كامل الشيرازي الجزائر: شكّل تصميم تمثال للعلامة الفذّ quot;عبد الرحمن بن محمد بن خلدونquot; بمدينة بجاية الجزائرية (260 كلم شرق العاصمة) فرصة للوقوف عند آثار هذا المؤرخ الشهير ورائد علم الاجتماع الحديث بالمدينة المذكورة التي أقام بها لقرابة خمس سنوات قبل نحو سبعمائة عام.
يقول أصلاء مدينة بجاية أنّ ابن خلدون المولود بتونس (1332م) والمتوفى بمصر (1406م)، أقام في فترتين بالعاصمة التاريخية للحماديين، حيث مكث ثلاث سنوات في الفترة ما بين 1352 و1354، قبل أن يعود إليها أحد عشر سنة من بعد، ويستقرّ بهذه المدينة الأمازيغية العريقة بين عامي 1365 و1366.
ويشير الأستاذ quot;بيبي محند وعمرquot; أنّ ابن خلدون وصل إلى بجاية وسنه لم يتجاوز الـ20 عاما، وبحي القصبة العتيق الذي بناه الموحدون في القرن الثاني عشر الميلادي، كتب مؤلفه النفيس حول البربر والإسلام، وفيه تناول ابن خلدون بإسهاب صفات الشخصية البربرية، ومزاوجة الأمازيغ بين مقاومتهم الشديدة للإسلام، ثم اندفاعهم البربر بعد إسلامهم نحو الفتوح بكل قوة، ويصف ابن خلدون البربر بكونهم quot;مرهوبو الجانب، شديدو البأسquot;، بجانب تمسكهم بحريتهم، وتشبعهم بالفضائل الإنسانية من خلق وعز وكرم.
كما يلفت أ/بيبي أنّ ابن خلدون واظب يوميا بعد انتهائه من تأدية مهامه كحاجب (وزير أول) لسلطان بني حفص آنذاك، على الذهاب إلى مسجد القصبة الكائن وسط المدينة ليلقن مادتي الفقه والرياضيات، أين تتلمذ على يديه الآلاف من طلبة العلم، بهذا الشأن، تقول الإعلامية الجزائرية البارزة quot;زهية منصرquot; أنّ ابن خلدون درس ودرّس أيضا في قبة سيدي تواتي، وكان من بين تلاميذه ما لا يقلّ عن الثلاثة آلاف إمرأة.
من جهته، يشدّد المؤرخ quot;علاوة عمارةquot; على أنّ الشق الجزائري في حياة ابن خلدون لا يقتصر على حاضرة بجاية فحسب، بل يمتدّ إلى ولاية بسكرة (560 كلم جنوبي الجزائر)، حيث قضى هناك فترة ليست بالقصيرة عكف خلالها على مطالعة كتب الفقه والتاريخ الإسلامي، قبل أن يهجرها سنة 1370 باتجاه ولاية

استفتاء: برأيك من هي أفضل دار نشر عربية في مجال الأدب؟

تلمسان (700 كلم غرب) العاصمة التاريخية للزيانيين، حيث شغل هناك منصب حاجب الأمير أبي حمو من بني عبد الوادي، قبل أن يتنقل إلى منطقة فرندة التابعة لولاية تيارت (340 كلم غرب)، وهناك بإحدى مغارات بلدة quot;بني سلامةquot; التي اعتكف فيها لأعوام، كتب العلامة الشهير رائعته في فلسفة التاريخ quot;المقدمةquot; أكبر وأهم نتاج فكري وحضاري.
إلى ذلك، يفيد الباحث quot;جميل عيسانيquot; أنّ ابن خلدون في مُقامه بالجزائر تزوج من ابنة القائد محمد بن الحكيم من قسنطينة الجزائر ورُزق منها بأولاد، في حين يدعو الأستاذ quot;مصطفى عريفquot; إلى تسليط الضوء أكثر على الحقبة الجزائرية في المسار الخلدوني، لا سيما مع خصوصية الفترة التي عاشها وما حفلت به من مرايا وحروب وأوبئة ومشاهدات وكذا ما طبع المرحلة ما بين القرن الثالث عشر والرابع عشر، وينبّه عريف أنّ العودة إلى الكنز الخلدوني يعين على نشر الوعي الحضاري بين أمم عاش بينها ابن خلدون وتحدث عنها في مؤلفاته.
ويبدي أبناء بجاية اهتماما بالتراث الخلدوني بكل روائعه و تجلياته المعرفية، مثلما يفتخرون بما خلّفه ابن خلدون من معلومات قيّمة حول تاريخ الجزائر والأمازيغ وكذا حول مدينة بجاية وكبار أعلامها ومفكّريها من أمثال العلاّمة ابن تومرت.
وعبّر الفنان quot;خودير بوريحانquot; عن التصاقه برمزية ابن خلدون، من خلال إنجازه مجسّما بديعا لهذه الشخصية التاريخية، وهو هيكل يزيد طوله الإجمالي عن المترين، وصمّمه بوريحان بتوظيف الحديد وتغطيته بالجبس ثم الرخام مع إضفاء لمسات من اللون البرونزي.