لا مراء أن كتاب الفيلسوف الفرنسي مشيل أونفراي بعنوان: quot;أفول صنم: الأكذوبة الفرويديةquot; أسال كثيرا من المداد، و أثار ما لا يحصى ولا يعد من النقاشات، وبخاصة في فرنسا معقل التحليل النفسي. و توخيا منا لتوضيح ما بوسعنا توضيحه، في ما يتصل بالموضوع، سأحاول الدلو بدلوي اعتمادا بالأساس على كتابه: quot;freud une chronologie sans leacute;gendequot; الصادر عن دار غراسي 2010.
في استهلاله لكتابه quot;أرخبيل النجومquot; يتحدث أونفراي على نحو دقيق و مبهر عما يدعوه quot;معنى الجسد الأوتوبيوغرافيquot; راميا بذلك إلى التوكيد على أن كل فكر، فكر، إنما هو نتاج كمياء جسد صاحبه، و كل فلسفة فلسفة لا تعدو أن تكون حصيلة فوران ذات و صدى دقات قلب فيلسوف بلحمه و دمه. فالأفكار و التصورات قبل أن تملأ مساحة الأوراق الفارغة و ترسو على وجه الصفحات الناصعة البياض، تتسلل إليها مندفعة بفضل التفاعل الكيميائي للجسد، فتأتي قوية أحيانا و ضعيفة أحيانا أخرى، وذلك بالطبع انسجاما مع حالات الفتور و القوة ذاتها التي تعتري الجسد. فالجسد إذن quot;هو المادة الوحيدة التي منها ينبعث النص المكتوب، لأن الجسد يصير عملا إبداعيا بفضل كمياء الكتابة، والعكس كذلك وارد وصحيحquot;(1) بناء على هكذا طرح يرى أونفراي ألا مناص لفهم أي عمل إبداعي كيفما كان، من وصله بالسيرة الذاتية لصاحبه. و نهج أسلوب المقارنة ما أمكن، مابين السيرة الذاتية و الأعمال الكاملة و كذا المراسلات. فلا شك أننا عندما نقارن فقط، يمكننا أن نفهم على حد تعبير ميلان كونديرا. وبدون مقارنة نفتقد لا الخيط الناظم الذي يُسعفنا على الفهم الجيد فحسب، بل نسيء حتى التقدير؛ أقصد تقدير الكاتب من جهة و عمله من جهة ثانية. على هذا النحو إذن أَقدَم أونفراي على قراءة فرويد. ولا يفوتني بالمناسبة، أن أسجل مسألة هامة، مفادها أن فيلسوف اللذة كان في بداياته يبدي إعجابه لفرويد كما لا ينفي انبهاره بأطروحات و مواقف رائد التحليل النفسي. لكنه حدث أن فوجئ ذات مرة، لَمَّا كان ينوي تقديم دروس في الفرويدية لطلبته بالجامعة الشعبية، فوجئ بشخصية لا تتناسب و الصورة القبلية التي في أذهان الناس، كما في ذهنه هو أيضا. من ثمة شرع يتفحص أطروحات المعارضين لفرويد و هم كثر، منهم تلامذته و مجا يليه. وبعدها راح يبحث في الأرشيف، سيما رسائل المدعو quot;فليسquot;؛ فوجد أول ما وجد أن هذه الأخيرة أُتْلِف النصيب الأكبر منها، و بخاصة تلك التي كان يبعث بها quot;فليسquot; لفرويد و لم يُنْشر ما تبقى من المراسلات لدىquot; فليسquot; إلا بعدما تم تنقيحها. و في هذا الباب يقول مصطفى زيور أحد رواد التحليل النفسي في العالم العربي، في كتابه quot;في النفسquot; الصادر عن دار النهضة العربية للطباعة و النشر ببيروت سنة 1986 في الصفحة 57: quot;طلع علينا عام 1950 بحدث هام في تاريخ التحليل النفسي، فقد أتيح لبعض تلامذة فرويد اكتشاف مجموعة من الرسائل كتبها لصديق له يدعى quot;فليسquot; fliess فيما بين سنة 1887 و 1902 أي في السنوات التي شهدت ميلاد التحليل النفسي و سجل فيها خواطره و نضاله أثناء اكتشافاته الكبرى، فألقت ضوءا على حقبة فريدة في تاريخ المعرفة. quot;بناء على هذا الكلام لزيور يتبدى أن لهذه المراسلات بالفعل أهمية قصوى، إلا أن طريقة التعامل معها تختلف حد انقلاب ما هو أهم إلى تافه والعكس وارد. تساؤلي في هذا السياق، إن كان حقا لنا أن نتساءل هو كالتالي: لماذا لم يكشف مصطفى زيور عما كشف عنه أونفراي؟ لماذا ظل على مسار كتابه يتكلم عن عبقرية فرويد تماما كما يتكلم البعض عن عبقرية الرسل و الأنبياء؟ لماذا غاب عنه أن الرسائل تنطوي على خلل؟ لماذا لم يطرح على نفسه وهو المتخصص في مجال علم النفس أن المرسل إليه فرويد أتلف ما بيده من رسائل quot;فليسquot;؟ هل كل هذا الإغفال طرأ بحسن نية؟ ربما، لكن لِنَعُد إلى الهفوات، التي كشف عنها أونفراي. يقول هذا الأخير بأن quot;فرويد عمل على إتلاف رسائل quot;فليسquot; وسعى إلى إتلاف رسائله هو أيضا، إلا أنه فوجئ لما وجدها تباع و تشترى عند أحد الكتبيين، وبعد رحلة غريبة نشرت هذه المراسلات منقحة منذ سنين. لكن أول طبعة فرنسية كاملة تعود فقط إلى سنة 2006 (ص. 20-21). ويضيف أونفراي مشيرا إلى عام 1936: quot;لما علم فرويد بأن رسائله إلى فليس تباع عند أحد الكتبيين، تمنى لو اقتناها حتى بنصف الثمن، من أجل إتلافها. هكذا اشترتها Marie Bonaparte و منعت تصفحها حتى مرور 100 عام على وفاة فرويدquot; (ص. 37) وفضلا عن ذلك يشير أونفراي في موضع آخر (ص. 25): quot;بأن المنع طال أيضا مراسلات فرويد و أخت زوجته مينا التي تم قبرها بـ quot;La Freud collection de la bibliotheacute;que du congreacute;s de washington quot;. quot;كل هذا الحظر و الترسانة من الحصار الذي لن يفك عن أرشيف فرويد حتى سنة 2057 على حد تأكيد أونفراي يدفعنا إلى التعاطف مع فيلسوف المتعة، في طرح هكذا السؤال: quot;ولماذا كل هذا المنع طالما ليس هنالك كما يدعي البعض ما يستحق الكثمان؟quot; (ص. 43)
الحق أن فرويد بحسب هذا الحفر الأركيولوجي، ليس لا بعالم و لا بطبيب ولا بمفكر، الرجل بكل بساطة Conquistador أي مغامر لا بوصلة تحكمه، يقول الشيء ونقيضه، ويفعل مالا يقول ويقول مالا يفعل. هذه الأوصاف ليست لي، ولا لأونفراي حتى لا يُلام أحدنا، بل هي وهذا هو الخطير لفرويد نفسه، فهو من كتب يوم 1 فبراير 1900 في رسالة إلى فليس: quot;إني لست إطلاقا، لا رجل علم و لا ملاحظ أو مجرب ولا حتى مفكر، أنا لست إلا Conquistador بطبعيquot; (ص. 28)هكذا عاش الرجل باحثا عن الشهرة والمال. و إن مارس الطب فليس لأنه راغب في العلم أو ما إليه (يكتب لـفليس يوم 1يناير سنة 1896 بأن هدفه الأول كان هو الفلسفة و في 2 أبريل من نفس العام يضيف: quot;لقد أصبحت طبيبا نفسيا رغما عن أنفيquot; (ص. 23))، وعندما ادعى الإلحاد فقد بقي يؤمن على نحو ما أفهم الإيمان. أي أنه عاش منافقا وإلا كيف بهquot; يجهر بإلحاده سنة 1886 (13 شتنبر) فيعقد زواجا مدنيا ثم يصمم فيما بعد الغد إقامة حفل ديني. كما يفتح عيادته يوم خروج اليهود بقيادة موسى من مصر، وعلى ذكر موسى فهو الشخصية الأسطورية التي خصص