عبد الجبار العتابي من بغداد: يمكن الان ان نقول ان الفنان المسرحي العراقي الكبير سامي عبد الحميد دخل موسوعة غينيس للارقام القياسية حينما وقف على خشبة المسرح وقدم مسرحية من نوع (مونودراما) وهو ابن 82 عاما، وهو امر لا نعتقد ان أيا من الممثلين على مستوى العالم فعله، فقد عرضت يوم الخميس 30 كانون الاول / ديسمبر عام 2010 على خشبة منتدى المسرح بشارع الرشيد وللمرة الثالثة على توالي ثلاثة ايام المسرحية التي تحمل عنوان (غربة) فكرة حسن السوداني واعداد جمال الشاطي واخراج كريم خنجر وتمثيل الفنان سامي عبد الحميد، شاركه فيها بعض الشباب من خلفه يؤدون لقطات لصور معبرة، بعد نحو سنتين من التواصل في التدريبات، وطوال وقت المسرحية الذي تجاوز نصف الساعة كان سامي لوحده يرسم تلويناته الادائية المبهرة ويعبر بالملامح والصوت عن تفاصيل الحكايات التي يسردها.

وحين انتهت المسرحية حدثني عن العمل ومشاعره، وحين سألته عن عمره باليوم والشهر والسنة قال اعرف السنة فقد (1928) اما اليوم والشهر بالميلاد الصحيح فهما غير معروفين اذ كان التسجيل كله في (1 / 7)!!، لكنه قال لي: قل انني ولدت في 31 / 12 / 1928.

وعن العمل قال: بصراحة.. كان هناك التزام، عندما اعلنا اننا سنقدم هذه الموندراما وعندما نشرت في الصحف قلت هذا التزام يجب ان ننفذه وعندما قررنا ان نقدم العمل مرت ايام واسابيع واشهر وكنا نفكر كيف نقدم هذه المونودراما بشكل يرضي الجمهور ويستحق ان هذا يدخل في موسوعة غينيس، وبعد مرور اكثر من سنتين توصلنا انا والمخرج كريم خنجر وقلنا الان نحن جاهزون لتقديم هذا العمل.

واضاف: هذا العمل تشربته بشكل غريب، دخل في حواسي في اعصابي وفكري وقلت ان هذا العمل يستعرض الام الشعب العراقي كله، ومظالم الشعب العراقي، الشعب العراقي مظلوم منذ قديم الزمان والى حد اليوم مع الاسف، كل فقرة من فقرات هذه المونودراما تمثل صفحة كبيرة من صفحات الام الشعب العراقي ويمكن ان نقول انها ارخت لتاريخ الشعب ونضالاته، دعني اضرب لك مثلا، يقول في العمل (يأتي اليوم الثاني والاربعون، يأتيك من يسأل عن اوراقك ويتفحص اختامك ويودعك الملجأ، هذا الملجأ الموقف السجن الزنزانة، نصفه من تاريخك، اليس نصف تاريخ العراق سجون ومواقف وملاجي، ونصفه من زملائك، اليس نصف العراقيين تعرضوا للسجن والاضطهاد وغيره وهكذا، ايضا في مشهد بسيط عن العسكرية وكيف كان الكثير من المجندين يحاولون التخلص من الجندية، لماذا يريد العراقي ان يتخلص من الجندية لان فيها سحق للانسان وفيها اضطهاد للمجند وفيها هذا التحجر، فيها هذا الانضباط، وصحيح ان الانضباط مطلوب في العسكرية ولكن احيانا يتحول الى اضطهاد واذلال، ولذلك كل انسان عراقي يتطلع الى الحرية، فيقول هذا الشخص (لم كبلت نفسي بالقيود، اريد ان اتحرر، متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا)، اليس هذا الشعار يشمل جميع ابناء الشعب العراقي، هذه هي قيمة هذا العمل البسيط الصغير في حجمه الكبير في مضمونه.

وتابع: لا ادري اي احساس شعرت به، لا اخفي انني كنت قلقا واتساءل كيف اقدم هذا العمل بحيث يرضي الجمهور، ولكن عندما استقبلت من قبل الجمهور بالاستقبال الحار كنت اشعر وكأنني طائر، كأنني طرت من الارض، انه شعور غريب فعلا وتمنيت ان ارى ممثلا اخر يحصل على مثل هذا الاستقبال الحار، وفعلا هناك العديد من الفنانين العراقيين يقدمون احيانا اعمالا باهرة يستحقون الاستقبال الحار.

