شعر: كريم دةشتى
ترجمة المهندس محمد حسين رسول


1
أيها الصديقُ
لا تضربْ قلبَ الثرى بكلِّ هذا الأَيْدِ
سيقتُلُكَ الظِّلُّ الخَصِرُ وآفةُ الغربةْ
قالَ آهورا
اشتقتُ إليكَ أيها الترابُ
أخشى أنْ يكونَ قلبُكَ قد انْخَرَمَ ثُغورا
2
أنا إله لا مُكْنَةَ لي على خلقِ أَحَدٍ
ولا سَطْوةْ
قالَ آهورا
منْ يحملُ عِظَتي في روحهِ
خالدٌ هوْ
ومنْ يودِعُها في يدِ الريحِ
يموتُ كلَّ ساعةٍ خلفَ الأحجارِ

3
عَرَضَ الجيادُ ذواتَهُمُ معاً
أمامَ الشمسِ فوقَ التلالِ
يرنونَ بعيونِهِمُ السوداءُ الجميلةُ في الشمسِ
قالَ آهورا
الجيادُ ذكرى الألهِ فوقَ الأرضِ
لذا أنا والجيادُ نُحَدِّقُ في الشمسِ أبدا
نحنُ جِئنا مِنْ بعدِ مُقبِلِ الأيامِ
نحنُ شذىً لا ماضيَ لنا
كانَ آهورا يقولْ
حينَ يعودُ الأنسانُ من الآتي
الى الأيامِ الخَصِرةِ للتأريخْ
فهوَ موجودٌ
لكنْ لا ماضيَ لهُ البَتَّةْ

5
حينَ وقفتُ
عندَ أزهارِ القُطنِ ونظرتُ الى المَدْفَنِ
تساءلتُ ماذا أنا؟
نَطَقَتْ زهرةُ قُطنٍ و قالتْ
أنتمُ البشرُ
والبشرُ يشحذونَ المناجلَ دوما

6
في زحامِ البشرِ توقفَ آهورا قليلاً
تَفَرَّسَ في شُعاعِ الشمسِ
كانَ يخاطبُ نفسهُ ويقولْ
يستطيعُ الأنسانُ أن يُنَظِّفَ كلَّ شىءٍ
كيما يلتمعَ مثلَ الشمسِ
لكنْ آهٍ
لا يستطيعُ أن يُطَهِّرَ قَلْبَهْ أبداً

7
وإني وإنْ كنتُ أنا مَلِكَ الأرضينِ وناسكاً بوذيا
وإني وإنْ كنتُ عابداً ضائِعاً في رمالِ الصحراءِ
أو نوراً في عيونِ ميديا
الختامُ هوَ أَنِّي إنسانٌ أبدا
وقدمي على الترابِ
كانَ آهورا يقولُ
أنا لَمْ أُخْلَقْ للتحليقِ
ميديا:

8
حينَ انْحَدَرْتُ داخلَ وادٍ ذي ألفِ لونٍ
بينَ سلاسلِ الجبالٍ
أيُّما رأيتُهُ كانَ مذهولاً فَزِعاً يَجْفَلُ
قالَ آهورا
أيها الأنسانُ ما أجهلَكْ
نحنُ حَصْراً نعرفُ كلَّ شىءٍ
قبضاتُنا يتقطَّرُ منها الدمُ
نفتقرُ الى مِرآة نَرى فيها أنفسَنا
قلوبُنا مليئةٌ بالمقتِ مليئةٌ بالهَرَعِ
لكنّنا من شدةِ وَهْنِنا نبكي

9
كنتُ أنا أتوجَّهُ الى دارةِ الألهِ
فوقَ ذلكَ الصخرِ المخرومِ
الذي يُشبِهُ روحَ الأنسانِ
وإنْ كانَ استُهْدِفَ بسهمِ الشكِّ
ألفَ ألفَ عامْ
قالَ آهورا
حينَ وضعتُ قدمي على عتبةِ بابِ الألهِ
ذابَ جسَدي وصرخْتُ
ما أبعدَ بيتِ الألهِ
ما أبعدَهُ ما أبعدَ بيتِ الألهِ
لا يمكِنُُنا الأمساكُ بالغيبِ
ألعَناءُ مهنةُ الروحِ