لها كتابا يبين فيه أن أب اليهود ليس يهودياquot; (ص. 19) و توضيحا لهذا الميل الخرافي لدى فرويد يحيلنا أونفراي على سنة 1921 قائلا: quot;أن رائد التحليل النفسي يذهب في quot;Psychanalyse et teacute;leacute;pathie quot;إلى أن ثمة علاقة مابين التنجيم و التحليل النفسي، ونفس الشيء يؤكد عليه في Recirc;ve et teacute;leacute;pathie (1922). لقد كان فرويد يؤمن بالخرافة و يعتقد في العدادة La numeacute;rologie و يتعاطى طقوس الرقية تفاديا للحظ العكر، كما مارس التخاطر مع ابنته quot;أناquot; سنة 1925 مصرحا لـquot;Jonesquot; بحكمه المسبق المؤيد للتخاطر، لكنه يرفض البوح به علانية. (ص. 33). أما عن شغفه بالمال و تكديس الثروات فحدث ولا حرج إذ يورد المحلل النفسي Sandor Ferenczi رأيا لفرويد تجاه مرضاه في journal clinique يقول فيه: quot;المرضى مجرد دهماء، لا يصلحون إلا لأن يضمنوا لنا عيشنا وهم مادة للتعلم، ليس بوسعنا على كل حال مساعدتهمquot; (ص. 35) ليس هذا الرأي غريبا عن طبع فرويد فهو من يرد في مذكراته (ماي 1912) على سؤال طرحه عليه Ludwig Binswanger مستقصيا رأيه في مرضاه، فيقول: quot;إني ألوي أعناقهم جميعاquot; (ص. 30) وبالطبع فهو من يقطع حتى رقباتهم حين نعلم مثلا أن إبان حياة فرويد وبالضبط سنة 1920quot; كان، ثمن حصة واحدة من التحليل لمدة ساعة واحدة، فوق أريكة فرويد تقدر بـ25 دولار(أي مايناهز 415 أورو 2010) وإذا عرفنا أن عدد الزبناء الذين يتوافدون على الأريكة طيلة يوم واحد يتراوح حينها ما بين 8 و 10 أشخاص، تأكدنا من أن المبلغ الإجمالي في اليوم الواحد هو 3600 أورو. ولذلك كان فرويد لا يعالج الفقراء بحيث يرى استحالة معالجة أناس لا مال لديهم و لا ثقافة و لا إيمان حتى بنجاعة الأريكة. quot;(ص. 32) لا أحد اليوم ينكر أن الطب يكلف ماديا لكن التحليل النفسي يفرض مبالغ مالية خيالية و يكفينا أن نعرف بأن فرنسا تعج لوحدها بما يناهز 5000 محلل نفساني، كلهم يعيشون على الريع و الأرباح التي يحصلون عليها من حصص العلاج، و للذكرى نستشهد هنا بمثال يورده أونفراي ويعود تاريخيا إلى عام 1956(شهر آب/ اوغسطس)حيث quot;حينئذ ستحلل أنا فرويد، مارلين مونرو، لبضع أيام وهكذا يصبح اليوم ربع ثروة الممثلة الأمريكية في ملك مؤسسة أنا فرويدquot; (ص. 39)هذا بخصوص حب المال، أما فيما يخص هلوسة الشهرة، فإن فرويد ينشد العظمة منذ أن كان طفلا لأمه، التي quot;خصصت له دونما بقية إخوانه، غرفة لوحده، في شقة تتكون من ثلاث غرف و مكتب. وبلغ دافع الدلال بالأم إلى حد منع دروس ابنتها في البيانو لأن فرويد ينزعج جراء انبعاث الصوتquot;. (ص. 12) وسيكتب في كتابه تفسير الحلم بأن: quot;امرأة بدوية عجوز، كانت قد تنبأت لأمه الفرحة بميلاد ابنها الأول، بأنها وهبت العالم هدية هي هذا الرجل العظيمquot; لا لشيء إلا لأنه ازداد بشعر كثيف و أسود اللون. وبعيدا يقول quot;هل يعود نشداني للعظمة إلى هذا الأساس؟