عبد الجبار العتابي من بغداد: ابدى مسرحيون عراقيون اعتراضاتهم على آليات التنافس التي يتبعها مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، التي تقوم على القرعة، او حسب اجندات معينة يعتمدها المهرجان، مؤكدين ان الجوائز حسب اللجنة التحكيمية الاقرب اليهم حتى الساعات الاخيرة قبل اعلان الجوائز التي لم يحصلوا على واحدة منها.
عاد الى بغداد قبل ايام وفد الفرقة القومية للتمثيل العراقية بعد مشاركته في مهرجان القاهرة التجريبي في دورته الثانية والعشرين، بالعرض المسرحي (دائرة العشق البغدادية) المأخوذة عن مسرحية لبريخت (دائرة الطباشير القوقازية) التي هي من اعداد واخراج الفنانة الدكتورة عواطف نعيم وتمثيل نخبة من نجوم المسرح العراقي، لكن الوفد لم يحمل معه اية جائزة بقدر ما حمل معه هواجس تتعلق بآلية التنافس فيه، وبقدر الشعور بالفخر والاعتزاز الذي ابداه اعضاء الوفد الا ان ثمة حزن شفيف كان يغلف ذلك الشعور، ذلك لان الجوائز كانت قريبة جدا من الممثل والممثلة العراقيين اللذين نالا ثناءات مجيدة طوال ايام المهرجان الذي تم افتتاحه بالعرض العراقي وهو ما عده اعضاء الوفد الجائزة الكبرى.
قالت الفنانة الدكتورة عواطف نعيم، معدة ومخرجة العمل والممثلة فيه ايضا: عندما شرفتني دائرة السينما والمسرح واختارت (دائرة العشق البغدادية) لكي تمثل المسرح العراقي في مهرجان القاهرة، وهو مهرجان دولي كبير بلغ من عمره 22 سنة، أي ان هذه الدورة هي الثانية والعشرون في تاريخ المسرح العالمي لهذا المهرجان العتيد، كان شرفا كبيرا لي، ان تشرفني الدائرة اذ انها منحتني مسؤولية ومنحتني ثقة كبيرة لكي امثل المسرح العراقي بكل تاريخه الجليل، وهو تاريخ نبيل وكبير، لاشك انه واضح ومعلم ومؤشر في تاريخ الحركة العربية للمسرح وفي تاريخ الحركة العالمية للمسرح.
واضافت: ذهبنا بفريق عمل جميل ومتميز متناغم يضم نخبة رائعة من نجوم المسرح العراقي وبعرض مشاكس عن (دائرة الطباشير القوقازية) لبريخت ولكن بقراءة عراقية تحمل الهم العراقي والانتماء للعراق وطنا وجمالا وحضارة وفكرا، وايضا شرفنا الجانب المصري عندما احتفى بنا احتفاءا كبيرا وكان لنا شرف ان نفتتح مهرجان العروض المسرحية، وضج المهرجان طيلة ايامه العشرة بالعرض المسرحي العراقي، الكل يتحدث عن هذا العرض كتابة ولقاءات وحضورا اعلاميا والكل يهتم بهذا العرض الذي جاء بالحرف، هذا ما يقال: (كيف يأتي هكذا عرض بهكذا مستوى عال من الاداء والجمال والنضج الفني من بلد لا نسمع عنه الا الموت المجاني والمفخخات وكل هذه الالام والاحزان والمحن)، وانا اعتبره بلدا منكفئا على نفسه، اذن هو بلد حي، معافى، هو بلد يعمل، ويجتهد ويتفاعل من اجل ان يثبت كيانه وان يثبت انه جدير بالحياة.
