بغداد: اقام المركز العراقي للمسرح ندوة فكرية حملت عنوان (الموسم المسرحي العراقي 2012 / مراجعة وتقويم)، يوم الجمعة، على المنتدى الثقافي التابع لمحافظة بغداد في شارع المتنبي، شارك فيه العديد من الفنانين المسرحيين والنقاد، وحضره حشد من المهتمين، وقد تزينت الندوة بمعرض فوتوغرافي مشترك للفنان علي عيسى وعمار علي عيسى بعنوان (ذاكرة المسرح)، قدما فيه العشرات من الصور للعديد من الاعمال المسرحية التي قدمت ضمن مراحل مسيرة المسرح العراقي، وقد اكد علي عيسى ان صور المعرض انتقاها من بين الاف الصور التي يؤرشف بها لتاريخ المسرح العراقي، وانه مزج بين الصور بالابيض والاسود والملونة للتأكيد على ان المسرح العراقي له هيبته وروعته وتاريخه المميز. وقد تمت الاشارة الى ان في موسم 2012 اقيمت ستة مهرجانات مسرحية موزعة بين العاصمة بغداد والبصرة (بمهرجانين) والديوانية واربيل والحلة بمهرجان الشهادة المتخصص بعروض واقعة الطف، وتم عرض 19 عرضا مسرحيا في بغداد (منتجة ومستضافة من قبل الفرقة القومية للتمثيل التابعة لدائرة السينما والمسرح).

وقال الفنان الكبير سامي عبد الحميد، مدير المركز : مركز المسرح العراقي تأسس منذ السبعينيات في القرن الماضي، وهو مركز ثقافي اعلامي يتصل مباشرة بالمركز العالمي للمسرح او الهيئة العالمية للمسرح (iti) التابعة لمنظمة اليونسكو، وقد استمر عمل هذا المركز منذ نشأته الاولى حتى توقف نشاطه عندما فرض الحصار على هذا البلد العزيز (1991)، ولكن في عام 2009 وبمبادرة من ادارة دائرة السينما والمسرح ومديرية المسارح انذاك بالذات، اعيد تشكيل هذا المركز وانتخب اعضاء المكتب التنفيذي للمركز وشرفوني بأن اترأس هذا المركز في ذلك الوقت، والمركز يضم جميع التجمعات المسرحية، الرسمية والاهلية، والتركيز على الفرق المسرحية الاهلية الخاصة، وهذه الفرق الان مجمدة للاسف : فرقة مسرح الفن الحديث، فرقة المسرح الشعبي، فرقة اتحاد الفنانين، فرقة مسرح اليوم، فرقة 14 تموز وفرق اخرى كثيرة تنتظر من يلتفت اليها لكي تعيد نشاطها من جديد ولتنافس فرقة مسرح الدولة التي سميا اخيرا (الفرقة الوطنية للتمثيل).
واضاف: هذا المركز كان بالامكان ان يفعّل دوره بنشاطات مختلفة لو حظي باهتمام المسؤولين او عندما يتلقى الدعم المالي المناسب، وهنا لابد ان نتقدم بالشكر الجزيل لوزارة الثقافة التي اعانتنا في السنة الماضية وهذه السنة بمبلغ مالي بسيط ساعدنا على اقامة ندوة في العام الماضي وندوة فكرية لهذا العام المعنونة (الموسم المسرحي العراقي 2012 / مراجعة وتقويم).
وقالت الدكتورة اقبال نعيم، ﻋﻀﻮ ﺳﻜﺮﺗﺎﺭﻳﺔ ﺍﻟﻤﺮﻛﺰ ﺍﻟﻌﺮﺍﻗﻲ ﻟﻠﻤﺴﺮﺡ : مهم جدا ان تقيم ما قدمته وما انجزته حتى تستطيع ان تجد نفسك اين من حركة المسرح العالمي والعربي والعراقي ايضا، هذه الندوة مراجعة وتقويم لكل ما انجزناه خلال موسم كامل، كي نقول اننا اخطأنا هنا، واصبنا هناك، ونسمع ايضا الاخر، لان الاخر من الممكن ان يولد لك افكارا جديدة انت بحاجة اليها حتى تستطيع المسيرة ان تستمر، ايضا انت محتاج ان تقول لمن عمل : شكرا لك لانك عملت ولانك موجود ضمن الساحة على الرغم من كل المعوقات، فأنت تستطيع ان تكون لك بصمة.
