بغداد: بدأ المخرج السينمائي العراقي قاسم حول بإجراء التحضيرات الاولية للبدء بتصوير فيلمه السينمائي الروائي الطويل (بغداد خارج بغداد) ضمن مشروع بغداد عاصمة للثقافة العربية.
اعرب المخرج قاسم حول عن استغرابه لاحالة الافلام الخاصة بمشروع بغداد لاشخاص ليست لديهم مباديء واضحة وما زالوا يعيشون تحت ظلال الدكتاتورية، مشيرا الى ان المسألة لديهم مسألة انتفاع مادي فقط، متسائلا : هل محض مصادفة ان يكون كل الذين احيلت اليهم الافلام من الفترة السابقة، بينما الناس الذين وقفوا وجابهوا الدكتاتورية بفروسية عالية لا زالوا موجودين خارج العراق وليست لهم فرص للعمل، وقال حول لـ (ايلاف) سألت مدير المؤسسة السابق شفيق المهدي (سامحه الله) قلت له : لماذا اتصلت بالمخرجين ولم تتصل بي؟ فقال لي : نسيت !!،
* انت الان في بغداد، أليس لديك مشروع فيلم جديد؟
- زيارتي لبغداد في واقع الامر لم تكن بصدد التفكير بانتاج فيلم سينمائي، انا جئت لانجاز بعض الورقيات المتعلقة براتبي التقاعدي وبأوراقي التي فقدت في لبنان ابان فترة الحرب والغزو الاسارائيلي عام 1982، حين اخذوا كل وثائقي، جئت الى العراق لاجددها، وصادف ان التقيت بالمسؤولين وشاهدت معرض الكتاب الذي اقامته دار الشؤون الثقافية العامة والتي صدقا اثارت اعجابي ككتب وكأماسي ثقافية ادبية وفنية، بهذا الصدد صار حديث مع المسؤولين ان يكون هناك فيلم سينمائي لان الافلام المقرة من قبل وزارة الثقافة لمهرجان بغداد عاصمة الثقافة العربية لا تتعلق ببغداد بل انها مجرد افلام، مثل اي فيلم، ربما ينتج في السنة المقبلة او السنة الحالية او اي سنة اخرى، لا يوجد شيء له علاقة بالبرنامج الثقافي لبغداد عاصمة للثقافة العربية، وعندما التقيت بالسيد الوزير، واقول بصدق شعرت بسعادة ان لبلدنا وزير ثقافة وطني النهج ومتقد الذكاء وهاديء الطباع، حكى لي وشكى ما اردت ان اشكوه اليه، فصار الحديث لماذا لا ننتج فيلما يستدعي الثقافة العراقية منذ تأسيسها وتاريخها القديم منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة ضمن حكاية فكتبت الفكرة ولاقت الاعجاب والموافقة، حتى الان انا في مراحل الاجراءات الاخيرة للبدء بالتصوير، اشعر انني سوف اصور، وصرت ابحث عن مواقع التصوير وألتقي بالممثلين وان كنت لم اوقع المرحلة الاخيرة التي اظن انها قريبة حسب الرسالة التي في يدي، واتمنى ان ابدأ بهذا الفيلم الذي يجسد الثقافة العراقية ويتيح فرصة لاخواني الممثلين ان يشتغلوا معي من جديد بعد غياب طويل لاكثر من 40 سنة خارج العراق، جهودي كلها قدمتها في لبنان واليونان وفي اوربا، وانا جئت برغبة ايجابية للعمل.
