إيلاف - التجاوب مع مهرجان quot; تاء الشباب quot; 2009 في البحرين وفعالياته، كان أسرع من المتوقع حيث انطلق أمس quot; منتدى التفكيكيين العرب quot; بتوقيع الدكتور محمد شوقي الزين الباحث في جامعة بروفونس (فرنسا).

يقول الزين: quot; هذا المنتدى هو بمثابة وعد كان على عاتقي لإنشائه و كنت في ما مضى قد أخبرت الراحل quot; جاك دريدا quot; عن إنشائه للتعريف بأفكاره و ليكون محطةً للنقاش و التبادل على المستوى العربي. والواقع أنّ إحتفائية quot;تاء الشبابquot; في البحرين بالفيلسوف الفرنسي الراحل (من 10 إلى 12آب - أغسطس الجاري) كانت المحفّز لإنشاء هذا المنتدى.

يمكنكم التسجيل في المنتدى و إفادتنا جميعاً بمعارفكم في مختلف الحقول المرتبطة بالتفكيك: الفلسفة، الأدب، القانون، الفن، العمارة، الدين... إلخ، على موقع المنتدى:
http://jacques-derrida.forumactif.com

في السياق نفسه ألقت الشاعرة المصرية quot; صفاء فتحي quot; أمس مقتطفات من ديوانها quot; إسم يسعي في زجاجة quot;، كما تم تدشين كتاب quot; دريدا بأثر رجئي quot; في مركز الفنون في المنامة، بحضور الشيخة مي بنت محمد آل خليفة وزيرة الثقافة والإعلام ولفيف كبير من المثقفين العرب والجمهور.
يقول الباحث quot; محمد البنكي quot;، وكيل وزارة الثقافة والإعلام في البحرين، ومحرر الكتاب: quot; عندما اخترنا هذا العنوان للكتاب توخينا أن نقترب من المفكر الفرنسي جاك دريدا (1930- 2004) بأكبر قدر ممكن من السكن في مناخاته، والتدثر بأثره.. فالأثر trace مدماك مفتحي في عدة دريدا المفاهيمية (المضادة للمفاهيم).. وتعبير quot;رجئيquot; يحيل على الإرجاء الذي هو خيار استراتيجي عرفت به أفكاره. ولئن كانت العبارة quot;بأثر رجعيquot; هي السائدة كتعبير اصطلاحي مطروق ومتداول فإن quot;الأثر الرجئيquot; عبارة إشكالية تحيل على العبارة الأولى وتتملص منها في آن واحد، على المستوى الصوتي والمورفولوجي والبصري والدلالي في آن واحد، وهي لذلك تحتمل الانتساب إلى شجرة دريدية السمات. quot;رجئيquot; كلمة جدلية تفتح على المستقبل في حين يذهب quot;الأثر الرجعيquot; إلى الماضي، وهنا ممكن التشاكل والاختلاف.
يتوجب بالطبع توجيه تحية حارة للأصدقاء ومساهماتهم فلولاهم لما أمكن لهذا الكتاب الذي تبدأ به سلسلة quot;أطيافquot; أن يرى النور.


أتت مساهمة أحمد عبدالحليم عطية أقرب إلى الاستعراض المسترسل لكتاب quot;ماذا عن غدٍ؟quot;، وهو كتاب يسجل محاورة مطولة، جرى العكوف على إعادة صياغتها مرات بين جاك دريدا والمحللة النفسية إليزابيث رودينيسكو.
يبدو أحمد عطية مكتفياً في استعراضه بتعليقات مقتضبة من وحي النقاط التي يعرض لها، وهو معنيٌ، أكثر ما يكون، بالتماسات التي تتاح للإدلاءات مع قضايا العداء للسامية والأصل اليهودي لدريدا ورودينيسكو على حد سواء. و رغم أنه يوحي لنا، في مطالع المساهمة، بالشروع في استثمار إستراتيجيات دريدا لتطبيقها على نصوص دريدا نفسه، إلا أن متابعة القارئ لا تكاد تنتهي إلى شيء من ذلك في حدود ما دلفت إليه قراءة أحمد عبد الحليم عطية. حتى قالب quot;الحكايةquot; الذي زهزه لنا به عطية في العنوان quot;حكاية إليزابيث وجاكquot; لم يجر الزج به في لعبة تحليلية من خلال تتبع ثيماتي أو التقاط لآثار مكر السرد، ومراوغة الحبكة، ومخاتلة الحوار الذي يخفي صراعاً في الرؤية والتأويلات والتقاوض اللغوي. لقد اقترح علينا الكاتب مسارة مع النص تسير بحذائه دون أن تهم به أو يهم بها، ودون إفضاء ومساكنة وتلابس، إلا أنها قراءة، ينبغي الاعتراف، صبورة وطويلة النفس، تتبعت حواراً بلا ضفاف، يندلق يمنة ويسرة.