وأوضح: انا دائما اكرر نقطة مهمة وهي انني عندما اقف على خشبة المسرح اشعر بنشوة غريبة، اشعر بتجدد نشاطي، بتجدد حيويتي وحياتي، نحن نسميه سحر المسرح يختلف عن بقية الفنون ويحتلف عن التلفزيون والسينما، فعلا ان اي ممثل يقف ليمثل دورا مهما يشعر بهذه النشوة العالية وينسى كل همومه الخارجيو ويبقة همه فقط هو كيف يقدم عملا ابداعيا يرضى عنه الجمهور، اشعر انني انتمي الى الشباب، اتمنى ان اعود الى عمر الشباب، وصدقني لو انني عدت الى الوراء عشر سنوات لعملت اشياء افضل بكثير مما قدمت في السابق.

وأكد: لم اشعر بالعجز ابدا ولم افكر، والعجيب، وكما لاحطت، انني عندما صعدت الدرجات الاولى اكون فعلا متهدما لكن عندما اقف كل هذا الضعف يزول، اذكر عندما قدمت مونودراما (اغنية الت) في عام 1956 في وقتها قلت للمخرج الراحل ابراهيم جلال: كيف وانا ممثل شاب ان امثل دور رجل شيخ عمره ستين عاما او اكثر ؟ فقال لي: مثل وسوف ترى كيف تجيد تمثيل هذا الدور، وعندما وصل سني الى اكثر من 70 سنة قدمت المسرحية نفسها مع المخرج الراحل قاسم محمد، وقارنت واقولها بصراحة بين ادائي عندما كنت شابا وادائي عندما اصبحت شيخا واعتقد انني عندما كنت شابا كان ادائي افضل.


وقد استطلعنا اراء عدد من المعنيين بالمسرح لمعرفة ارائهم بالمسرحية فكانت هذه الاجوبة:

الفنان الدكتور ميمون الخالدي قال: يجب ان نقف جميعا اجلالا واكبارا لاستاذنا الكبير سامي عبد الحميد، مجرد لحظة وقوفه بهذا التجلي على المسرح بسن الثمانين فهو دفق عالي جدا لطاقاتنا نحن تلامذته، انا ارى في سامي عبد الحميد وبوقفته هذه تجديد للمسرح العراقي ولطاقات الممثلين والفنانين، دفع بهم الى ان يكونوا اكثر طاقة وقوة في ان يكون المسرح العراقي مستمرا ومتواصلا، سامي عبد الحميد من اهم صفاته انه يعيش لحظة صدق على خشبة المسرح ثم انه يمتلك (كاريزما) الممثل المسرحي من الوزن الثقيل، هو عندما يشتغل على الاحساس تراه مليئا بالاحساس والمشاعر، لذلك هذه المسرحية في الحقيقة تقول ان غربة المثقف في وطنه هي اقسى من غربته التي هي الموت في خارج هذا الوطن، اعتقد هكذا دارت هذه المسرحية وبالتالي هي لحظة احتجاج على خروج الفرد العراقي الى خارج الوطن، لحظة احتجاج على ما يتعرض له المثقف بالذات خارج الوطن، وبالتالي فهي دعوة لكل من يشاهد العرض ان يكون ساعدا قويا في بناء الوطن وفي الالتصاق بالوطن على الرغم من ان هذه الغربة في الداخل اقسى من الغربة خارج الوطن، لذلك هو يريد ان نبقى في هذا الوطن بكل محنه والامه وبكل ما يتعرض له المثقف.


وقال الفنان حيدر منعثر: درس اخر من دروس المرجع المسرحي الاستاذ المربي الفاضل سامي عبد الحميد، اليوم قدم سامي عبد الحميد درسا تطبيقيا نظريا في الاداء المسرحي وفي القدرة على التنوع والتلوين في الاداء المسرحي الذي نحتاجه في عروضنا المسرحية، مسرحية (غربة) استطاع فيها سامي عبد الحميد ان يختصر السنين ويختصر الخبرة المتراكمة التي يحملها كأستاذ وكمعلم للمسرح في كل اوجهه وتفرعاته تمثيلا، اخراجا، القاء جماليات وبذلك نستطيع ان سامي عبد الحميد لم يتخل عن موقعه كأستاذ حتى في تقديمه لهذه المسرحية، كان استاذا امام تلاميذه المشاهدين.

