عبد الجبار العتابي من بغداد: فقدت الثقافية العراقية يوم السبت الحادي والعشرين من آب / اغسطس القاص والكاتب المسرحي محيي الدين زنكنه، الذي وافاه الاجل المحتوم في مدينة السليمانية أثر نوبة قلبية حادة ألمت به، عن عمر 70 عاما، ويعد زنكنة واحدا من كتاب المسرح العراقيين البارزين، وقد عاش سنواته الاخيرة فقيرا منزويا بعيدا في مدينته، فاقد البصر انتظر ان يأخذ احد بيديه كي يعالج عينيه من المرض الذي اصابهما ولكن !!، ويمتلك الراحل سيرة حياة حافلة بالابداعات والانجازات التي نالت مجالا واسعا من الشهرة.
وقد جاءت سيرته الذاتية في (موسوعة الأدباء العراقيين) التي كتبها ياسين النصير انه : ولد الكاتب المسرحي المعروف محيي الدين زنكنه في مدينة كركوك عام 1940، من اسرة متوسطة الحال، ولكنه لم يلبث فيها طويلا حيث انتقل بعدها إلى بعقوبة وبقي فيها لحد الآن، ومنذ طفولته عرف معنى أن يكون الإنسان وطنيا من خلال متابعته لما يستجد على أرض الواقع من مشكلات، فهو من عائلة كردية مناضلة ومثقفة، تعلم منها الصبر والمواظبة وهما صفتان ملازمتان له، أكمل الاعداية في مدينة بعقوبة ثم دخل جامعة بغداد كلية الآداب قسم اللغة العربية - وتخرج عام 1962، وفي أثناء الدراسة بدأت موهبته في الكتابة تتضح،عمل مدرسا للغة العربية في مدارس بعقوبة.
يعد محي الدين زنكنة من أكثر كتاب المسرح فصاحة في الاسلوب وفي اللغة فهو لا يكتب امسرحياته بالعامية كما اعتاد كتاب المسرح، بل يكتبها باللغة الفصحى المقبولة مسرحيا وادائيا، له ميزة مهمة في كتابة النص المسرحي وهي أنه يسرد وقائع كثيرة تمر على شخصياته الفنية كما لو أنه يفتح لها سجلا حياتيا عاما. فيقدمها للمخرج مكتملة الحياة وحية وكأنها تعيش بيننا للآن.
له أكثر من 22 عملا مسرحيا منشورا في كتب وفي مجلات، وكل هذه الاعمال تقريباً عرفت طريقها إلى المسرح، ويعد تعامل محي الدين زنكنة مع فرقة المسرح الشعبي وفرقة مسرح اليوم بمثابة السند الذي أدام بقاء هاتين الفرقتين زمنا طويلا بعد أن حوربتا من قبل أجهزة الثقافة المسرحية في العراق،وكان تعامله مع الفرقة القومية وفرقة المسرح الفني حذرا وقليلاً، وفي العموم كان يفضل العروض العربية لمسرحياته حيث عرضت في القاهرة وتونس والمغرب ولبنان وسوريا وفي دول الخليج لقيت مسرحياته اهتماما نقديا وجماهيريا.
وله ثلاث روايات، احداها (ئاسوس) تتحدث عن إنسان عراقي كردي هُجر عن ارضه ومسكنه ووطنه إلى بقعة لا يجيد فيها الحياة، ومن خلال رمزية اسم الطير ئاسوس الذي يموت عندما يفقد طبيعته نلمح المدى الذي تركه فعل التهجير على فكر وحياة هذا الكاتب، وله مجموعتان قصصيتان أيضاً،لا تختلف قصصهما عن المدار الذي تدور فيه كل أعماله الأدبية : الهجرة والعمل والملاحقة والبحث عن الحرية والوقوف بوجه الطغاة المستبدين في العالم. حيث كان يربط مصائر شخصياته ليس بما يحيط بها وما تعيشه بل بما يفكرون به حيث ينتمي أبطاله إلى فئة المناضلين.
عمل لفترات طويلة في التعليم الثانوي، وفي الصحافة ونشر عشرات المقالات في الصحف العراقية والعربية كما نشرت له المجلات العربية في عموم الوطن العربي الكثير من اعماله المسرحية قبل أن تظهر في كتب، وخاصة المجلات السورية.
