الشارقة: ربيع ليبيا، 17 فبراير 2011، نبوءات quot;مصراتهquot;، quot;بنغازيquot; وأشخاصها، معلمّ مفصول من التدريس، بناية quot;الضمانquot;، والجندي المحصور فيها، معنى الحرية، رائحة القهوة من منزل quot;سدرةquot; وعجيزتها الثرية، فأر الكتب، سالم حجا، زيو، ميسور،غافر ..
مفردات يرسمها الروائي الليبي quot;إبراهيم الكونيquot; (1984)، متمثلةً في بعض تفاصيل الثورة الليبية ونضال ثوارها ضد حكم زعيمها المقتول quot;معمر القذافيquot;، عبر حكاية معلّم مادة (التاريخ المعاصر)، وطرده من عمله نتيجة مواقفه وعدم رضاه عن طرق التدريس، ابتداءً من اعتراضه على اسم المادة نفسها والتناقض بين كلمتيْ quot;التاريخquot; وquot;المعاصرquot;، وليس انتهاءً بنوعية المواد المدرجة فيها، quot;فأهل التصنيف الذين يُشرفون على تنضيد هذه الكتب في أشدّ الحاجة لدوراتٍ في محو الأميّةquot;. (رواية quot;فرسان الأحلام القتيلةquot; ص25-26).
الآن، في رواية quot;فرسان الأحلام القتيلةquot;، quot;غافرquot; محجوزٌ بعد التسلُّل مع مجموعة إلى أعلى مبنى في طرابلس؛ quot;بناية الضمانquot;، وبقائه وحيداً كثائر ليست لديه سوى طلقة واحدة في مسدسه يُطلقها على نفسه إذا لم يجد بداً من الموت.
في البناية، سنكون على موعد مع تاريخ أهل quot;السبخةquot; ونبوءاتها وأساطيرها، وكذلك quot;مصراته.. ذات الرمالquot;، وquot;بنغازيquot;، وquot;البوعزيزيquot;، وquot;زعوquot;، وquot;سدرةquot;؛ تلك المرأة في البناية ذات الحيز الكبير من الأحداث والحكي والسرد، ولاسيما بعد أن تتعرض للاغتصاب من جنود ومرتزقة quot;القذافيquot;، ليأتي quot;غافرquot;، (الراوي - بطل الرواية)، وينتقم لها بقتله مغتصِبها مع رفيقه، ويُفاجأ بأن quot;سدرةquot;، تعشقه وهي تحمل منه، quot;تصوَر أنّها تريد أن تحتفظ بجنين نالته من صُلب آمر القتلةquot;. (ص197)
أمام quot;غافرquot; حفر وتكسير لنصرة المدينة، ثم يعثر عليه صديقه ليكملا الحفر، ويلتقي الراوي وأخوه وجهاً لوجه، أحدهما ثائر، والثاني من جنود النظام، الذي يُطلق النار على الراوي، ليعيش بساقٍ صناعية، بينما يقتل أحد الثوار شقيق الراوي quot;ميسورquot; بقذيفة.
ويلتقي الراوي في نهاية الرواية بـ quot;سدرةquot;، وهي متشحة بالسواد، فزوجها قُتل وكذلك عشيقها، بعد زيارته بلاط الشهداء والوقوف على مرقد صديقه quot;نفيسquot;، الذي قتل نفسه حتى يحيا صديقه quot;الراويquot;، بعد أن حماه بجسمه من قذيفة.
