عبد الجبار العتابي من بغداد: اكد قاريء المقام العراقي المعروف عبد الجبار العباسي ان روحية اهل بغداد الاصلاء هي فقط التي تجعل قراء المقام البغداديين يؤدونه بشكل لايستطيع ان يؤديه غيرهم من ابناء المحافظات العراقية الاخرى، وقال العباسي الذي يعد الان اكبر قراء المقام في العراق ان لا خوف على المقام من الاندثار ولا من الضياع، لان المقام تراث، نحن اخذناه من الذين قبلنا الذي اخذه من الذين قبله وهكذا الى مئات السنين.

* حدثني عنك اولا؟
- انا من مواليد بغداد 1937 والحمد لله رب العالمين، في محلة اسمها (حمام المالح) بمنطقة الفضل التي هي من مناطق بغداد القديمة، تعلمت القراءة والكتابة في (الكتاتيب) الذين يشتهرون انذاك، ولم استطع ان اواصل دراستي بقدر ما انجذبت للاجواء الدينية التي كانت سائدة في محلتنا وقد استهوتني المناقب والمدائح النبوية الشريفة وصرت ارافق بعض قرائها واشارك في تلاوة الاذكار والتهاليل، الى ان وجدت نفسي متعلقا بقراء المقام العراقي انذاك واستمتع بسماع قراءاتهم كما تعلمت الكثير منهم وحفظت طرق ادائهم للمقامات، وهو ما جعلني اتعرف على عدد منهم وتتكون لي صداقات معهم ومن هؤلاء عبد القادر حسون وعبد الهادي البياتي ويوسف عمر وعبد الرحمن خضر وغيرهم، لكن دخولي الى الاذاعة كان عام 1957 وقرأت مقام الاوج بقصيدة يقول مطلعها (جسمي كجفنك من هواكَ عليلُ/ وقصيرُ ليلي من نواك طويل)، لقد امضيت اياما جميلة مع الاستاذ محمد القبانجي والاستاذ عبد الرحمن خضر والاستاذ ناظم الغزالي، وهو زملائي واخواني.

* ماذا يمكن ان تقول في ناظم الغزالي؟
- ناظم صاحبي وزميلي وهو مطرب جميل وكنا نغني معا انا وهو وسليمة مراد الله يرحمها، واذكر انني كنت مع سليمة وصاحب شراد في حفلة رأس السنة عام 1974، وفي الصباح سمعنا انها ماتت، اي في 1 / 1 / 1975، وناظم توفي عام 1963،رحمه الله، واقول عنه انه فنان كبير يمتلك صوتا جميلا، وهو مؤدي كبير.

* كيف ترى واقع المقام العراقي؟
- ما زال المقام العراقي حاضرا ولم يندثر ولم ينته ابدا، فهو باقي وهناك اصوات شابة يحتضنها بيت المقام العراقي الذي يرفد هذه الموضوع، كما ان دائرة الفنون الموسيقية تهتم كثيرا بالمقام وهي تربي هذا الجيل الجديد من مطربي المقام الذين يسكونون امتدادا لمن سبقوهم.

* هل هذا يعني انك لا تشعر بالخوف على المقام؟
- لا خوف على المقام من الاندثار ولا خوف عليه من الضياع ابدا، لان المقام تراث، نحن اخذناه من الذين قبلنا الذي اخذه من الذين قبله وهكذا الى مئات السنين، ولكن على الشباب الان ان ينتبهوا الى المقام، ان يحفظوا وان يؤدوا وسيجدون كم هو جميل هذا المقام العراقي، ثم ان المقام جزءين، تقرأ بالزهيري (بالموال) وتقرأ بالقصيدة العربية، وحتى قراءة القرآن الكريم في الاذاعة والتلفزيون كلها من الانغام العراقية.

