كامل الشيرازي من الجزائر: يكشف quot;منير بومرداسquot; المستشار الثقافي الجزائري، عن مسعاه لخلق مجموعات ركحية الكترونية تعنى بالاستقراء النقدي الجمالي لتطبيقات المسرح على مستوى فضاءات التواصل الاجتماعي مثل الفايسبوك وتويتر، ويدافع بومرداس عن فكرته لجدواها في التقريب بين أضلاع العائلة المسرحية الكبيرة وتجاوز نمط اللا نقد المتكرّس في الجزائر.
وفي مقابلة خاصة بـquot;إيلافquot;، يستهجن المشرف على أيام المسرح التجريبي بالجزائر، انزلاق البعض إلى تجاوز للخطوط الحمراء واتخاذ المسرح الفقير لغرض التجارة كما التجريب للتغريب.
ويرى محدثنا أنّ المسرح في الجزائر بحاجة إلى ترميم، والتغيير بحسبه يكون في التجريب المرن بتنويعه للأدوات ورؤاه الراقية بعيدا عن أي دوغمائية.

bull;استهلكت أيام المسرح التجريبي بمدينة ميلة الجزائرية دورتها الثالثة، أي تقييم تجرونه لهذه الاحتفالية بصفتكم مشرفا عليها؟ وهل تلمسون تطورا في الممارسة الركحية التجريبية في الجزائر؟

-أشكر quot;إيلافquot; على مجهوداتها الجبّارة في دعم الثقافة والفنون وخاصة المسرح، فيما يخص سؤالكم، نحاول من خلال أيام المسرح التجريبي التأسيس لمهرجان محترف، وأرى أنّ بدايتنا كانت موفقة وها قد وصلنا بفضل الاستمرارية إلى الطبعة الثالثة رغم العقبات التي اعترضتنا، فدار الثقافة لمدينة ميلة تحملت وحدها نفقات هذه الاحتفالية، ونحن نطمح لترسيمها من طرف وزارة الثقافة الجزائرية لتصبح مهرجانا بمعنى الكلمة.

فيما يخص التطور الركحي والتجريب، أعتقد أننا قاربنا بعض الشيئ المفهوم الصحيح ولمسنا اجتهادا من الفرق المسرحية وكذا عموم فاعلي المسرح التجريبي من خلال الإسهامات الأكاديمية التي قدموها على هوامش الدورات الثلاث.

bull;ألا تتصورون أنّ المسرح في الجزائر بحاجة إلى إعادة تأسيس وتأصيل مفاهيمي مسلكي، لا الإمعان في التجريب المسطّح؟

-بالتأكيد نحن معكم في الطرح، سيما لدى مشاهدتنا عروضا موغلة في التغريب بشكل سلبي لا يضيف الشيء المطلوب، وهو ما يمثل إشكالية لكن بالمقابل لا يمكن أن نقول بإعادة التأسيس، لأنّ الأساس موجود والقاعدة موجودة أيضا، والمسرح في الجزائر بحاجة إلى ترميم المفاهيم وتطوير القوالب.

bull;باعتباركم وجها أكاديميا تعمقتم في دراسة المسرح، كيف يمكن لممارسي الفن الرابع أن يتجاوزوا الخطوط الحمراء على صعيد بنية السينوغرافيا، وشكلانية الجسد والإخراج وما يتصل بسائر المتعلقات والأدوات الفنية.
-تحدثتم في سؤالكم عن الفعل الأكاديمي، أؤكد لكم أنّه طوال دراستي في المعهد العالي للفنون الدرامية بالجزائر على يد كبار المختصين، لم أشاهد يوما عبثا مثل الذي نشاهده اليوم، وما يتم من تجاوز للخطوط الحمراء باسم الفن، كما لو أنّ الإبداع و جماليات العرض باتت تقتصر بنظري على قلة الأدب وما يُسمى quot;كسر الطابوهاتquot; فأي طابوهات هذه بربك؟
فيما يخص بنية السينوغرافيا والأدوات الفنية، الحاصل أنّ وظيفيتها غائبة، حيث لا يتم استعمال الأكسسورات وآليات الفضاء المسرحي بالشكل الفني اللائق، ما دفع البعض إلى اختيار المسرح الفقير كوجهة، بحجة قلة الإمكانيات لكن الحقيقة quot;تجارية محضةquot;.

bull;يؤكد باحثون أنّه رغم كون المسرح محض تجريب، إلاّ أنّ ذلك لم يستغل بالشكل المطلوب، رغم كل الذي فعله الراحلون ولد عبد الرحمان كاكي وعبد القادر علولة ومصطفى كاتب، أين الخلل إذن؟ وكيف يمكن تثمين تجارب فرق تنشط في قسنطينة، برج بوعريريج، مليانة وغيرها؟
-في حديثي عن ترميم المسرح الجزائري بدل إعادة تأسيسه، رميت إلى حتمية تثمين التجارب الحالية، وكذا عدم تناسي ما قدمه الراحلون عبد القادر علولة، ولد عبد الرحمان كاكي، مصطفى كاتب، محي الدين بشطارزي وكثيرون من رجالات الخشبة.
علينا العودة الى الوراء قليلا، والتمحيص في ما قدمه علولة مثلا في مسرح الحلقة والتجارب التي قام بها صحيح أننا مررنا بعدة تغيرات، لكنّ الأهم إنّ مسرح الحلقة يعد قيمة تراثية ثمينة يمكن الاشتغال عليها إلى ما لا نهاية، لأنّ شخصية القوّال (الحكواتي) ما زالت حاضرة في يومياتنا فقط، والتغيير يكون في الأدوات الفنية والرؤية الإخراجية الراقية.

