أحمد الحلفي من لندن:فاضل عباس هادي المعروف في بعض الأوساط الفوتوغرافية العربية بإسم فاضل الشاعر رجل في نهاية العقد السادس من عمره لا زال ينظر في الأفق بحيرة وتردد وهو يجتر ذكرياته عن العراق ويحلم بالعودة لعله يخرج ولو قليلا مما جرعته الغربة والإغتراب من ضغوط نفسية وآلالام وآهات على الأهل والأحبة والأصدقاء بعد الوطن. أربعون عاما من الفراق أكسبت المصور الفوتوغرافي والمحرر الصحفي والمترجم فاضل عباس هادي كمَا معرفيا هائلا في مجال عمله وحركته الفنية في ميدان فن الفوتوغراف، والحركة السريالية.
أكمل دراسته في كلية الأداب، جامعة بغداد عام 1969 حيث نال شهادة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية ودبلوم في اللغة الفرنسية. بدأ عمله الصحفي عام 1969م مع جريدةquot;بغداد اوبزرفرquot; العراقية اليومية والتي كانت تصدر باللغة الانجليزية وكان مسؤولا عن تحرير صفحة quot;الفنون والآدابquot; في الجريدة المذكورة، ثم انتقل الى وكالة الأنباء العراقية في بناية الرواف على شارع أبي نؤاس لغاية نهاية عام 1970م.
مشهد أول وجبة للإعدامات العلنية في ساحة التحريرعلى يد النظام البعثي البائد عام 1969م، ترك اثرا مؤلما وقاسيا في أعماقه وتيقن أن الايام القادمة ستكون اشد قسوة وظلامية على كل أحرار العراق، وان لا مكان له بين من يريدون الشر والدمار للشعب العراقي والوطنيين. وحين شعر الكاتب والصحفي فاضل عباس أن البعثيين سيلاحقونه لكونه لا يؤمن بفكرهم وحكمهم غادر العراق في مطلع عام 1971م، إلى بيروت وبقي هناك حتى بداية الحرب الأهلية عام 1975م ثم انتقل الى باريس، وفي عام 1978م استقر به المقام في لندن.
وكان لنا معه اللقاء أدناه بداءا من محطة لندن.
كيف بدأت تتعايش مع أجواء لندن وفي أي المجالات عملت؟
بعد سنتين من إقامتي في لندن أي عام 1980م بدأت العمل مع مجلة الشرق الاوسط كمصحح ومحرر ومترجم. وفي عام 1987م بدأت أحرر زاويتي quot; نادي الكاميراquot; وquot;بريد الكاميراquot; الخاصتين بالتصوير الفوتوغرافي.
ما هو الفرق بين هاتين الزاويتنين رغم أنهما في نفس المجال؟
quot;نادي الكاميراquot; هو الصفحة الاسبوعية التي اكتب فيها موضوعا من إعدادي عن فن الفوتوغراف أما quot;بريد الكاميراquot; فهي صفحة أخرى أنشر فيها صورا فوتوغرافية تصلني من هواة الفن الفوتوغرافي وأحاول من خلالها أن اعلق على هذه الصور التي كانت تصلني باستمرار من القراء العرب وبقيت اعمل في هذا المجال حتى عام 1997م.
متى بدأت اهتماماتك في التصوير الفوتوغرافي ولماذا؟
بدأت اهتماماتي في عام 1986م وذلك بسبب حاجتي إلى أداة تعبير إلى جانب الكتابة. وذلك لقناعتي بأن التصوير الفوتوغرافي وسيلة بصرية رائعة للنظر إلى العالم من خلال عين الكاميرا.
كيف يمكن للصورة أن تكون أداة تعبير تعكس الواقع؟
في الحقيقة للفوتوغراف دور مهم في إيقاض الهمم وفضح الأنظمة الفاسدة والدكتاتورية والعدوانية وعلى سبيل المثال أن الصور الفوتوغرافية هي التي ألبت الرأي العام الأمريكي ضد الحكومة الأمريكية أثناء الحرب الفيتنامية. كما إن الصورة يمكن أن تكون برهان ودليل دامغ بالإضافة إلى قيمتها الجمالية.