* ما جديدك في المقام؟
- المقام ليس فيه جديد ولكن الكلام يختلف، انا اقرأ دواوين الشعراء واستخرج منها القصيدة التي اريد ان اقرأها، مثلا هناك قصيدة للشاعر الراحل محمد هاشم (انا في الحب قد نظمت قصيدي/ ووهبت الغرام احلى نشيدي/ ومنحت الجمال قلبي، فقد تيم قلبي حب الحسان الغيد) واحاول الان ان اسجلها في حفلات التلفزيون، انا مقيم في دولة الامارات العربية ولدي عقود مع شركات للغناء في جلسات وحفلات خاصة بالمقام العراقي.

* هل تشعر بوجود مغنين شباب مغرمين بالمقام؟
- الطرب روحية، والشباب يحتاجون الى روحية، هم يغنون ولكن، هناك من يغني ويجلب معه عشر راقصات كما نشاهد في المحطات الفضائية، لذلك لا احد يسمع المغني ولا كيف يؤدي، المهم ان هناك راقصات والناس يشاهدوهن، وهذا ليس طربا ولا سيبقى منه شيء، لذلك اقول لك ان المقام ثابت ولا يتزعزع.

* لماذا لا توجد نساء يقرأن المقام؟
- كانت هناك مائدة نزهت، الله يعطيها الصحة والعافية، قرأته بشكل جيد، ثم جاءت بعدها فريدة، واهلا وسهلا بقارئات المقام، ولكن المقام فن صعب يحتاج الى قوة ويحتاج الى بيئة اصيلة.

* ماذا تعني بقولك المقام صعب لانه بيئة؟
- المقام ابن بيئته البغدادية، ومع احترامي للمطرب ابن الجنوب او غيره من ابناء المناطق الاخرى، فانه لا يستطيع ان يؤدي المقام مثلما يؤديه ابن بغداد، لان المقام له بيئته، يعني انه ابن بغداد، انا مثلا ابن منطقة بغدادية اسمها (الفضل) التي هي اساس بغداد من السادة والعلماء والرؤساء والقادة، وبيئتها تمتلك روحية غناء المقام بقوة الحنجرة، ان كل قراء المقام من بغداد، لا اقول ان غير البغداديين لا يؤدونه، لا.. ولكن الروحية تختلف، اعطني روحية في غنائه احسها واستمتع بها، يؤدونه ويؤدون غيره مغنون في البصرة والموصل والعمارة والناصرية ولكن الروحية تختلف، لا تتلاءم مع روحية قراءة المقام الحقيقية، فروحية اهل بغداد افضل في قراءة المقام.

* ولماذا لم يسموه المقام البغدادي اذن؟
- سمي، وهناك مقامات بغدادية اصيلة قرئت وانتشرت، وسمي المقام العراقي لانه يقرأ في كل المحافظات، ولكن حين تسألني عن الروحية، اقول لك روحية المقام العراقي في بغداد.

* لماذا اشتركت في مهرجان الاستاذ المرحوم يوسف عمر الذي اقامته دائرة الفنون الموسيقية مؤخرا؟
- يوسف عمر.. صديقي وزميلي وحبيبي واستاذي، الذي تعرفت عليه في عام 1950 وكان يأتيني الى منطقتي (منطقة الفضل) ويتردد عليّ كثيرا، وكنا نطلع انا وهو في حفلات خاصة في النوادي، كما كنا نشارك معا في قراءة المقام في الحفلات العامة والمناقب والمواليد والمآتم والافراح، وقد اسعدتني المشاركة في المهرجان الذي كان قيما ومليئا بالانغام العراقية ومشكورة دائرة الفنون الموسيقية على اقامة المهرجان وهو قيم وكبير وتراثي ومشكورة دائرة الفنون الموسيقية على استذكار الراحلين من الفنانين، والمهرجان فيه فائدة لقراء المقام والطلاب في معهد الفنون الجميلة وبيت المقام العراقي كي يفهموا ما عندهم من ماضي ومن اساس ومن انغام ومن تراث.