بمناسبة مرور مائة عام على ميلاد الكاتب الأميركي آرثر ميلر، تحدث مسرحيون ومشاهير عن ابداعاته وتألقه في البناء والسرد القصصي إلى حد يستنزف طاقة الممثلين.


لولا وفاة الكاتب المسرحي الأميركي، آرثر ميلر، في عام 2005 لما احتفل بعيد ميلاده المائة في 17 تشرين الأول/أكتوبر هذا العام فحسب، بل سيكون لديه سبب آخر للاحتفال بحقيقة أن عمله لم يفقد شيئاً من شعبيته. &
&
وتقدم مسارح لندن منذ عام 2014 ثلاثا من أشهر مسرحياته هي "البوتقة" و"منظر من الجسر" و"موت بائع متجول". &
&
كما قُدمت هذا العام في مدينتي نورثامبتون وليفربول مسرحية "الخطاف" التي لم تُمثل منذ كتب ميلر نصها الأصلي للسينما في عام 1950. &واحتفاء بمئوية ميلر تحدث ممثلون ومخرجون وكتاب عن سبب الجاذبية التي ما زالت تتمتع بها اعماله حتى الآن. &
&
وكان ميلر لاحظ في تقديم كتبه لمسرحياته عام 1958 ان المسرح لم يتغير منذ ايام اسخيلوس. &وقال إن الجمهور اليوناني كان حتى اصعب من الجمهور الاميركي وان اسخيلوس نفسه اضطر إلى إيقاف إحدى مسرحياته بعد ساعتين من العرض.&
&
وبعد 60 عاما على هذا التعليق تحدث السير انتوني شير الذي قام بدور ويلي لومان في انتاج فرقة شكسبير الملكية لمسرحية "موت بائع متجول" عام 2015، مؤكدًا احتفاظ مسرحيات ميلر بعنفوانها حتى اليوم.
&
ونقلت بي بي سي عن السير انتوني قوله "ان ميلر يكتب عن خبرة الانسان بطريقة حادة لكنها تتقد عاطفة، ونحن نتعرف على أنفسنا في شخصياته المسرحية. &ويكون ميلر من هذه الناحية مثل شكسبير. فأنت لا تحتاج الى عذر لتمثيل هاملت أو الملك لير".&
&
وتتذكر لندا ادموند التي قامت بدور البطولة في مسرحية "موت بائع متجول" عام 2012 ان المخرج مايك نيكولس استخدم التصميم المسرحي نفسه للانتاج الأول عام 1949. &فهو كان تصميما رائعا وكاملا بحيث قال المخرج "ما الداعي الى تغييره؟"
&
ولاحظ الكاتب المسرحي السير الن آيكبورن الذي أخرج مسرحية "منظر من الجسر" عام 1987 ان ملير يصنع بقلمه شخصيات واقعية في أوضاع أبدية "نستطيع ان نتماهى معها".
&
واعرب مارك سترونغ الذي فاز بجائزة اوليفييه هذا العام على دوره في المسرحية نفسها عن رأي مماثل قائلا لبي بي سي "ان ميلر يرفع مرآة ويرينا من خلال تصرفات آخرين كيف نتصرف نحن".&
&
وقال هاورد ديفيز الذي اخرج مسرحيتي "البوتقة" و"كلهم ابنائي" ان ميلر "يصنع مآسي من حياة اشخاص اعتياديين إما يستطيعون ان يتحملوا هذه الأزمات أو ينهاروا تحت وطأتها". &
&
في عام 1953 كتب ميلر مسرحية "البوتقة" التي تستوحي محاكمات مدينة سالم الاميركية سيئة الصيت بتهمة السحر إبان القرن السابع عشر بأصداء معاصرة لحقبة مكارثي وتحقيقات لجنة النشاطات اللااميركية التي ترأسها مكارثي في الكونغرس.&
&
وقال ديفيز "ان كتابة مسرحية البوتقة طريقة استثنائية لمواجهة هستيريا اوائل الخمسينات في اميركا وان الاستعارة التي وجدها كانت استعارة مثلى". &واضاف ان المرء يدرك "اننا لم نتغير". &
&
وتبدو "كلهم ابنائي" في الظاهر مسرحية عن أب يغامر بخراب عائلته بعد ان يتضح ان شركته باعت محركات طائرات معيوبة خلال الحرب العالمية الثانية. &ويوضح ديفيز ان ميلر كان في تلك المسرحية يعالج "الطريقة التي أثْرَت بها اميركا من الحرب العالمية الثانية". &واضاف ان المسرحية لا تصور جشع رجل واحد بل هي "استعارة تتناول اميركا كلها. فنحن أقدمنا على مخاطرة هائلة من اجل المال".&
&
ويتناول عمل ميلر "الخطاف" الذي أُعد ليكون سيناريو سينمائيا لم يُمثل قط استغلال العمال والصراعات النقابية في نيويورك ابان الخمسينات بأصداء معاصرة حين قُدم العمل مسرحيا هذا العام. &
&
ويقول مخرج المسرحية جيمس داكر "مثلما كانت بروكلين بوتقة كبيرة في فترة ما بعد الحرب فان مدينتي نورثهامبتون وليفربول ايضا موطن تنوع كبير للثقافات والصناعات اليوم وكلاهما تشهدان التوترات نفسها التي يصورها سيناريو ميلر".&
&
وتشعر الممثلة زوي واناميكر التي قامت بأدوار رئيسية في مسرحيتي "الخطاف" و"موت بائع متجول" ان بساطة ما يفعله ميلر "مموهة بالحبكة المصاغة بدقة لا تُصدق".