10
في أواخرِ الخريفِ
بينما كانتْ أوراقُ الأشجارِ القليلةِ الباقيةِ
على الأغصانِ والفروعِ تمسحُ دموعَها
ابتدأتْ في معبدٍ جبلي وقبةٍ فضيةْ
صِناعةُ الريحِ والحاصِبِ
أشعلَ إنسانٌ فرعاً يابساً
قالَ آهورا
ألانسانُ دائما يُشعِلُ النارَ
لكنهُ لا يُطْفِئُها أبدا
أيها الأنسانُ
إنْ كنتَ في المعبدِ
كنْ صادِقاً وأشعِلْ نفسَكَ
كيما ينتهيَ ظلامُ آلافِ السنينِ في قلبِكْ

11
يجىءُ ثمَّ يذهبُ ولا يعودُ أبدا
ليسَ للزمنِ أَوبَةْ
كانَ آهورا يقولْ
إنكَ وإنْ عُدتَ
فَهْيَ لألتقاطِ جثامينِ السنينِ والشهورِ
عودتُكَ
هَي ليعرفَ الأنسانُ
أنَّ الزمنَ لايُجْرِي التوديعَ
ألزمنُ والأنسانُ على خِلافْ
سيأتي يومٌ يقتُلُ فيهِ أحدُهُما الآخرُ


12
تَجالَسَ الأطفالُ كُلُّهُمُ
رسَموا شكلَ أبيهمْ على الترابِ
لكنهمْ كانوا يُزيلونَهُ على عَجَلْ
كانَ آهورا يقولْ
الأطفالُ قبلَ أنْ يَكْبروا
يُزيلونَ شكلَهُمُ اليقينْ

13
باكراً في صباحِ الغابةِ
شرِبَ رشفةً منْ ماءِ الصنوبرِ
قطفَ حبةً واحدةً من الكرزِ الأحمرِ
وابتلعَها
تذكَّرَ آهورا
أنَّ الكرزَ لهُ لونُ الدمْ
منذُ اليومِ ذاكَ الدنيا مليئةٌ ببُقَعِ الدمْ
تركَ آهورا الغابةَ ولمْ يعدْ أبدا

14
مضى الوقتُ أيها الأنسانْ
لمْ تكْفِكَ كلُّ السنينِ والشهورِ
إنكَ قَدْرَ ما تركُضْ لنْ تصلْ
أنتَ صغيرٌ جداً لكنِ الكونُ هذا لا يَسَعُكْ
كانَ آهورا يقولْ
بغيرِ حفناتٍ من الترابِ
لنْ تمتلىءَ عينُ الأنسانِ أبدا

15
كانَ آهورا يقولْ
منذُ اليومِ الذي كنا نكمنُ لبعضنا أنتَ وأنا
أُغْلِقَ كتابُ الحكمةِ
وعاد الحكماءُ الى السماءْ
يطوفُ الأنسانُ الآنَ ناقصَ الحكمةٍ على الترابِ
يكتبُ كتابَ العذابِ
هل أنا آهورا أم أحدُ صعاليكِ الغابةْ؟

16
يَغْتَمُّ آهورا أحيانا
يضعُ قبضةً من الجفيفِ على كَفِّهِ
ويتذكَّرُ نفسَهُ في الموتِ
يُغني أغانيهِ الغابِرةْ
آهورا دوما في حُزنهِ على المَوتِ
يمتلىءُ قلبُهُ بالأغاني
يُواسي نفسَهُ بالأوراقِ النديةْ

17
كانَ آهورا داخلَ ضبابِ الأنسانِ
لمْ يكنْ يميزُ الشمالَ ولا الجنوبَ
لمْ يكنْ يفقَهُ الشروقَ ولا الغروبَ
كانَ هوَ دوماً يقولْ
منْ كانَ طَوِيَّتَه المصيرُ
يجبُ أنْ يعيشَ في الضبابِ

