عبد الجبار العتابي من بغداد: أقامت نقابة الفنانين العراقيين بالتعاون مع دائرة السينما والمسرح حفل استذكار للفنان العراقي الراحل هاني هاني والذي صادفت قبل ايام ذكرى رحيله وبالتحديد في 26 شباط حيث وافته المنية في حادث سير عام 1993، وقد حملت الاحتفائية الاستذكارية عنوان (الحاضر.. في الذاكرة الفنية)، وللاسف لم يحضر الا افراد معدودون، وهو جعل الكثيرين يأسفون في ان استذكار الفنان هذا لا يحمل قسطا من الوفاء لاسيما انها المرة الاولى التي يتم استذكاره بعد نحو 18 عاما على رحيله وهو الفنان الذي كان صديقا للجميع ومبدعا في مجالات الفن، فكانت قاعة المسرح شبه خاوية فيما كانت كافتريا الدائرة تغص بالحضور من الفنانين، ومن المحزن ان يكون عدد الاعلاميين من الصحفيين والقنوات الفضائية يمثلون العدد الاكبر من هذا الحضور، وهو ما يجعلنا نرثي لحال الراحلين الذين تحيط بهم غمامات النسيان.
جبار جودي مدير المسرح الوطني قدم للحفل بقوله: قال الدكتور عمر الطالب في موسوعته (اعلام الموصل في القرن العشربن): نبتة موصلية تبرعمت ونمت واعطت ثمارها فنا مسرحيا ناضجا وابداعا تمثيليا رائعا، خلدتها أدوار وأعمال درامية مسرحية سواء في التمثيل أو الإخراج، والفنان هاني لم يعط كل ما عنده، فلقد كان يدخر طاقات للقادمات من الأيام، فهو ما يزال في عمر الشباب المعطاء بل كان في ذروة العطاء،لكنه القدر، وآه من القدر حينما يرسم وحينما يخطط وحينما ينفذ، لقد جاء هاني إلى بلدته الحبيبة الموصل، يعزي صديق طفولته (ماهر الصراف) بوفاة والدته، وفي استذكار لمسيرته الفنية،تمنى لو أن موته يحدث فوق خشبة المسرح،. تمنى وكان ذلك في الخامس والعشرين من شهر شباط/ فبراير عام 1993، وفي السادس والعشرين منه كانت وفاته المأساوية وهو صائم، هل ذكر الموت لأن حدساً داخلياً أوحى له بذلك فنطق..؟ أم أنه مجرد توارد خواطر ؟.
هاني هاني.. واسمه الحقيقي هاني محمد محمد ال شيخ عبدال، من سامراء في الاصل، ولد في الموصل سنة 1941، اكمل الدراسة الابتدائية والمتوسطة في الموصل، والثانوية في دهوك، ودخل كلية الفنون الجميلة ببغداد وحصل على شهادة البكالوريوس في المسرح، عمل مع الفرقة القومية للتمثيل بعد تخرجه واخرج مسرحية (انا لا استطيع تصور الغد) لتنسي وليامز، ومسرحية quot;مسافر ليلquot; لصلاح عبد الصبور، وقصة حب معاصرة، والف امنية وامنية، والف حلم وحلم لفلاح شاكر، ومسرحية انتصار وانشودة عمل والناس والحجارة وغيرها، كان فنانا شاملا في المسرح ممثلا ومخرجا، وفي السينما ممثلا لامعا حيث مثل في فيلم القادسية والمسألة الكبرى والفارس والجبل وفتى الصحراء والحدود الملتهبة والقناص ويوم اخر، مثل في التلفزيون المتمردون، جرف الملح، الاماني الضالة وكذلك كان ممثلا ومخرجا اذاعيا بارزا.
واضاف: كتب عنه الأستاذ كريم رشيد في جريدة القادسية مقالة مؤثرة بعنوان: (هاني هاني إلى أين أنت ذاهب؟) تضمنت رثاء حارا ومما جاء فيها: أغلق باب القاعة وعد،غير مسموح لك ان تخرج،فالذين يغادرون القاعة لاحق لهم بالعودة، فإلى أين تمضي تاركا مسرحك، مرسمك، مغارة أحلامك وعذاباتك،أغلق باب القاعة وعد فالعرض مستمر،.لكن هاني هاني ذهب وبقيت ذكراه، وإذا كان الستار قد أسدل على مسرحية حياته الحقيقية المتعبة المليئة بالمآسي والهموم، فان صورته وسيرته وأعماله المسرحية لاتزال ماثلة أمام أصدقائه ومحبيه وجمهوره، رحمك الله يا هاني).
ولم تستطع زوجة الراحل الفنانة زهرة الربيعي التعبير عما يجيش في نفسها الا بالدموع فكان وجهها مع اي سؤال عن الراحل ينكمش كأن الذكريات هي من تمر عليه، لكنها قالت لنا: تسألونني عن هاني وهو الذي كل ما اعطاني الفن، وانا استذكره كل يوم فروحه معي دائما، واشكر الذين اقاموا هذه الجلسة الاستذكارية وتذكروا هاني.
