عبد الجبار العتابي من بغداد : على انغام اغنية (يا طيور الطايرة) كان المسرح الوطني ببغداد ينادي الآتين اليه ويهزج بتلك الاضواء التي اضاءت مساحات شاهقة من المكان كأنها تعرف عليه للمرة الاولى، كانت كلمات الاغنية يرددها الجمهور الذي كان هطوله غير متوقع بالشكل الذي كان عبارة عن زخات من الوان من مختلف الاجيال، حتى لم يعد في القاعة الكبيرة جدا مكان بل ان الممرات الجانبية كانت تغص بالحضور، وهو حدث استثنائي جدا اذ لم يسبق لهذه القاعة ان امتلأت بهذه الاعداد منذ سنوات بعيدة جدا، بل ان السنوات الثمان الفائتة لم يستطع اي حدث فيها من كسب هذا الجمهور الذي كان يصفق ويغني ويهتف ايضا من اجل ان يلبي المحتفى به رغبته بأطلاق صوته بأغنية كان قد ابدع في تشكيل انغامها بأحساسه، كان هذا كله ترحيبا غير مسبوق بالملحن العراقي الكبير كوكب حمزة، صاحب الورائع الكثيرة للاغنية العراقية، الترحيب عبر اقامة امسية حملت عنوان (برنامجا احتفاليا بفنان الشعب كوكب حمزة) حمل شعار: (رحلة موسيقية بين جرح الوطن.. ومرارة المنفى)، وكانت الامسية مضيئة بتلك المشاعر التي لا يمكن الاحاطة بها، حيث كانت الحشود تعلن بفرح غامر ان هذه رسالة واضحة على ان بغداد مدينة تعشق السهر والغناء والكيف، وان هذا الحضور المحتفي بكوكب حمزة احتفاء بالغناء الجميل وبالكبار من الملحنين والمغنين، مثلما كان مناسبة الى ان تتكرر الاحتفائيات لتشمل كبارا اخرين من اهل الفن.

اشترك في اداء مراسم الاحتفاء بكوكب حمزة المطرب الجميل كريم منصور (ضيف الشرف) مع الملحن الشاب جفعر جاسم، حيث قدم الاثنان بعض الاغنيات التي هي من تلحين كوكب حمزة، فقدم كريم اغنيتين هما (محطات) التي سبق ان غناها كريم نفسه و(ياطيور الطايرة) للمطرب الكبير سعدون جابر، فيما قدم جعفر (لهفة وضنى وشوقي يكبر) للراحل رياض احمد و (افيش بروج الحنية) التي غناها سعدون جابر، اما كوكب الذي طالبه الجمهور بغناء بعض اغنانيه الشهيرة فقد غني احدى اغانيه الملحنة حديثا.

والقى الشاعر الشعبي جمعة الحلفي قصيدة جميلة بعنوان (وتر المنافي)، قال انه فيها كتب سيرة شخصية لكوكب حمزة على طريقته الخاصة، جاء فيها :

( وانتهت بيك المسافات البعيدة بليل طافي /
ووكرت.. حطيت حملي / جنطة مليانة صبر وي عود اخرس باكت لسانه المنافي/
وشايل بجيب القميص اخر قصيدة / انكتبت بصندوق (ابو سرحان) ما بيها قوافي/
وبوسة من شفة احديثة انطبعت من سنين / كل ساعة تبوسك / يا للي عمرك ما قلت للبوس كافي/
شيل كاسك وكاسره بخيط الفجر / هسه امتليت واشرب بصحتك عوافي /
ولا تقل للخمرة كافي ولا تقل للسهر كافي ولا تقل للعود كافي/ ولا تقل للبوس كافي /
شكد ثلج غافي على شعرك وانت دافي)

ثم احتضن كوكب عوده وراح يهز اوتاره فهز الحضور قبل ان يغني اغنية (مضيعني) كلمات الشاعر رياض النعماني التي يقول في مطلعها ( مضيعني بالضباب.. مضيعني/ حاسبني عالغياب.. حاسبني/ انت اللي يا ما قال/ لو ريحة برتقال مرت/ على شان خايف تعبني).

كوكب حمزة، خاطب الجمهور بكلمات قليلة عبر عن سروره بالحضور الكبير وبالامسية فقال : كل الامسية وانا احاول ان امسك نفسي تجاه مشاعر حضراتكم، وان كان لي شرف فأنا سعيد ان اكون هنا بينكم، وشكر كوكب الجميع على هذا الاحتفاء وهذه المحبة.وقد حاولنا استطلاع بعض الاراء في هذه الامسية التي ضاء فيها كوكب فأضاء المسرح الوطني مثلما اضاء بغداد التي تملل ليلها على تلك الانغام الشجية التي ترتبط بها ارتباطا وثيقا.

يقول الملحن الكبير محسن فرحان : هي امسية رائعة وجميلة، هذا التجمع اعاد للحركة الثقافية في البلد عافيتها، واقصد البلد بغداد لانها البلد لانها العراق، وعندما يشع شيء في بغداد يشع في جميع العراق، تجمع فيه كثير من الساسة ورأيت رجال دين ايضا وهذا شيء مفرح، وكثيرا من الشباب وكثيرا من الرواد وكثيرا من الناس الذين يحبون الاغانية العراقية ويحترمون الفن العراقي وهذا تلاحم كبير بين المستمع والفنان.