bull;كثير من الأعمال المسرحية الجزائرية يقدمها أصحابها على أنّها تجريبية، بيد أنّها تفتقد إلى روح التجريب، ماذا تقترحون لترشيد المسار العام؟
- أجل سؤالكم في محله، فالكثير يسقطون في إشكالية ما هو تجريبي وغير تجريبي، مع أنّ المسرح في ماهيته قائم على التجريب، والاشكالية طرحت بقوة حتى في أكبر المهرجانات على غرار المهرجان الدولي للمسرح التجريبي بالقاهرة.
أظن أنّ ميزة المسرح التجريبي هي امتلاكه قدرة المسايرة الدائمة، بل واستيعاب ما يشهده العصر من تحولات وما يعتريه من هزات، وعلى احتواء التجارب الانسانية الفكرية والروحية والحضارية، عبر فهمها وفك طلاسمها وشفراتها، بعيدا عن الدوغمائية التي عملت على تكريسها بعض المدارس والتيارات المسرحية من خلال تسطيرها ثمة قواعد.
التجريب المسرحي يمثل كذلك جسرا يربط بين الماضي ومتغيرات الحاضر، باستقراء الموروث الركحي واستجلاء غوامضه بطريقة يعانق بها الحاضر ويعبّر عنه ويرسم له امتدادا في المستقبل صوب انسانية جديدة بآفاق أخرى.
يبقى ما نتمناه هو عودة النقاد وعموم الأكاديميين الى مكانتهم الأصلية، حتى يسهمون في بناء مسرح حقيقي يؤدي أدواره الفنية والحضارية، وذلك ممكن بتكثيف الورش والندوات المسرحية وتفعيل الذات الناقدة.

bull;هل تتوقعون أن تشهد السنوات القادمة اتجاها جديدا للتجريب في المسرح؟
-بالتأكيد، العالم يتغير بسرعة وخارطة العالم تتغير أيضا وسط تلاقح الثقافات وتصادم الحضارات واختلاف المفاهيم، وعلى المسرح مواكبة كل متغيّر لأنّ أب الفنون جزء من صانعي القرار، مثلما قال المسرحي الكبير quot;ريتشارد شيكنرquot;:quot;إننا نحيا في زمن الأزمات والصراعات العنيفة والحاجات الانسانية التي لا تجد من يلبيهاquot;.
ففي جنوب القاهرة هناك دارفور، والى شمالها الشرقي هناك غزة والأراضي المحتلة، وإذا نظرت أبعد في الاتجاه نفسه، فسترى العراق وايران وباكستان وأفغانستان، ونحن ـ معشر البشر ـ ندمّر الهواء من حولنا، وكذلك المحيطات والتربة الزراعية والغابات.
يعاني ملايين البشر من الجوع والفقر والمرض والبطالة الجزئية أو الكلية، ويرزحون تحت وطأة حكام مستبدين، ويتعرضون للاستغلال، ومن ثم يشعرون ـ عن حق ـ بالغضب، بل بلغ بعضهم حد الشعور باليأس، إزاء هذا كله، على المسرح التجريبي أن يكون حاضرا لينقل عمق الأشياء بحرفية.

bull;ماذا عن حالة اللانقد المغيّبة في الجزائر حاليا، وهل تتطلعون إلى تفعيل القراءة الركحية للنصوص عبر فضاءات التواصل الاجتماعي كالفايسبوك وتويتر؟
-حالة اللا نقد المغيبة مقصودة من الذين يزعمون أنهم رجال مسرح اليوم، لا لشيء سوى لمستواهم الضعيف حتى يبقى الحال على منواله، ويظهر هؤلاء كمبدعين.
بلا نقد، لا يمكن أن يتطور المسرح، في الجزائر نملك الكثير من الكفاءات، في صورة كوكبة النقاد الذين تخرّجوا من المعهد العالي للفنون الدرامية، لكن للأسف جرى تغييب دورهم و أسندت لهم مهام أخرى.
نحاول حاليا خلق مجموعات الكترونية تختص بالاستقراء الركحي والنقدي في الفايسبوك وتويتر ومختلف واجهات الشبكة العنكبوتية، والأهم هو جمع المسرحين في فضاء يسهل الاتصال بهم والعمل على طرح كل ما هو جديد من نصوص وعروض وتثمين ما تنتجه هذه الملتقيات.

منير بومرداس في سطور
bull;يعمل حاليا مستشارا ثقافيا ومشرفا على أيام المسرح التجريبي بالجزائر
bull;خريج اختصاص التمثيل في المعهد العالي للفنون الدرامية بالجزائر
bull;مارس المسرح المدرسي في مختلف مراحله التعليمية
bull;عمل في ميدان التمثيل ضمن عدة جمعيات مسرحية
-شارك كممثل في عديد الأعمال المسرحية ، أبرزها: quot;زوج مثاليquot;، quot;بينيلوبquot;، quot;توبة الجلادquot;، quot;يوغرطةquot;.
-أخرج مسرحيات quot;سوق النساءquot;، quot;الملك هو الملكquot;، quot;الأستاذ كلينوفquot;، وquot;رحلة في طائرة من ورقquot; (مسرحية للأطفال).
-شارك في أعمال تلفزيونية عديدة أهمها:quot;البذرةquot;، quot;الغائبquot; وquot;رشيد القسنطينيquot;.
bull;عمل في لجان تحكيم على مستوى عدة مهرجانات مسرحية.