quot;أيّ صمت يخيم على الصحراء. لقد هبط الليل، وأنا وحيد. إنني عطش، يجب أن أنتظر بعد، فأين هي المدينة، وهذا الضجيج في البعيد، والجنود الذين ربما انتصروا... quot;. 1940

***
سبقني إلى هناك أكثر من شبح آدمي، رغم أن مملكة المقابر تلك تعود لجدي، وجلّ القبور كانت لأقاربي. كانت كل رغبتي في الوصول قبلهم، لكني كنت أبحث عن شدة ورد، ومنديل، وآية من سورة التكوير.
تزاحُم العالم العلوي صار يعني موت الفقراء ليحيا الوطن، لكي يحيا وطن، لابد من قرابين على مد البصر، فهات بصرك وأنظر إلى نفسي، فهل سترى غير سرادقات الفجيعة، ودخان الأكواخ المحروقة، وبقايا بقايا أشجار التين المنخورة، هل ستسمع غير نواح الطيور، وحفيف الحشرات المذهولة، سترى الأعمدة والدمى وكراسي العجزة الخاوية المتأرجحة بحزن، قد داهمتها نيران الحروب، وفي كل وجع من جسدي سترى نعيق الفجيعة.
تهشمت أحلامي يوم مسست تراب وطني، رأيت النار تقبل فأقبلت، حارقاً ما بين سطري وسطري.
المسوخ السمان أقبلت، ألسنتها تأكل كل ذي روح، وكل ذي روح صارت مطاردة.
حنانيك يا توأم الروح، قد سئمت الانتظار، هناك وهنا أطارد عساكر الليل؟ أولا تشفق على شوقي وترفع حاجز الحياة وتجيبني، ما زلتُ في وحشتي أداويها، أطارد أقماراً زرقاء مفقودة من زمن الإغريق، أبحث عن سرّ عذاب ورثناه من الوطن، ولا أجد سوى الهزيمة.
كيف يضحك هذا العالم العلوي وكل هذه الأرواح تُطحن من أجل لحظة ركود هادئة، ومستقر استحال وجوده؟
بالأمس، زارنا في المقبرة صديق قديم، كان مقاتلاً غيوراً، مقاوماً في زمن العسرة، كان بلا رأس وبيد يسرى وحيدة! لقد باع رأسه ليشتري قدح ماء، كان صوته يخرج من منحره، وحزنه واضح في نبرته.
قال لنا : أن القدح سقط منه وسط الزحام، لأن آلاف المصلين كانوا يقصدون المحراب.
ثم قال : لم يقبل البائع أن يملأ لي مرة أخرى، وطلب مني يدي اليمنى، قل له خذ اليسرى، لكنه أراد اليمنى.
حملت قدح الماء باليسرى لكنها ترتجف، ولم أحمل بها من قبل، سقط القدح في صمتٍ وذهب الماء بهدوء، حين عدت إليه طلب ثمناً آخر
قال : أنت أو يدك الأخرى، فأعطيته روحي لأحمل القدح باليسرى، أعطاني الماء وأطلق الرصاصة، ثم احتز رأسي وهو يكبّر.
كلنا فرحنا، لأن صاحبنا اشترى الماء.
بقلمي كتبت أم بروحي، سيّان، لأني وخاطري قد هزمنا، ولم نزل كذلك، حتى تدق الساعة ويتحرك غولٌ، وينتفض مظلومٌ، وتعلو غبرة، وتسمع صوتاً ينادي... أن هذا باطل، وأن هناك جريمة، وأن ليس للإنسان إلّا ما سعى، لكن عمراً شاخ في الغربة هل يسمع مثل هكذا نداء.
[email protected]