هل أصدرت كتبا أو ساهمت في إعداد وإصدار مجلات؟
صدر لي كتاب بعنوانquot;كتاباتquot; قصائد ومقالات في عام 1989م عن دار الجمل في المانيا. كما كنت قريبا من الحركة السريالية حيث أصدرت ثلاثة أعداد من مجلةquot;أدبquot; وكانت باللغات العربية والانجليزية. وايضا اصدرت مجلة اخرى بإسم quot;كرومquot; quot;chromequot; بالانجليزية وهذه المجلات تعنى بالحركة السريالية في الفن والأدب.
هل شاركت في معارض للتصوير الفوتوغرافي في بريطانيا أو غيرها من الدول؟
التصوير الفوتوغرافي بالنسبة لي هو بحث شخصي ومتابعة روحية خاصة ولست معنيا كثيرا بأن أكون تحت الأضواء. لكني ساهمت في معرضquot;غاليري الأربعاءquot; في لندن والذي ضم لوحات في الفن التشكليلي وصورا فوتوغرافية مع فنان آخرين. وشاركت في معرض في باريس أقيم للإحتفاء بذكرى كاتب وفنان بريطاني قريب من الحركة السريالية، مات شابا في حادث للتسلق على الجبال. كما نشرت بعض المطبوعات السريالية. ولابد من أن اذكر في هذا السياق الكاتب العراقي عبدالقادر الجنابي الذي كان مهتما مثلي بالحركة السريالية في فرنسا خاصة وفي بعض البلدان الأوروبية الأخرى وعلى رأسها quot; جيكوسلوفاكياquot; قبل التقسيم ومدينة براغ بصورة أخص. وأأكد مرة ثانية على أن الفوتوغراف بالنسبة لي هواية جميلة لا اسعى لتوظيفها للشهرة أو المال.
عرفت أنك سافرت الى برلين، وأقمت فيها ما السبب؟
في أوائل عام 1988م تركت عملي الوظيفي اليومي في الصحافة وحافظت فقط على تحرير زوايتي quot; نادي الكاميراquot; وquot;بريد الكاميراquot; انتقلت إلى برلين بعد أن قلت لزملائي في الصحافة بأني quot; أشم رائحة البارودquot;. كما كنت أشعر بأن ما يسمى بالمنظومة الاشتراكية لبلدان أوروبا الشرقية أنها ستنهار،وستحدث فيها ثورات سوف تقلب موازين القوى بين الشرق والغرب. وقد سكنت في شقة جوار quot;جدار برلينquot;. وصورت برلين الشرقية أثناء إنهيار quot;جدار برلينquot; وفتح الحدود بين شطري ألمانيا. وبقيت في برلين سنة ونصف السنة حيث صورت تحولات المدينة وتطوراتها وأعتز إعتزازا كبيرا في تلك الفترة الصاخبة. وقد كنت اقف أمام نقطة التفتيش quot; Check point charliequot; وصورت الحرس قبل أن تنتهي مهمتهم في تحديد حركة سكان برلين الشرقية حيث كان كثير منهم يحاول الهرب إلى برلين الغربية عن طريق تسلق جدار برلين او القفز من طوابق البنيات العالية.
ماذا حصل لك بعد تجربة برلين؟
عدت إلى لندن وبقيت أحرر زاويتي الفوتوغراف اللتان ذكرتهما، حيث كنت أرسل المواضيع الأسبوعية المنتظمة إلى مقر مجلة الشرق الأوسط في لندن من برلين.ثم في عام 1996م إنتقلت إلى تونس لأنه بلد عربي يشبه العراق في أكثر من جانب بعد أن قرفت من الطقس اللندني. بقيت في تونس سنة ونصف أيظا، بعدها عدت إلى لندن. وفي عام 1997م ألغيت زاويتي quot; نادي الكاميراquot; وquot;بريد الكاميراquot; إلا أني واصلت إهتماماتي الأساسية في فن الفوتوغراف نظرية وتطبيقا.
هل لديك نية في نشر مخطوطاتك وملاحظاتك عن الفن الفوتوغرافي والحركة السريالية؟
نعم سيصدر لي قريبا في هذا العام 2010م كتاب باكثر من ثمانمائة صفحة تحت إسم quot;ولا تنسى بأن السيدة لايكا تنتظرك بالبيتquot; وهو ثمرة جهود أكثر من عشرين عاما من الإهتمام بالفن الفوتوغرافي. وإذا أطال الله تعالى في عمري سأنشر كتابا يضم ما كتبته باللغة الإنجليزية منذ عام 1964م وحتى الآن وخاصة ملاحظاتي في نقد الثقافة الأنجلو- سكسونية ومعززة بالصور، التي تثبت بأن واقع الحال في هذه البلدان ليس الصورة المثالية التي حملناه عنه. كما أني سأنشر مختارات من ملاحظاتي في نقد الثقافة الأنجلو- سكسونية أريد لها أن تقرأ من قبل المثقفين وعموم شعبنا في العراق الحبيب والبلدان العربية الأخرى. حيث هذه الملاحظات ترسم صورة حقيقية للواقع السياسي والإجتماعي والثقافي للمجتمعات الغربية وعلى رأسها ما يسمى ببريطانيا العظمى.
