عبدالجبار العتابي من بغداد: حدثني الزميل الصحفي والقاص حسين بن رشيد ضاحكا قائلا: ذات اصبوحة من اصبوحات اتحاد الادباء، ما ان انتهى الشاعر محمد حسين آل ياسين من قراءة قصيدة له كانت تتضمن اسم (علي)، حتى ارتقى المنصة احدهم ليمتدح القصيدة ويشرح ما جاء فيها من مديح بحق الامام علي بن ابي طالب، وأسهب الصاعد على المنصة في كشف صفات الامام وبراعة الشاعر في توظيفها شعريا واستقراء ما خفي منها، وما ان نزل الصاعد على المنصة حتى نهض الشاعر آل ياسين معلقا على ما ذهب اليه المتداخل بالقول: ان القصيدة لم تكن عن الامام علي، بل كانت عن حفيدي الذي اسمه (علي)!!!.

هذا المشهد الذي نقله لي حسين رشيد أكده اخرون، وهو جزء من ظاهرة باتت تسيطر على الواقع الثقافي العراقية والتي تتمثل بوجود اشخاص تراهم يتواجدون في كل محفل ثقافي وفي كل ندوة وجلسة، بل وانهم يتصدرون المجالس، ترى بعضهم يحرص على الجلوس في الصف الاول ولا شغل له سوى ان يتداخل ويلقي بوجهة نظره كيفما اتفق، لا بد ان يقول كلمته سواء من مكانه الذي يجلس فيه او يذهب للصعود الى المنصة ويطلق كلماته اما ارتجالا او يقرأها في ورقة صغيرة، فمنهم من ليس لديه طموح سوى ان يكون جزء من المكان الذي يسع انه مقر للمثقفين، ومنهم من اصبح لديه طموح بأستغلال الفرصة ليكون شيئا يشار اليه بالبنان ويكون حاله حال الاخرين الذي يلبسون (قاط ورباط) ويحفظ عددا من المصطلحات والتسميات ويتكلم بلغة فصيحة وان كان لا يعرف ماذا يرفع وماذا ينصب، وهؤلاء انفسهم من الممكن مشاهدتهم في الكثير من الاماكن التي يتنقلون اليها حسب خطط كما يبدو ولديهم توقيتات اقامتها.

وللتعرف على هذه الظاهرة التي اصبحت تلفت الانتباه اليها حاولنا قراءتها مع عدد من الادباء.

يقول القاص والروائي عبد الستار البيضاني: هذه الظاهرة تذكرني بأحد الاصدقاء الادباء الاكراد في السليمانية حين سألته: لماذا لا تأتي الى الفعاليات الثقافية؟ فقال: الذي يأتي للفعاليات اما شاب جديد يريد ان يدخل المشهد، او شخص كبير السن لديه وقت فراغ، وفي الغالب.. في هذه المنطقة التي فيها الكاتب خاصة منهم الاديب والشاعر والقاص يكون منشغلا بنصه، خاصة نحن في هذا الوضع الثقافي، الثقافة العراقية تفتقد المناخات، يعني ليس لدينا قضية تنظيمية، الموجودون اصحاب هذه الظاهرة، انا الاحظهم بأي شيء يدخلون ويتكلمون بالفن التشكيلي بالسينما بالقصة بالشعر، هذه دلالة على هشاشة الوضع الثقافي.
وأضاف البيضاني: في السابق كان من الصعب الوصول الى منصة اتحاد الادباء، عدا هذا سوء ادارة المؤسسات، انا الاحظها ليس لديها برنامج بما فيها اتحاد الادباء، في السابق كان يحدد محاضر وشخص يقدمه وكل ثلاثة اشهر، الان يأتي شخص ويلقي اية محاضرة وهو جاهز للصعود الى المنصة وهو تعويض خاصة ان اغلب المحاضرات الان تنقلها جميع الفضائيات فهو يكون في الصورة، يعتقد انه صار امام اهله وامام جيرانه.

اما الكاتب الروائي محمد سعدون السباهي فال: انه نوع من التعويض، هؤلاء فاتهم القطار واصابهم اليأس والفقدان والوحدة الشرسة حتى داخل اسرهم، فيعتبر هذا نوعا من التماهي والحضور وليقول انني موجود وحاضر وانا كذا، عسى ان تأتي فضائية تلتقط صورته (خطية) وتظهره للناس وهناك فضائيات تظهرهم نائمين!!، هؤلاء هم الذي على حافة الرحيل، وهذه الظاهرة موجود في كل زمان، ولكن عندما يكون هناك حراك ثقافي حقيقي هؤلاء لا يجلسون في الصفوف الاولى لانهم سيحرجون، وتقدم لهم اسئلة ولا بد ان يناقشوا.

