كامل الشيرازي الجزائر: أحيت الجزائر، الثلاثاء، الذكرى الـ38 لرحيل المسرحي الفذّ quot;محمد بوديةquot; الذي اغتاله الموساد بعد مسيرة طويلة خاضها الرجل ومازج فيها بين الثقافة والسياسة وبين المسرح والثورة في قالب فريد، ما جعل منه فنانا نادرا مهدّ بكفاحاته للمسرح الطلائعي.
يفيد عارفون إلى أنّ محمد بودية اقتحم المسرح منذ شبابه الأول، وساعده احتكاكه المبكّر بمواطنه quot;مصطفى غريبيquot; على الاندراج في عالم المراكحات، حيث حضر بقوة في عديد الأعمال مثل quot;نحو النورquot;، quot;أولاد القصبةquot;، quot;الخالدونquot;، وغيرها.
بالتزامن، أسهم تشبع الفقيد بالروح الوطنية منذ نعومة أظافره، بانخراطه مبكّرا في العمل الثوري ضدّ المحتل الفرنسي القديم، وسجّل ابن حي القصبة الشهير حضوره في المنظمة المدنية لجبهة التحرير بالجزائر العام 1955، قبل أن يصبح عضوا دائما في اتحادية فرنسا لجبهة التحرير الوطني حيث مارس مهام نضالية عديدة في باريس ومرسيليا سنة 1957.
وبعد افتكاك الجزائر لاستقلالها في الخامس تموز/يوليو 1962، أدى محمد بودية دورا هاما في إنشاء المسرح القومي الجزائري، وقام رفقة الراحل الكبير quot;مصطفى كاتبquot; بتنمية مسار التنشيط المسرحي، وقد أعدا الكثير من الأعمال الفكرية التي منحت زخما هائلا استفاد منه ناشطو الفن الرابع لاحقا.
لكن بودية ارتضى عدم الاكتفاء بدور المكافح على الخشبة، حيث نفذ العديد من العمليات لخدمة القضية الفلسطينية التي آمن بها وتشبّع بتعاليمها، لذا لم يتردد عن التضحية بالنفس والنفيس، وتلقين العالم أروع عبارات الدفاع عن الأمة الفلسطينية والذود عن حريتها، على نحو جعل جهاز المخابرات الإسرائيلية quot;الموسادquot; يتعقبه باستمرار إلى غاية اغتياله في مخطط غادر، حيث جرى تفجير سيارة محمد بودية بوسط مدينة باريس في صبيحة 28 حزيران/ يونيو 1973
الغريب، أنّ الرجل ورغم عظمة مساره، ظلّ عرضة للنسيان، ولم يعد الجيل الجديد في الجزائر يعرفون محمد بودية، ما جعل جمعية quot;أولاد الحومةquot; تنظم منتدى تكريميا لذكرى فقيد المسرح والحرية، والتعريف بمآثره وأعماله الخالدات.
ويشير quot;عبد الرحمان برقيquot; رئيس جمعية quot;اولاد الحومةquot; أنّ الأخيرة تراهن على إعادة الاعتبار لوجه عانى من التغييب والتناسي على مدار عقود، فضلا عن استكشاف شوط مشرق صنعه أحد رواد المسرح الجزائري الحديث.
ولا يمكن الحديث عن بودية، دون التنويه بالأدوار التي لعبها في تفعيل الرعيل المسرحي الأول في أواسط خمسينيات القرن الماضي، حينما أسهم في التفاف عديد الفنانين حول القضية الجزائرية ولعبهم دورا بارزا ومهّمًا في التعريف بالقضية الجزائرية ونشرها عبر كامل أصقاع العالم، والتعريف بمعاناة الشعب الجزائر من ويلات الاستعمار.
وقاد بودية فرقة مسرحية جابت دولا عربية وغربية قبل نصف قرن، وضمّت آنذاك كبار رجالات الخشبة في مقدمتهم مصطفى كاتب وسيد علي كويرات، وعبد الحليم رايس، علي بن مبروك وغيرهم.
ولعبت الفرقة دورا هاما خدمة للقضية الجزائرية من خلال عروضها التي استقطبت جماهير غفيرة، حيث اهتمّ كثيرون بالمسرحيات الثورية التي قدمتها الفرقة الفنية، ودافعت فيها عن عدالة القضية الجزائرية ومشروعية الكفاح الوطني ضد الاستعمار، كما قامت الفرقة بتقديم عروض لاقت استحسان قادة عالميين مثل الزعيم الصيني ماو تسي تونغ.