علاينة عارف من باريس: تعود أدونيس على أن ينتحل أية فكرة، عبارة، جملة ويقدمها وكأنها جاءت نتيجة اكتشاف خاص به. فمثلا عبارته المشهورة عن أنسي الحاج: quot;إنه الأنقى ما بينناquot;، فهو انتحلها من تشخيص أندريه بروتون للشاعر السوريالي بنجاما بيريه بصفتهquot;الأنقى ما بينناquot;، بل حتى كتابه quot;ديوان الشعر العربيquot; هو انتحال مختارات المستشرقين وليستفعلا اختياراته إلا المقاطع الرديئة.واليوم يتوّج تاريخ انتحالاته بسرقة فكرة نفذها، وبعبقريةتنمّ عنذائقة حداثوية،الشاعر اللبناني جورج شحادة في كتابه quot;انطولوجيا البيت الواحدquot; الذي اصدره في باريس عام 1977 وقام بترجمة معظم الأنطولوجيا الشاعر اللبناني الراحل عصام محفوظ في عدد من أعداد quot;النهار العربي الدوليquot; الذي كان يكتب فيها آنذاك ادونيس مقالة اسبوعية، ومع هذا لم يشر أدونيس في كتابه quot;ديوان البيت الواحد في الشعر العربيquot;إلى أن شحادة صاحب الفكرة. كما أن فكرة اختيار بيت واحد من الشعر العربي quot;يقوم على الفكرة - الومضة - او الصورة - اللمحة أو المعنى ndash; الصورةquot;،تم تنفيذها في العدد الأول من quot;فراديسquot; (1990)تحت شعار بروتون quot;الكلمات تتعاشقquot;، فاختار عبدالقادر الجنابي ما يقارب 100 بيت، جملة ومقطع، جاء من التراث ومن الشعر المعاصر، وقد قرأ أدونيس هذا العدد ووافق عندهاأن تتم لعبة الأسئلة السوريالية معه للعدد الثاني من quot;فراديسquot;. وفي كتاب ادونيس هناك الأبيات عينهاالتي في فراديس كهذا البيت: quot;أخذنا باطراف الأحاديث بيننا وسالت بأعناق المطيّ الأباطِحُquot;.هنا طائفة صغيرة مما نشر في quot;فراديسquot;:
- وردن لتغوير وقد وقد الحصى وذاب لعاب الشمس فوق الجماجم (جرير)
- نور عليه رونق الماء فكأنما اشتعلت به الغيوم وماء يتلألأ كالنور فكأنما عصر من النجوم (الرافعي)
- العين سوق سوداء (انسي الحاج)
- أسقاه الكرى كأس النعاس فرأسه لدين الكرى في آخر الليل ساجد (البطين البجلي)
- فذقت ماء حياة من مقبّليها لو أصاب تربا لأحيا سالف الأمم (المتنبي)
- وهلال يلوح في ساعد الغروب كدُبّوس فضّة أو سوار (ابو بكر الخالدي)
- دماغي (ناعورة نامت ثيرانها) يرشح على مخدة (سركون بولص)
فيما أنا مسافر من المدن باتجاه الأرياف، سقطت شيخوخة من كتفي (صلاح فائق)
- وكم نومة لي قوّادة أتت بالحبيب على بعده (ابن المعتز)
- فخلوت وحدي باستها والليل ممدود السرادق (ابن الحجاج)
- خذوا إذن خطام\ الصورة وقد أناخ في مَبْرك المعنى (مجهول)
- النبيذُ صابون الهمّ (كسرى)
- والفجر قد أخفى النجوم كأنّه سيلٌ يفيض على حديقة (نرجسي)
- إنّ الحديث ذو لقاح (الحاتمي)
- أنا أصغر من الله بعامين (الخرقاني)
- لم أدر أن شمساً في الظلام تطوف (ابن المعتز)
- والمجدُ لا يرضى بأن يرضى (ابو تمام)
- كلام يهزُّ منكبيه (مجهول)
- كأنّ القناني والكؤوس حمائم تزفُّ فراخاً في الأكُفّ لها وكْرٌ (ابن الخازن)
- أحسن الكلام نظاماً ما ثقبته يدُ الفكرة (الجوهري)
- البلاغة تتنهّد (الرافعي)
- البحر في كوب (مجهول)
- يقلّب عيْني حيّةٍ بمَحارة (كثِّير)
- التلذذ بالكلام حجاب (ابن عربي)
- تضحك الأرضُ من بكاء السّماء (ابن مُطير)
- كم من فؤاد كأنّه جبلٌ أزاله عم مقرِّه النظرُ (بعضهم)
-
الله وحده هو الذي يعرف الله (احمد الغزالي)
- الغروب ماء الأسنان (ابن منظور)
- يا أقبح من حتّى في مواضع شتّى (ابن الحجاج)
- قيل لإعرابي: لمَ لا تشرب النبيذ؟ فقال: لا أشرب ما يشرب عقلي.

غلاف كتاب جورج شحادة

متى سيكون للعربية نقاد حقيقيون، يعيدون كل شيء الى نصابه كاشفين منتحلي ثقافة الآخر. نقاد حقيقيون ولهم معرفة كافية بأن لا يبينوا لنا، فقط، كم هي عتيقة ومكررة فكرة البيت الواحد أو الجملة الشعرية فحسب (فالتراث الغربي يعج بها)، وإنما أيضا الفرق بين شاعر فعلا حديث كجورج شحادة، وشاعر كلاسيكي لا يمتلك من الحداثة سوى الانتحال والادعاء كأدونيس، وذلك عبر المقارنة بين الاختيارات. وقريبا سننشر ما اختاره شحادة من ترجمة عصام محفوظ، لنقارنها مع بعض النماذج الغبية التي اختارها أدونيس.

يحق لكل إنسان أن يقلد سابقيه، لكن من ابسط ملامح الشاعر الحقيقي هو أن يكون أمينا ونزيها فيعترف بجهد الآخرين قبله. وهذا ما هو معمول في ثقافات العالم غير العربية، حيث الاعتراف بالمرجع علامة تدل على نظافة هذه الثقافات وديناميكتها.