واضاف : اما كوكب حمزة فهو رائع، انه جبل، ماذا اتحدث عنه انا، كوكب.. تربطني به علاقة كبيرة وطويلة جدا، والحديث عن كوكب يطول، هذا الاحتفال مميز ليس لان كوكب كان مغتربا، غهناك الكثير من المغتربين لكنهم لم يؤثروا في الناس، ان حضر لا يعد وان غاب لا يفتقد، وكوكب له خصوصية انه قدم فنا للناس وكل انسان يقدم فنان للناس سيبقى في ذاكرة الناس، فعندما يقدم لك شخص شيئا لابد ان يبقى في ذاكرتك، هذا الاحتفال الكبير بهذا الجمهور الواسع هو لكوكب، لشخص كوكب حمزة الفنان والانسان معا.

وقال المطرب حسن بريسم : جميل.. ان نحتفي بمبدعينا وفنانينا ومثقفينا، هذا شيء كبير ورائع، الفنان كوكب حمزة نجم لامع من نجومنا المهمين على مستوى الاغنية العراقية، وانا اعتقد ان الاحتفالية هي لكوكب حمزة وليست للاغنية العراقية التي اصبحت يتيمة، لان المؤسسة الثقافية غير موجودة والمنجز الجديد غير موجود، وهذا يعني ان الاغنية الجيدة نادرة جدا بغياب كوكب وطالب القره غولي ومحسن فرحان فغابت الرصانة.

اما المطرب الريفي عبد الحسين اللامي فقال : امسية رائعة لفنان رائع كبير واتمنى من دائرة السينما والمسرح ووزارة الثقافة ان تتذكر كل الفنانين العراقين من الريف الى هؤلاء العمالقة ويحتفلون بهم كهذا الاحتفال الجميل، هذه امسية بغدادية زاهية بالفرح وبغداد تحب هكذا امسيات ونتمنى ان تكون كل امسيات بغداد مثل هذه الامسية، وان تقام امسيات كل اسبوعين او كل شهر.
واضاف : مرت 37 سنة دون ان التقي بالفنان كوكب حمزة، ولكن المصادفة جمعتني به قبل اسبوع في المنطقة الحدودية (الرطبة) حيث كنت جالسا في مطعم هناك، فمر مني وكنت اعتقد انه لا يعرفني، ولكنه التفت اليّ ليقول لي (ابو علي.. عبد الحسين اللامي) فعانقني وتحدثنا، ومرت اخرى جمعتنا المصادفة حين الوصول الى بغداد وقد كان الطريق مغلقا بسبب تظاهرات، وهذا ما جعلنا نتحدث لاربع ساعات، كوكب فنان في ذاكرة الغناء العراقي لانه رمز من رموزه الخالدة.

وقال المطرب علي جودة : كوكب العراق كوكب من ضمن مجموعة من الكواكب، هذه الامسية الرائعة والحضور الرائع والصحوة الفنية الثقافية الابداعية الجميلة التي دعت اليها واشكرها واشد على يدها دائرة السينما والمسرح والبقاء في حياة الفنانين الموسيقيين بفواة دائرة الفنون الموسيقية التي من المفروض هي من تقيم هكذا برنامج، وان شاء الله هذه الامسيات تتكرر بتذكر كواكب عراقية اخرى مثل طالب القره غولي وفاروق هلال ومحسن فرحان وكثيرين من الفنانين الذين خدمونا نحن المطربين الذين بقينا نغني بتعابيرهم وصدقهم لاننا تأثرنا بهم.


اما الملحن جعفر جاسم فقال : الامسية تمثل بتصوري المتواضع بارقة امل على ان يستعيد العراق عافيته الفنية ضمن هذا اللغط والوضع المشفر المليء بالسلبية والتراجع والسوداوية، من حيث تقليص حريات الناس وسواها، اما ما يخص كوكب حمزة فأنا كان لي الشرف المساهمة ان اكون الى جنب هذا الهرم الفني الكبير، وانا فخور وفخري يصل الى حد التباهي ان اكون برفقة كوكب حمزة، هذا الرجل الذي استطاع بمخيلته وفنه وتراثه العالي واستلهامه للموروث ان يرصع جسد الاغنية العراقية بأتحف الاعمال.

واضاف : في هذه الامسية كان لي الشرف ان اشارك بأغنيتين واحدة للراحل رياض احمد من الحان كوكب حمزة (لهفة وضنى وشوقي يكبر) كلمات عريان السيد خلف، والثنية (افيش بروج الحنية) للفنان سعدون جابر وهي من الحان كوكب حمزة وكلمات كامل العامري.

ومسك ختام الاراء التي استطلعناها كان المطرب كريم منصور الذي قال : انا سعيد ومفتخر ان اكون ضيف شرف بالموضوعة، ثانيا انني كنت مستمعا جيدا كأي شخص اخر في القاعة وان كنت اجلس على خشبة المسرح الا انني اشعر انني في القاعة، فرحان بالمشاركة وفرحان بكوكب حمزة، هذه الامسية صيحة بوجه كل من يقول ان الفنانين الكبار غائبون او ان الفن الاصيل غائب، هذا نداء جميل الى ان نقول (نحن هنا).واضاف : كوكب حمزة واحد من العلامات الفارقة لبغداد، والامر لا يغفل ان كوكب في بغداد قد يكون 40 عاما في الدنمارك لا يشكل علامة فارقة لكنه علامة فارقة في بغداد نعم، وحضوره اسعد الكثيرين ونأمل من الاخرين من الكبار ان يحذوا حذو كوكب حمزة وان يرجعوا الى بغداد رغم كل الاشياء