واضاف السباهي: انظر الى ندوات اتحاد الادباء، لا تحتاج الى تعليق، انها مكررة، وقال الشاعر فلان وحكى الروائي فلان، ليس لديهم خرق للمألوف الثقافي في العالم وفي العراق، كلها مسائل تقليدية، ويستمر هؤلاء في الجلوس الى ان يحدث تغيير نوعي في ندوات الاتحاد فيرجعون الى اماكنهم الحقيقية في الخلف، وهذا هو حب الصدارة ولكن هؤلاء لديهم يأس من الحياة وفقدان وشعور بالوحدة، فيريد الواحد منهم ان يحصل على اية فضائية لتلقي عليه الضوء، هم اشخاص منسيون ويساعدهم على ذلك ان هناك ركودا ثقافيا لان هذه الصدارة، هم لماذا يسمونها المقاعد بالصدارة لانها تتصدرها علية القوم سواء بالكلام او بالفعل، اما مناقشاتهم فلا قيمة لها مجرد ثرثرة.

فيما قال القاص والكاتب حسين رشيد: واحدة من افرازات ما بعد التغيير 2003 ظاهرة كثرة المثقفين والمهتمين بالشأن الثقافي الادبي، اذ نلاحظ هناك بعض الاشخاص في كل ندوة في كل مكان في كل تجمع في كل مهرجان تراهم متواجدين وليس مجرد التواجد بالجلوس بل يجلس دائما في الصف الاول مع كبار الشخصيات، اضافة الى هذا وذاك ان هؤلاء لا يفوتون اية فرصة دون ان يتداخل حتى وان كان الموضوع بعيداعن، انا من وجهة نظري البسيطة هذا عوز بالداخل وعوز نفسي من حالة بروز لانه لم يقدر ان يقدم منجز ابداعي او كتاب او الى ذلك حتى يكون شكلا ملموسا ومبدعا يشار اليه، فيبدأ يقتنص هذه الفرص بالتواجد بالملتقيات والتجمعات والندوات الثقافية ويتداخل هنا وهناك ودائما الاشكالية تكمن في ان المداخلات بعيدة عن صلب الحدث او الموضوع او الشخص المحتفى به، واذا ما كنت قد اطلقت اسمية الناقد الخفر على بعض النقاد، فهنا تأتي تسمية المثقف الخفر الذي يتواجد في كل الاماكن وهذه الظاهرة كما اعتقد لا تليق بالثقافة العراقية، فالمثقف الرصين يتواجد في المكان المناسب، واعتقد ان هؤلاء مثقفون او يمتون للثقافة بشيء لانهم يتواجدون في كل الاماكن، بينما المثقف يكون دائما صاحب موقف ومبدأ من بعض الظواهر والملتقيات، انا لايهمني هذه المنظمة او تلك ان تقيم ندوة انا ابحث عن الشيء الموضوعي الذي يقدم شيئا للاخرين وللاسف هذه الظاهرة بدأت عند اشباه المثقفين الذين لا علاقة لهم بالثقافة لكن يحاول ان يبرز كواجهة ثقافية.

وقال الشاعر والكاتب الصحفي جابر محمد جابر:هذه الظاهرة برأيي الشخصي ظاهرة طارئين في كل زمن وفي كل عصر يبرز هؤلاء عندما يغيب الابداع الحقيقي او الشخص المبدع الحقيقي عندما يغيب او يتوارى عن الساحة لسبب ما او لظرف ما لا سيما ونحن الان في ظل احتلال اجنبي لبلدنا، نلاحظ الاقلام الحقيقية الوجوه الثقافية الحقيقية حققت لها عزلة معينة لظرف ما لذلك ظهر هؤلاء الطارئون، كثير هم الان في الساحة وهو شخصيات برغماتية نستطيع ان نقول عنهم، وصوليون نستطيع ان نقول عنهم، اي شيء، هؤلاء تراهم دائما في الخط الاول لاي تجمع ثقافي في اية ندوة وهم السباقون في الحديث عن اي موضوع لكي يظهر على شاشات الفضائيات وتتصدر صوره الكاميرات، هذا في رأيي الشخصي اعتبره مرضا خطيرا في جسد الثقافة العراقية، هذا الشخص مريض يريد ان يبرز نفسه، ليست له شخصية ليس له منجز ابداعي يريد ان يكرس هذا الظهور كمنجز تعويضي عن شخصيته وعن ابداعه، هو فارغ اساسا ليس لديه امكانية في هذا المجال.