وتابعت: الى اللحظات الاخيرة كنا نتوقع، وهذا ما وصلنا، ان العرض العراقي في البداية رشح لافضل عرض مسرحي حتى الثلاثة ايام الاخيرة، ثم بلغنا انه قد تم ترشيحه لافضل واهم جائزتين: جائزة التمثيل الاولى النسوية وجائزة التمثيل الاولى الرجالية، ثم لساعتين قبل اعلان النتائج كان العراق حاضرا، وحاصدا لهاتين الجائزتين، وفي الساعة السادسة والنصف ابلغت شخصيا انه ستكون (مبارك عليك، الاء حسين وعزيز خيون في جائزتي التمثيل الاولى)، في الساعة الثامنة والنصف صباحا بلغت انه بقي الترشيح وسحبت الجوائز والترشيح هو جائزة، الترشيح هو تأكيد لهذا الحضور، هو تنافس،لان من كل الدول العربية المشاركة في المهرجان لم يصمد امام العروض الاوربية الا عرضان مسرحيان فقط لدولتين عربيتين هما العراق وتونس، العراق الذي نافس على الاداء العالي وتونس التي نافست على الاخراج المسرحي، انا لا استطيع ان احكم: ما الذي غيّب وما الذي حدث؟ لانني لست في لجنة التحكيم، ولكنني اعرف ان لكل مهرجان اجندة، ولا بد من وجود اجندة تتدخل في اللحظات الاخيرة لتعلن وتؤشر وتوجه، لكنني فخورة بأن رفقتي وصحبي في دائرة العشق البغدادية كانوا اهلا لكي يمثلوا المسرح العراقي وكانوا جديرين بشرف حمل هذه المسؤولية.
اما المخرج المسرحي الدكتور صلاح القصب، الذي شارك ضمن الندوة النقدية، فقال: مهرجان القاهرة فضاء جمالي كبير وتشكل تجربته الممتدة الى سنوات مضيئة ألقا وقراءة جديدة في كل التجارب وفي كل الدورات، واستطاع المسرح العراقي ان يشكل ضوء وقراءة كقراءة الشعر والفن التشكيلي ضمن الخارطة العربية والعالمية، العمل الذي شارك العراق به في هذه الدورة وهو من اخراج المخرجة الكبيرة عواطف نعيم اشبه بجدارية جواد سليم، كان عملا كبيرا جدا، وكتب عن العمل بشكل كبير ومن نقاد كبار واستطاع الفنان عزيز خيون ان يحصل على (11) صوتا من مجموع اعضاء اللجنة الذين عددهم (11)، أي بمعنى ارتقى الى جاتزة الابداع كممثل اضافة الى الممثلة الاء حسين التي استطاعت ايضا ان تحصل على اصوات مهمة جدا ضمن اللجنة، كما ان العمل بمخرجته حصل على مجموع (7) اصوات من مجموع (11) كمخرجة كبيرة، أي بمعنى انها دخلت ضمن اختيارات اللجنة.
واضاف: المسرح العراقي مسرح مضيء كقوة الشعر، كالسياب والبياتي وبلند الحيدري ويمتلك طاقة كبيرة جدا بموج شبابي ايضا، هناك حركة مستمرة وهناك ديناميك مستمر لهذا المسرح الذي شكل حضورا على مستوى المهرجانات وبشكل خاص هناك مهرجانان مهمان هما قرطاج والقاهرة، وقد كتب عن تجربة الفنانة عواطف في هذا العمل الكثير، قي كل اعداد جريدة المهرجان وكانت الكتابات تشير الى هذه التجربة، وكان العرض محور نقاش في كل الجلسات النقدية، اضافة الى الاستقبال الكبير من قبل الجمهور، علما.. ان اكثر جمهور حضر في المهرجان هو الذي حضر لمشاهدة العمل العراقي.
