لندن ـ إيلاف: صدر عن دار (أم بي جي العالمية) في لندن مجموعة كتابات فاضل عباس هادي الأدبية على مدى خمسة عقود. نقرأ في تقديمه للكتاب:

هذه هي اذن، بعد لأي وحين، كتابات العمر الأدبية: مقدمة عن الشعر و12 قصيدة من يوميات الغائب في عناق البتولات، كيركغارد: صفاءُ القلب هو أن تشاء شيئاً واحداً، استطرادات رامبوية أو اغتيال العبقرية في التاسعة عشرة، وهي التي نُشرت في مجلة laquo;الكلمةraquo; التي أصدرها في ما يحلو لي أن أسميه laquo;العقد الفريدraquo; عقد ستينات القرن الماضي حميد المطبعي وموسى كريدي، دستويفسكي والبطل المنقسم على نفسه، الذي نُشر على الصفحة الأولى من ملحق laquo;الجمهوريةraquo; الأدبي بمناسبة تنظيم مسابقة للمقالة والقصيدة والقصة فيها في فترة حكم العارفين، ومقال عن صاموئيل بيكيت وجائزة نوبل للأدب، ومقال عن آلان روب ـ غرييه وكلاهما، على ما أعتقد، نُشر في مجلة laquo;الأقلامraquo; عندما كان يرأس تحريرها أكرم فاضل، وكتابات ستينية أخرى احتفظ لي بها شقيقاي أمير وطارق ومنها: laquo;ايهاب حسن في زمن البراءة الجذريةraquo; المنشور على ما أعتقد في جريدة laquo;أبناء النورraquo; لسان حال جمعية المكفوفين العراقية والتي كنت أتردد عليها مع سركون وبولص وجان دمو وأصدقاء آخرين من المجايلين لنا، وبعض المواضيع القصيرة في مجلة laquo;العاملون في النفطraquo; التي كان يرأس تحريرها جبرا ابراهيم جبرا الذي كان يجزل علينا بالعطاء عداً ونقداً بضعة دنانير كنا بأمس الحاجة اليها، وقصيدة laquo;قدحٌ من الدموع المجفّفة الى أوديتraquo; المنشورة في العدد الثاني من مجلة laquo;الشعر 69raquo;، وهي التي اخترتها عنواناً للكتاب الذي بين أيديكم. ثم بعد انتقالي الى بيروت في العام 1971، قصة laquo;نفس رمادية النار بين السطور الشاحبةraquo; ومقال قصير بعنوان laquo;لقد أثبتت الجنة زيفها ولا بد من تحوير مفهوم الجحيمraquo; وهما المنشوران في مجلة laquo;مواقفraquo;.

ومساهمات في مجلة laquo;أصواتraquo; التي صدرت في باريس في السبعينات وكنت أتعاون على تحريرها مع عدد من الكتّاب والمثقفين العراقيين هم حسين الهنداوي، جبار ياسين، قيس العزاوي وعلي ماجد. ومنها قصيدة laquo;الشتاء يكتب بقلم ذهبيraquo;، laquo;بيان من خمس نقاطraquo; بالاضافة الى افتتاحيتي العددين الأول والثاني ـ قبل انتقالي الى لندن في العام 1978. وبعض المواد المنشورة في مجلة laquo;أدبraquo;، العدد الأول، التي أصدرتها على نفتقي الخاصة في لندن، صدر منها ثلاثة أعداد مع نصوص باللغتين الانجليزية والفرنسية الى جانب اللغة العربية. وكان ذلك قُبيل اكتشافي السعيد للتصوير الفوتوغرافي في العام 1986. وكذلك بعض ما يتوفر لديَّ من كتابات نُشرت في العقد الأول من الألفية الجديدة وقبله.