*قلت ان الوزير شكى لك ما اردت ان تشكو منه، أي شكوى في نفسك؟
- أود ان اقول بأسف شديد انه عندما تم اختيار الناس الذين احيلت لهم الافلام، لا الموضوعات ولا الاشخاص موضع اعجابي الشخصي انا، اقولها بصدق، وبصراحة.. فمن احيلت لهم الافلام، مع اعتزازي بهم، فأنا على المستوى السياسي.. لست معجبا بهم لان الفنان ينبغي ان يكون له موقف واضح من الحياة ومن الدكتاتورية، وفي تقديري ان الدكتاتورية لا زالت تلقي بظلالها على الواقع الحاضر بشكل خاص في المشهد الثقافي، احسست ان المسألة مسألة انتفاع، اقول كلمة صريحة بإن ابواب البنك المركزي مفتوحة والحراس نائمون، من يريد ان يسرق.. يسرق، سياسي من الممكن ان يسرق وان يحاكم، اللص هو لص، ولكن هذا مسموح به، لكن غير المسموح به ان الفنان او المثقف لا يجوز ان يسرق، لانه اذا اراد البحث عن الخلل في الحياة فهو مصاب بهذا الخلل، فكيف يمكن ان يعالج الواقع، فلا يجوز للفنان السرقة، فإن امتدت يد الفنان الى سرقة المال وحرم الطفل ن ابتسامته ومدرسته ومستقبله لم يعد فنانا ولم يعد كاتبا، والافضل ان يجد له مهنة ارى قريبة على البنك المركزي الذي ابوابه مفتوحة وحراسه نائمون، ويستطيع ان يسرق، رجاء.. لا تسرقوا البسمة من عيون الاطفال عبر الثقافة وعبر السينما.
* ولكن الافلام للكبار والشباب على حد سواء، فهل ملاحظاتك على الجميع؟
- انا نفسي ضحية، يعني هناك مخرج سينمائي يروح في زمن الدكتاتور مستغلا علاقة العراق بالمانيا الديمقراطية، وانا عندي فيلم داخل المسابقة ومرشح وكما قال مدير المهرجان للحصول على الجائزة الذهبية، عندما شعروا بذلك ضغطوا على المانيا الديمقراطية وسحبوا فيلمي، هذا كان عام 1976، وفي عام 1977 كنت عضو لجنة تحكيم في المانيا الديمقراطية، وايضا ذهبوا اليها وقالوا سوف نقاطع المانيا الديمقراطية ثقافيا ان كان قاسم حول في لجنة التحكيم، خرج اخر.. حذف مشهدين من فيلمي (بيوت في ذلك الزقاق) وادخل مشاهد اخرى، بدون علمي وبالاتفاق مع السلطة، ويا ليته اجبر او نفذ مشهدا ينسجم مع مستوى الفيلم، دعه يعمل مشهدا ضد الفيلم او ضد فكرتي، على الاقل يكون المستوى التقني جيدا، وهناك مخرج عندما عرضت فيلم (المغني) وقف يهاجمني لان الفيلم عن الدكتاتور، فلا زال الى حد الان يمتدح الدكتاتور وكان يقول الرئيس الراحل والرئيس الكذا في دبي، هؤلاء لديهم افلام، بينما الناس الذين وقفوا وجابهوا الدكتاتورية بفروسية عالية لا زالوا موجودين خارج العراق وليست لهم فرص للعمل، لماذا اذن؟ هذا لا يجوز، فهل هذا محض مصادفة ان يكون كل الذين احيلت اليهم الافلام من الفترة السابقة، ليكن هناك بعثي، وهناك الكثير من الناس اجبروا على ان يكونوا بعثيين، ولكن ان يصبح احدهم شرطيا في ذلك الزمان وان يريد ان يتجه للثقافة فهذا شيء انا ارفضه كمبدأ في الحياة، فمن يحب ان يعمل فيلما فليعمل، ومن يريد ان يسرق فليسرق، فالبنك المركزي ابوابه مفتوحة وحراسه نائمون ومن يريد ان ينهب فلينهب ولكن ليس ن اموال الثقافة.
* هل هذا معناه انك تعتب على وزارة الثقافة للاختيار غير الدقيق او الصحيح ربما؟
- نعم.. اعتب على العناصر التنفيذية للوزارة، اؤكد ان الوزير جميل، وارجو ان تنقل حديثي بامانة، الوزير جميل واحببته كثيرا وكنت اتمنى ان يدير وزارة الدفاع من وزارة الثقافة وليس ان يدير وزارة الثقافة من وزارة الدفاع، انا التقيته في وزارة الدفاع وقلت له حين التقطنا الصور التذكارية : اتمنى ان لا اعلق هذه الصور في جدران غرفتي في هولندا، اتمى ان اعلقها على جدران غرفتي في العراق، بمعنى انني احب اجيء الى وطني، ولكن ليس معنى ذلك ان المسألة مجرد طائرة من هولندا الى بغداد، لا.. ان يكو العمل في المسار الصحيح لكي نستطيع ان نعمل، اما ان نأتي الى مؤسسة سينما والابواب مغلقة امامنا كلنا نحن الذين تركنا الوطن، لا يجوز هذا، وان ارادوا ان يفتحوا الملفات فسوف تطلع مصائب، ومصائب كبيرة.
