نـص طـويـل..
الـجـزء الأول

هـامـش :
هـل حـقـاً تـجـاوزت أحـلامـيّ خـطـهـا الأحـمـرَ؟
كـبـرتُ، وكـسـرتُ طـوق سـاعـة الـبـيـتِ، حـتـى صـار الـفـضـاء سـريـري. وصـوتـي
يـخـرجُ مـن حـنـاجـرِ الـمـتـكـلـمـيـنَ...
يُـسـمَـعُ وقـعَ خـطـاي حـيـثـمـا تـسـيـرُ الـخـطـى، وحـيـثـمـا تـسـتـديـر وردة عـبـاد الـشـمـس تـرانـي.

1
أيـتـهـا الـبـلاد.
أريـدُ أن أُدثـركِ بـالـمـرايـا، لـكـي أراكِ مـن جـمـيـع الـجـهـات.
أنـا الـمـرهـقُ بـتـنـاسـلِ الـمـدن فـي حـقـيـبـتـي.
كـنـتُ دائـمـاً أتـلـصـص مـن ثـقـب الـطـلـقـة عـلـى اصـبـع الـقـاتـل وهـو
يـضـغـط الـزنـادْ.
لـذلـكَ أجـلـسـنـي الـغـيـاب أمـام صـوتٍ كـسـرتـهُ الـقـصـيـدة. عـنـد مـنـعـطـفٍ
يـعـالـجُ الأقـفـال بـالـنـوايـا، هـنـاكً تـركـنـي. وبـقـيـتُ أمـشـي وراء رأس
يـتـدحـرجُ مـن مـكـان لآخـرْ.

تـعـبـتُ مـن لـغـةٍ يـتـقـلـبُ مـزاجـهـا ولـم تـعـدْ تـثـقُ بـي.

أفـتـحُ شـرفـة عـلـى الـنـخـلِ، وأتـركُ الـمـرايـا مـزدحـمـة بـالـواقـفـيـن...
الـقـصـيـدةُ جـرحـي الـذي يـنـدمـلُ وأفـقـأهُ، نـهـرٌ سـمـلـت عـيـنـاهُ ومـازال
يـبـصـر الـطـريـق. دمـيّ الـمـسـفـوح عـلـى قـارعـة سـمـاءٍ تـضـحـكْ...
يـدي الـتـي أغـمـضـتـهـا ومـازالـت تـراكَ...

يـمـحـونـي. ويـشـاعُ أنـي عـدتُ ثـانـيـة لأقـوض الـلـيـل وأصـحـحُ الأقـاويـلَ
فـي فـمـهِ..
أحـكـمُ اغـلاق الـبـاب، وأعـيـد لـلـمـطـر عـافـيـة الـتـكـرار فـي دورة
الـغـيـوم..
أنـا الـخـارجُ مـن ظـمـأ الانـتـظـار لـلـحـظـةِ الـصـادمـةِ، الـمـروض
نـمـر الـخـديـعـةِ، الـبـاعـث فـي عـجـلات الـعـربـةِ خـضـرةُ الأشـجـار.
يـصـرخـون بـي عُـدْ. هـذهِ قـصـيـدة مـفـخـخـة بـالـنـبـاحِ، إيـاكَ وأن
تـفـتـحَ بـابـهـا، إيـاكَ وأن تـكـمـلـهـا. يـنـهـضُ الـمـوتـى مـن مـقـابـرهـم
ويـتـبـعـون خـطـاكْ.

فـي فـمـي بـقـايـا قـهـوة مـرة مـن نـداءٍ مـؤجـل..
فـي بـالـي شـارعٌ مـازالـت تـخـبُ خـطـاهُ..
يـالـيـومـي الـضـريـر،
كـلـمـا أنـهـضُ مـن فـراشـي يـرتـطـمُ بـي ويـسـقـطُ،
أدفـنـهُ فـي مـرآة الـبـيـتِ وأسـرفُ عـلـيـه فـي الـحـكـايـا..
لـيـسـقـط أسـمـكَ أيـهـا الـظـلامُ مـن الـتـفـاصـيـل الـصـغـيـرة،
لـم أعـد أسـتـوعـب هـذا الانـشـطـار الـمـفـاجـيء.

