضيف لها ثلاث او اربع قصص، ولي مسرحيتان مخطوطتان هما (صلوات الانتظار) و (ما في الهميان)، وكلها مشاريع معطلة بفعل العهدالسابق، وخلال السنوات الست الماضية تعطلت اليد اليمنى والساق اليمنى، وانتظر حل عقدتيهما لانهما يشداني بحبال فولاذية واعاني من ألم مبرح طوال اليوم.

* الا يمكن علاج يدك وساقك مما اصابهما؟
- ممكن العلاج طبعا، ولكن ما يحدث هو أنصاف الحلول، هناك الكثير من الجهات قالت انها ستساعدني ومنها جهة العرض الاجمل من قبل الاستاذ سعد البزاز من مؤسسة الاعلام المستقل، وقد تبرع في وقتها بنفقات علاجي خارج العراق ولكن بعد ان اكمل العلاج الطبيعي داخل العراق، وها أنذا انتظر سنوح الفرصة من اجل السفر خارجا لاكمال هذا العلاج، والى ذلك الحين سأظل منتظرا عناق معشوقتي الابدية (القصة) وعذرا للقارئ على هذا التأخير.

* ما سبب الاصابة؟
- جلطة دماغية، اذ ان محنة هذا المرض هي سرعة الاصابة وبطء الشفاء، وللاسف ان العلاج سكتت عنه الدولة ومؤسسات الثقافة والادب ومنها اتحاد الادباء الذي اعتذر بحجة عدم وجود ميزانية للصرف على الاعضاء، هكذا تأخروا عني، وقبلها تعرضت الى محنة مرض زوجتي الذي صرفت كل مدخراتي عليه، وللاسف الكثير من الجهات وعدت ولكن كانت وعودها مجرد كلام، ولم اجد اي شيء، حيرتي وألمي انني لا اقدر ان اصل الى قاعة اتحاد الادباء، اجد صعوبة كبيرة في الوصول وحضور نشاطاته، وحين اصل فأنا مرغم لأنها ساحة عشقي الحقيقي الذي هو الادب.

* ايهما اقرب اليك مبدعا: القصة القصيرة ام الرواية؟
- تبقى ثيمة الموضوع هي التي تتحكم في كتابة الشكل، فمثلا انا بدأت بالقصة القصيرة عام 1960، وفعلا قدمت قصصا انا مقتنع بها سواء التي نشرت داخل او خارج العراق والتي ترجمت، وقد كتبت رواية (الصليب حلب بن غريبة) منذ عام 1974 وحاولت نشرها الا انها اصطدمت بعقبات المنع، وبقي هاجسي ان اكتب رواية دائما خاصة وان احداثا عظيمة كالتي تعرض لها وطني الجبيب، هذه الاحداث هي حبلى بعشرات، بل مئات الثيمات في مواضيع الرواية.

* ايهما اصعب برأيك؟
- هما فنان صعبان، صحيح هما يصدران من المصدر نفسه، ولكن لكل منهما خصائصه واسلوبه الخاص وساحته التي يصطرع فيها، فن القصة يتميز بكونه من ضروب الاداب الحديثة، وهو يسجل اخر ما قدمته ابداعات الادب، اما عن الرواية فإنها ومع قدم توجهاتها فهي فن جديد بدأ مع دون كيشوت، يعني انه فن قد تخلف تاريخيا عن الشعر والمسرح وباقي الضروب الادبية الاخرى، هذان الفنان لهما تخومهما ومزاياهما الخاصة وكل ضرب منهما يسجل اسلوبا لمعالجة الحياة.

* هل تعتقد ان الرواية مقروءة في عصر السرعة والانترنت؟
- بعد ظهور عصر المعلوماتية والقناعات الذاتية لا اجد حاجة للتصريح بأنني غير خائف على مستقبل القصة والرواية، ان الشعر قد بدأ منذ عصور سحيقة وما زال يضيء، وكما ان المسرح ومع اسخيلوس قد ظهر على ساحة الانسان وما زال قادرا على معالجة الكثير من مشاكله وحين برزت الرواية والقصة وظلتا تتسيدان، فهما تعدان بخلودهما، اي بخلود الشعر والمسرح، قد تولد ضروب وانواع جديدة للتعبير عن الانسان، هذه الضروب لا تخنقها آلات الانترنت او غيرها من الاختراعات، قد تزاحمها صحيح ولكن ان تلغيها فهذا ما أشك به ابدا.

* كيف ترى واقع القصة والرواية في العراق؟
- المعاناة التي عاناها الشعب العراقي انتجت اعمالا قد لا تكون في مستوى الطموح الذي يوازي الآلام والتحديات التي ما زالت تقف في مسيرة الانسان العراقي، وانا واثق ان شعبا قد حبل بمشكلات مصيرية كبيرة وقد تلون بمتاعب هي خلاصة عذابات قرون طوال واجهت هذا الانسان، واني واثق ان هذه المعاناة ستتمخض عنها اعمال عظيمة تسجل حضورها على خارطة الاعمال الروائية والقصصية في العراق لان هذين الفنين بالذات لصيقان بالواقع، ممكن التهويم في اي فن لكن القصة والرواية هما نتاج واقعي معاش، وهذا ما منحته الاحداث العظام وهذه العلاقة الجدلية التي يحرص الفنان على التعبير عنها في فنه، انا لم اتابع كثيرا من النتاج بسبب مرضي

* ما رأيك بالواقع الثقافي بشكل عام؟
- هناك نشاط ثقافي وادبي كبير رغم الاحداث والانفجارات ورغم الواقع المزحوم بالتحديات الكبيرة، انا أنحني لأدباء ينحتون الان في الصخر مقدمين نشاطهم الفكري والابداعي رغم عدة مزاحمين، منهم الانترنت وانصراف الكثير من ابناء الجيل الجديد عن الادب لظهور لُعب ابداعية جديدة، ولكن ما يطرح في الساحة الادبية من منتوج وما يهيأ له من مهرجانات ولقاءات تؤكد نظريتنا المعروضة بأن هذا الشعب يحبل بإبداع كبير ذلك لانه عاش واقعا مريرا ومأسويا صنع منه هذا النتاج الكبير، اما الان لكثرة الكم وما تطرحه المطابع من نتاجات سيتقدر لي ان اشير الى مساطر كثيرة تؤرخ لهؤلاء المبدعين، وحين تمنحني الفرصة للشفاء يمكنني ان اميز بين الغث والسمين.