بعد هذا الغياب عن الوطن هل لديك مشروع في العودة ؟
لقد جئنا إلى هذه البلدان الأوروبية الباردة ونحن نحمل رؤى سينمائية عنها، فثبت لنا فيما بعد بأنها رؤى زائفة وغير صحيحة. وكنت وما أزال أرى بأن مكان المثقف العراقي وغيره من المختصين في المجالات المختلفة هو الوطن العزيز، حتى يساهم الجميع بأي شكل من الأشكال ببناء عراق آمن، حر، سعيد ومزدهر. وأأمل أنني خلال هذا العام أشم نسيم العراق من جديد وأرى مياه دجلة والفرات وأستعيد ولو قليلا من ذكرياتي في بلادي بحلوها ومرها. حاز الكاتب والمصور الفوتوغرافي فاضل عباس هادي على العديد من الجوائز في مجال عمله بزاويتي quot; نادي الكاميراquot; وquot;بريد الكاميراquot; في مجلة quot; الشرق الأوسطquot;،منها quot;وسام درع الجزيرة العربيةquot; المخصص لمن حققوا إنجازات معتبرة في مجالهم الصحفي. كما كانت له في تونس لقاءات يومية مع الشاعر العراقي الراحل عبدالوهاب البياتي حينما إلتقيا هناك، وكان مقررا أن يصدرا كتابا مشتركا يضم صورا فوتوغرافية لمصورنا فاضل ونصوصا شعرية لشاعرنا الكبير عبدالوهاب البياتي إلا ان الأخير وفاته المنية في الأردن قبل تحقق هذا الأمر. ويعتز الكاتب والمصور فاضل عباس هادي إعتزازا كبيرا بما كتبه الشاعر الراحل البياتي عنه في الخامس من تشرين الثاني/أكتوبر عام 1997م قائلا: quot;منذ بدايتي الشعرية كنت أؤمن بوحدة فن الشعر والفن التشكيلي، وقد بدأت أرسم قبل البدء بكتابة الشعر، وكانت الرسوم التي رسمتها سريالية وفيها إشارات غامضة أشبه بالإشارات التي يرسلها سكان الكواكب الأخرى ndash; إن كان لهم وجود- وكنت أشعر بالخوف وأنا أمضي في الرسم. وفجأة وجدت نفسي متوقفا عن الرسم الأخير قبل أن أتممه، ذلك أن بعض الكلمات قد تدفقت وسالت على الورقة كما تسيل الدموع على الخد. إعترتني هزة وأنا أعبر الخط الموصل والفاصل بين الرسم والشعر. ومن ثم جاءت الكاميرا لكي تتفوق على الفن التشكيلي بشاعريتها، ذلك لأنها تتلصص وتختلس أدق خلجات الوجه وربما تقتنص بعض ما يخفيه الوجه، حتى وإن كان وجها مقنعا.
لقائي بالفنان فاضل الشاعر، كان فرصة لتأكيد ما أقوله، فالصحبة اليومية في تونس برها وبحرها تمخضت عن هذه الصور التي أعتقد يمكن أن تكون قصائد، وقد سبقني الفنان بتصويرها قبل كتابتهاquot;. وإضافة لشاعرنا الراحل عبدالوهاب البياتي، كتب المصور الفوتوغرافي القطري سالم المري المشرف على زاوية quot;واحة الكاميراquot; في مجلة quot;الجوهرةquot; القطرية عن الفنان فاضل الشاعر، قائلا: الأب الروحي للفن الفوتوغرافي العربي.
كما وصفه المصور الفوتوغرافي العراقي المتميز والمقيم في المغرب عقيل صالح بقوله:
أن فاضل الشاعر هو شيخ المصورين العرب. أما الكاتب المغربي االمشهور محمد بنيس فقد وصفه: واحد من الكتاب العرب القلائل الذين يخاطبون في المقال نفسه القارىء العادي والقارىء المتخصص.











التعليقات