18
حينَ نزلتُ داخلَ الضبابِ
كانتِ النجومُ بالكادِ تُرى
كانتِ الأنهارُ جَفَّتْ
ألأشجارُ تَقَصَّفَتْ والدروبُ عَمِيَتْ
ماذا أفعلُ؟
هل أعود الى ما كنتُ عليهِ أم أتوقفُ؟
ألعودةُ موتٌ
والتوقفُ موتٌ آخرُ
إني اخترتُ نفسي
وحَطَّمْتُ زُجاجَ الضبابِ
كانتِ الشمسُ على الجانبِ الأخر
قدْ أطلقتْ شُعاعَها توا

19
توقفَ آهورا تحتَ مطرٍ زَمْزَمٍ
وعاصفةٍ ثلجيةٍ بيضاءَ بيضاءْ
وصرخْ
أيها المطرُ
فتحَ الترابُ حَضْنَهُ في تَرَقُّبٍ بعيدْ
لاتندفعْ الى قلبهِ سِراعا
أخشى أنْ يموتَ فَرَحا
أيتها العاصفةُ الثلجيةُ
دعي غابةَ القصبِ تُغَنِّي نايَها
أُوّاهٍ المطرُ مُسرعٌ
لايُتيحُ استمرارَ عطرِ الترابِ
والأنسانُ ليسَ كُفُؤاً في أَداءِ أغنيتِهِ أبدا

20
الُمحيطونَ بآهورا
لا يعرفونَ السؤالَ أبدا
لِمَ تَخْرَسُّ ألسنَتُهُمْ
تتداعى قلوبُهُمْ
مِنْ أجلِ ماذا يفورُ النورُ منْ عيُونِهُمْ
ولكنْ حينَ يضيعُ آهورا
يعلمونَ لِمَ تَشُلُّ أياديهِمُ
وتنطفىءُ نارُ قلوبهمْ
لِمَ يجري دمُهُمْ
هكذا بتَوانٍ
إنهمْ لا يعلمونَ أنَّ آهورا
وَهْمٌ وخيالُ نورٍ ليسَ إلاّ

21
كانَ ذلكَ في بدايةِ الربيعِ
كانتْ سنبلةُ القمحِ في الحقولِ
تتحدثُ الى السماءْ
توقفَ آهورا وقالْ
ما أسرعَ ما يُخرِجُ هؤلاءِ رؤوسهمْ
لايعرفونَ أنهم يستعجلونَ موتَهُمْ
تحتَ مِنجَلِ يدِ الأنسانِ
ما أشدَّ براءةِ سنابلِ القمحِ الجميلةْ
بالله عليكمْ لا تستعجلوا
أوَدُّ أن يمكثوا داخلَ عينيَّ الى الأبد

22
منْ هنا تبدأُ أنتَ
ومن ها هنا نفسِهَ تنتهي أنتْ
لُزومٌ عليكَ
أن تَكتُبَ على الماءِ
كي تُصبحَ خالِدا
كانَ آهورا يقولْ
نحنُ كِتابةٌ على الماءِ الماءِ
ليسَ للماءِ توقفٌ
يأخُذُ كلَّ حرفٍ منّا الى وطنٍ ما
ويخُصُّ الشمس بأسرارِنا

23
بيتُ آهورا منْ طينٍ وسطحُهُ من ترابٍ أحمرَ
جدرانُهُ من طوبِ البخورِ
حينَ تَضرِبُ الشمسُ
يلتمعُ تِبْنُ ضميمِ جدرانِِ البيتِ كالذهبْ
كانَ آهورا دوماً يقولْ
قلوبُ كُلِّنا مِنْ طينْ
إنْ لم يكنْ داخلَ القلوبِ
لايعيشُ الوَجْدُ في زُجاجةْ