الوطن القتيل بحلم مقتول
الوطن حسب quot;الكونيquot; ما هو إلا quot;النموذج المكبر للإنسان الذي يسكن الأوطانquot;. (ص77)، وهي حكاية لن يفهمها مَن لم يتذوق فلسفة الجدران وثقافتها، وهو الذي عاش فترة طويلة بين الجدران، بل وأمسى فأر جدران بعد أن كان فأر كتب، يعشقها وهي خير ونيس له في حياته quot;بالأمس كنتُ فأر كتب، واليوم أنا فأر جدرانquot; (ص13). وكثيراً ما يتذكرها، حتى تأخذ دوراً وشخصية رئيسة تسير مع الشخصيات كلها quot;لم يبقَ إلا انتظار الموت، ولكنه انتظارٌ كان يمكن أن يكون موتاً أمرّ من الموت، لولا وجود الكتب!quot;. (ص99)
وهكذا، يتعمق أكثر فأكثر شارحاً فلسفة الموت والمكان وعلاقتهما بالحرب، كون الرواية هي رواية حرب مُهداة إلى أحد أهم رموز الثورة الليبية الحقيقيين quot;العقيد سالم جحاquot; إثر انشقاقه من كتائب القذافي وانضمامه للثورة، الذي لم يقل شأناً عن quot;زيوquot; نفسه، الذي فجّر نفسه أمام بوابة المعسكر الحديدية، وهو بالتالي يسير على هدى التونسي quot;البوعزيزيquot;، quot;بلى، كلنا على دين البوعزيزي، كل ما هنالك أن البوعزيزي عرف كيف يحفر فاستظهر، ونحن في حفرنا تعثّرنا، فتأخرنا!quot;. (ص184)
هذه الـ quot;بلىquot;، تأتي كجواب عن أسئلة كثيرة يطرحها quot;إبراهيم الكونيquot; في روايته هذه، فهو يلجأ كثيراً إلى استخدام أسلوب الأسئلة والإجابات، بل ويتخذ دور الحكيم والفيلسوف في أحايين عدة، ويحلم كثيراً ويسرح في أحلام يقظته في فلسفة القتل quot;لعنة طرد سلفنا من فردوس اللاهوت، ولعنة طردنا من فردوس النّاسوتquot;، (ص32)، حتى نضيع في تحديد هوية الرواية شيئاً فشيئاً. يسير هذا مع أسلوب سردي عالٍ في الإتقان، فـ quot;ماسورات أسلحة القنّاصة مزوّدة بعدسات الرؤية الليلية أيضاً. ومدى نيران أسلحة هؤلاء الأوباش خرافيةquot;. (ص14)
لذا، حتى الحلم يكون مقتولاً أو قتيلاً في وطن قتيل أصلاً.
فلسفة الرصاصة الوحيدة
الرواية التي تنحو صوب الحرب وتأريخها والغوص في تلافيف ضحاياها، quot;لأن الحرب ما هي إلا تعبئة لشرٍّ اسمه الاغتصابquot;، (ص115)، وفلسفة الرصاصة الوحيدة التي تُفصل الحياة عن الموت.
وبين هاتيْن المتناقضتيْن، لا يملك القارئ نفسه إلا أن يهجر صفحاتها لينتقل لا إرادياً إلى فصول الرواية بين يديه وقد بلغت الثلاثين فصلاً وبشكل انسيابي، حتى يصل إلى آخرها ويقرأ quot;دبي - أبوظبي (الإمارات)، دوريان (جنوب إفريقيا)، تونس (العاصمة)، غولديفيل (الريف السويسري)، مارس/إبريل 2012مquot;، حتى يُدرك أن مكان إقامة quot;الكونيquot; في سويسرا كان آخر محطة مكانية كتب فيها آخر صفحات الرواية عن ثائر ليبي عاش أياماً صعبة في بناية الضمان في العاصمة الليبية..
فـ quot;الكونيquot; صاحب الروايات الشهيرة والقضايا الإشكالية المتميز بسرديته الفريدة وتحقيقه عناصر الرواية المتمثلة في المتعة والدهشة والإقناع، إنما يقدم في روايته quot;فرسان الأحلام القتيلةquot; الصادرة حديثاً مع مجلة quot;دبي الثقافيةquot; الإماراتية، صراعاً حقيقياً، أسطورياً، وجودياً، كشفاً، ربما يقلّ شأناً عما كتبه سابقاً ولم يكن بالمستوى المعهود، كما هي رواياته quot;المجوسquot;، وquot;السحرةquot;، وquot;نزيف الحجرquot;، مثلاً، ونيله جوائز عالمية عليها، ألا أنه في (234) صفحة من القطع المتوسط، يُربط الإنسان مجدداً ببيئته الصحراوية المعتادة وعوالمها.
التعليقات