&
وتتفق معها الممثلة لندا ادموند قائلة "ان الاشتغال على مسرحية موت بائع متجول يتطلب دقة وعمقا في العمل على نحو لا يُصدق في تطلبه". &واضافت ان ميلر "استاذ في البناء والسرد القصصي".
&
ويرى المخرج هاورد ديفيز "ان ميلر يكتب لممثلين يمثلون مثالبهم. &فهو عمل يوناني، ملحمي. &والممثلون يعرفون أنهم سيواجهون تحديا صعبا، ولكنه شعور رائع عندما ينجحون في ادوارهم".&
&
وقال السير انتوني شير "ان الممثلين يريدون تمثيل شخصيات ميلر، لأنها ادوار عظيمة مليئة بالتعقيد". & وكثيرا ما تُقارن مسرحيات ميلر بشخصياتها المعطوبة، وهي تندفع نحو مصيرها مع الأعمال التراجيدية اليونانية، الأمر الذي يستنزف طاقة الممثلين. &
&
وكان الممثل الراحل فيليب سيمور هوفمان أُصيب بالادمان على التمثيل بعد قيامه بدور لومان في مسرحية موت بائع متجول حين كان طالبا في المدرسة الثانوية. &وبعد سنوات رُشح لجائزة توني على دوره في المسرحية نفسها الذي كان آخر أدواره على الخشبة. &وقال صديقه الكاتب المسرحي ديفيد بار كاتز بعد وفاة هوفمان في عام 2014 "ان تلك المسرحية عذبته. &وعندما اُسدل الستار قال لي أنه لن يمثل في المسرح لبعض الوقت".&
&
كان العديد من هؤلاء المسرحيين التقوا ميلر. &ويتذكر ديفيز أنه كتب له رسالة قبل ايام البريد الالكتروني، وعندما استقبله ميلر في شقته قدم له فنجان قهوة قال ديفيز "انها لم تكن صالحة للشرب وجلست على اثاث غير مريح بالمرة صنعه بيده. &وفكرتُ انه سيتكرم عليَّ بنصف ساعة، ولكن بعد ثلاث ساعات ونصف خرجت من نقاش رائع إلى حد لا يُصدق معه". &
&
وفي لندن جلس ميلر مع الممثلين بعد تقديم عرض خاص لمسرحية موت بائع متجول. &وقال ديفيز إن ميلر لم يتدخل في عمل الممثلين، ولكنه تحدث عن شخصيات المسرحية ومآزقها. "وكان الممثلون مصعوقين من شدة الاعجاب، وبعد ساعة تحول اللقاء الى مناظرة مفتوحة". &
&
مارك سترونغ التقى ميلر حين كان يقوم بدور بيف ابن ويلي لومان في انتاج مسرحية موت بائع متجول عام 1996. &ويتذكر الممثل أن ميلر "لم يقل "هذه مسرحيتي أنا وهكذا يجب ان تكون" بل كان منفحتا للغاية على ما كنا نشعر بأننا نريد إيصاله في ادوارنا".&
&
وتحدث السير الن آيكبورن عن لقائه ميلر حين كان متزوجا من مارلين مونورو يوم كانت أكثر النساء تصويرا في العالم. &وقال السير الن إن ميلر كان لطيفا ومتحمسا، لانتاج مسرحية موت بائع متجول. وامتدح الممثل مايك غامبون على قيامه بدور ايدي في المطعم الذي زاره الثلاثة بعد العرض. وأضاف السير الن: "جلسنا أنا ومايك غامبون على جانبيه، ولم يسعني إلا التفكير في "كيف يكون الزواج منها".&
&