بيروت من جورج جحا - في قصة quot;الضباب والغابةquot; التي أعطت اسمها لمجموعة العراقي فلاح الجواهري ولعلها افضل قصص المجموعة عمل وجداني يمتزج فيه الشعر بالتصوير فيأتي الامر شعرا تصويريا.. وقد نقول تصويرا شعريا. في هذه القصة من مجموعة quot;الضباب والغابةquot; والتي تتحدث عن بطل هو رسام يكتب فلاح الجواهري بعين رسام وبيده.. وفي ما يقوله وصفا ووجدانيات نبض متتابع مفعم بحب الحياة وفي الوقت نفسه مفعم بالحزن النبيل.
تبدأ القصة على الشكل التالي.. quot;وهذه السلوى العجيبة.. فرشاة علبة ألوان صغيرة اوراق باحجام وسمك وسطوح مختلفة ...لوح خشبي رقيق تأطر بخطوط مشرشرة وبقع الوان بمستويات مختلفة ...تحملها تحت ذراعك برفق وحنو.quot;
ويتحدث عن البطل ويصفه قائلا له مباشرة انه بذلك quot;تحمل هنا مشاعرك وانطباعاتك ورؤاك واحلامك وشوقك والحنين الشاق الممض...quot;
ويمضي في ما يجمع بين بعض سمات الشعر الرمزي وصوره فيقول ..quot; تحمل حزمة ضوء معفّر يتسلل كاللص بين اغصان غابة كثيفة. هنا اصطياد لحظة سكون من ظلال غيمة سابحة فوق حقل اخضر. هنا في هذا الخزين من الوريقات والخطوط واللون المنساب المرتشف تكمن معالم كاباتك واحباطاتك...quot;
ولان العمل الفني هو تأثر بوضع قائم ثم تجاوزه الى ما يشبه وحدة حياة وحتى quot;اعادة خلقquot; لعالم الفنان.. يأتينا قول الكاتب quot;عدّتك تلك قرّبت الابعاد التي تلاشت.. الهيئات والفضاءات المترامية.. الجدران المصمتة والنخرة المتهاوية.. الواحة والصحراء النهر المتدفق والجدول الرائق ضفاف الطين والرمل وارضا مشت فيها اخاديد الجفاف المعروقة.quot; ويعود الرسام الى غرفته او quot;وطنه الصغيرquot; ليعود من جديد quot;في سياحة اخرى فوق سطح الورق. تبدأ الصفحة بالاتساع تترامى ابعاد حواشيها ..يبدأ السطح الورقي بالتحول الى عالم غامض. تنساب مبحرا من جديد في متاهات أوشحة الضباب المتداخلة.quot;
حمل الى غرفته ذلك العالم الشاسع الذي كان فيه فعاد هذا العالم يلوّح له بيده مستدعيا quot;تفوح في الغرفة الصغيرة روائح رحم الغابة المظلم ...تغص حنجرتك بغرغرة مكبوتة. تندى عيناك...تهرع الى باب الغرفة تفتحه على عجل. ولان البطل لم يعد في سن الشباب نقرأ قول الكاتب هنا قرب الباب quot;قبل ان تضع قدمك خارجه وكأن لك حقا في تمديد التجربة السالفة وتجديدها وفي ما تود طلبه وترفع رأسك الى السماء مطالبا لا سائلا فسحة اخرى قصيرة من العمر.quot;
مجموعة الجواهري للقصص القصيرة جاءت في 152 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن (المؤسسة العربية للدراسات والنشر) في بيروت وعمان. ننتقل الى قصة اخرى هي قصة (اختر ميتتك).. انها تفيض بالفانتازيا وبسمات سوريالية. مزيج من عالم الحقيقة وعالم اسطوري ومن عالم القصص التي احيانا تنطوي عليها اعمال رسم فنية.
في (حبتا الكرز) مغامرة للصبي الصغير مع بائعة الحليب ذات النهدين اللذين تسمر نظره عليهما وامتدت اليهما يده.
قصة (فانتازيا) تبدأ برسالة من موسكو من فتاة الى صديقها الطبيب الذي توجه الى القاهرة. نعيش مع احلامها النهارية بالانضمام اليه في بلد quot;الاساطير الفرعونيةquot;. انها فعلا تعيش في عالم الاحلام. ترافقه في رحلاته في الشرق وتشاركه حياته. ينتقل الى تشيكوسلوفاكيا. ترافقه في خيالها .هنا وقبل ذلك عندما كان في مصر والسودان تورد لنا البطلة معرضا حضاريا عن كل بلد. بعد ذلك اخبرها انه عائد الى الوطن. الى العراق. تنهي كلامها بالقول quot;اي وطن ياطفلا احمق.quot; وتتخيل انها ستعود به quot;عجينة من العظام والاسنان واللحم في علبة انيقة...quot; نواجه هنا عرضا لاوضاع وشبه خلو من العمل القصصي باستثناء احلام النهار وجمال ما ورد فيها.
في قصة (يا رمز المعالي) وهي الاخيرة نماذج من ويلات الحروب العراقية منذ وقت مبكر وأجواء الخوف واحصاء الانفاس. اثار الحروب في الناس اجسادا وعقول او الانهيار الذي يصيب الجيوش والضحايا من العسكر وغير العسكر. القصف المدفعي والصاروخي وفعله في الحجر والبشر خلال عهد الرئيس الراحل صدام حسين وغزو الكويت والانكفاء الى الداخل ..والويلات بانواعها واشكالها المختلفة. (رويترز)
- آخر تحديث :
التعليقات