مساهمة حسام نايل quot;دريدا وسؤال الأدبquot; في هذا الكتاب تقترح علينا نموذجاً مفتقداً في الساحة العربية هو نموذج quot;الشارحquot; المتضلع، المنصت الذي يعيد تحويل دينونة المعنى فيما هو يقرأ بدأب شرس نصاً فلسفياً من النصوص. إن في تقديمه لدريدا (فعل التقديم وإعادة التقديم) إنصاتا ويقظة، على مقربة من هيدجر ودريدا وبلانشو وبارت. وهو إذ يجتهد في تمرين العربية على قول الكلمات المفتاحية برنين مختلف (مثيل فعله في ترجمة الـ Dasein بـ quot;الموجود الإنساني المتعينquot;) يقدم قراءات متفاوتة التماسك والفجوات، تضرب في أودية النصوص وغواياتها، بألمعية إزميل رهيف، يزن بالذهب ما يتلبث في الطيات، ويمهر في المساءلة والانفتاح على شروط الإمكان، محاولاً في آخر المساهمة تنزيل المقاربة تطبيقياً على نصوص لإدوارد الخراط ومنتصر القفاش، الأمر الذي يشعر باجتزاء ما يرد في الكتاب من مشروع نقدي أوسع.


هل وقع دريدا ضحية النسق الذي طالما سهر على تفكيكه؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه عبدالله الغذامي حين يقرأ في حادثة منح جامعة كمبريدج البريطانية الدكتوراه الفخرية لجاك دريدا، وقبول دريدا لهذا التكريس. والغذامي منطلقاً من شغفه بتأويل الوقائع عبر فكرة النسقية، يرى أن فيلسوف الاختلاف قد وقع تحت مكر النسق والمعنى المؤسساتي، وهو الذي ديدنه وهجيراه الإفلات من ربقة كل انتظام وتمأسس.
الغذامي أكد في هذه الدراسة ما كان يردده منذ مطالع باكرة من أنه لا يخدم دريدا وإنما يستخدمه. لقد رصف جاك دريدا إلى جانب أدونيس والمتنبي والجواهري ونزار قباني ليقول إن أفعولة النسق هي نكاية تحيق بمن يصاوله دائماً، وإن حربنا مع الإنسان حرب عويصة، وكل نقد نوجهه للنسق ولا بد أننا نحن، نقاد النسق، وقد وقعنا وسنقع فيه، أو في الأقل هو موعد يتربص بنا، وسيهزمنا في لحظة ما.


ينفذ عصام عبدالله إلى دريدا من باب الصداقة: quot;صديقنا جاك دريداquot;، صداقة تعرف مواجهاتها أمام الآخرين منذ البداية، فالصداقة هنا هي مجابهة ندية مكتنزة، الصديق الذي لم يعد صديقاً. الذهاب الدريدي لا الذهاب الأرسطي في التعامل مع الصداقة. يقرأ الكاتب في quot;سياسات الصداقةquot; وquot;مارقونquot;، ومجمل نثارات التفكيك بعضاً من آثار دريدا ووسمه على النصوص، وهو حاذق في تقديم مشهدية مترابطة تتركح على إحاطة بتاريخ الفلسفة، إحاطة تتيح لها موضعة استراتيجيات جاك دريدا في سياق ما قبلها وما يتلوها من لحظات فلسفية. هكذا تتبين مساهمة عصام عبدالله ما بين أرسطو وكارل شميت وفوكو ودولوز من اتصال وانفصال، لا سيما وأنه يمازج فكرة الصداقة بفكرة الأخوة، وفكرة الأخوة بفكرة الأب، وهذه الأخيرة بفكرة الوطن. إنه نمط آخر من مقترحات quot;القراءة في دريداquot;، ليست هي قراءة الشارح، كما يجتهد حسام نايل، بل قراءة مؤرخ الفكر الواصل بين الإضاءات المتوالية.