وعلى هامش الحفل اقام المصور الفوتوغرافي علي عيسى معرضا للصور الخاصة بالراحل، وعلى الرغم من قلة الصور الا انها كانت معبرة عن ما قدمه الراحل، وقال علي: لدي اكثر من 150 صورة للراحل في مراحل مختلفة ولكن عدم ابلاغي الا قبل يوم حال دون تهيئة اكبر عدد من الصور واللقطات، واضاف: هذا الفنان الكبير يستحق الكثير من الوفاء لانه احد رموز الفن العراقي سينما ومسرحا وتلفزيونا واذاعة.
وقال صباح المندلاوي نقيب الفنانين: هذه الفعالية بمبادرة من نقابة الفنانين لاحياء الذكرى السنوية للفنان المبدع الراحل هاني هاني الذي كان طالبا في اكاديمية الفنون الجميلة مميزا ومن ذلك الوقت كنا نلاحظ شغفه بالمطالعة ورغبته وسعيه في تقديم ما هو جديد واستلهامه من الاخرين خصوصا من جيل الرواد والمربين الافاضل الذين اخذ منهم الكثير وكانت لديه رغبة ان يضيف ويترك بصمة خاصة في المسرح العراقي، واضاف: الراحل متعدد الاهتمامات وكان في البدء رسماما، وحين قدم اوراقه الى الاكاديمية اراد ان يدخل الى قسم الفنون التشكيلية ولكن بتأثير من اصدقائه المقربين ومنهم الفنان الراحل عوني كرومي فأختار المسرح الذي اصبح فيه عنصرا فاعلا ومؤثرا مع مجموعة من الطلبة الذين هم الان اسماء مهمة في الساحة المسرحية العراقية، فاليوم نحتفي بهذا الفنان المبدع وهو جزء من الوفاء للانسان الطيب والرائع الذي قدم الكثير من الاعمال الجميلة ونتمنى لاحقا ان تكون ميادين الرعاية والعناية والاهتمام بذكرى الفنان افضل بكثير من هذه الجلسة الاستذكارية.
واضاف: واذ نتذكر هاني هاني في ذكرى رحيله انما هو بعض الوفاء لمن عرفناه عاشقا وشفافا لا تنقطع صلواته في رحاب المسرح المقدس، فالمسرح محوره الاثير وبما ينطوي عليه من عوالم اخاذة وغنية تتقاذفه هواجس الابداع وهموم الناس ليحمل الى جمهوره الجديد والجديد وبريشة مغموسة بأوجاع وعذابات ابناء جلدته تتخلها خيوط من الامل والنور والرغبة في حياة حرة وكريمة.
ثم تحدث شقيق الراحل بحزن واضح قائلا: في لحظة وفاته كنت متواجدا في ساعة متأخرة من الليل في المستشفى، حملته بيديّ وانا احمل كل ما تضمنته حياته كفنان وانسان عبر مشواره الحقيقي تعبيرا صادقا عن حلمه وقد خطا هذه الخطوات بثقة عالية اعطت لنا كل الاعتزاز بهذا الشخص الذي وفى كل الوفاء لفنه.
ثم قرأ قصيدة قال فيها: (في وحدتي والليل داج والسكون له امتداد / والذكريات تلوح كسلى بين اجفان السهاد / اصداء ماض لا تزال تأن في خفق الفؤاد ).
اما الفنان عزيز خيون فكان استذكاره للراحل مفعما بالمشاعر والذكريات والتهدج في حضرته، فقال وهو ينظر الى صورة الراحل المعلقة في فضاء المسرح بيتا من الشعر للشاعر حامد الراوي: (نامت قريش العز بين اضالعي / فعليّ منها هيبتي ووقاري)، ثم قال ايضا واقول: قل للندى ينبيك انا معشر / في حومة الاخلاص لا نتبدل )، انا حين اقف امام هاني هاني لست خجلا من شيء، وعندما اقف عند هاني هاني كأنني فقدته قبل قليل، كيف يمكننا ان نكون بلا بهاء، وانا عندما اتحدث عن هاني اتحدث بلا توزيق، اثنان اثرا بي كثيرا، هما عوني كرومي وهاني هاني لعبا دورا كبيرا في حياتي على المستوى الفني والمستوى الانساني، كان بيته بيتي وبيتي بيته، هاني من الشباب القلة الذي كان يحلم بمسرح طليعي في فترة الستينيات، قدر لي ان اشاهد تجربته الاولى على مسرح بغداد، وكان المخاض شديدا في البحث عن منظومات جديدة للظاهرة المسرحية العراقية، كان الشباب يتسابقون كي ينفضوا عن هذا المستطيل الاسود ما تراكم عليه من تقاليد ينبغي لها ان تزاح ومن ثوابت ينبغي لها ان تتحرك،وكان هاني واحدا من الطليعة التي تعمل باستمرار لتقديم طروحات جديدة للظاهرة المسرحية وكان ذلك صعبا في تلك السنوات.
وختم عزيز خيون حديثه بالقول: لو ان هاني كان في هوليوود لاصبح نجما عالميا.
وتخلل الاحتفالية عرض مقاطع من فيلم (فتى الصحراء) الذي شارك فيه الراحل، فيما تمنى البعض ان يكون الاستذكار سنويا، وكان اخر نشاطاته الفنية اخراجه لمسرحية (قصة حب معاصرة) عام 1992 تأليف فلاح شاكر وتمثيل جواد الشكرجي وسهير اياد، وفازت المسرحية بجائزة افضل عمل في مهرجان قرطاج في تونس ونالت سهير اياد جائزة افضل ممثلة.