وأوضح القصب: العمل حصل على جائزتين: جائزة افضل ممثل (عزيز خيون) بالاجماع من اللجنة التحكيمية، وجائزة افضل ممثلة للفنانة الاء حسين، ولكن هناك عندهم نظام اشبه بنظام مهرجان الاوسكار السينمائي وهو (نظام القرعة)، يعني يرشح ثلاثة ممثلين، وقد اخذ كل واحد منهم (11) صوتا، لكن الميل الاكثر في اللجنة من خلال تعايشي مع لجنة التحكيم الذين كانوا معي في الفندق نفسه (رمسيس) نحو الفنان عزيز خيون، فكان هو المتألق والاكثر جاذبية بالنسبة للجنة، وكانت هناك قناعة تامة، ولكن النظام الذي لا اتفق معه هو نظام القرعة، لذلك اشير بأن الفرقة القومية للتمثيل حصدت جائزتين وفي نفس الوقت كان من اهم الاعمال التجريبية التي قدمت في المهرجان المهم جدا، المتألق بالتجارب الكبيرة على مستويات متعددة، الاحتراف والشباب وهناك زخم قوي، وهناك قراءات متعددة.
فيما قال الفنان عزيز خيون بطل العرض المسرحي: شيء جميل في مهرجان القاهرة التجريبي بدورته الثانية والعشرين ان يتبارى بلدان عربيان في المسرح امام تعداد 64 مسرحية، فالمشاركة في المهرجان، وانا اقولها من موقع المسؤولية، مهمة لنا وواجب مسرحي على كل بلد عربي ان يسهم في هذه التجربة الانسانية لانها تجربة رائدة ومشاركتنا من باب المسؤولية وليس من باب المساهمة، هذا المهرجان الذي حرك سواكن المسرح العربي من اجل ان يغير منظومته التي اعتاد عليها، ثم ان نذهب الى المهرجان ونشكل ظاهرة.. فهذا شيء جميل، وان تكون انت مميز مع دول تعيش بأمان واستقرار وتعيش في بحبوحة من العيش، انت تكون مع المسرح التونسي وتصعد للمنافسة انا اعتبره غاية في السعادة لنا كمسرحيين عراقيين.
واضاف: عذرا لمهرجان القاهرة التجريبي احبة واصدقاء ومنظمين، نحن لسنا لاعبين في مضمار للخيول، نحن نتحرك في ميدان للجمال، فضاء الجمال غير فضاء الخيول، عندما نسافر للمشاركة في عمل تنافسي هذا لا يعني اننا ذاهبون الى مهرجان للخيول، لا.. هذا فضاء جمال وما يترتب على ذلك اعتبره من النوافل، لان المسرحي العراقي لا يعمل من اجل جائزة، لان الجائزة هي المشروع، اما اذا كانت هنالك جائزة فمرحبا بها، وان تخلفت مرحبا بها، لاننا في مشروع وفي امتحان،ولكن ان يقيّم عملك اعلاميا وعلى مستوى الجماهير وعلى مستوى النقد، فهذا يدعو للسعادة والفخر، وقد شرفنا بأفتتاح المهرجان، والجميع يعلم ماذا يعني الافتتاح، انه الجائزة الاولى، وان يبقى العمل حتى اليوم الاخير في الذهن والمخيلة والترداد الصحفي هذا شيء يسر.
وتابع: انا لا اتكلم عن لجنة التحكيم فأعتزازي بها كبير، ولا اتحدث عن موضوع الجوائز، احترامي لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في آليته في ان يكون هناك مهرجان تنافسي، فما معنى ان يأتيني اربعة من اعضاء اللجنة ويأخذونني بالاحضان في اليوم الاخير؟، بالنسبة لي اعتبرها نوعا من الالتفاتة وانك وعملك ي الذكر، ان يأتي اسمك في الاوبرا المصرية في اليوم الاخير ويتردد، ويتردد اسم العراق مرتين، لآلاء حسين وعزيز خيون، انا احترم ذلك ولكنني اعول على المسرح، اعول على التجربة واعول على الاستمرارية، والمسرح العراقي مستمر ولا اسمع الدعوات التي تقول ان المسرح العراقي تراجع، المسرح العراقي لم يتراجع.
التعليقات