من تأتٍ مختلف يقبل علي عبدالرؤوف مسلطاً الإضاءة على التفكيك من زاوية الاستلهام المعماري. والمساهمة التي يطرحها هي مقاربة تعريفية تحكي سفر مفاتيح واستراتيجيات دريدا إلى حقل آخر هو حقل العمارة بما يكتنفه من نظريات حول الانتظام البصري والكتل المعمارية والفراغ والمركز.. إلخ.
يستعرض علي عبدالرؤوف جهود أهم الأسماء التي تماست مع التفكيك ومنها شارلز جينكز وزهى حديد وبيتر إيزنمان وغيرهم، وهو يدعم هذه التطرقات بأمثلة ووقائع توضيحية لمفعولات التفكيك في العمارة وعلى الاتجاهات المعمارية.


وتقدم منى طلبة قراءة بمثابة الشهادة الشخصية لتجربتها مع التفكيك. وهي قراءة على قدر من الأهمية لأن الكاتبة ساهمت مع زوجها أنور مغيث في نقل أهم كتب دريدا quot;في علم الكتابة- الغراماتولوجيquot; إلى العربية. وهي مغامرة محفوفة بالتحديات بحد ذاتها.
تروي طلبة مراحل معايشتها لدريدا عبر القراءة والتفاعل ثم عبر ما تسنى لها من حضور الجلسات النقاشية على هامش محاضرته quot;التفكيكية والعلوم الإنسانية في الغدquot; في مصر. وهي بهذه المساحة تسدي للكتاب شكلا من التوازن المطلوب بين الرصد الفكري والاقتراب الإنساني سعياً لاقتفاء دريدا في مستويات وتجليات متضاعفة.

يرتكب محمد شوقي الزين مراهنة تقديم قراءة عربية للحقيقة عند دريدا في دراسته quot;معضلة الحقيقة في تفكيكية جاك دريداquot;، وهو يحددها بوصفها عربية لا على أنها مكتوبة باللغة العربية وإنما على أساس كونها قراءة مفهومية بروح عربية، ومن خلال التفطن إلى أن العلاقة بين اللغات في الترجمة هي علاقة مرآوية، وإن مسارب الفهم والتأويل تتصاوت في عجمة بابلية تخرج بالحقيقة من مجال الواقع إلى مجاز المجاز.
على هذا الصعيد يلتفت الزين، بذكاء، إلى أن دريدا يقارب الحقيقة من خلال بنية الشبحية (الطيفية) ذات البعد المجازي والتقني، وهو ما يحدث الإزاحة بحيث لا تصبح التقنية عدوة الكينونة أو الوجود بل تتحول إلى ماكنة لصناعة الأطياف وتعديد الوجود المرآوي.


من خبرة الترجمة وعلاقتها بدريدا، في تضاعيف متوالجة، يأتي فريد الزاهي في quot;لأكثر من لغة: جاك دريدا والترجمةquot;. تبدأ التداعيات منذ مصافحات باكرة مؤرخة بوجود الزاهي في باريس أثناء الدراسات العليا في باريس، وتتواصل مع ترجمات الكاتب لدريدا، ثم مع تعليقات دريدا على مساهمات لفريد الزاهي في الندوة الدولية التي عقدت على شرف دريدا في الرباط العام 1995، وكان السجال متمحوراً حول مفهوم الترجمة ذاته في علاقته بالذات واللغة والضيافة.
بالكثير من التؤدة، وحصافة الاستكناه، يتحاور الكاتب، مع إشكالية الترجمة في الفكر بعامة، وفي سيرورة دريدا بشكل خاص، وهو يقارب المسألة عبر ثلاثة مستويات تحاول الإطاحة بمفهوم الترجمة لدى جاك دريدا: مترجماً لنصوص الآخرين، ومتصوراً للمفهوم نظرياً، ثم باعتباره هو نفسه موضوعاً للترجمة ولفعلها. الاجتهاد الذي قدمه الزاهي قمين بالإعجاب، وهو يطرح مثال للقراءة الجسورة القادرة على الكشف والاستبار.

أما صفاء فتحي فلم يتسن لنا ترجمة نص مشاركتها الفرنسية إلى العربية، في الوقت المناسب، لإخلال المترجم بتعهداته، وقد ارتأينا أن نثبتها كما هي، اعتزازاً بمشاركة الكاتبة في الكتاب، ولا سيما أن هذه المساهمة قد قُرأت في جامعات ومحافل عالمية متعددة وهلة مناقشة أدوار دريدا وتوجهاته quot;.