الشاعر السويدي توماس ترانسترومر

هاتف جنابي: كل عام يصيب الأوساط الثقافية والأدبية بخاصة، حراك ونشاط يمكن وصفه بحمى جائزة نوبل. ولم لا؟ فالجائزة، بالإضافة إلى العلوم الصرفة، تمنح لشاعر أو كاتب، وبفضلها ترتفع أسهمه أكثر من سواه ويبقى مبرزا في سوق الأدب (هو ولغته) حتى يحين منح الجائزة لكاتب بعده لينشغل العالم الأدبي به من جديد وهكذا دواليك.
دورة سنوية من النشاط حسب الدورات الفلكية قد تكون ضرورية لإنعاش الأوساط الأدبية والثقافية في العالم، وأحيانا تأخذ هذه القضية - الحيوية أبعادا سياسية وقومية ودينية لا مفر منها حينما يؤخذ في الحسبان نصيب بلداننا وآدابنا وكتابنا المغلوب عليهم جميعا (ولا الضالين)!
على أن ما يخص أدباءنا من شعراء وكتاب، ناهيكم عن فقرنا العلمي في حقول منح الجائزة للآخرين، يجعلنا مضحكين وقراقوشيين لعجزنا عن تقديم أنفسنا للعالم على صعيد التنافس مع الآخرين في سوق الأدب والعلوم الصرفة.
لم يعدْ سرا من الأسرار تدخل الدول في الترويج لكتابها وعلمائها وباحثيها ومبدعيها عموما. فلقد اتضح للكثيرين أن الغرب وبعض حكومات الشرق الأقصى تقوم بعمل ضخم في السرّ والعلن: إعلاميا، ماديا ومخابراتيا، على صعيد إيصال مرشحيها للجائزة المذكورة ولسواها من الجوائز العالمية المعتبرة.
على أن جوا آخر يحيط بمثل هذه الجائزة وسواها متمثلا بالمضاربات والتكهنات التي يستفيد منها محركوها. لقد أفادت صحيفة(غازيتا فيبورتشا) البولندية الواسعة الانتشار من أن مضاربي الكتب (نقلا عن الغارديان البريطانية) يتوقعون أن يفوز أحد الشعراء بالجائزة هذه السنة، خاصة وأن الشاعرة البولندية (فيسوافا شيمبورسكا) كانت آخر الفائزين بها من الشعراء في العام 1996.
على ضوء تلك التوقعات لوحظ أن المضاربات والتكهنات في لندن وسواها تضع الشاعر السويدي الشهير توماس ترانسترومر(مواليد 1931) في المقدمة، علما أنه مرشح للجائزة منذ سنوات، وكان أحد المنافسين الخطيرين لشيمبورسكا، يليه ثلاثة شعراء هم: علي أحمد سعيد (أدونيس)- مواليد 1934 الذي لا يحتاج إلى تعريف، والشاعر الكوري البارز كو ين - صاحب أكثر من مائة وعشرين كتابا، في حقل الشعر والرواية والنقد، واحتل الشاعر البولندي آدم زاغاييفسكي المرتبة الرابعة من حيث تصنيف الحظوظ، وهناك شعراء وكتاب آخرون دخلوا ضمن العشرة، نذكر منهم: الشاعر الأسترالي ليس مورَيْ، الفرنسي إيف بونفوا، الكاتب الياباني هاروكي موراكامي، الإيطالي أنتونيو تاتوتشي، الأميركي فيليب روث.
فإذا كان الباحث في مجال علم النفس الذي عمل في الإصلاحيات ورعاية المدمنين على المخدرات والمجرمين حتى 1990 ndash; عام تعرضه للجلطة الدماغية أحد المرشحين البارزين للجائزة منذ سنوات، فإن فوزه المحتمل يعني إعادة الجائزة إلى السويد بعد مرور ست وثلاثين سنة على منحها في العام 1974 مناصفة بين الكاتبين السويديين: إيفيند جونسون وهاري مارتينسن. من جانب آخر يبقى الشاعر والكاتب الكوري الجنوبي كو ين (مواليد 1933)من بين أكثر الشعراء غنى على الصعيدين الأدبي والحياتي. فبالإضافة إلى تنوع إبداعه وخصوبته ف، حياته تتسم بالتلون والمجازفة، فقد انضم إلى أحد الأديرة البوذية قبل انتهاء الحرب الكورية، وبعدها أصبح راهبا في دير آخر، لكنه ترك جماعته في العام 1962، لتبدأ مرحلة جديدة في حياته تتسم بالعدمية والتمرد استغرقت الفترة ما بين 1963-1966. منذ العام 1973 أخذ (كو ين) بالانغماس بالنشاط السياسي المعارض الذي كان من بين عواقبه أن تعرض للسجن وحكم عليه بالمؤبد في العام 1980، إلا أنه لم يمكث في السجن أكثر من سنتين إذ تم العفو عنه وإطلاق سراحه. عرف الشاعر كو ين بكثرة سفره، ملقيا أشعاره ومحاضراته في بلدان مختلفة.

