سيدني: ظلّ كل واحد منهما على إتصال بالآخر، وتبادلا الزيارات العائلية، والأحاديث عن صيد السمك.

إلى جانب حبه للترفيه النزيه، كان والت ديزني يميل إلى الغرائبية، التي قادته لأن يمدّ جسر الصداقة بينه وبين الفنان السريالي سلفادور دالي، والتي إستمرت لعقودٍ من الزمن. ورغم أن إسلوبهما وشخصيتهما كانتا مختلفتان إختلافاً جذرياً، لكنهما تقاسما ولعهما الكبير بالخيال. وعقب وقتٍ قصير من وضع الحرب العالمية الثانية أوزارها، إلتقيا وأطلقا العنان لخيالهما النابض بالحيوية، في عام 1945، من أجل إنجاز شريط فيلمي قصير للصور المتحركة بعنوان "ديستينو"، والذي إكتمل العمل به بعد 58 عاماً، وذلك في العام 2003، أي بعد وفاتهما.
ورغم تركهما لذلك المشروع الفني المشترك جانباً، إلاّ أن كليهما إستمر في التواصل والحفاظ على تلك العلاقة ، حتى بلغ الأمر بهما للقيام بالسفر وتبادل الزيارات العائلية، والحديث عن صيد السمك، وللتخطيط لصنع فيلم سينمائي عن "دون كيشوت". غير أن هذا الحلم لم يتحقق أبداً. فقد توفي والت ديزني في 1966، بينما رحل سلفادور دالي، الذي كان يصغره بثلاث سنوات، في 1989. أن أواصر الصداقة الغريبة التي ربطت بين المخرج المشهور والرسام الإسباني سوف تكون محور المعرض الذي سيفتتح إعتباراً من 10 يوليو/ تموز القادم وحتى 3 يناير/ كانون الثاني في "متحف أسرة والت ديزني" في سان فرانسيسكو، ومن ثمّ سينتقل إلى "متحف دالي" في سان بطرسبورغ بفلوريدا.
ويحتوي المعرض على سيناريو فيلم "ديستينو"، ورسائل، وتسجيلات صوتية، بالإضافة إلى رسم لدون كيشوت كان أنجزه دالي لديزني في عام 1957، ضمن نسخة من "ماكبث" لشكسبير.
يقول السينمائي والمشرف على المعرض تيد نيكولا "سيتم هنا عرض الوجه الآخر لوالت ديزني، والذي لا يخطر على بال الناس عادة، وفيما يتعلق به، أنه لم يكن يلتفت إلى الأمور الأسرية كثيراً، ولم يكن كئيباً، بل كان يحمل أحلاماً وصوراً رائعة في خياله، وكان على إستعدادٍ تام لخوض تجربة ما بأي طريقة ممكنة". وأما دالي، أحد رواد الحركة السريالية الأوروبية،فقد إعتقد أن ديزني يشكل روحاً مشابهة له تماماً، بعدما شاهد عدداً من أفلام الصور المتحركة ضمن مسلسل "سيلي سيمفوني"، التي كان أنجزها والت في بداية مسيرته، وبُثت من عام 1929 وحتى 1939. ويقول نيكولا أن إحدى اللوحات الراقصة للهياكل العظمية في مسلسل "سيلي سيمفوني"، تحديداً، كانت جذبت دالي بشكلٍ ملحوظ.
والمرة الأولى التي كان فيها بولاية كاليفورنيا، سعى دالي للبحث عن الكوميدي هاربو ماركس، فنان آخر إعتبره سيد السريالية. ورأى السريالية متجسدة أيضاً في أعمال ديزني والسينمائي سيسل بي. ديميل.
