وسيم باسم من بغداد: انحسرت منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي اغلب دور العرض السينمائي في عموم محافظات العراق، وتكرس انتهاء دورها منذ عام 2003 لتتحول قاعاتها الى دكاكين وأسواق تجارية، كما نال من بعضها معول الهدم حين لم تعد نلك الدور مشاريع تجارية ناجحة لعزوف الناس عنها بسبب الحرب وانعدام الأمن، إضافة الى سيادة ثقافة التحريم في بعض مناطق، حيث بدأ يخشى مرتادو السينما وأصحابها على حد سواء، التهديد أو المنع.
وتتشابه مدن العراق قاطبة في قصصها الحزينة مع دور السينما، وعدا بغداد التي اشتهرت بريادتها في دور العرض ليس على مستوى العراق فحسب بل على مستوى الوطن العربي، فان اغلب المدن لا تحتوي الا على ثلاث أو أربعة دور عرض على اكثر تقدير، كانت في وقتها متقدمة في مواصفاتها ومهنيتها مقارنة بمدن أخرى في دول المنطقة، لكنها مع الزمن، نزلت الى الحضيض في مستوى أدائها وجودة خدماتها.

العراق... كان الأفضل
يقول أبو عصام ويسكن منطقة الكرادة (تقع على الجانب الشرقي لنهر دجلة في بغداد)الذي ظل يرتاد السينما في بغداد لأربعة عقود متواصلة، ان حال دور العرض تشبه في مراحل حياتها التفاصيل الاخرى في الحياة العراقية، فقد كان العراق الأفضل، في كل شيء اما الآن فهو الأسوأ.
ويتذكر أبو عصام ان الخليجيين والأردنيين كانوا يزورون بغداد للتمتع برؤية الافلام السينمائية، ويتذكر ان أصدقاءا كويتيين كانوا يعاودون زيارته في الخمسينيات للتمتع بمباهج الحياة في بغداد ومنها دور العرض السينمائي.
وشهدت بغداد أول عرض سينمائي العام 1909 ، كما شهد العراقيون بعد الحرب العالمية الأولى عروضاً سينمائية في الهواء الطلق نظمتها ldquo;دائرة الإستعلامات البريطانيةrdquo; تنتقل إلى مناطق عديدة من المدن العراقية.
ويشير ابو عصام الى ان عام 1920 شهد تشييد دار سينما سنترال في منطقة حافظ القاضي في شارع الرشيد (أقدم وأشهر شوارع بغداد يمتد من الباب الشرقي إلى باب المعظم) التي تحول إسمها فيما بعد إلى سينما الرافدين.
ولم تحفل مدن الدول المجاورة للعراق بمثل ما حفلت به بغداد من رغبة في التزود بالثقافة المرئية عبر إنشاء دور العرض، فقد أنشأت دار عرض أخرى في ساحة الميدان (في باب المعظم)، كما أنشأت سينما الوطني عام1927.. ثم افتتحت سينما رويال.
وعلى رغم استتباب الوضع الأمني الا ان سالم الشاعر يرى ان الذهاب الى دار السينما يحمل بعض المجازفة،لكنه لا يدعو الى القلق مقارنة بالسنوات السابقة.
ويضيف: تتجنب دور السينما اليوم عرض الأفلام الجريئة في مواضيعها، ويفضل عرض الأفلام quot; المحافظة quot; أن صح التعبير.
وتتأهب عائلات عراقية لقضاء اوقاتا ممتعة حرمت في دور السينما والحدائق العامة ومنها حديقة الزوراء التي شهدت العام الماضي عرضا لافلام السينما المتجولة العام الماضي بحسب الشاعر.

IRAQI CINEMA
وفي ابريل عام 2011 كان هناك يوم استثنائي بالنسبة لامين كامل وهو تشكيلي عراقي، حين حضر مع زوجته حفل افتتاح IRAQI CINEMA في نادي الصيد العراقي. وصالة العرض هذه بنتها شركة تركية وتعود للقطاع الخاص. وبحسب كامل فان السينما ثلاثية الأبعاد بمواصفات عالمية. ويأمل كامل في ان تسهم هذه المشاريع في اعادة العائلة العراقية الى دور العرض.
ويتذكر ابو سليم ويسكن منطقة علاوي الحلة (في جانب الكرخ من بغداد) ان سينما الهلال وسينما سنترال ضمتا جناح خاص بالنساء.. استمر لسنوات عدة في وقت كانت فيه السينما تغيب في الدول المجاورة حتى على الرجال.
ويتذكر ابو سليم ايام الازدهار السينمائي التي شهدها وكيف أن روائع السينما العالمية مثل أفلام ldquo;ذهب مع الريحrdquo; وrdquo;رمل ودمrdquo; وrdquo;السباحات الفاتناتrdquo;، كانت تثير الجدل واللغط في الشارع العراقي.
وفي العام 2010 وبعد انقطاع دام ثمان سنوات، عرض الفيلم الروائي ldquo;أبن بابلrdquo; على صالة سينما سميراميس، وتقول الشاعرة خنساء الحيدري ان العرض حرك quot;مشاعرا سينمائيةquot; لدى الجمهور.

