صلاح سليمان من ميونيخ: يعتبر الفيلم الوثائقي quot;Taste the Wastequot; أو تذوق النفايات للمخرج فالنتين تيور واحد من اهم الأفلام التي تعرض في دور العرض السينمائي في ألمانيا في الوقت الحالي، خاصة وأن الفيلم يتبني قضية سلوكية بالغة الأهمية تتمثل في سوء استغلال وفرة الغذاء في الدول الصناعية الكبري.
قد يبدو للقارئ أن ظاهر الفيلم الذي يعكسه أسمه quot;تذوق النفاياتquot; هو أمر مثير يشعره بالإشمئزاز، لكن المقصود هو العكس تماماً، فالفيلم له رسالة واضحة تتمثل في لفت الأنظار الي سلوك الغربيين الاستهلاكي وفائض الأطعمة الكبير الذي يلقي في حاويات القمامة لا لشئ الا لإنه لايطابق المواصفات الجمالية من حيث الشكل اوالرائحة أو قرب تاريخ الصلاحية علي الإنتهاء.
يلخص فالنتين تيور فلسفته في اخراج الفيلم بقوله ـ انه يدعو بقوة الي النظر في القيم الإستهلاكية للطعام في الدول الصناعية الغربية، حيث يتم القاء نصف الطعام المستهلك في حاويات القمامة، وفي ذات السياق يوثق تيور بعين الكاميرا تلك المشاهد التي لاتخطئها العين ، فالكاميرا تتجول بين العديد من حاويات القمامة سواء للأفراد العاديين او في الفنادق ومصانع الغذاء لتظهر الي اي مدي لايكترث الأوروبيين بالتخلص من أطنان الطعام العديدة لا لشئ الا للبحث عن المظهر المحدد الذي يرضي المستهلك ويلقي اعجابه بغض النظر عن صلاحية هذا الكم من الطعام الملقي في النفايات،فعلي سبيل المثال تضع الدول الأوروبية مقاييس جد دقيقة لادخال السلع الي اسواق المستهلكين ـ مثلاً الخضار لابد وان يخضع الي مواصفات دقيقة تشمل اللون والطعم والرائحة والشكل بصفة عامة ـ فالبطاطس لها قطر محدد والتفاح يجب الا يزيد قطره عن خمس سنتيمترات، أما ما يزيد أوينقص عن تلك القياسات،فيجب التخلص منه، وتسير هذه القاعدة علي كل انواع السلع الاخري.
لا يكتفي الفيلم بالبحث في قيم الاوروبيين الاستهلاكية فقط بل يذهب ابعد من ذلك وبقوم بتسليط الضوء علي بؤر المجاعات في دول العالم المختلفة ومن ثم يطرح التساؤل العام وهو كيف يعاني 7 مليارات من البشر من ندرة الطعام في وقت تتخلص فيه الدول الغربية من 90 مليون طن من الأطعمة الصالحة للإستهلاك الآدمي بحجة أنها لا تتفق مع مواصفات البيع من حيث الشكل او الطعم او اللون!
ان أحد أهم النقاط التي يطرحها الفيلم في سياقه المستمر لمدة 88 دقيقة هو التركيز علي ثقافة المستهلكين التي تفتقد المسئولية في حجم ما يتم القائه من أغذية صالحة في صناديق القمامة.
أحد أهم المشاهد كذلك التي تصورها الكاميرا في هذا الإطار هو عملية اعدام 8500 كيلو جرام من البرتقال المستورد من اسبانيا الي فرنسا حيث يتعجب المرء من اهدار كل هذه الكمية لأنها غير مطابقة للمواصفات المطلوبة والتي يلخصها الجانب الفرنسي امام الكاميرا في ان صفقة ثمار البرتقال هذه ليست حيث ليست حلوة المذاق كما تشترط فرنسا.
في موقع آخر من الفيلم يظهر شابين يرتديان الملابس الأنيقة وهما من فريق العمل في الفيلم ويتجهان الي حاوية قمامة وببساطة شديدة يبحثان فيها ويستخرجان ما يمكن تناوله من طعام صالح، وهنا يعطي المخرج الإنطباع بأن الفيلم يحتوي علي معالجة سياسية لثقافة الإستهلاك الأوروبية واهدار الطعام الصالح،فالشابين ليسوا بفقراء او متسولين انما هما يظهران في الفيلم بهذه الصورة ليعطيان الصورة الواقعية والحقيقية من الإحتجاج للتصدي لالقاء الطعام في القمامة، فلسان حال المخرج يقول ان غياب التقدير الغذائي عند عموم المواطنين الاوروبيين اصبح يقلقة وهذا ما نراه طيلة عرض الفيلم الذي يعود ليظهر مرة اخري كيفية التخلص من 50 الف طن من البسكويت بدل من ارسالها الي الذين يتضورون جوعا حول العالم.
يدخل بنا الفيلم عبر توثيق الأحداث الي عالم الاحصائيات، ونعرف منه ان اطنان الخبز الملقي في الزبالة يوميا في المانيا وحدها يكفي لإطعام مقاطعة ولاية سكسونسا السفلي.
كذلك فإن من من اهم الاخطار التي يتعرض لها الفيلم عن هذا الغذاء الملقي في القمامة يومياً ـ نعرفه من خلال المعلومات التي يسوقها وهي ان حرق هذه الكميات المهولة من تلك الأغذية يولد زيادة في نسبة غاز الميثان الذي يتصاعد الي الغلاف الجوي ويسبب ضرراً للمناخ بزيادة قدرها 40 مرة اكثر من ضررثاني اكسيد الكربون،.
من المناظر الني نشاهدها في الفيلم هو مشهد المتاجر الكبري عندما تقوم فرق البحث فيها بمراجعه مخزون الأغذية ومدي تاريخ صلاحيتها وهو الأمر الذي يتم فيه القاء ما بين 500 الي 600 طن سنويا عندما تقترب تاريخ صلاحيتها من الإنتهاء.
نتعرف من خلال الفيلم ايضا علي حقائق مخيفة، فمثلاً يتم التخلص من ثمار الخيار بنسبة 50% علي مستوي الدول الأوروبية وأن ما تتخلص منه المانيا وحدها يصل الي نسبة 20%.
[email protected]