أولى كتابات محي الدين زنكنه كانت مسرحية (السر) عام 1968وفيها يكشف عن قدرة الأنسان الذاتية على تحمله مشقات الحفاظ على المبادئ،ثم مسرحية الجراد عام 1970،وفيها يتنبأ بغزو جراد السلطات المستبدة القامعة على حرية وحياة المواطن العادي، ومن ثم المجتمع والثقافة والسياسة،ثم كتب مسرحية السؤال1975 وهي من المسرحيات المهمة في تاريخ المسرح العراقي، حيث يأخذ فيها حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة هي حكاية صفوان والخياط اليهودي ومن داخلها يعالج القضية الفلسطينية أو أي قضية تتعرض للقهر والاغتصاب والسلب، ليكتبها بطريقة معاصرة تدل على وعي متقدم في استخدام التراث استخداما فنيا وجديدا وتقع السؤال ضمن موجه التحديث في الكتابة المسرحية حيث داب الكتاب في أواسط السبعينات على تحديث رؤيتهم، وقد مثلت السؤال في االعراق أولا ثم جرى تداولها على مسارح كل البلدان العربية تقريباً : مصر والمغرب وفلسطين والخليج وسوريا وغيرها،ومن يومها عرف محي الدين زنكنه كاتبا في المسرح العرب، بعد السؤال كتب مسرحية مهمة أخرى هي الإجازة وهي من المسرحيات التي تتبنى فكرة الحرية حرية الأنسان الفرد وحرية العقيدة، وفي عام 1979 يكتب مسرحية عن الوضع السياسي المضطرب في العراق اسماها (في الخمس الخامس من القرن العشرين يحدث هذا) ملمحا فيها إلى صعود قوى غير اجتماعية في مسيرة العراق الحديث والمسرحية تستعير تراثا عربيا غائرا في الذاكرة الجمعية للعامة.. ثم ينشر مسرحية (اليمامة) في مجلة الموقف الأدبي السورية وتطبع في سوريا 1980 وفي عام 1981 ينشر مسرحية جديدةهي (مساء السعادة أيها الزنوج البيض) ومن دالالة الأسم المفارق الزنوج - البيض نلمح مدى السخرية التي ينظر بها محي الدين إلى تركيبة القمع ومفهوم الحرية، في عام 1982 يؤلف مسرحية مهمة هي (العلبة الحجرية) وتعد من أهم المسرحيات التجريبية التي ما أن مثلت على مسرح الرشيد من قبل الفرقة القومية، حتى انبرى لها من يصفها بأنها مسرحية مضادة للدولة،في هذه المسرحية يتحدث فيها عن السجون وعن التركيبة الشعورية التي يتركها المكان الضيق على الإنسان مطورا فكرة العلبة والحجرة إلى ثيمة إنسانية عندما تصبح حياة الآخرين بديلا عن سجن وحصار وموت، ومن داخل هذه التركيبة الشعورية يطل محي الدين زنكنة على هجرة الاكراد خارج ارضهم،حيث نجده يقرن الصلابة بالوجود الإنساني، وفي عام 1983 يكتب مسرحية (لمن الزهزر) لتقدم في مهرجان المسرح العربي من أخراج الفنان عزيز خيون وفي هذه المسرحية يتحدث عن الزهور التي لا تخطئ صاحبها، الزهور المرأة، الزهور الرغبة، الزهور الافكار،وقد لقي العرض نجاحا كبيرا.
وفي عام 1984 يكتب مسرحية (صراخ الصمت الأخرس )من اخراج الدكتور عوني كرومي وفيها يتداخل همّان همٌّ المؤلف حيث يجد الصراح الصامت طريقة للقول تجاه الاحباطات السياسية والفكرية الكبيرة، وصراخ المخرج حيث يجد في الصمت طريقة لبلوغ اقصى أنواع التحدي الفكري، وفي عام 1986 يكتب مسرحية طريفة هي (حكاية صديقين) وفيها يعيد تركيبة المشاعر الإنسانية لصديقين أفترقا منذ زمن مرا بسجون واختلاف المواقف والأراء وحياة مليئة بزواج وثقافة ومدن واحباط. ولكنهما ما أن يلتقيا ثانية حتى يكتشفان أنهما ما زلا صديقين وبلغتهيما القديمة.