واضافت : موسم 2012 كان فيه مهرجان كبير مثل مسرح الشباب العربي، فمهم جدا ان نحتضن هؤلاء الشباب ونقدمهم ونحتفي بهم لانهم، سواء اختلفنا معهم او اتفقنا، هم مستقبل المسرح، هم عليهم ايضا ان يسمعوا لكي يعرفوا ماذا انجزوا وكيف انجزوا وكيف تلقى الاخر انجازهم، سواء على مستوى اكاديميين او على مستوى الناس البسطاء الشعبيين، وعليهم ان يعرفوا ماذا نريد من المسرح في هذه الفترة بالذات لاننا مسؤولون، شئنا ام ابينا، نحن كمسرحيين علينا ان نقول كلمتنا في خضم كل هذه الفوضى التي حولنا لان وجودنا هو من وجود الاخر، ومن وجود الحياة وحراكها العراقي، لذلك هذه الندوة نحتاجها لكي نتحاور مع الاخر ومع انفسنا لنستطيع ان نضع ستراتيجية وخطة لمستقبل الايام.
وتضمنت الندوة الفكرية جلستين قرئت فيهما البحوث الخاصة بالمنجز المسرحي لعام 2012، ففي الجلسة الاولى التي ادارها الدكتور عقيل مهدي، قرأ الفنان سامي عبد الحميد بحثه المعنون (ايجابيات وسلبيات مهرجان بغداد لمسرح الشباب العربي) جاء فيه : لعل من اهم ايجابيات هذا المهرجان ان ادارته استطاعت ان تجتذب عدداً من المجاميع المسرحية الشبابية العربية لتحضر الى بغداد في مثل ظروفها الصعبة وان تشارك بعروضها المتنوعة ومن جهة اخرى فقد كان المهرجان فرصة لشباب المسرح العراقي ان يتعرفوا على مكانهم في حركة المسرح العربي ويتلمسوا المستوى الفكري والفني لاعمالهم نسبة لاعمال الاخرين وبلا شك كان شبابنا على مستوى المسؤولية في اغلب اعمالهم وظهرت مسرحياتهم وهي تنصف بالابتكار.
واضاف : اما السلبيات التي افرزتها العروض المسرحية بالذات، فهي: اولاـ توضح افتقار عدد من المخرجين الشباب الى المعرفة بحرفيات الاخراج المسرحي وتقنياته وهنا اركز على عدد من الصفات المرفوضة ـ التكرار الذي يدعو الى الملل والثرثرة في الكلام والحركة التي اتصفت بها معظم العروض، كما ان الكلام المستمر وعلى وتيرة واحدة لايصال معان قليلة مشوش ايضا وهنا لااستثني عرضا واحداً من الثرثرة لا العروض العراقية ولا العربية الاخرى، وثانيا ـ لعل اضعف ما في عروض المهرجان هو تقنيات الاضاءة وهنا ايضا لا استثني عرضا معيناً فقد كان الظلام او الاضاءة الخافية عاملا مهيمناً حتى اننا وجدنا صعوبة فائقة في مشاهدة وجوه الممثلين وتبين تعابيرها والغريب ان معظم العروض استخدمت الاضاءة الجانبية بدلا من العلوية وبدرجة (45) زاوية لسقوط اشعتها وهي الوسيلة لتوضيح ملامح الوجه ولا تظهره مشوها كما شاهدنا، وثالثا ـ الضعف الواضح في الالقاء والتلفظ فقد غاب التوضيح حيث اننا لم نفهم معظم الجمل التي يلقيها الممثلون وحتى ان كانت باللهجة العراقية على سبيل المثال: وبالطبع كان لطبيعة بناية المسرح الوطني ومسرح سينما سميراميس اثرهما في عدم التوضيح حيث ان البنايتين لم يتم تصميمهما لتقديم الدراما وكان على المخرجين ان ينتبهوا لذلك، ورابعاً ـ الضعف الواضح في اغلب نصوص العروض المسرحية اذ حتى تلك التي اعتمدت على كتابات مؤلفين مقتدرين امثال الراحل (سعد الله ونوس) فقد تم تحريفها او الانتقاص في ثيمتها الادبية والفكرية، وخامساً ـ كان مستغربا ان يستخدم البعض من المخرجين العزف الحي على الالة الموسيقية مع المؤثرات الموسيقية المسجلة وحبذا لو كان ذلك مبرراً كان يكون العازف شخصية من شخصيات المسرحية ولكن للاسف لم نلحظ ذلك، وسادساً ـ كان الافتقار الى التبرير المنطقي او الفني هو السائد على معظم العروض المسرحية وتمثل عدم التبرير في جميع عناصر الانتاج ابتداء من اداء الممثلين الذي اتصف بالتصنع والمبالغة في كثير من الاحيان وحبذا لو كان التصنع والمبالغة مقنعاً او مبرراً وظهر عدم التبرير في مفردات السينوغرافيا في العديد من العروض.
