يوسف يلدا من سيدني: في جلّ أعمال الروائية التشيلية إيزابيل الليندي نشهد قدرتها على التحكم، بشكل واضح، بالتقنيات السردية، وإجادة فائقة في حبك المؤامرات، المعززة بدقة البحث، والإنضباط الذي ورثته عن الصحافة.
تدخل الليندي في روايتها الجديدة quot;دفتر ماياquot;، جحيم المخدرات، من أوسع ابوابه، ولتعرض للقارئ صوراً إلتقطتها من العالم المعاصر، بلمسة بوليسية. وكما هو حال الليندي مع رواياتها السابقة، فقد أعانتها، هي الأخرى، على تنظيم حياتها، بحيث تكون في مأمن من حالات الجنون.
وقبل حضورها معرض مدريد السنوي الأخير للكتب، من أجل التوقيع على روايتها، أكدت إيزابيل الليندي على إنها لو لم تكتب لتحولت الى إنسانة مجنونة، راقدة في سرير بإحدى المصحات العقلية.
وتسجل مؤلفة quot;باولاquot;، التي ترجمت أعمالها الأدبية الى أكثر من ثلاثين لغة عالمية، وتم بيع أكثر من 50 مليون نسخة من رواياتها، تغييراً جوهرياً في مسار حياتها الأبداعية، الممتدة لأكثر من ثلاثة عقود، حيث نراها تتخلى عن سرد الأحداث التأريخية، وتغيّر من لغة رواياتها التي إعتدنا عليها، الى لغة خاصة بالفتاة الشابة quot;ماياquot;، البالغة 19 عاماً، والتي تمتهن الدعارة وترتكب الجرائم، بسبب من إدمانها على المخدرات، وهو الأمر الذي يؤدي برجال مكتب التحقيقات الفيدرالي الى مطاردتها.
والرواية الجديدة، كما تقول الليندي، لم تضع الشباب في حسبانها، وإن كان من الأفضل لهم قراءتها. وقد عمدت المؤلفة التي إنطلق إسمها في عالم الأدب، على نطاق واسع، إثر صدور روايتها quot;بيت الأرواحquot;، ومن ثم تحويلها الى فيلم سينمائي، الى تقديم مقارنة بين المدن الأمريكية، التي تترعرع فيها مايا، مثل بيركيلي ولاس فيغاس، وبين الجزيرة المنعزلة quot;شيلويquot; التي تقع جنوب التشيلي، حيث تلجأ إليها البطلة، في محاولة منها للبحث عن جذورها التشيلية.
والمعروف عن إيزابيل الليندي أنها تعرف عالم المخدرات عن كثب، لأن أولاد زوجها الكاتب الكاليفورني ويليام غوردن، الثلاثة، كانوا من المدمنين على المخدرات. فقد توفيت الإبنة نتيجة تلوث في المخدرات التي كانت قد أدمنت على تعاطيها، في حين كان أحد أولاده قد أمضى طيلة حياته في السجون والمصحات الصحية، وأما ثالثهم فقد إستطاع أن ينقذ نفسه، بعد عشر سنوات من تعاطيه للماريجوانا.
وقد تبلورت فكرة كتابة رواية quot;دفتر ماياquot; تعبيراً عن رغبة إيزابيل الليندي في أن تضع كتاباً لأحفادها الذين لم يتوقفوا، يوماً، عن ترديد اسئلتهم حول اليوم الذي سوف تكتب شيئاً لأجلهم.
ولا تدور الرواية حول عالم المخدرات فقط، وإنما حول الرحلة التي تقوم بها مايا الى الحياة أيضاً، رحلة النمو والخروج من عنق الطفولة. هذه الرحلة التي تشبه رحلة كل منا الى متاهات حياتنا، والتي تمنحنا، بعد مسيرة طويلة، حافلة بالصعاب والمشقات، كل ما نبتغيه، والتي تمثل، بحد ذاتها، عصارة تجربتنا. وبالنسبة الى مايا التي تهجرها أمها، وهي صغيرة جداً، ينهار العالم أمام عينيها، إثر وفاة عمها بولو، الشخص المفضل، بكل ما تعنيه الكلمة، والرجل ذو القلب النقي، الذي كانت تتمنى الليندي أن يكون، في يوم ما، عماً لها. رغم أن عمها الحقيقي كان مختلفاً عن هذا تماماً، إلاّ أنها كانت تحبه كثيراً. لكن عمّة مايا، التي تدعى نيني، والتي تتوفر فيها بعض من خصال الليندي، كانت هي الأخرى، تقف الى جانبها وتعينها، بغية التخلص من سموم المخدرات.
ولم تحاول إيزابيل الليندي أن تنقل أيّة رسالة من خلال روايتها quot;دفتر ماياquot;، ولم تفكر، قط، أن تفعل ذلك في رواياتها السابقة، لأنها ببساطة شديدة، تفتقر الى الأجوبة عن مشكلة المخدرات، أو مشاكل أخرى. إذ إن المطلوب منها، أن تطرح أسئلة فقط، لا غير.
وجدير ذكره أن الدانمارك كانت قد منحت الليندي، العام الحالي، quot;جائزة هانس كريستيان آنديرسونquot;، والتي يطلق عليها أيضاً quot;جائزة نوبل لأدب الشبابquot;، وذلك لأمكانياتها الإبداعية الفائقة، بإعتبارها quot;راوية ساحرةquot;، قادرة على سحر الجمهور. وفي شهر إكتوبر المقبل، سوف تتسلم في إسبانيا، quot;جائزة مدينة القلعة للأدبquot;، وسيتم تكريمها في معهد سرفانتيس.
الليندي التي تشرع في الكتابة، دائماً، في بداية شهر يناير من كل عام، وتعمل ما بين 8 ndash; 10 ساعات يومياً، ولمدة ستة أيام إسبوعياً، تقول في أحدث لقاء أجرته معها، قبل أيام، صحيفة quot;الإسبيكتادورquot; الكولومبية، إنها من دون الهدوء والوحدة والوقت لا يمكنها أن تكتب. وأن واقعية السبعينات والثمانينات السحرية لم يعد لها وجود في أيامنا هذه، لأن المؤلفين الشباب أصبحوا يمقتونها. ولكن، لأننا ما زلنا نعيش في وسط عوالم غامضة، فلا يمكن للأدب أن يتجاهلها. لقد طرأ تغييراً جذرياً على إسلوب الكتابة، ولم يعد سائداً الآن، ما كان يبهرنا من تعظيم في القصص حينذاك.
ورداً على سؤال يتعلق بالطريقة التي إتبعتها في كتابة روايتها الأخيرة quot;دفتر ماياquot;، توضح الليندي قائلةً بأن كل رواية لها إسلوبها الذي يميّزها عن غيرها، ونبرة هذه الأخيرة، التي تعتبر معاصرة، وبطلتها فتاة في التاسعة عشرة من عمرها، لا يمكن أن تشبه رواية quot;جزيرة تحت البحرquot;، التي تقع أحداثها في هايتي قبل 200 سنة، وبطلتها من العبيد الأفارقة.
[email protected]