مراكز إشعاع ثقافية
وفي مدينة مثل الحلة (100 كم جنوب بغداد) كانت دور السينما تشكل مراكز إشعاع ثقافية لابناء المدينة، فقد زخرت بالعديد من الدور من مثل سينما الخيام، وسينما الفرات، والجمهورية. غير ان هذه الدور تلاشت منذ التسعينيات حتى انتهى دور السينما في الحياة البابلية تماما منذ العام 2003.
ويروي سليم الخالدي، وهو مدرس في عقده الستيني ان عروض الأفلام الرومانسية ذات المشاهد الساخنة والجريئة، من مثل روائع (سبارتاكوس) و (كوفاديس) و (حصار طروادة)، كانت أمرا مألوفا لفترة طويلة، على رغم الرقابة في ذلك الوقت على الأفلام الأجنبية.
ويضيف: كان أهل الحلة ينجذبون لأفلام الكابوي وطرزان وسوبرمان، كما نالت الافلام المصرية والتركية شهرة بين الجمهور الحلي.

الضرورات الثقافية والدينية
ويقول الفنان كريم البصري ان عودة السينما الى العمل في البصرة(490 كلم جنوب بغداد) ينال اهتمام الجمهور، لاسيما وان
المعنيين ياخذون بنظر الاعتبار الضرورات الثقافية والدينية التي تحدد نوع الأفلام المعروضة. وفي العام 2009 اعيد افتتاح سينما أطلس في البصرة، بعد إغلاق دام ستة أعوام.
يضيف البصري: دار سينما laquo;اطلسraquo; معروفة في البصرة وفي وقت من الأوقات كانت مقصد الخليجيين. ويتابع: العوائل البصرية تنجذب الى السينما، وهي فرصة لتنمية الوعي الثقافي والمجتمعي لدى الفرد العراقي.
ويضيف: منذ عام 2003 كانت عناك التباس مجتمعي حول دور السينما وحاولت بعض الجماعات المتطرقة سحب الشرعية من عمل السينما لكنها باءت بالفشل، لاسيما وان الأفلام المعروضة ذات مضامين اجتماعية، وإنسانية.
ويتذكر البصري كيف ان عام 2004 شهد إجبار الناس على تجنب السينما من قبل جماعات مسلحة خاطبت الجمهور بلغة أن السينما وسيلة من وسائل المتعة الحرام. ويتابع البصري: وقف الجمهور بوجه هؤلاء بل ان رجال دين متنورين انتقدوا ذلك التطرف ومحاولات فرض أساليب معينة العيش.

التحريم
لكن الحذر سيد الموقف في كل دور السينما في العراق، ومازالت هناك خوف من التطرف الذي يحرم مشاهدة الأفلام.
ويقول رحيم عمار وهو ضابط شرطة في منطقة السعدون (وسط بغداد): نراقب دور السينما بدقة خوفا من هجمات الانتحاريين، والقنابل والعبوات الموقوتة.
و تحرص دور السينما على عدم نشر صور الافلام ذات المضامين الجريئة، لاسيما في الواجهات ، تجنبا لاثارة المتطرفين.
وفي مدينة مثل الديوانية (جنوب العاصمة بغداد حوالي 180 كيلو متر) وقفت الجـــماعات المتطرفة ضد السينما، وكـــانت تعمم بين الجمهور بحرمة مشاهدة الافلام، ما دفع بالكثيرين الى تجنب ارتياد دور السينما. وأنشأت أول سينما في مدينة الديوانية عام 1936.
ويتذكر ابو حسان افلاما نالت اعجاب أهالي المدينة من مثل افلام quot;البريموquot; وquot; عنتر وعبلةquot; وافلاما عن قصص نجيب محفوظ.
ويقول احمد عبد السادة: ان دعاوة التحريم خلق ردة فعل معاكسة، فقد دأب الناس على شراء الأقراص المدمجة ومشاهدة الافلام في البيوت..
ويتابع: لم يعد للسينما دور كبير في حياة اهل الديوانية في ظل ازدهار سوق الأقراص المدمجة. ويمتلك عبد السدة نحو ثلاثين قرصا لافلام عربية وأجنبية.
ويضيف: تجد في السوق العراقي أقراصا لأحدث الأفلام العالمية، بل ويتوفر السوق العراقي على مختلف الافلام الجنسية.

معركة خاسرة
وبحسب عبد السادة فان الجماعات المتطرفة خسرت معركتها مع (السينما)، و لن تستطيع ان تقاتل كل هؤلاء، ويقترح وفق ذلك ان تعطى الحرية الثقافية والاجتماعية للناس لكي تختار ما تريد من دون وصاية من أحد.
ونالت دور السينما في الموصل من الخراب والتدمير ما لا يصدق، حيث تغلق صالات العرض لتتحول الى مخازن ودكاكين بعدما انحسر الاستثمار في السينما.
وتخلو المدينتان المقدستان كربلاء والنجف من دور السينما لاعتبارات دينية، حيث يضطر الاهالي منذ عشرات السنين الى الذهاب إلى بغداد لمشاهدة الأفلام. كما يقصد البعض المدن المجاورة مثل الحلة والديوانية لمشاهدة الافلام.
ويقول رائد الشاكر الطالب في اكاديمية الفنون الجميلة في بابل ان السينما العراقية تشكو اليوم غياب الجمهور، وقلة دور العرض ، وبحسب الشاكر فان تأهيل القاعات والحرص على عرض روائع الأفلام العالمية ، سيشجع العائلات على ارتياد دور السينما في ظل ثقافة سائدة تفيد أن الذهاب الى السينما ترفا وليس ضرورة ثقافية.