quot; (ص. 11) وحوالي 1867-1868، صودف أن التقى وهو بصحبة والديه، بمقهى بـPrater (فيينا) شاعرا جوالا وعرافا ينبئه بأنه سيصبح يوما ما رجلا عظيما. و يذكر في تفسير الحلم بأنه تأثر بالغ التأثر بهذه النبوءة الثانية التي جاءت تؤكد نبوءة المرأة العجوز. (ص. 12) تكاد توحيني هذه الهلوسات بتلك التي نلقيها لدى سائر المبعوثين من السماء هداية للناس و ترشيدا لهم للصراط المستقيم أمثال موسى، محمد، عيسى... لذلك كان معاصرو فرويد الفطنون يندهشون أيما اندهاش من الترهات التي يزف لهم بها، وعند صدور كتابه quot;تفسير الأحلام quot; وهو كما أكد زيور أعظم مؤلفاته من غير شك، استقبل استقبالا سيئا من معاصريه من العلماء، فها هو ذا البروفسورquot;ليبمانquot; الأستاذ بجامعة برلين يكتب قائلا: quot;لقد انتصرت في هذا الكتاب الأفكار الخيالية للفنان على الباحث العلميquot; (ص. 60 من كتاب مصطفى زيور سالف الذكر) نلمس هذا الضرب من الفانتازم لدى فرويد في العديد من النواحي، فهو من عانى من إحباطات متكررة سواء على مستوى الحياة الخاصة أو على مستوى الحياة المهنية. فهو كما صرح تلميذه رايش (أنظر كتاب بول روبنسون بعنوان: اليسار الفرويدي، تعريب شوقي جلال و لطفي فطيم، دار الطليعة بيروت، ص. 31) من حقق صفقة زواج خاسرة، إثر اقترانه بـquot;مارتا برنسquot; القبيحة المنظر بحسب فرويد نفسه وفي وقت يعاني فيه ماديا. يكتب في رسالة بعثها إليها يوم 2 غشت 1882: quot;أعرف كل المعرفة أنك لست جميلة، على نحو ما يتصوره الرسامة والنحاتة؛ و إذا ما أردتُ أن أفصح لك عن ذلك بتعبير واضح، أجدني مجبرا على البوح لك بأنك لست جميلةquot; وفي رسائل أخرى يكتب لها أنه يتعاطى الكوكايين لما لها من مفعول جيد من الناحية الجنسية (2 يونيو 1884)... وهذا لم يَحُل دونما إبدائه نوعا من الغيرة المرضية تجاه خطيبته التي منعها من الاختلاط بالرجال بمن فيهم حتى ابن عمها أو خالها. ليعترف يوم 22 آب / اوغسطس 1883 قائلا: quot;إن لي بكل تأكيد، نزوعا نحو السلطةquot; وخلال هاته الفترة أيضا كان فرويد يكتب رسائل غرام و حب لأخت زوجته المدعوة مينا (Peter Gay ,Freud. une vie ,P. 90 ). (ص. 14-15) لذلك نعرف سر صراعه مع رايش الذي يقول: quot;إن هناك عدة عوامل سيكولوجية منعت فرويد من قبول فكرة المساواة بين الاكتفاء التناسلي وبين الصحة النفسية... لقد كان ضحية زيجة غير موفقة وإنه من الناحية التناسلية غير راض بالمرة. وهذا هو السبب في أنه كان يخشى لاشعوريا نظرية الأورجازم (الرعشة). quot;(بول روبنسون، مرجع مذكور ص. 31). إن فرويد على ما يظهر يعيش الارتباكات كلها وسيد التناقضات من ألفها حتى يائها، فهو إذ يتعاطى الكوكايين تأجيجا لجنسانيته يأمر الناس الذين يعانون جنسيا بالثقة في العلاج بالتحليل النفسي، والاكتفاء بالتداعي الحر والاستلقاء فوق أريكته. فالرجل إذن يرغب في كبت هذه الطاقة لا تحريرها والإبقاء على أمراض العصاب لا علاجها. quot;يكتب في الأخلاق الجنسية الثقافية و العصاب المعاصر: quot;إن علاج العصاب الناتج عن الزواج سيكون بالأحرى الخيانة الزوجية.quot; (ص. 25) وبعد عشر سنوات من إدمان الكوكايين، أي يوم 12 يونيو 1895 سيكتب لفليس quot;إني في