وبعملية جسابية بسيطة، يكتشف القارئ اللبيب بأني كنت أكتب قصيدة أو مقال أو قصة، بمعدل واحد أو واحدة في السنة. خمسون عاماً، إذن من مطارحة الكُتب الغرام. خمسون عاماً مرّت بسرعة خارقة وكأنها سحابة صيف لا تريد أن تثقل أكثر مما ينبغي على عيون المشاهد، همسة عابرة، أو رياح خفيفة على رمال أصابها التنمّل.
كتابات العمر الأدبية المكتوبة باللغة العربية، كتابات فترة الستينات، فترة الشباب. أقول هذا لأنني، أيضاً كتبت باللغة الانجليزية مباشرة في جريدة laquo;بغداد أوبزرفرraquo; مقالات حول أقطاب الجيل الستيني في العراق من الكتّاب والشعراء والفنانين أيام كنا نجلس في غرفة واحدة من مكتب الجريدة أنا وأمل الشرقي وبديع عُمر نظمي وسعدون فاضل وكنا نحن الأربعة نكتب بالانجليزية مباشرة. وهذه المقالات وكتابات أخرى كثيرة بالانجليزية في الناصرية وبغداد وبيروت وباريس ولندن وتونس تُنشر في وقت لاحق ضمن مشروع مستقبلي.
تلك كانت سنوات العنفوان والتطلعات والتغنّي والاحتفاء. كتابات العمر الأدبية، يجب أن أؤكد، لأنني منذ 1986 أصابني مس التصوير الفوتوغرافي، وملك عليّ خيالي وما يزال حتى الآن يريدني وأريد أن أبقى لصيقاً به.
كتابات العمر الأدبية باستثناء المحاولات الانطباعية المبكرة، اولها مقال قصير حول رواية ليلى بعلبكي laquo;أنا أحياraquo; نُشرت، على ما أعتقد في جريدة laquo;الحضارةraquo; ثم مقالات قصيرة أخرى في جريدة laquo;المستقبلraquo; التي كان يحرر صفحتها الثقافية خبير الشطرنج المرحوم زهير أحمد القيسي ومنها مقارنة بين بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي رجّحت فيها كفة مؤلف laquo;أنشودة المطرraquo; ومقال لا أتذكر منه الا عنوانه laquo;من الأدب البروليتاريraquo; ومقال حول أحد كتب كولن ولسن في مجلة laquo;ألف باءraquo; قبل أن يترجم الى العربية بعنوان laquo;المعقول واللامعقول في الأدب الحديثraquo; ونص لروب ـ غرييه laquo;في أروقة القطارات الجوفيةraquo; نُشر، إن كنت مصيباً، في مجلة laquo;الأقلامraquo; كتابات تعود الى فترة ما بعد ثورة تموز 1958 نُشرت كلها في العراق قبل أن أضطر الى الهجرة الى بيروت في ربيع 1971.

الذكريات، هنا، تتالى على شكل مقالات انطباعية، كما ذكرت، وليدة افتتان لحظي، أتذكر عناوينها ليس الا: laquo;مارك شاغال وحاسبات الزمنraquo; في مجلة laquo;الاذاعة والتلفزيونraquo;، وموضوع حول الشريط السينمائي المأخوذ عن رواية جيمس جويس laquo;عوليسraquo;، وموضوع حول حكم العسكر في اليونان مأخوذ عن laquo;لندن مغازينraquo; الانجليزية. وهما نُشرا في مجلة laquo;العاملون في النفطraquo;، وترجمة لمقال كتبه ترستان تزارا في الفترة التي انصرف فيها الشاعر عن الدادائية والسريالية ليُعنى بالالتزام السياسي ظهر هو الآخر في مجلة laquo;الشعر 69raquo; ـ صدر منها أربعة أعداد فقط ـ يرى فيه مؤلف قصيدة laquo;الانسان التقريبيraquo; ان السريالية في فترة ما بين الحربين الأولى والثانية توقفت عن التطور والالتفات الى المستجدات في المشهد السياسي والاجتماعي الاوروبي ولهذا انخرط في صفوف الحزب الشيوعي الفرنسي، كما كان الحال بالنسبة لعدد من المبدعين الفرنسيين الكبار في تلك الفترة، وترجمة لمقاطع من مقال كتبته الشاعرة الانجليزية كاثلين راين بعنوان laquo;سان جون بيرس شاعر المُدهشraquo;.
الكتاب لا يحتوي أيضاً على مواضيع مبعثرة هنا وهناك ومنها: مقال بعنوان laquo;ملاحظات ورّاق فرنسي الهوىraquo; أعطيته لزهير الجزائري للنشر في جريدة laquo;المدىraquo;، مقال حول حجر رشيد laquo;عثر عليه الفرنسيون وسرقه الانجليز منهمraquo;، ومقال نُشر في laquo;ايلافraquo;، ثم في مجلة laquo;دجلةraquo; التي حلت محل مجلة laquo;ألف باءraquo; الستينية، بعنوان laquo;ما أشبه عراق اليوم بتشيلي البارحةraquo;، وعرض لكتاب رولان بارت laquo;الكتابة في درجة الصفرraquo; منشور في مجلة laquo;المعرفةraquo; السورية.