* هذا يحيلني الى سؤال اخر، انت موجود على الساحة، فلماذا لم يطلبك احد لانتاج فيلم حالك حال الاخرين؟
- لم يتصلوا.. هذا صحيح، وهم الذين اتصلوا بالمخرجين، وفي حديث عرضي سألت مدير المؤسسة السابق شفيق المهدي (سامحه الله) قلت له : لماذا اتصلت بالمخرجين ولم تتصل بي؟ فقال لي : نسيت !!، قلت له : وهل انا تلفون موبايل نسيته في البيت وذهبت الى الشغل، لاسيما ان اسمي في الصحف يوميا وشاشات التلفزيون، ويوميا اتصل بك من اجل معاملتي التقاعدية فلماذا لم تقل لي تعال تفضل هذا بلدك وهذه مؤسستك وتعال اعمل فيلما مثلك ثل الاخرين؟ هل هي محض مصادفة ان يكونوا كلهم من لون واحد وكل الذين هاجروا وابدعوا لا مكان لهم؟، لست انا فقط بل الكل، انا كنت رئيس رابطة كتاب وصحافيين وفنانين ديمقراطيين خارج العراق، لدينا خارج العراق 37 سينمائيا مبدعا، ولكن ليس لواحد منهم مكان في مؤسسة السينما، فليجبني على هذا السؤال.؟
* ربما لدي القائمين على السينما والمسرح ملاحظات او من الاخرين؟
- الملاحظات عني ايجابية من اصدقائي السينمائيين والحمد لله، واعتقد ان هذا هو السبب الذي حال دون ان اشترك، فبما ان الملاحظات عني ايجابية فهناك من لا يريدني لأنه يريد اناسا عليه ملاحظات سلبية حتى يشتغلون لا البلد عرضة للنهب.
* ما عنوان فيلمك الجديد وعن ماذا يتحدث؟
- عنوانه (بغداد خارج بغداد) السيناريو والاخراج لي فقدمته اثناء لقائي بالسيد وزير الثقافة وكان موقفه ايجابيا وتمت الموافقة، الفيلم استدعاء لتاريخ الثقافة العراقية ضمن حكاية ذات اربعة محاور، محور عن الناس الذين عاشوا في بغداد ولم يغادروها ولا يحبون غيرها، ومحور عن الناس الذين يسافرون ويطلعون وتبقى بغداد عندهم فيرجعون ومحور ناس غادروا بغداد وماتوا ولم يشاهدوا بغداد والمحور الرابع الناس الذين يعيشون خارج بغداد ولا تزال بغداد في وجدانهم وهذه المسافة لا تزال موجودة وصولا ن تاريخ الثقافة العراقية وإرثها من زمن كلكامش ومرورا بوقوع العراق تحت الحكم العثماني وفترة تأسيس الدولة العراقية والثقافة فيها فنشاهد المقاهي القديمة والعروض السينمائية القديمة ونشاهد المسرح والغناء وجميعها متدالة مع بعضها في حكاية جميلة.
* هل اخترت الممثلين للفيلم؟
- اخترت عددا كبيرا من الممثلين ولكن لا استطيع التعاقد معهم الان حتى تبدأ الاجراءات.