حاجة للكثير من الكوكايينquot; يستعملها بغاية الحماسة والجرأة سيما في الأمسيات حيث يكون مدعوا عند شاركو. ويكتب من باريس إلى خطيبته التي بقيت في فيينا بأن هذه المادة تغبط و تؤجج حتى فيما يخص الجنس. فيخرج إلى بيوت البغاء؛ ولربما كان ذلك هو السبب في انعدام انتظام دقات قلبه، وليبيدواه الضعيفة و حالات الذعر والهلع المتكررة، ومشاكل وتيرة أنفه وكذا إصاباته بالزكام الحاد لمرات عديدة و جنونه الدوري... وفي سنة 1885 ينصح في مقاله حول الكوكايين sur la Cocaine بحقن المادة lrsquo;injection لأحد مرضاه هو Fleischel-Marscow و يكتب في تفسير الحلم (1900) بشكل مغلوط أنه إنما قال بابتلاعها lrsquo;ingestion... الهدف من وراء هذه الكذبة هو التغاضي عن خطأه الذي أودى بحياة صديقه. ففي اللحظة التي كان يكتب فيها بحثه بعنوان Sur la cocaine كان فرويد مع ذلك يعرف أن حالة صديقه تسوء يوما عن يوم. يكتب بهذا الصدد إلى زوجته يوم 12 ماي 1884: quot;مع Fleischel ساءت الأمور وتكاد تحول دونما ابتهاجي بأي نجاحquot;ومن ثمة عمل سنة 1885على إتلاف كل الأوراق و المذكرات والوثائق و المراسلات، وكذا كل ما كتب حتى يصعب على كتاب سيرة حياته المحتملين في المستقبل، الكشف عن الحقائق. هكذا لن تعثر عن Sur la Cocaine ضمن سيرته الذاتية.quot; (ص. 17-18) و في سنة 1893 يزعم أنه تخلى عن الجنس خدمة للتحليل النفسي، الذي هو quot;علمquot; تَحَصَّله بعد التسامي بليبيدوه، ثم يحلم في 31ماي 1897 بنكاح بنته quot;ماتيلدquot;؛ وفي رسالة إلى quot;فليسquot; في يوم 8 فبراير من نفس العام، أي 16 أسبوعا بعد موت أبيه Jakob يزعم فرويد بأن هذا الأخير مارس الجنس مع أبنائه و بناته الشابات ليُعِدَّ نظرية في الإغواء بحسبها يُرجع كل الأعصبة إلى اغتصاب الأب لأبنائه. فادعى أنه يستند ههنا على 18 حالة... وعالج في عيادته، عملا بهذه النظرية. لكنه بعد ردود فعل الآباء الذين لم يقبلوا نعتهم بمغتصبين لأبنائهم، يتراجع فرويد أمام و اقع أمر العيادة التي غدت تعاني الفراغ. لكنه مع ذلك لم يتراجع أبدا عن تفسير الأعصبة بالصدمة الجنسية الطفولية والأبوية.quot; (ص. 25-26) فضلا عن ذلك يكتب في رسالته إلى فليس بتاريخ 15 مارس 1898: quot;إني أنام أثناء التحاليل مابعد الظهيرة. فيُنَظِّر لهذه الأكدوبة العملية ليبرر أن بوسع المحلل أن ينام خلال حصص التحليل، مبلورا مفهوم الإنتباه المتردِّد lrsquo;attention flottante. (ص. 27)لذلك صرحت زوجة فرويد سنة 1920 للمحلل الفرنسي Reneacute; laforgue بأنها لا ترى في نظريات زوجها إلا شكلا من أشكال البورنوغرافيا(ص. 39) و سوف تؤكد Sophie سنة 2003 وهي بنت حفيد أو حفيدة فرويد و صاحبة مؤلف بعنوان : quot;A lrsquo;ombre de la famille Freud ,Comment ma meacute;re a veacute;cu le XX sieacute;cle,eacute;d. des Femmes، لصحيفة Tronto Star الصادرة يوم 16 نونبر 2003: بأن فرويد و هتلر يتقاسمان البيئة نفسها. وكانا يتقاسمان أيضا هوس السيطرة على الناس، باعتمادهما حقيقة واحدة، الأول بفضل خطابة لامعة و الثاني بفضل قوة وحشية. ولكونهما كانا محط إعجاب مريديهما، خلقوا حركات قوية. و في اعتباري إن هتلر و سيغموند فرويد هما الرسولان المنافقان اللذان عرفهما القرن العشرونquot;(ص. 41)