واضاف: في مسرحية (غربة) شاهدنا الغربة واحسسنا بها، حملها رجل يحمل ثمانية عقود من السنين، ولك ان تتخيل ان رجلا في الثالثة والثمانين يتحدث عن الغربة، بكل تأكيد الغربة مع سامي عبد الحميد كانت درسا مفيدا لنا نحن مريدو المسرح ومحبوه والمتطلعون الى مسرح نبيل شريف فيه قصدية واضحة.

وقال المخرج المسرحي قاسم زيدان: اهم ما في هذه المسرحية اننا امام قامة مسرحية كبيرة اسمها سامي عبد الحميد، لماذا؟ لان 60 سنة من العمل على خشبة المسرح، 60 سنة من تعليم هذا الفن الكبير، بصراحة هكذا نوع من العروض تعطي املا في ان يكون هناك مسرح عراقي مهم مقبل، مشاهدة سامي عبد الحميد على خشبة المسرح بصراحة تعطيك دفغا كبيرا من ان تتواصل في المسرح وتقدم الجديد وان تحافظ على ما غرسه سامي عبد الحميد وزملاؤه رواد المسرح العراقي.
سامي عبد الحميد كما عهدناه ممثلا بارعا يمتلك تقنيات التمثيل العالية ابتداء من صوته وهو استاذ الصوت وصولا الى حسه العالي الذي تعلمناه في سني الدراسة وانطلاقا الى تحولاته المتواصلة داخل بنية المشهد المسرحي الواحد، وبصراحة انا سعيد جدا ان اشاهد هكذا تجربة لهكذا عملاق، وكنت اتمنى ان يأتي طلبة كلية ومعهد الفنون الجميلة خصوصا طلبة التمثيل لمشاهدة هذه التجارب العملية الحية، وبالتأكيد سيخرجون بفائدة كبيرة لان من الصعب ان تشاهد شيئا لسامي عبد الحميد ومن الصعب الان في هذا الزمن ان تقدم عرضا مسرحيا للظروف الانتاجية وغيرها، اطال الله عمر معلمنا ومبدعنا ومرجعنا المسرحي سامي عبد الحميد واتمنى له كل الصحة والعافية واتمنى واحلم في يوم ما ان يشتغل معي الاستاذ سامي عملا مسرحيا.

فيما قالت الفنانة لمياء بدن: في البدء اشكر استاذي الكبير الرائع وصديقي الذي عملت معه كممثلة في مسرحية (عودة غائب)، احسست اليوم وانا جالسة اشاهد هذه المسرحية كيف ان هذا المبدع ما زال مستمرا في هذا الابداع، في مسيرته الطويلة، وعندما هنأته قلت له كنت اتمنى ان اصعد معم في اللحظة نفسها، ابكاني واضحكني وهذا هو سامي عبد الحميد وكما قال حيدر منعثر هو المرجع لهذا المسرح، نحن فخورون جدا بهذا العملاق الكبيرة وسعداء جدا، وقد احسسنا بالسعادة كما ان الجميع قالوا كيف ان هذا الرجل المبدع ما زال وفي هذا العمر يكمل هذه المسيرة، ونحن الشباب تشغلنا الهموم المسرحية احيانا وتأحذنا جانبا، ولكن مع الدرس يقول لنا استمروا وبالفعل سوف نستمر رغم كل الضغوطات وكل ما يجري في الداخل والخارج.

وقال الفنان باسل الشبيب: كان العمل عرضا لمّ باقة الورد بشريط ابيض، كان خاتمة ثقافية رائعة لعام 2010 من المبدع المعلم الراقي سامي عبد الحميد، في هذه المسرحية اعطانا الرائد درسا لن ننساه ابدا وسيتواصل هذا الدرس لسنوات متمنين العمر الطويل لاستاذنا الكبير ليبقى معلما دائما ودؤوبا في تدريس تلامذته مهما كبروا ومهما قدموا واعطوا نتاجات مسرحية فسيكون هو الاروع دائما.