* كيف يمكن النهوض بواقع السينما في العراق؟
- السينما في البلدان الشمولية تنتجها الدولة كما كان في الاتحاد السوفيتي والنظام الدكتاتوري السابق، لكن في النظم الليبرالية والديمقراطية الدولة لا تنتج السينما بل انها تبني وتنشيء القاعدة المادية للانتاج السينمائي، تنتج مدينة سينما وتزود المدينة بالتقنيات والكاميرات والصوت والانارة، تؤسس قسما لتوزيع الافلام، وممكن ان تؤسس الذاكرة العراقية (المكتبة الارشيفية) وتؤسس المكتبة السينمائية (السينماتيك) وتضع قانون الانتاج السينمائي، هذا القانون هو الذي يحدد العلاقة ما بين الدولة ثقافيا والمبدع، فالدولة تدعم الابداع ولا تنتجه وهذا هو الصحيح، ما يقدم الان من افلام يمكن القول عنه هناك افلام عراقية تنتج، وهذا لايعني وجود صناعة سينما، لان صناعة السينما لابد ان تكون هناك اولا قاعدة مادية للانتاج السينمائي ثم تتأسس تقاليد الانتاج السينمائية التي تمنح الهوية للفيلم السينمائي، هذه هي المباديء الوجودة، اما ان تنتج افلام، فيجب القول هناك افلام عراقية ولكن لا استطيع القول هناك صناعة سينما عراقية، لعدم وجود صناعة ولا توجد تقاليد انتاج.

* لكن ليست لدينا دور عرض سينمائية، فكيف تزدهر هذه الصناعة؟
- دور العرض جزء مهم من ذلك، ومن الممكن ان تنشؤها الدولة او التجار، لكن الثقافة غير معممة، ولابد ان تكون هناك دور تمتلكها الدولة بطريقة او بأخرى، انا قبل مدة عرضت فيلم الاهوار في النمسا، عرضته في صالة سينما من اعرض صالات السينما، ذات بناء خاص وجميل ومزودة بأجهزة تقنية حديثة، بحيث عندما عرض الفيلم على الشاشة كان مبهرا.
* اخرج بعض الشباب من عشاق السينما افلاما بالتعاون وتمويل من دول خارجية، هل ثمة شروط او خفايا؟
- كل دول العالم عندها صندوق لدعم السينما، ودعم هذا الصندوق تقدمه شركات كهبات وتتحرر من الضرائب، أي لا تدفع ضرائب ولا تخسر، وهذه مسألة غريبة عندنا جدا، فلو يضعون هذا عندنا وكل تاجر عندما يقدم دعما ثقافيا يتخلص من المبلغ الذي يحسم من الضريبة، وهذه الدول تمول دون شروط فكرية، لكن شروطها تؤمن ان هذا الشخص سينتج، وعادة هذه الدول تقدم دعمها الى شركة وليس الى فرد.
* ما رأيك بما انتجوه؟
- الافلام كانت حلوة وشاهدت بعضها، وانا بالمناسبة كنت قبل كم سنة رئيس لجنة التحكيم لافلام اكاديميات السينما في العالم فشاهدت تجارب افلام للشباب مذهلة فعلا، اساليب جمالية واشكال فنية جديدة وفيها وعي، أي ليس لمجرد ان يغير الشكل ويطلع أي كلام، لا هناك وعي في الابداع، فالشباب العراقيون عندهم امكانية ولكنهم يحتاجون الى متخصصين يوجهونهم ويضعون لهم منهجا ويساعدونهم في كتابة السيناريو ويطورون امكانياتهم سيما وان السينما الان تمتلك تقنية اقل كلفة من السابق، فأنا مثلا شاهدت افلاما لتلاميذ (فايدا) المخرج البولوني، وحضر معنا في لجنة التحكيم، يشرف عليها اساتذة متخصصون ولذلك هؤلاء الطلاب ينتجون الافلام بمبادرات خاصة.
* هل من كلمة اخيرة؟
- انا تحدثت عن الاماسي ومعرض الكتاب وقد انهى الدكتور نوفل ابو رغيف فعاليات معرض الكتاب بعرض فيلم (المغني) في الهواء الطلق مثل الصالات الصيفية في فندق الشيراتون، لذلك انا اشكره، وانا لدي أمل بعد تسنمه مسؤولية دائرة السينما والمسرح ان يعمل شيئا واتمنى له النجاح لاثراء الثقافة السينمائية باتخاذ خطوات عملية نبيلة وثقافية وعندي ثقة فيه.