فيما قرأ الفنان عزيز خيون بحثه (محافظة البصرة انموذجا) الذي اشار فيه الى (مهرجان المسرح الجامعي العربي في البصرة) مؤكدا فيه على ضرورة شطب تسمية (مسرح المحافظات) واطلاق تسمية (المسرح العراقي في المحافظات) لان العنوان الاول يشير وكأن مسرح المحافظات منطقة مسرحية اقل، او مسرح هامش.
وقرأ الدكتور يوسف رشيد بحثه الموسوم (قراءة في مخرجات الموسم المسرحي) قال فيه : كان اللافت للانتباه ومما يدل على الاستقرار النسي في صورة المشهد المسرحي هو اقامة مهرجانات مسرحية دولية لاول مرة بعد التغيير في 2003 في اربع محافظات هي : بغداد، البصرة، الديوانية واربيل، وبمشاركة دول عربية واجنبية.
اما الدكتور حسين علي هارف فقرأ بحثا بعنوان (مسرح الطفل العراق.. الحقيقة الزائفة) اشار فيه الى : تميز الموسم المسرحي العراقي لعام 2012 على مستوى مسرح الطفل بهبوط نسي بالقياس الى النشاط المتزايد منذ عام 2003 والذي اخذ خطه البياني بالتصاعد تدريجيا حتىوصل ذروته عام 2010، موضحا ان مسرح الطفل ليست له قاعدة جماهيرية وهو لا يسعى بهذا الاتجاه وليست هناك خطة مدروسة لصنع جمهور مسرحي لهذا المسرح، وستتحول عروض مسرح الطفل الى مجرد نشاط رسمي دعائي مزيف.
وختم الجلسة الاولى الناقد عباس لطيف الذي قرأ ورقته النقدية التي حملت عنوان (اشكالية الراهن المسرحي من التنوير الى التفسير) قال فيه : موسم 2012 لم ينقطع عن ما جرى خلال السنوات التسع الماضية، وأهم ظاهرة هي ان المسرح العراقي وجد نفسه ازاء تلقي عصيب، هناك ازمة او تأزم في سايكلوجية التلقي في هذه المرحلة، وهذه ترسبات عن الواقع السيسيولوجي والسياسي والاقتصادي وحتى الايدلوجي لان هناك قوى سياسية اندثرت واخرى صعدت بايدلوجياتها وخطابها السياسي، هذه الاشكالية ازاء التلقي صنعت عن المتلقي المسرحي وحتى المثقف ان يتحدث المبدع عن قضية تبشيرية مضمونية، بمعنى ان العروض كانت تتمركز حول المضامين فقط الذي ادى الى غياب الشكل المسرحي والمغامرة الجمالية في العرض وصولا الى لحظة الدهشة في العرض.
وفي الجلسة الثانية التي ادارها المخرج كاظم النصار، قرأ الدكتور ميمون الخالدي بحثه الذي اشار فيه الى الاعمال المسرجية التي قدمت خلال مهرجان بغداد المسرحي للشباب العربي، مشيرا الى العديد من الملاحظات الموضوعية في اعمالهم ومطالبا اياهم بالتعلم من الكبار وممن سبقوهم.
فيما قرأ الدكتور هيت عبد الرزاق بحثه المعنون (الحلول البراغماتية وغياب مشروع المسرح العراقي) قال فيه : المسرح العراقي يشتغل خاج مشروع فكرة المسرح الكبير الممتد الى احشاء المدينة والدولة، وخارج مشروع التخطيط والجدوى والميزانيات،لان ليست هناك مطالبة واعية وتخطيط للاشتراك بمشروع الدولة بل هناك مطالبات براغماتية قصيرة الامد وعشوائية ومزاجية لتحقيق رغبة وشغف وتسول المشتغلين على هذه المهنة.
