ايلاف: ضمن سلسلة quot;كتابات جديدةquot; التي تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب تم الإفراج مؤخراً عن رواية الشاعر والروائي صبحي موسى quot;أساطير رجل الثلاثاءquot; التي رفضتها أكثر من عشرة دور نشر مصرية وعربية لموضوعها الشائك وما تحتويه من معلومات وعوالم لم يتتطرق إليها أي من الكتاب المصريين من قبل.

فالرواية الواقعة في نحو 380 صفحة من القطع المتوسط، والتي جاءت بغلاف للفنان أحمد اللباد، وبتقديم على الغلاف الخلفي للشاعر المصري شعبان يوسف رئيس تحرير السلسلة تتعرض لعالم الجماعات الإسلامية المتطرفة، وفي مقدمتها جماعة القاعدة التي مثلت خلاصة تجربة الإسلام الراديكالي المتطرف، ولا تنتهي بتتويج بن لادن أميراً للمؤمنين من قبل كافة التيارات الإسلامية التي أرسلت ممثلين لها عام 1995 في الخرطوم بالسودان لمبايعته خليفة لهم، لكنها تمتد إلى ما بعد ذلك بسنوات حيث جرت الحرب على أفغانستان والعراق وتم تدمير جانب كبير من قوات القاعدة وطالبان، وهو ما أودي بزعيمها إلى نوبة من الهذيان والعزلة في كهف على الحدود الأفغانية ليتأمل تجربته العريضة في الجهاد، وتجربة الخيانات التي حدثت له وكيف تحول حلمه بإسقاط أمريكا إلى لعبة أطفال ينهار خلالها برجي مركز التجارة العالمي.

تركز الرواية على تنظيم القاعدة وبن لادن ورجاله المقربين بدءاً من الملا محمد عمر مروراً بالظواهري وعبد الله عزام وأبو مصعب الزرقاوي وغيرهم، وتتأمل في تجربة الإسلام السياسي كيف بدأ وكيف تطور بدءاً من جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده مروراً برشيد رضا وحسن البنا والتلمساني والهضيبي، وكيف أسس عبد الرحمن السندي النظام الخاص لجماعة الإخوان المسلمين وكيف انهار هذا التنظيم إثر حادث عبثي لعربة جيب مكشوفة على سفح المقطم، عربة كان بها الكشوف الرسمية لأعضاء التنظيم، مما جعل النقراشي يأمر بحل الجماعة وتقديم أوراق التنظيم إلى المحكمة، وهو ما دعا الجماعة لاغتيال النقراشي ومحاولة تفجير قاعة المحكمة، فكانت النتيجة اغتيال البنا الذي قال على رجال التنيظ أنهم لا إخوان ولا مسلمين، وجعل الجماعة تدخل في طور الدفاع المهادنة على يد الهضيبي، وهو ما رفضه سيد قطب العائد من صدمة الحداثة الأمريكية، فكتب من ظلمات سجنه quot; معالم على الطريقquot; الذي أصبح دستور الجماعة خاصة لدى حرسها الجديد، وهو ما أنتج فيما بعد جماعات الجهاد والتكفير والهجرة والفنية العسكرية وغيرها في السبعينات من القرن الماضي.
لا يتناول موسى في روايته ما جرى للجماعات الإسلام الراديكالي كتطبيق حرفي لما هو متاح من معلومات، لكنه بحث عن أدق التفاصيل لينسج منها عالماً ثرياً يمزج ما بين الأسطورة والواقع، ويقدم علاقات ما بين الدول والأفراد وأجهزة الاستخبارات العديدة من أجل انتاج هذه التنظيمات السرية، فاضحة من خلالها أدوار الحكومات العربية والأنظمة المصرية والغربية في السماح لهذه الجماعات بالنمو والتكاثر، حتى وصلت إلى درتها الفريدة حيث ذلك الثري الراغب في الجهاد على قمم الجبال.
تتعرض الرواية لعلاقات الدول التي أقام بها بن لادن كالسعودية واليمن وسوريا ولبنان بهذا التنظيم الأممي عابر الحدود، لنكتشف أن الشيعة والإسلام الوهابي ليسوا إلا وجهين لعملة واحدة، وأن ما بينهما من مشتركات أكبر مما بينهما من خلافات، وأن المصالح السياسية هي الركيزة الأولى للعمل على الأرض، تلك التي يجوبها الروائي مع توسعات التنظيم وامتداداته، بدءاً من اليمن حتى الجزائر وصولاً إلى بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وروسيا وأمريكا وألمانيا وأفغانستان وتركيا وإيران وباكستان والشيشان وفي قلب الأحداث تقع السعودية ومصر وفلسطين كمركز للأحداث.
بن لادن الذي يتأمل تجربة حياته القصيرة الثرية العنيفة متعددة المستويات يجوب بذاكرته في فواصل التاريخ العربي الإسلامي ليتماهي مع المشاهد والأحداث، ويسعى لاستعادتها في رجاله حسن الصباح وخالد بن الوليد وعلى ابن أبي طالب وعمر بن عبد العزيز ويزيد بن المهلب والحجاج بن يوسف والوليد ابن المغيرة وآخر حكام الأندلس الذي بكي ملكاً لم يحافظ عليه كالرجال وجاء بن لادن ليعيده من جديد.
تعد هذه الرواية هي العمل الرابع بعد ثلاث روايات أخر لموسى هي ( صمت الكهنة، حمامة بيضاء، المؤلف)، وخمسة أعمال شعرية هي: يرفرف بجانبها وحده، قصائد الغرفة المغلقة، هانيبال، لهذا أرحل، في وداع المحبة.
وكانت هذه الرواية بمثابة مشروع تفرغ حصل عليه موسى لمدة ثلاث سنوات عاد فيه لأكثر من مائة وأربعين مرجعاً ما بين التاريخ الحديث والقديم ليقدم مجموعة من الوقائع الفنية التاريخية التي آمن بها بطل روايته خلال سعيه لتحقيق أسطورته الخاصة، فكانت جملة من الأساطير المتوالية التي شكلت معاناة جمة في الحفاظ على تتطورها وتناميها بنفس سرعة الجمل وانتقالات المشاهد وغموض المواقف التي سرعان ما تكشف عنها فصول الرواية التسعة والخمسين، والمدهش أن هذا هو نفس العمر الذي مات فيه بن لادن رغم أن الرواية بحسب توقيع المؤلف عليها تمت كتابتها في نهاية 2008، المدهش أيضاً أن نهاية بن لادن جاءت على نفس النحو الذي طرحه موسى في نصه، فهل يمكن أن يكون ما ذكره من تفاصيل كيفية التخطيط والتدبير والتدريب والتعاون والتنفيذ لانهيار البرجين هو نفس ما جرى في الواقاع، أم أن هذه مبررات وأساطير بن لادن التي سجلها موسى كما لو أنها مذكرات ألقاهي على صبي برفقته في كهف على حدود باكستان أمضى فيه أيامه الأخيرة قبل أن يتم الخلاص منه كورقة أصبحت تكلفة بقائها أكبر بكثير من نفعها.