منذ 15 عامًا، يؤدي الممثل الانكليزي جيمس برك دانسمور دور يسوع الناصري في مسرحية آلام المسيح. يقول إن هذا الدور علمه أن يكون رحيمًا، وزاده قوة، وهو يراهن على الحب الذي يكنه لكل الناس على تدفئته من زمهرير لندن أثناء تمثيله عاريًا، إلا من مئزر يستر عورته.


عبدالاله مجيد من لندن: كانت عذابات المسيح في ساعاته الأخيرة كثيرة، لكن البرد على الأرجح لم يكن واحدًا منها حيث صُلب. إلا أن الفنان جيمس برك دانسمور، الذي يقوم بدور البطولة في مسرحية quot;آلام المسيحquot;، فسيتعرى في درجات حرارة منخفضة قبل أن يُصلب، مرتين، في ساحة الطرف الأغر وسط لندن.

ومن المتوقع أن يتحدى زهاء 20 ألف شخص زمهرير بريطانيا في عيد الفصح، لمتابعة المسرحية في الهواء الطلق.

ونقلت صحيفة تايمز عن بطل المسرحية قوله: quot;سأحمل الصليب إلى هناكquot;، مشيرًا إلى الدرجات الموجودة في الساحة، وسيقع ثلاث مرات في مسيرته الشاقة قبل أن يصل إلى البقعة التي يُصلب فيها، quot;حيث سيرفعونني وكأني شراع مركبquot;.

ليس بلسمًا

في الساحة حيث تُقدم مسرحية quot;آلام المسيحquot;، تجمدت حورية النافورة وتدلت منها رقائق الجليد، والصليب الذي يحمله برك دانسمور، وهو محترف يؤدي دور يسوع الناصري منذ 15 عامًا، ليس بلسمًا يعينه على تحمل جراحه، كما قال الممثل، quot;بل صُنع من جذعي شجرتين وهو ثقيل جدًا حين يكون رطبًا، لكن الحب هو الذي يبقيني دافئًا، وعليّ أن اصبح أنا الحب ولا يمكن للمرء أن يشعر بالبرد عندما يحتفي بشيء بهيجquot;.

ويعتبر عيد الفصح في بريطانيا هذا العام اشد الأعياد بردًا منذ سنوات. وارتدى الممثلون ملابس التزحلق على الجليد فوق كنزات صوفية سميكة اثناء أداء التمارين في الساحة. وقال برك دانسمور: quot;سأنظر إلى الناس واتذكر اني احبهم، وحتى إذا كانوا غرباء، عليّ الايمان بأني أحبهمquot;.

أغفر لهم!

والممثل برك دانسمور في الحادية والأربعين من العمر، أعزب وأنيق، وُلد في يوم الجمعة العظيمة. يشبه الصورة المتناقلة للمسيح، لكنه لا يحب أن يُقال عنه شبيهًا، بل يرى نفسه فنانًا يتقمص دور المسيح وليس مازوشيًا يتلذذ بعذابه.

وكان برك دانسمور صرخ مرة واحدة طالبًا التوقف اثناء التمثيل، لأن جنديًا رومانيًا ضرب كاحليه بمطرقة وهو يدق المسامير في قدميه، حين كان الممثلون يقدمون المسرحية تحت الثلج في مدينة لستر وسط انكلترا قبل خمس سنوات.

وقال برك دانسمور لصحيفة تايمز حينها: quot;كانت ذراعاي مربوطتين، ولم اتمكن من رؤية ساقي، لكني أحسست أن عظامي تُطحن، وكان علي أن أُفكر في ما تعنيه المغفرةquot;.

ونظر في عين الممثل الذي كان يقوم بدور الجندي الروماني ثم قال: quot;ابتاه، اغفر لهم فهم لا يعرفون ما يفعلونquot;. ثم نُقل إلى المستشفى لعلاج الكسور في كاحليه المتورمين.

علمته الرحمة

وحين سئُل برك دانسمور إن كان نسي النص مرة، أجاب: quot;مرة واحدة، ثم أدركتُ إني اعرف القصة جيدًا، واستطيع أن أقول أي شيء يبدو كلامًا من الكتاب المقدس. والمسيح هو الذي قال ألا تقلق بشأن ما ستقوله. فإن الروح القدس ستنطق من خلالك. وكانت تلك لحظة مهدئة للغايةquot;.

