الياس توما من براغ : يختلف الشاعر التشيكي الكبير ياروسلاف سيفيرت عن غيره من شعراء بلاده ليس فقط في تعدد مواهبه حيث كان أيضا صحفيا و مترجما ومؤلفا للنثر وإنما أيضا في انه حصل على جائزة نوبل للآداب في عام 1984 الأمر الذي جعل الشعر التشيكي من خلاله يطل على العالم من أوسع الأبواب.
سيفيرت الذي مرت قبل عدة أيام الذكرى الثانية عشر لرحيله أنحفر في ذاكرة الشعب التشيكي وربما العالم كشاعر كبير للحب وللعدالة وللوطنية وللإنسانية الأمر الذي جعله بالنسبة لشعبه على الأقل كنزا ثقافيا حيا ولذلك استحق جائزة نوبل حسب ما يعتقده المخرج السوري موريس عيسى الذي ترجم في عام 1985 قصائد مختلفة من دواوين الشاعر نشرت من قبل اتحاد الكتاب العرب في دمشق في عام 1985 تحت عنوان quot;عاشق من براغ quot;.
حياة الشاعر وقصائده تختزل التاريخ التشيكي في الفترة التي عاش فيها أي من عام 1901 حتى عام 1986 ولذلك فان قراءة قصائده والدواوين المختلفة له تمنح القارئ فرصة نادرة للإطلال على تاريخ تشيكيا بمختلف تشعباته وتعقيداته وأحيانا مأساويته لكن ليس بشكل مباشر وإنما عبر الشعر والكلمات الحساسة التي يختارها الشاعر لإيصال موقفه.
أول الأعمال الشعرية لسيفيرت صدرت في عام 1921 تحت عنوان quot; مدينة في الدموع quot;وكانت واضحة في الالتزام الطبقي لكاتبها بالبروليتاريا أما أخر أعماله فكانت quot; أن تكون شاعراquot; أما ما بينهما فكان 23 ديوانا متخمة بالحب والدموع والأمل وتخليد اللحظات البطولية في التاريخ القديم لبلده أو المعالم البارزة لحضارته أو الصفات المميزة لطبيعته وكذلك براغ العاصمة الرمز التي كانت محبوبة الشاعر الأولى التي خلدها من خلال عدد كبير من القصائد منها على سبيل لمثال لا الحصر
quot; أبيات من سجادة مطرزة quot; حيث يقول فيها:

براغ

من رآها ولو لمرة واحد فقط
يظل اسمها يصدح في قلبه إلى الأبد
فهي بذاتها أغنية منسوجة في الزمان
ونحن نعشقها
فلتصدح
لقد أسندت ذات يوم وجهي
إلى حجر في جدار قديم بالقرب من قلعتها
فتناهى إلى سمعي فجأة
هدير بعيد كئيب
كان ذلك صوت القرون الغابرة
ولكن ذلك الحجر الطري الرطب
المقطوع من ( الجبل الأبيض ) _منطقة في براغ
همس في أذني برقة
امض،
ستكون مسحورا،
وغن فلديك من يسمع
ولا تكذب
مضيت ولم اكذب،
إلا الشيء القليل
عليكن يا حبيباتي.
وعلى الرغم من أن الشاعر قد عاش عمرا متقدما نسبيا إلا انه يلاحظ بان عملية توديعه للحياة قد ظهرت في وقت مبكر نسبيا أي لنحو عشرين عاما قبل وفاته الأمر الذي جعله يبدع الكثير من القصائد والدواوين المؤثرة في هذا المجال منها قصيدة تحمل عنوان quot; نبذة عن حياتي quot; لخص فيها الشاعر بحس مرهف حياته وتأملاته واستعداده للموت حيث يقول يقول فيها :
كنت اقرأ الشعر بلهفة،
وأحب الموسيقى،
وأتوه مأخوذا
من جمال إلى جمال.
وما كدت المح لأول مرة
صورة امرأة عارية
حتى رحت أؤمن بالعجائب

هربت مني الحياة بسرعة
كم كانت قصيرة
لرغباتي الطويلة
التي لا آخر لها.

وقبل أن أتمالك نفسي
دنت مني نهايتها

قريبا يرفس الموت بابي
ويدخل،
في تلك اللحظة احبس أنفاسي
رعبا وجفلا
ثم أنسى أن أتنفس.
ولكن ليتني لا احرم عندما
يأتي أجلي
من أن اقبل
يدي تلك التي سايرت بصبر خطواتي
ومشت ومشت ومشت
وأحبتني كل الحب.