اما الدكتورة الفنانة ليلى محمد، فقد كان بحثها تحت عنوان (الكوريغرافيا ومسرح اليوم) جاء فيه : ان ما يميز الكوريغرافيا في المسرح العراقي اعتماده على القدرات الشبابية الهاوية، حيث تميز موسم 2012 بحضور للجسد الكوريغرافي يستحق التوقف والمشاهدة، فاغلب هذه العروض نزعت نحو الحركة الجسدية بشكل عام، تلك الحركة التي تعبر عن واقع الشباب العراقي عموما، فهذه الاداءات تهدف الى تفعيل جسد الممثل وتحريكه، ذلك الذي يعد اكبر وأهم علامة سيميائية تمثل المركز في العرض المسرحي.
وقرأ الدكتور محمد حسين حبيب بحثه الذي يحمل عنوان (المسرح العراقي في المحافظات.. تأملات في حصاد عام 2012) : جاء فيه : كان عام 2012، بحصاده المسرحي (النوعي والكمي) بمثابة عطاء فني متواصل مع ما سبقه من عطاءات مستمرة ومتراكمة نتيجة الحقبة السابقة، مع ظهور التنافس المسرحي ما بين المحافظات العراقية والعاصمة بغداد بعد ان عادت الحياة المسرحية فيها عروضا ومهرجانات.
فيما قرأ الناقد المسرحي صميم حسب الله بحثه الذي كان تحت عنوان : قراءة تأملية في مهرجان بغداد المسرحي* جاء فيه : تعاني الثقافة المسرحية في العراق من التهميش كما هو الحال مع مكونات الثقافة الاخرى ويعود ذلك على نحو خاص الى عدم قدرة القائمين عليها على تفعيل الخبرات المتراكمة للعديد من الفنانين والاكاديميين من اجل بناء ثقافة مسرحية رصينة تثبت حضورها في المجتمع.
كما قرأ الناقد سعد عزيز عبد الصاحب بحثه الموسوم (الموسم المسرحي 2012 ومهرجاناته / قراءة في المتحقق) جاء فيه : ما جدوى هذه العروض، اعني جدواها الثقافية والفكرية وحتى الاقتصادية الربحية، وهل تدخل ضمن ستراتيج ثقافي مؤسساتي معين ام نحن ما زلنا نعمل هكا بلا تخطيط او خرائط طريق تهدينا لصيرورة وبلورة ثقافة وفنون مجتمعنا على وفق الاسس العلمية، ومن اين سنأتي بالاموال اللازمة لادامة عروضنا وربرتوارنا اذا ما رفعت الدولة يدها ودعمها لقطاع المسرح وخصخصته واذا ما انتهت ايام بغداد عاصمة للثقافة العربية.
وختم الندوة الصحفي عبد الجبار العتابي ببحثه الموسوم (الصحافة والمسرح العراقي) : خلص فيه الى ان الصحافة العراقية غائبة عن الفعل المسرحي الحقيقي بالشكل الواقعي والحقيقي الفاعل، والسبب في الصحافة ذاتها التي لم تنتج بعد صحفيين على قدر كبير من الحب للمسرح، لم تنتج الذين بامكانهم ان يمسكوا الخيوط ويستخدموا الادوات التي تكفل اثراء العملية بما يعطي للمسرح نجاحه المضمون وتطوره المؤمل، ليس هنالك عدد كبير من الصحفيين الذين نجدهم في كل مناسبة او عرض مسرحي على اهبة الاستعداد للمتابعة والقراءة المتقحصة التي تعطي انطباعا واضحا للقاريء يفهم من خلاله قيمة المسرح ومن ثم يحفزه ليكون مشاركا في العرض المسرحي ومتفاعلا معه ضمن حدود صالة العرض.
كما تمت استضافة مخرجين شابين من بين مجموهة الشباب الذين قدموا اعمالا مميزة خلال الموسم، هما غسان اسماعيل ومحمد مؤيد، نوع من التكريم لهما على الجهد الذي بذلاه ومن معهما من الشباب في اثراء المسرح، وقد دافع المخرجان عن الاسلوب المسرحي الذي اتبعاه مؤكدين انهم تعلموا من اساتذة فنانين واكاديميين وما زالوا يتعلمون.
وكان مسك ختام الندوة عرض مسرحي قدمه محترف بغداد المسرحي بعنوان (4 blak) تأليف صلاح منسي واخراج اكرم عصام وتمثيل : امنة خالد ومينا فارس وريتا كاسبر ونوال احمد، وتناولت حرية المرأة ورفضها لعبودية الرجل.