يوسف يلدا من سيدني: كانت الأرض قد إنشقت تحت قدمي مخرج عروض الأوبرا الفرنسي ميشال روستان يوم 25 إكتوبر من عام 2003: في ذلك اليوم فقد روستان إبنه الوحيد. وفي محاولة إخراج حُزنه، جسّد هذه الصدمة في quot;الإبنquot;، رواية عن رحيل مفاجئ، تُعد رغم عمق المأساة، إنشودة حزينة ومؤثرة للحياة.
خلال لقاء أجرته معه وكالة الأنباء الإسبانية quot;إيفيquot; بمناسبة صدور النسخة الإسبانية من الرواية مؤخراً، كرر روستان (1942، آرل، فرنسا)، ولعدة مرّات جملته: quot;فلتحيا الحياة، رغم كل شئquot;، وهو ذات الشعار الذي يرد في روايته الفائزة بجائزة غونكور للرواية الأولى عام 2011، والتي ترجمت الى 16 لغة.
كتاب يروي الأسابيع الأخيرة من حياة ليون، إبن روستان الذي توفي نتيجة إصابته بإلتهاب السحايا، وهو لا يزال في الحادية والعشرين من عمره.
ولكي يستمر التواصل مع إبنه الراحل، يعيد الفنان الفرنسي تصوير أحداث موته وجنازته، ولحظات الوداع القاسية، وما رافقها من عذاباتٍ ومعاناة، حتى يقرر هو وزوجته نثر بعض من رماد إبنهما في آيسلندا، البلد الذي أراد أن يكون الهدف لإكمال دراساته.
وتكمن أصالة هذه الرواية في إتخاذ quot;البطلquot; الميت، نقطة البداية: ليون هو الراوي الذي يتحدث عن نهايته، وعن أحزان والدته، مارتينا، وبصورة خاصة، عن آلام والده، المؤلف.
يؤكد روستان الذي كتب رواية quot;الإبنquot; في عام 2008، إثر تقاعده عن العمل، بعد مسيرة موسيقية دامت 40 سنة، أمضى 13 منها في مسرح quot;كيمبرquot; في كورنوول في بريطانيا، والمقتنع تماماً أنه سوف لن يكون أبداً في كامل سعادته، بعد موت نجله على: quot;أن هذه الرواية هي من نسج الخيال، لأن إبني لم يتحدث إليّ، إطلاقاً، بعد وفاتهquot;.
وعلى إمتداد أحداث الرواية نلتقي بروستان، ولكن من خلال عيون إبنه، وحنانه، ومفارقاته، واحياناً ملاحظاته النقدية. يفاجئنا وهو يفتش في أوراقه، ويعيد قراءة كتاباته الصفية، أو يستمع الى الرسائل في هاتفه الخلوي، بقلبٍ مكسورٍ حزين.
وفي لحظة تأمل، يتحدث روستان عن صعوبة تجاوز الفاجعة، والعودة الى حياته الطبيعية، بسبب من الحزن العميق الذي لا يمكن مواساته، لفقدان إبنه، من جهة، والإنتشار الواسع الذي حققه الكتاب من جهة أخرى، والذي يعد بمثابة التعويض عما أصابه وعانى منه، بعد أن رحل ليون، ومن دون رجعة.
يوضح روستان لوكالة quot;إيفيquot; قائلاً: quot;لم أكتب هذه الرواية، إطلاقاً، للتنفيس عن معاناتي، بهدف الشفاء من جروحي وآلامي، ولا أن تكون تجسيداً لإستمرارية وجوده بين ثناياهاquot;. وعلى الرغم من ذلك، يرى أنه محظوظ جداً لخزين الذكريات الجميلة التي يحملها عن إبنه، والتي تقاسمها معه على مدى سنواتٍ عديدة، وللحب الذي يربطه بزوجته، والتي: quot;مثل تجربة فظيعة وصدمة مؤلمة كهذه، غالباً ما تؤدي الى إنهيار العلاقة بين إثنين، لأنه بموت الأبناء، يموت الآباء أيضاًquot;. ويرى روستان كذلك، أن الحياة فتحت قلبها له، ومنحته الأمل والقدرة على العودة الى العمل، بعد تلك الأحداث المأساوية. وفي لحظات إستعادة ما قدمه من أعمال، إنتبه الى أن جلّ تلك الأعمال كانت تستعين بالموت محوراً للأحداث التي تتخللها. عن هذه الصدفة التي ربطت بين منجزاته الفنية يقول روستان: quot;على نحوٍ ما، بدت كما لو كنت أعدّ نفسي، منذ بدايات مسيرتي الفنية، للتمرن والتهيؤ الجسماني والفكري، لتلقي صدمة قوية كهذه. لا أريد القول أنني كنت مستعداً لوفاة إبني، لكن حالة الإستعداد هذه جعلتني أتلقى الخبر- الفاجعة بصورة أقل وطأةquot;. ومع ذلك، يعتقد روستان الذي كان يعمل بصفة أستاذ فلسفة، قبل أن يكون موسيقياً: quot;إننا جميعاً نفتقر الى المشاعرquot;. مؤكداً على: quot; أن فقدان إبن، هو بمثابة عذاب مطلق، وغير متوقع أبداًquot;.
وعندما يلقي ميشال روستان، البالغ 70 عاماً، نظرة الى الوراء، يرى أنه كان محظوظاً للغاية، لأنه من بين أحلام طفولته الثلاثة، تحقق حتى الآن إثنين منها: أن يكون كاتباً، ومن ثمّ موسيقياً. ويتبقى حُلماً واحداً: أن يكون مصارع ثيران. غير أن ذلك الحلم سوف لن يتحقق، حسب رأيه، لأنه طاعنٌ في السن.
يختتم روستان اللقاء بإبتسامة، وحزن يطلُّ من عينيه، قائلاً: quot;فلتحيا الحياة، رغم كل شئ! هوذا إسلوب الحياة الذي يجب أن نسير عليه في عالمنا اليوم. هذه هي الحقيقة، على الرغم من قساوتها، وبصورة خاصة،عندما يكون إبنك قد قضى نحبهquot;.