كان والت ديزني فعلاً قد إنبهر بدالي. وإثر قراءة السيرة الذاتية للرسام، أرسل& ديزني إليه، في عام 1944، نسخة من الكتاب للتوقيع عليه، وإقترح أيضاً على دالي أن يساهم في فيلم للصور المتحركة على غرار الفيلم الموسيقي "فانتازيا" الذي كان أنجزه ديزني في 1940. ولكن، لم يتحول هذا الإقتراح إلى واقع حتى عام 1945، أي بعد لقاء ديزني ودالي لأول مرة خلال حفل في هوليوود، عندما قام رجل الأعمال الشهير جاك وارنر بإستضافتهما. في ذلك الوقت، كان دالي فعلاً قد شرع في تحقيق جزءاً قليلاً من حلمه، من خلال العمل في فيلم "سبيلباوند" لألفريد هيتشكوك.
وبالنظر لتعدد الخيارات في المكتبة الموسيقية الواسعة لديزني، قرر دالي أن ينفذ الرسوم المتحركة للقصة الإسبانية "ديستينو"، كون ذلك العنوان كان يعدّ بمثابة صدى لإهتمامه بالقدر. حينها قام ديزني بتوجيه أحد الرسامين الذين يثق بهم كثيراً، ويدعى "جون هينش" لمساعدة الرسام السريالي.
وأثناء العمل مع هينش لإنتاج أكثر من 200 قصة مصورة وإسكيتشات لفيلم الرسوم المتحركة "ديستينو"، واجه دالي صعوبة في العثور على عقدة يكون لها معنى لديزني. وبرزت الخلافات بينهما بصورة واضحة جداً، وذلك خلال مقابلة أجريت معهما في 1946، وسُئلا فيها عن رؤيتهما ل "ديستينو"، ووصف دالي القصة بأنها مثل "معرض سحري للحياة عبر متاهة الزمن"، بينما علّق ديزني قائلاً "أنها مجرد قصة حب بسيطة: فتى يلتقي بفتاة".
وقد إتسعت الخلافات بين ديزني ودالي عندما بدأ الأخير بإدخال صور للاعبي البيسبول في فيلم& "ديستينو". وفعلاً، إستشاط& ديزني غضباً لإنفاقه 70 ألف دولار في مشروعٍ غير محدد المعالم أوالإتجاه، وقرر إلغاء العمل به.& وعن ذلك يقول نيكولا "كان الوضع قاسياً على والت ديزني، لذلك أوقف العمل في المشروع بهدوءٍ تام. وأعتقد أن دالي كان محرجاً ومتألما لذلك". ولكن، لا يبدو أن إنفصالهما المهني ترك تأثيره على علاقة الصداقة التي كانت تربطهما. ففي عقد الخمسينات قام دالي بزيارة ديزني في منزله، ومن ثمّ سافر ديزني برفقة زوجته لزيارة دالي وزوجته الفنانة غالا، في منزلهما في "برت ليغات" بإسبانيا.
وقبل أعوام، إكتمل العمل في فيلم الرسوم المتحركة "ديستينو"، وذلك في العام 2003، بعد أن إتفق روي، إبن أخت والت ديزني، مع المخرج الفرنسي دومينيك مونفيري لإكمال ما كان دالي قد تركه، بالإستعانة بأجهزة الكومبيوتر. وأعان هينش رسامي الصور المتحركة على التوصل إلى ما كان يرغب دالي في أن تكون عليه قصة الفيلم. وتضمنت عملية إعادة ترتيب الأحداث صور النباتات وعيونها، والنمل الذي يتحول إلى أشخاصٍ بقبعات يركبون دراجاتٍ هوائية، وراقصة الباليه التي تنتزع رأساً وترميه بإتجاه لاعب بيسبول.
وكان "ديستينو" تمّ ترشيحه عام 2004& لجائزة أوسكار فئة أفضل فيلم للرسوم المتحركة. ويقول نيكولا أنه على الرغم من عدم فوزه بالجائزة، إلاّ أن الفيلم يستحق الإعتراف به كونه "يوسّع من رؤيتنا قليلاً للتقرّب أكثر إلى عالم والت ديزني".&&&&&