أبوظبي من أندرو هاموند: يربط خيط واضح يعري الخلل الوظيفي السياسي والاقتصادي والاجتماعي بين سلسلة من الأفلام اللبنانية التي انتزعت الإعجاب في مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي هذا الأسبوع ويسلط الضوء على المجتمع اللبناني الذي يمزقه التوتر الطائفي. ويشهد الشارع السياسي اللبناني انقساما حادا منذ الحرب الأهلية التي استمرت عاما وانتهت في عام 1990 بينما تفاقمت الطائفية بسبب الدعم الاجنبي لجماعة حزب الله الشيعية والتكتل الشيعي الذي تقوده ولتكتل آخر يقوده السنة. وسلط الاستقبال الحافل الذي منحه بعض اللبنانيين للرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد لدى زيارته لبيروت وغضب البعض الآخر من الزيارة الضوء على مدى عمق الانقسام في لبنان. وفي فيلم ماهر ابي سمرة quot;شيوعيين كناquot; الحاصل على جائزة أفضل فيلم تسجيلي في مهرجان أبوظبي السينمائي الذي انتهى يوم السبت يناقش ناشطون سابقون كيف حددت الطائفية الشديدة معالم ما بعد الحرب الاهلية على الرغم من الآمال التي كانت تحدوهم في مجتمع جديد عندما حاربوا الغزو الاسرائيلي خلال الحرب.
ويقول ماهر العائد من فرنسا في فيلمه ان المقاومة الوطنية لم يعد لها وجود وان ما يعرفه لبنان حاليا هو المقاومة الطائفية. وفي فيلم بهيج حجيج quot;شتي يا دنيquot; الذي حصل على جائزة أفضل فيلم روائي يخرج رجل خطف خلال الحرب الاهلية من محبسه بعد 20 عاما. ويلاقي رامز صعوبة في الالتئام مرة أخرى بعائلته ويجد السلوى مع زوجة شخص آخر مفقود ولا يُعرف مصيره. وتعرف الزوجة مصير زوجها الغائب عندما يعترف رامز انه تشارك الزنزانة نفسها معه قبل أن يموت.
أما فيلم محمد سويد التسجيلي quot;بحبك يا وحشquot; فيعرض حكاية ست شخصيات عادية تسكن هامش المجتمع واقتصاده غير الرسمي متحديا الافكار الثابتة حول لبنان كعاصمة للسحر الأخاذ في العالم العربي. ويسترجع لاجئ فلسطيني في صيدا ذكريات إزالة النساء للشعر الزائد عن سيقانهن بينما يحكي بائع فلافل عن الاوقات الصعبة التي يقضيها في الشارع ويشرح رجل يلتقط النساء الاجانب هوسه بجمع قصاصات الصحف بينما يلجأ فراش سوداني الى مصاحبة أصدقاء أفارقة ليتفادى العنصرية. ولا يرى سويد غضاضة في تصوير العالم الكئيب المتدني في مدن كصيدا وبيروت. ووصف سويد الدولة اللبنانية بالفاشلة وقال للجمهور ان معاناة الفلسطينيين هناك لم تعد تنفصل عن معاناة اللبنانيين حيث يتركز النشاط الاقتصادي حول بيع الفلافل. وقال سويد ان اللبنانيين لا يعتمدون على الدولة فالسعودية تدفع حتى ثمن الكتب المدرسية.. وسخر من الدولة قائلا انها موجودة ليشكو الناس منها.
ولم تظهر مدينة طرابلس بشمال لبنان بحال أفضل في فيلم quot;طيب. خلص. يللاquot; للمخرجين اللبنانيين رانيا عطية ودانييل جارسيا والذي فاز بجائزة أفضل فيلم روائي لمخرج عربي جديد.
ويحكي الفيلم الذي صور بالاستعانة بممثلين غير محترفين وعلى طريقة الافلام التسجيلية حكاية رجل عاش في البيت مع أمه حتى تجاوز الثلاثين لكنه يجد نفسه وحيدا عندما تنتقل. تفشل طرابلس في ملء فراغه. ويكتسب الفيلم الكوميدي الطابع صبغة سوداوية عندما يذهب الرجل الى مكتب تخديم لاستئجار خادمة آسيوية. ويخبره الوكيل ان الراتب سيختلف بحسب جنسية الخادمة مشيرا الى ان الفلبينية الجميلة ستتكلف أكثر مشيرا الى خدمات جنسية قد تقدمها ويستأجر الرجل خادمة أثيوبية يعاملها بشكل طيب لكنها ترفض الحديث معه خوفا من الإساءة والاستغلال. وفي النهاية تهرب الخادمة في علامة أخرى على الذكورة العاجزة للشخصية.
ويواصل بعض المشاهدين الضحك لكن حركة الكاميرا التي تركز على الأبواب المغلقة والشرفات ذات القضبان تكشف شيئا فشيئا عن مأساة الظروف الاقتصادية للعمال. وفي النهاية تقدم الخادمة إفادة عن الاساءة التي تعانيها الخادمات. وقال بعض المشاهدين بعد المشاهدة انهم أحسوا بالاستياء من هذه الحلقات. وقالت رانيا عطية انها أرادت ان تعطي المشاهدين شريحة لم تتعرض للتعديل من المدينة فهذه هي حقيقة مكاتب التخديم. وقالت انها أرادت ان تنقل انطباع المكان من خلال صور للناس في كل المستويات.