هـامـش :
الـوذُ بـعـصـيـانـي عـلـى سـارق الـصـوت مـن فـم الـصـدى،
عـلـى قـبـري الـمـتـدلـي مـن حـلـقـة مـفـاتـيـحـي،
الـوذُ بـرقـعـةٍ كـوفـيـةٍ تـضـجُ بـدهـشـةِ الـمـنـائـر،
وأطـردُ الأنـبـيـاء الـكـذبـة مـن حـلـمـي.
أنـا الـمـتـورط بـحـمـل مـفـاتـيـح الـوصـايـا.

بـريـبـتـي ألـتـقـيـكَ،
أعـبـرُ الـجـسـرَ، وتـحـيـطـنـي بـذراعـيـكَ لـكـي لا يـسـقـط الـنـهـر
مـن يـدي.

الـحـلُـمُ مـحـض صـدفـةٍ، أفـتـحُ الـنـافـذة وأدسُ الـرغـبـة فـي
يـدهِ،
أدسُ فـضـائـيَ الـتـتـكـدسُ فـيـهِ أشـيـائـي فـوق بـعـضـهـا
ولا أعـرفُ كـيـف أُرتـبـهـا.
أحـاولُ..
يـدي عـالـقـةٌ بـالـفـراغ،
أريـدُ أن أحـررهـا لأكـمـل الـقـصـيـدة.
أسـوي الـصـوت سـلـمـاً، وأقـولُ لأسـئـلـة الـبـلادِ : تـسـلـقـيـه.

يـشـتـعـلُ رأس الـتـضـاريـس شـيـبـاً فـي الـخـرائـطِ الـمـزيـفـة، وتـقـيـم
الأنـهـار عـزاءهـا الأخـيـر.
حـيـثُ يـتـدفـق الـمـحـو مـن أصـابـع بـلـيـدةٍ، لـيـخـيـط دخـانـاً بـدخـان
حـتـى يـكـتـمـل الـجـدارْ.

بـلادي.
أخـلـعُ عـن حـضـوركِ الأقـاويـلَ، واسـقـطُ الـوشـايـة الـفـاصـلـة بـيـنـنـا،
اسـقـطُ سـواد الـغـراب،
وأسـتـديـرُ نـحـو ضـفـيـرتـكِ الـتـي تـركـنـاهـا مـهـتـاجـة هـنـاكْ.
هـذا خـطأُ آخـر أعـثـرُ عـلـيـه فـي الـلـوحـةِ وأصـحـحـهُ،
أحـاولُ أن أعـيـدَ سـرب الـغـزال الـفـار إلـى رأسـي، غـيـر أن ذئـب
الـمـكـائـد يـكـمـن فـي الـمـرآة.

2
أخـتـصـركِ، وأرسـلـكِ فـي طـرودٍ لأصـدقـائـي، لـيـروا كـيـف
ابـتـكـرنـي الـخـوفَ عـصـاً أطـاح بـهـا الـطـريـقْ.
أحـمـلُ رأسـي عـلـى طـبـق وأطـوفُ بـه عـلـى الـمـلـوكِ،
أتـوسـلُ سـيـوفـهـم أن تـدجـنـنـي.
أنـا الـطـائـرُ الـبـريُ الـذي ارتـطـم بـزجـاج الـوهـم.
أقـولُ لـقـارئـةِ الـبـخـت :
ارتـشـفـيـنـي واقـرأي فـنـجـانـي،
تـتـبـعـي خـطـوط يـدي حـتـى نـهـايـة سـلالـتـي،
أريـدُ أن أمـوه يـومـي بـالـذكـريـات.
أعـدو، وأمـامـي يـركـضُ الـوهـم ويـتـلـفـت نـحـوي.

أمـدُ يـدي إلـى الـغـيـب وأنـتـزعُ صـوري مـن يـدهِ، مـلـلـتُ تـكـراري
فـي الـتـوابـيـتِ، ودمـائـي مـرسـلـة بـطـرودٍ لأخـوتـي.

