عبدالجبار العتابي من بغداد: جددت اسرة الشاعر العراقي الراحل مصطفى جمال الدين رفضها لنقل رفاته من دمشق الى النجف، لاسباب وضحها نجله الشاعر محمد، الذي اشار الى ان الاسباب التي تجعل الاسرة تمانع نقل الرفات موضوعية، مؤكدا ان الضريح المميز بمعماره وشكله ونقوشه اصبح مزارا لمختلف الجنسيات، فضلا عن الشاعر الراحل لم يذكر في وصيته نقل رفاته خارج دمشق التي يعتز بها وبأهلها كما اوضح ان بقاء قبر الراحل ومثله قبر شاعر العرب الاكبر الجواهري في دمشق ليكونا شاهدي عصر على قسوة النظام العراقي الطارد للمبدعين الكبار.

وقال الشاعر محمد نجل الشاعر الراحل مصطفى جمال الدين: الامر.. هو ليس ممانعة بقدر ما هو الاشارة الى الموقع الذي عرف به مصطفى جمال الدين كضريح وقبر ومزار في الوقت الحاضر في العاصمة السورية دمشق، فأصبح ضريحه مزارا لكل مواطني الدول التي تزور دمشق من جنسيات مختلفة عندما يزورون (السيدة زينب) ويدخلون الى مقبرة السيدة زينب الجديدة، التي يسميها البعض (مقبرة الغرباء)، وانا لا اسميها بهذا الاسم لان الذين فيها ليسوا غرباء بل ان 80% من المدفونين فيها من العراقيين، مثلما فيها سوريون ومن جنسيات مختلفة، فضريح السيد مصطفى صار دلالة منذ ان انشيء عام 1996 الى اليوم، وهذا المزار لمن يزوره يلاحظ الفن في معمار الضريح الذي توشح بالشعر، من قلائد شعر السيد مصطفى، فهناك على واجهة الضريح مطلع قصيدته في بغداد (بغداد ما اشتبكت عليك الاعصر / الا ذوت ووريق عمرك اخضر)، ومن الجانب المقابل لضريح شاعر العرب الاكبر الجواهري تجد بيت شعر (نحن العراق شموخه واباؤه/ وكريم ما اعطى بنوه وانجدوا)، ومن الجانب المواجه لمرقد السيدة زينب نلاحظ حنينه الى الوطن عبر بيتين من الشعر (ويا وطنا لو ان الخلد ازرى برونقه لقلت له حسود)، ومن الجانب المقابل للباب هناك تعريفه للوطن.

واضاف: ما يضمه هذا المزار يوضح مدى التعب الذي بذلناه في بنائه فضلا عن الفن في داخل الضريح، حيث تجد 300 بيت شعر مختارة من شعره حفرت على الرخام بأيدي فنانين سوريين نحاتين فضلا عن خطاط مشهور في سورية، فضلا عن ان متطلبات نقل الرفات كثيرة، فهناك لابد من اجراءات عديدة للنقل اذا ما فكرنا في النقل، منها المفاتحات بين وزارة الخارجية السورية والخارجية العراقية وصرفيات مالية طائلة، انا ارى، مع شكري لكل من تحمس لنقل الرفات، ان بقاء الرفات في دمشق افضل، فضلا عن مواجهات داخل الاسرة ذاتها، فنحن ابناء مصطفى جمال الدين ثمانية ابناء، ربما من الصعوبة ان يوافق جميعهم على هذا المقترح اذا ما تبناه أحدنا، وبشكل عام نحن كعائلة نريد بقاءه هناك مهما تكن الظروف، ولكننا نرى هناك بدائل اخرى، مثل ان يعمل الاخر لمصطفى جمال الدين وللجواهري ايضا مركزا ثقافيا او صرحا علميا في النجف، مدينتهما، يحفظ تراثهما، وانا شخصيا ألتقيت بالسيد محافظ النجف في بيته، وقال: نحن لدينا تخوف من الاحداث الحالية في سورية وربما يتعرض القبر الى الهدم، انا اجبته: ليكن قبرا الجواهري ومصطفى جمال الدين شاهدي عصر على قسوة نظام ابعد الثقافة العراقية والنخبة الثقافية العراقية، هذان سيكونان ايضا شاهدي عصر على لؤم او حقد اخرين اذا ما تعرض القبران للهدم فعلا.

واوضح محمد: لم نجد في وصيته ما يشير الى نقل رفاته في العراق بقدر ما كان يعرف انه سيدفن في سورية، فالراحل كان كان يعتز بدمشق، وحسب ما سمعت من مقابلات كثيرة معه، انه ما كان يجامل بقدر ما، انه يقول وجدت طيبة الناس، والحفاوة التي استقبلنا فيها الشعب طيلة السنوات التي عاشها في سورية ويقول عنها: كأنني اعيش في العراق او في النجف ولم اجد نفسي غريبا، لذلك كان اعتزازه من هذا الجانب حيث انه عاش في سورية من عام 1984 لغاية 1996، اي نحو 12 سنة عاش في سورية، ولما توفى تم تشييعه بما لم تشهد دمشق مثل تشييعه الذي اشتركت فيه كل الفئات من عراقيين وسوريين وعرب والادباء العرب ومسؤولين سوريون، انه مات 23 / 10 / 1996، بينما الجواهري مات في 28 / 7 / 1997 مصطفى جمال الدين مات عن 69 عاما فيما الجواهري مات عن 100 عام !!.

ولد الشاعر مصطفى جمال الين سنة ( 1927) في قرية المؤمنين، وهي إحدى قرى مدينة سوق الشيوخ، التابعة لمحافظة الناصرية ( جنوبي العراق )، رس في كتاتيب قرية المؤمنين، ثم انتقل إلى ناحية كرمة بني سعيد لمواصلة الدراسة الابتدائية، فأكمل منها مرحلة الصف الرابع الابتدائي ثم هاجر إلى النجف الأشرف لدراسة العلوم الدينية، فأكمل مرحلتي المقدمات والسطوح ثم انتقل بعد ذلك إلى مرحلة البحث الخارج، وأخذ يحضر حلقات آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي ( قدس سره ) فعرف بين زملائه بالنبوغ المبكر والذكاء الحاد، حيث كتب تقريرات أستاذه في الفقه والأصول.عُيِّن معيداً في كلية الفقه في النجف الأشرف لحيازته على المركز الأعلى بين طلبتها الناجحين، وذلك في سنة ( 1962 م ) ثم سجَّل في مرحلة الماجستير بجامعة بغداد سنة ( 1969 م )، وبعد ثلاث سنوات من البحث والدراسة حاز على شهادة الماجستير بدرجة ( جيد جدا) وبعد عام ( 1972 م ) عُين أستاذاً في كلية الآداب بجامعة بغداد، فذاع صيته وأصبح معروفاً على مستوى العراق والعالم العربي وبعد ذلك حاز على شهادة الدكتوراه بدرجة ( ممتاز ) من قسم اللغة العربية، وذلك في عام ( 1979)، هاجر من العراق عام ( 1981 م ) إلى الكويت بسبب ضغط نظام صدام حسين ومن الكويت سافر إلى لندن، وفي العام 1984 انتقل الى سورية التي كانت آنذاك ملاذا آمنا لكل العراقيين الفارين من بطش النظام واقام فيها الى ان وافته المنية رحمه الله.