وبدا من المناسب أن يُسأل برك دانسمور عما إذا كان يخوض معركة يومية لتذكير نفسه بأنه في الواقع ليس يسوع الناصري، فضحك واجاب: quot;بكل تأكيد، فعندما تؤدي الدور وتكون محاطا بمئتين أو ثلاثمئة ممثل ينظرون اليك وكأنك المسيح، تبدأ بتقدير ما كان لشخصيته من تأثير، وإذا قلتَ لن ادعكم تستخدمون المعبد، لكنك محاط بأشخاص رزقهم يعتمد على ذلك المعبد ينظرون اليك بغضب ويعرفون في الوقت نفسه إنك تقول الحق....quot;.

وهنا يتوقف برك دانسمور ليلتقط انفاسه ثم يقول: quot;كلا، لا أشعر أبدا أنني المسيحquot;.

واعترفَ بأن الساعات الطويلة التي يقضيها ملفوفًا بقطعة قماش خشن تستر عورته غيَّرت حياته. قال: quot;جعلتني أكثر رحمة، واقوى في ما افعلهquot;.

الابن الضال

اعتاد النكات المعهودة التي تُطلق على أمثاله من ذوي الشعر الطويل واللحى المتروكة على غاربها. فهو عادة يسمعها في الحانات، حيث يمد الناس أقداحا من الماء ويطلبون منه مارسة سحره ومعجزاته.

ويقول إن الناس تناديه في الشارع quot;أنت، يا مسيح!quot;، من باب المزاح حينصا ومن باب التأثر أحياناً، quot;وهم لا يتفاعلون مع مظهري بقدر تفاعلهم مع تجربتهم الخاصة مع المسيح، وأنا سعيد لأنني قناة لهذا التفاعلquot;.

وذات مرة في أدنبرة، عاد إلى البيت في ساعة متأخرة مشيًا بزي المسيح الذي كان يرتديه على المسرح. وكان هناك مخموران مشتبكان في معركة ضارية بالأيدي. شعر بأنهما سيهاجمانه، لكنه تذكر امثولة عودة الإبن الضال.

وأقنع المخمورين بتمثيل الأدوار المطلوبة قائلا لأحدهما: quot;اخوك عاد لتوه وهو حي بعد ما كنت تظن أنه ماتquot;. لكن القصة بقيت معلقة بلا نهاية/ ولم يعد لدى برك دانسمور ما يشغلهما به. يروي: quot;كالمعجزة، نسي المخموران شجارهما أرادا أن يعرفا ما يحدث بعد ذلكquot;.

يصنع تاج الشوك

برك دانسمور هو الممثل الوحيد الذي يتقاضى اجرًا بين اعضاء الفرقة، بينما يتطوع الباقون. وستكون المسرحية العرض الثامن والخمسين الذي يقوم فيه برك دانسمور بدور المسيح، لكنه يحب أن يجري تغييرًا على الدور في كل مرة.

وهو يعتزم أن يصور المسيح اليوم أبًا شديد الحزن، يعتمل فيه غضب من ينقذ طفلًا من سيارة مسرعة.

وانتقد برك دانسمور دور جيم كافازيل، في فيلم شغف المسيح لميل جبسون، قائلًا انه اختار طريق الأمان وهو يفضل الحدة الغاضبة في دور المسيح الذي قام به انريك ايرازوكي، في فيلم بازوليني quot;الكتاب المقدس بحسب القديس متىquot;.

ويرفض برك دانسمور الحديث عن الدين، قائلًا إنه لا يعرف طائفة والديه. واكتفى بالتلميح إلى انه ذو اصول كاثوليكية من جهة أمه. وحين سُئل أن كان يذهب إلى الكنسية قال برك دانسمور: quot;غرفة البروفات هي كنيستي، وأنا افهم روح القدس، والقصة التي أرويها راسخة في اعماقي، وإذا كنتُ على مفترق طرق في حياتي فان الكتاب المقدس يضئ طريقيquot;.

وقبل كل عملية صلب، يصنع تاج الشوك بنفسه، قائلًا: quot;أشحذ الأشواك بيدي واتأمل، وحينها اكون مستعدًاquot;. وتبقى لديه مهمة أخيرة قبل البروفة الأخيرة. يقول: quot;علي أن أذهب واشتري كمية من الدم لزوم العرضquot;.