خلاصة القول أن أونفراي، بهده الإستراتيجية في التفكيك، يتقاطع ومواقف كل من دولوز وفليكس غاتاري اللذين ألفا كتابا هاما في هذا الصدد هو كتاب quot;أوديب مضاداquot;، تناولا فيه أطروحات الأودبة بشتى أصنافها، وأكدا أن المشاكل الحقيقية ليست فحسب مشاكل نظرية بل هي كذلك مشاكل سياسية وإيديولوجية، وكان المحلل النفسي غاتاري محقا عندما يردد: quot;أنه قبل الوجود هنالك السياسةquot; وبهذا الشكل يصعب علي الانتهاء دونما الحديث عن مريدي المعبد الفرويدي، لا بل عن لا نزاهتهم كما يؤكد أونفراي، إذ منذ ظهور quot;الكتاب الأسود للتحليل النفسي، سنة 2005، بفرنسا كاشفا لأول مرة عن الأوهام الفرويدية، ستنشر quot;إليزابيت رودنسكوquot; كتابا بعنوان: quot;pourquoi tant de haine ? Anatomie du livre noir de la psychanalyse eacute;d. Navarin وستمضي في الحرب بكل ما أوتيت من عنف، ضد هذا الكتاب، بدعوى أن فرويد تم المس بشخصه ونعته بأقبح الأوصاف من قبيل: quot;كذاب، منافق، سارق وكاره للنساء، مدمن على الكوكايين، كثوم وداعية، مهووس جنسيا وشغوف بالمال والسلطة، دكتاتور خدع العالم بأسره بواسطة مذهب خاطئquot; والحال أنها كلها ادعاءات مغرضة بحسبها. إن رودينسكو بذلك إنما تدافع عن فرويد يقول الحقيقة باستمرار، تدافع عن رجل علم عبقري، ومخترع جريء، متحرر ومناصر للنساء، رجل لم يسبق له أبدا أن تعاطى الكوكايين، مفكر نزيه، ذو أفكار صارمة، زاهد في الجنس ول يكترث بالمال و لا بالسلطة، رجل ديمقراطي عظيم و يهودي ليبرالي يجسد تماما فلسفة الأنوار... وبعدئذ بعام أي سنة 2006 سيظهر كذلك كتاب بعنوان: quot;ضد الكتاب الأسود للتحليل النفسيquot; تحت إشراف Jacques-Alain Miller صهر جاك لاكان، كدعم للنص المنشور سنة 2005؛ لكن الحقيقة أن هذا الكتاب إنما هو نتيجة أشغال الندوة التي انعقدت أساسا، انتقادا لطرق العلاج السلوكي المعرفي، يوم 9 أبريل 2005، أي بمعنى آخر خمسة أشهر قبل وجود الكتاب الأسود. ومنذئذ كل قراءة نقدية لفرويد فهي تصب في مجرى TCC المتهمة بالدفاع عن نصيبها في السوق. quot;(ص. 42-43). يبقى أخيرا التوكيد على أن أونفراي لا يكن أي حقد لفرويد قدر ما يرى فيه ذلك الفيلسوف الذي لا يحب الفلاسفة، فهو من اقتنى كتب نتشه وادعى أنه لن يقرأه، و ما أن داهمه الموت في آخر مشوار حياته، حتى أبان عن جسارة عز نظيرها، جسارة كانت ذات نفحة رواقية، على اعتبار أن فرويد هو من طلب من طبيبه حقنه بالمورفين تسريعا لوتيرة الموت. وفضلا عن ذلك كان في هذه اللحظات الحاسمة من عمره قد بدأ في تقديم اعترافات لم يستطع البوح بها من ذي قبل.

الهوامش:
(1)Michel Onfray ,Lrsquo;Archipel des comeacute;tes, Journal heacute;doniste III Grasset P. 14
ملحوظة: تشير أرقام الصفحات الواردة في النص إلى كتاب: quot;Freud une chronologie sans leacute;gende eacute;d. Grasset 2010