24
أنتَ مثلُ غُصينٍ مكسورٍ
في هذا البحثِ العَصِّيِّ
تبحثُ عنْ أجزائِكْ
أيها الأنسانُ ما أشقاكَ
أنتَ ضائِعٌ منذُ زمنٍ بعيدْ
قالَ آهورا
عندما ينكَسِرُ الأنسانُ
لن يتلئِمَ بعدَهُ أبدا

25
في ليلةٍ حالكةٍ شتائيةْ
تذكَّرَ آهورا
موتَ شجرةِ خوخٍ أخضرَ
فأجهشَ بالبكاءِ
تحتَ شجرةِ الخوخِ هذهِ
حَلَمْتُ بالألهِ
تحتَ شجرةِ الخوخِ هذهِ
قطفتُ باقةَ نورٍ
تحتَ شجرةِ الخوخِ هذهِ
شرِبتُ رشفةً منْ ماءِ العشقِ
وكانتْ يدُ الأنسانِ
ذهبتْ الى دمِ الألهْ

26
أمامَ مُستوقدٍ خافتٍ
كانتْ جمرةُ عشقٍ تحترقْ
ينبعثُ منها دخانٌ أبيضُ أبيضْ
كانَ كَبِدُها يحترقُ من شدةِ الوجدِ
أينما رأيتمْ دخاناً أبيضَ
فإنه شوقُ وجدي أنا يفورُ
أو هوَ شوقُ العشاقِ

27
ساعةَ كنتُ معهُ
كنتُ أراهُ يتحولُ الى ماءٍ قطرةً قطرةْ
ينسكبُ داخلَ نارِ نفسي
وتمتلىءُ عينايَ بالنورْ
وحينَ كانَ يضيعْ
كانَ سِراجُ عقلي ينطفىءُ

28
وقفتُ على غَديرٍ من زُلالٍ
ونَظرتُ الى الألهِ
كانَ الألهُ في كلِّ مكانْ
حينَ كانتِ الطيورُ تشرَبُ الماءَ
كانَ نورُ الألهِ ينبعثُ منْ أجنحتِهِمْ
قطرةً قطرةْ
وحينَ كانتِ الأشجار تَضَعُ أفمامَها في الماءِ
كانتْ قاماتُها تَزدادُ طولا
ذِراعاً ذِراعا
إنزَلَقَ حَجَرٌ وقَتلَ ضِياءَ الغديرِ
قالَ آهورا حائِراً
سأعودُ الى الغابةِ
لا يَعيشُ الألهُ في ماءٍ عَكِرْ

29
يا آهورا
ألشمسُ على وشكِ الغروبِ
إكسِرْ جوهرةً منْ روحِكَ
وامنَحْها للترابِ
أَنْعِمْ بحبةَ لوزٍ منْ التماعِكَ
على أرواحِنا
وأَعطِ تغريدةً من لسانِكَ
الى القلبْ
نحنَ داخلَ شُعٍّ أبديٍّ
ننتظرُ هُدهُداً نورانياً منكْ
وأنتَ مثلُ ظلٍّ منْ حريرٍ أو ريحٍ من ماسّ
تجتازُ أخيِلَتَنا
ولنْ تعودَ أبدا
عَجِّلْ يا آهورا
تعالَ الحياةُ تدعوكْ
تعالَ ودعِ الأنسانَ يراكَ

30
لا تُشْعِلِ النارَ داخلَ القلبِ
القلبُ موضِعُ الوَجدِ
لا تَنْشُرْ أسرارَكَ
أمامَ الريحِ
وألا سترتَحِلُ منْ بَلْدَةٍ الى بَلْدَةْ
لا تقفْ إزاءَ الكُتُبِ
إفتَحْها
كي تتحرَّرَ الجواهِرُ الأسيرةْ
إنْ قرأتَ الشِّعرَ الجميلْ
تَعْلَمُ حينَها
ماذا فَعَلَ العشقُ بقلبِ الشاعرِ
آهورا قالْ آهورا