وقال عباس لطيف الكاتب والناقد:هذه الظاهرة ليست جديدة انا عاصرتها وشاهدتها وعايشتها منذ السبعينيات والثمانينيات وبعد الالفيات نجد مجموعة من الطارئين والملفقين ومن المتطفلين على الادب، غالبا ما يلجؤون الى الظهور الاستعراضي ومحاولة التسلل الى المشهد بأية طريقة، لايمتلكون منجزا، لا يمتلكون وجهة نظر مهمة جدا وحتى لايمتلكون شيئا يمفيدا يقولونه في هذه الندوات، نجد مثل هذه الذوات الطارئة تتسلل الى المشهد الثقافي للظهور فقط، للظهور لذاته، يريد ان يظهر ويريد ان يبرز وهو لايمتلك غير هذا الظهور، كثير من الندوات او الجلسات النقدية في المسرح والرواية وفي اتحاد الادباء نجد مثل هذه الشخصيات المفبركة، لنسمها، او الطارئة والتي لاتمتلك سوى بضاعة الظهور من اجل الظهور تتكرر هذه الوجوه وتتكرر هذه الحالات، وبالمناسبة هؤلاء يتكررون في كل الندوات سواء كانت تشكيلية او مسرحية او ندوة الرواية وهو لا يمتلك سوى الظهور، هؤلاء اعتقد هم ظاهرة سيئة وهو عابرة لا تشكل شيئا ولكن على الوسط الادبي ان يعي ويشخص انهم يأخذون وقتا وحيزا من الاهتمام قد نحتاجه نحن في تسويق فكر نقدي حقيقي بعيدا عن الاستعراضية والظهور الطاريء.

الشاعر ياس السعيدي: ظاهرة الحضور المكثف لكل الفعاليات الثقافية ظاهرة لها وجه ايجابي ولها وجه سلبي، نلاحظ ان هناك وجوها بعينها تتواجد في كل المحافل الثقافية، اساسا تكرار وجود هذه الوجوه لا يعد مشكلة بحد ذاته ولا يعد ظاهرة سلبية، ولكن اذا تكررت المداخلات او اذا تكرر الفعل الثقافي نفسه فبالتأكيد ستكون هاك سلبية، الازمة ليس في تكرار الوجوه، الازمة في تكرار الكلمات، هذا اولا، الازمة الثانية تكمن في التداخل او التعليق خارج موضوع النص او خارج موضوع الجلسة بصورة عامة، نفاجأ احيانا ببعض المتداخلين يتداخل عن موضوع اخر ليس له علاقة بالموضوع الاصلي او موضوع الجلسة، في هذه الحالة احيانا مدير الجلسة يضطر الى التنبيه كأنما المسألة تحتاج الى تنبيه ولا بد ان تكون المداخلة خاصة بموضوع الجلسة، لا اخفيك سرا.. احيانا يتداخل مع هذه الحالة حب الظهور الاعلامي، احيانا التغطيات الكبيرة لوسائل الاعلام تدفع الى مداخلات كثيرة، وبالمحصلة المداخلات الكثيرة امر جيد بشرط ان تهتم بموضوع الجلسة بشرط ان تكون غنية بما هو جديد، اما ان تتكرر الوجوه والمداخلات وان تكون المداخلات بعيدة عن المواضيع فبالتأكيد هذا امر سلبي وسلبي جدا ويجب معالجته.

قبل ان اختتم الموضوع اذكر ان في احدى اصبوحات اتحاد الادباء قام شخص وصعد المنصة وراح يتحدث وينتقد ويتحدث بالفصحى والعامية بكلام لم يفهم احد منه ما يريد ان يقول سوى مما سمعه من الاخرين،وهو ما لفت انتباه رئيس الاتحاد فاضل ثامر الذي نهض من مكانه وأوقف الشخص عن الحديث سائلا اياه عن شخصيته، فقال له الشخص: انا مررت من باب الاتحاد ودخلت وهي المرة الاولى التي ادخل فيها هنا ورغبت ان اشارك في المناقشة، وهنا ضج الحاضرون بالضحك.