إذا كان الثلاثة الآنفو الذكر معروفين محليا وعالميا فإن الشاعر الذي احتل اسمه المرتبة الرابعة ضمن القائمة أقل شهرة منهم، لكنه شاعر ممتع وحاضر في الساحة الشعرية والأدبية لبلاده وفي الغرب، كما ويتمتع بصداقة عديد من شعراء وكتاب العالم. آدم زاغاييفسكي هو ابن الممثلة والمترجمة البولندية مايا فوديتسكا والبروفسور تادئوش زاغاييفسكي. كانت لي مراسلات معه منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضي، حينما كان يسكن في ضواحي باريس متنقلا بين فرنسا وأميركا حيث كان ولا يزال يحاضر كل نصف سنة في جامعة هيوستن. سبق وأن دعم حركة التضامن في بلاده في ثمانينيات القرن الماضي.
في العام 2002 قرر وزوجته العودة نهائيا إلى بولندا، حيث يعيش منذ ذلك الوقت في مدينة كراكوف ذات التاريخ العريق. كان آخر لقاء لي بالشاعر في مدينة كراكوف في حزيران 2009، حيث تحدثنا عن الشعر وعن ترجمته إلى اللغة العربية التي سبق وأن وافق عليها ورحب بها كثيرا.
كان من المقرر أن تنشر مختارات شعرية له بالعربية إلا أن الناشر العربي الذي طُلبَ منه الاتصال بممثل الشاعر في نيويورك أوقف مساعيه لأسباب لا أعرف كنهها حتى الآن!
كنت أشرتُ مرارا إلى أهمية الشاعر والناقد البولندي - آدم زاغاييفسكي(مواليد 1945) أثناء التقديم لمجموعة من قصائده التي ترجمتها ونشرت بعضها في الصحافة العربية وأعادت بعض المواقع الالكترونية نشرها (كعادتها بدون موافقة المترجم).
أدناه ترجمة منقحة لأربع قصائد سبق وأن نشرت للمرة الأولى في إيلاف:

القصيدة الصينية

قرأتُ قصيدة صينية
كتبتْ قبل ألف عام.
يتحدث فيها الشاعرُ عن المطر
المتساقط طول الليل
فوق سطح زورق خيزراني
وعن الهدوء الذي حلّ
أخيرا بقلبه.
هل من قبيل الصدفة
أن يحلّ ثانية نوفمبرُ والضبابُ
والغسقُ الرصاصي؟
هل من قبيل الصدفة،
أن يحيا امرؤ مرة أخرى؟
الشعراءُ يعلقون أهميةً كبرى
على النجاحات والجوائز،
لكن خريفا بعد خريف
تنزع الأشجارُ الفخورة أوراقها
وما تبَقى من شيء
فهو خرير المطر
في القصائد التي هي ليست
بالبهيجة، ولا بالحزينة.
فقط الصفاء غير مرئي
والمساءُ، حينما ينسانا
الظل والضوء لوهلة
منشغلين بخلط الأسرار.

العَدَمُ ذلك اليومَ

ذلك اليومَ العدمُ
كما لو تواضعا
صارَ نارا
فأحرقَ شفاهَ
الأطفال والشعراء.

لم أكنْ في هذه القصيدة

لم أكنْ في هذه القصيدة،
برَكٌ لامعة ونظيفة ليس إلا،
عين صغيرة لسحلية، ريح
ونغمات هارمونيكا،
ملتصقة لكنْ ليست بشفتيَ.

أنثولوجيا

في المساء قرأتُ أنثولوجيا شعرية
كانت ترعى خلف النافذة غيوم قرمزية
اليومُ الفائتُ اختفى في المتحف.

وأنتَ ndash; مَنْ أنتَ؟
لا أعرفُ. لم أكنْ أدري
هل وُلِدتُ للفرح؟
أم الحزن؟ أم للانتظار الطويل؟

في هواء الغسق النقي
قرأتُ أنثولوجيا.
الشعراءُ القدامى عاشوا في داخلي، وأنشدوا.