الذاكرة، على الأقل، ما تزال جيدة. وأنت بمرور السنين فقراتك المزاجية والعاطفية وأسسها الاسطيطيقية كما هي بصورة عامة. والكاتب يحاول قدر الامكان أن يتجنب الأفكار التي تموت ما إن تولد، وفي لقاءاتك مع الكتاب والفنانين تكتشف لا محالة اختلاف الأمزجة والتوجهات الفالتة في كل الاتجاهات وهذه تخلق فجوة مؤلمة بينك وبين من تحب وتحترم.
ومن ذلك ان نجيباً كان يضع الثقافة الانغلو ـ ساكسونية في منزلة أعلى من الثقافة الفرنسية. إلا أنه اعترف في سيرته laquo;عمرٌ أكلته الحروفraquo; بأن كلمة Tendresse (الرقة) الفرنسية أجمل من مقابلها الانجليزي Tenderness. وهنا أتذكّر ما قاله صاموئيل بيكيت من ان كلمة laquo;اللاشيءraquo; الفرنسية Neacute;ant أجمل من مقابلها الانجليري Nothingness...

القصائد، بصورة خاصة، كتبت نفسها. لم أسعَ إلى كتابتها. كانت تُملى عليّ. تهبط على الورق دفعة واحدة وهي تُنشر هنا كما انهالت على الورق، بفعل قوة خارج إرادتي الواعية. حصيلة تراكمات ومخزون العقل الباطن وطبقات الذاكرة. لم أغيّر بها إلا كلمة أو كلمتين، على خلاف ما أُسميه laquo;شعراء الجانب الأيسر من الدماغraquo; مركز التفكير العقلي والحسابات الدنيوية، مقابل الجانب الأيمن من الدماغ مركز الأحاسيس والعواطف الجياشة.
شعراء الجانب الأيسر من الدماغ يصرفون الكثير من عقلهم الواعي في نحت القصيدة وصقلها واستبدال كلمات وجُمل فيها، وبفعلهم الواعي هذا يقتلون عمداً وعن سبق اصرار غنائية القصيدة ويدعون إلى كتابة laquo;القصيدة الذهنيةraquo; وهي، في رأيي، من افرازات المجتمعات الصناعية الأنغلو ـ ساكسونية الكريهة.
القصيدة، بالنسبة لي على الأقل، كانت وما تزال غنائية وعاطفية وليست صناعة معدنية ثقيلة الوطأة مقصوصة الجناحين مقلّمة الأظافر.
إعادة النظر في القصيدة من مسافة موضوعية نقدية ونقلها من حالة الولادة البكر اللاواعية إلى حالة عقلية واعية لم تكن من ديدني أبداً.
وبوجيز العبارة: العقلانية ليست من شيم الشعراء.
٭ ٭ ٭
هذا بمناسبة صدور الكتاب الذي بين أيديكم، من باب التقديم وأترك الأشياء الأُخرى والتفاصيل الى مشروع آخر هو laquo;مقاطع مصوّرة من سيرة ذاتية بضمير الشخص الثالثraquo;.

فاء عين هاء