هـامـش :
سـمـاءٌ مـن نـحـاسٍ، أضـعـهـا عـلـى الـسـنـدان وأطـرقـهـا، غـيـر أنـهـا تـتـقـوسُ،
أعـلـقُ عـلـى حـائـط الـهـواء نـيـاشـيـنـي..
أُراوغُ الـمـوتَ، الـتـقـطُ جـثـتـي مـن الـطـريـقِ وأتـركـهُ حـائـراً،
هـكـذا أنـا، كـلـمـا أصـادف نـفـسـي فـي الـمـرآة أمـحـوهـا.

فـي الـقـبـرِ،
أفـتـحُ بـاب وطـنـي
وأدخـلُ بـقـدمـي الـيـمـنـى.

وهـذا الـعـنـكـبـوت الأشـعـث الـمـلـتـصـق بـجـلـدي، أراهُ فـي كـل لـوحـةٍ،
يـتـبـدلُ الـرسـامـون ويـدهُ فـي زرقـة الـسـمـاء بـيـتـاً مـن خـيـوط واهـيـةٍ لاتـكـسـرهُ فـرشـاةٌ أو لـون.

أيـهـا الـسـقـف هـبـنـا مـن لـدنـكَ بـيـاض الـحـلـيـب. هـبـنـا اشـتـعـال
الـكـلام فـي دفـتـر مـحـروق. هـبـنـا دورة الـرغـيـف فـي يـدِ أمٍ تـبـخـرَ
أبـنـاؤهـا ولـم تـعـد تـكـتـرث بـمـن يُـجـيءْ.
هـبـنـا الـنـثـرَ طـفـلـة تـعـلـمـنـا الـمـشـي فـي دروب الـمـرايـا مـن غـيـر
عـصـا.

نـحـنُ الـطـاعـنـيـن فـي الـسـوادِ، الـمـتـعـلـقـيـن بـحـبـل الـوشـايـة،
الـسـاحـلـيـن وراءنـا الـلـيـل مـن سـرتـهِ،
تـخـتـصـرنـا الـحـكـايـة وتـمـطـنـا الأقـاويـل.
آهٍ. مـاذا سـنـقـولُ غـداً لأولادنـا إذا سألـونـا :
لـمـاذا خـذلـتـم الـبـلادْ؟


هـامـش :
بـابٌ يـغـلـقُ فـي مـسـاءٍ مـريـبٍ.
مـاذا وراء ذلـكَ الـفـنـاء الـعـالـي؟ وراء صـوت الـمـرأة الـمـسـتـغـيـثـة بـسـوادِ ثـوبـهـا؟
وراء انـكـمـاش الـطـائـر فـي الـشـجـرة؟ وراء تـسـلـق الـحـلـزون عـصـا الـضـريـر؟
غـيـمٌ يـضـعُ يـدهُ عـلـى رأس طـفـلٍ ويـبـاركـهُ، سـيـكـون لـحـضـور قـوس قـزحٍ انـثـيـالاً
فـي صـرخـتـهِ الأولـى. وسـنـضـمـن لـهُ حـصـة مـن هـذا الـحـريـق الـمـغـروس وردة فـي
دمـائـنـا.
يـمـرُ فـي وريـده الـنـاعـمَ صـوت الأم وهـي تـتـلـو سـفـر الـغـيـاب. يـمـرُ كـتـابـاً تـفـوحُ
مـنـهُ رائـحـة عـطـنـةً، ذلـكَ هـو الـتـاريـخْ.

تـتـبـعـنـي حـجـارةُ الـبـيـتِ، وعـلـى جـبـيـنـهـا أصـابـع طـفـولـتـي،
وصـوت ريـح مـرقـت عـلـى الـجـدار.
كـيـف اسـتـفـردتـهـا الـطـريـق وصـارت كـرة لـلأقـدام الـراكـلـةِ؟
أحـطُ الـلـوم عـلـيـكَ يـا أبـتِ، أمـا رأيـتـهـا تـتـسـاقـطُ مـن مـنـديـلـكَ
الـحـريـرْ؟
انـتـشـل سـاعـتـكَ مـن الـغـرقِ قـبـل أن تـمـتـلـيء رئـتـاهـا بـالـمـاء
الـخـابـط.
انـتـشـل اسـمـكَ مـن فـم الـيـبـاسِ قـبـل أن تـجـزهُ أسـنـان الـخـروف،
وقـبـل أن يـتـخـثـرَ الـهـواء فـي دم الـوردة.