في عام 1987 يقدم مسرحية مثيرة للنقاش هيquot; الأشواكquot; وفيها يتحدث عن المشكلات التي تواجه المثقف في حياته. ثم يقدم في العام مسرحيةquot; الحارسquot; وفيها يكشف عن المسؤولية التي توكل للإنسان تجاه الآخرين وذاته. ثم تتوالى مسرحياتهquot;هل تخضر الجذورquot; 1988quot; تكلم ياحجرquot; 1989 quot;كاوه دلدارquot; quot;1989العقابquot; 1990 quot;وتصدر دار الشؤون الثقافية مختارات من مسرحياته 1994. القططquot; 1999 quot;موت فنانquot; 1998 رؤيا الملك أو ماندانا وستافروب rlm;1999rlm;rlm;-rlm; اردية الموت 1996
لقد ألزم محي الدين نفسه أن يكتب في كل عام مسرحية، فهو يعمل يوميا والكتابة بالنسبة له مواصلة للحرية فهو يكتب كما قال لي مرات لأنه لا يجد طريقة للحياة إلا الكتابة، وفي رواياته الثلاث أو قصصه القصيرة التي نشرها في مجموعتين لا يفارق محي الدين زنكنة
والمشكلة الاساس في كتابات محي الدين زنكنه أنه لا يفارق الهم العراقي من خلال أبطال شعبين وجد في حياتهم صورة للمواطن الذي يحمل هموما أكبر من قدراته الذاتية. ويتعامل مع موضوعاته تعامل من يعشها ويعشقها. من يراقبها ويطل من خلالها على واقع عراقي ملتبس. لذلك تتحول أعماله بعد دراستها إلى مجسات ثقافية
يعد محي الدين زنكنة من أكثر الكتاب العراقيين انتشارا في مسارح الوطن العربي كما أسلفنا، فقد مثلت العديد من مسرحياته وباللغتين العربية والكردية في القاهرة ودمشق وبيروت وتونس والامارات والكويت وفلسطين والأردن والمغرب والجزائر، من بينها الجراد والسر وتكلم ياحجر وغيرها إضافة إلى العراق بمختلف مدنه العربية والكردية.. كما أن دمشق هي البلد الذي فتح لمحي الدين زنكنه مجالات النشر قبل العراق، وفي القاهرة نال جائزة أفضل كاتب مسرحي كما نالت أعماله في قرطاج تكريما من قبل اللجنة المنظمة.كما ترجمت معظم مسرحياته ورواياته إلى اللغة الكردية وهو من بين الكتاب العراقيين الذين أفردت لهم الموسوعات الأدبية تعريفا وتنويها.
ونوهت الكتابات التي كتبت عن أعماله بأن شخصياته تمتلك رؤية إنسانية اشمل لفكرة العمل والحرية والوجود. وينتمي محيي الدين زنكنه لكتاب المسرح العربي الذين شغلهم فكرة تحديث الكتابة المسرحية وخاصة أولئك الذين لجأوا إلى التراث والحكايات الشعبية القديمة بحثا عن نماذج أنسانية معاصرة فتعامل مع ألف ليلة وليلة والأغاني ومصادر تراثية عدة وتعتبر مسرحياته السوءال وتكلم ياحجر ولمن الزهور ورؤيا الملك والجراد من الأعمال الطليعية في التأليف وفي الإخراج.
يمتاز محيي الدين زنكة بأنه كاتب ملتزم بقضايا الإنسان في كل مكان فقد أضفى انتماءه الكردي على شخصياته نوعا من كشف الظلم الذي تتعرض له مما دفعه البحث عن الحرية والسلام الانخراط في صفوف الحركة الوطنية العراقية. فسجن مرات ولوحق. وكان ذلك عاملا مهما من عوامل البنية الفكرية التقدمية التي لا زمت أعماله وقبولها من قبل المخرجين في أنحاء الوطن العربي،كما هي العامل الأساس الذي جعله يبتعد عن مسارح السلطة والتهريج.