&
بعد غزو القطبين الشمالي والجنوبي انتهى عصر الاستكشافات الذي دام 500 سنة ولم يعد هناك ما يُكتشف على الكرة الأرضية. &فهل ينتظر العلم مصير مماثل؟ &هل تكشف الطبيعة ذات يوم عن آخر اسرارها للعلماء وتكون هناك اجابات عن كل ما لدينا من اسئلة؟ &هل سيغلق العلماء مختبراتهم حينذاك ويتوجهون الى كتابة الشعر أو الرسم أو الرقص؟
هذه بعض الأسئلة التي يثيرها كتاب شيق جديد يقودنا فيه المؤلف ماركوس دو سوتوي الى "حافات المعرفة". &وهو يبدأ باقتباس الفيزيائي البريطاني لورد كيلفن الذي اعلن في اواخر القرن التاسع عشر "ليس هناك من جديد لاكتشافه في الفيزياء وكل ما تبقى هو قياسات تزداد دقة أكثر فأكثر". &وسرعان ما دحضه البرت آينشتاين ، ولكن العلماء ظلوا يحلمون باليوم الذي يستطيعون ان يعلنوا فيه ان المهمة أُنجزت ولم يبق لديهم ما يكتشفونه. &وعلى سبيل المثال ان عالم الرياضيات الكبير ديفيد هيلبرت قال في عام 1930 ان لا شيء يقف ضد تقدم العلم "فنحن يجب ان نعرف كل شيء وسوف نعرف كل شيء". &ولسوء حظه اثبت عالم المنطق الشاب كورت غوديل خطأه ببحث اظهر فيه ان كل منظومة رياضية يمكن تصورها لا بد ان تحوي نظريات لا يمكن اثباتها. &وبالتالي فان فكرة ان يغلق العلم دكانه ويتقاعد العلماء انما هي فنظازيا دون كيشوتية. &
وبوحي من غوديل يأخذنا المؤلف دي سوتوي في سفر مثير عبر الفروع العلمية بمقابلات مع عدد من كبار العلماء ليخلص الى ان هناك سبع "حافات" لن يتمكن العلم أبداً من تخطيها. &وأول هذه الحافات هي ظاهرة الفوضى التي تتكفل بتخطئة حتى أرصن التوقعات بقوة اسانيدها ومرتكزاتها. &فان خفقة فراشة لم يأخذها العلماء في حساباتهم الأولى يمكن ان تقلب كل شيء رأساً على عقب. ثم هناك الحاجز الذي يعترض محاولاتنا سبر أعمق أعماق الكون. &فان بعض أجرام هذ الكون بعيدة بحيث ان المعلومات القادمة منها لن يكون لديها الكافي أبداً للوصول الينا. &ولكن حين ننظر في الاتجاه المعاكس لا نجد أي صعوبة مماثلة لهذه الصعوبة. &وبعد ان ظن رواد فيزياء الجسيمات ان حدود المجهر البصرية ستضع نهاية لأبحاثهم كانوا مخطئين في ظنهم ، وطور من جاءوا بعدهم تقنيات مكَّنتهم من فتح عالم الالكترونيات والبروتونات والنيوترونات الذي لا تجدي معه الميكروسكوبات ، ثم عالم البوزونات والكواركات والميونات. &ومن الجائز ان تكتشف الأبحاث المستمرة وجود انواع جديدة من الجسيمات تحت الكواركات. &ولكن الحقيقة الماثلة في عدم وجود نهاية للأشياء الصغيرة في الذرة يمكن ان تعتبر "حافة" اخرى لن يتخطاها العلم ، بحسب دو سوتوي. &إذ مهما غار الفيزيائيون عميقاً لكشف اسرار الذرة ، لن يكون متأكدين أبداً من إنهم يعرفون الآن كل شيء. وفي كل الأحوال فان عقبة كأداء تعترضهم يمثلها "مبدأ اللايقين" أو "مبدأ الريبة" الذي وضعه هايزنبيرغ مفترضاً فيه ان سلوك الجسيمات دون الذرية سلوك عشوائي من حيث الأساس وسيبقى يحير العلماء الى الأبد. &
"الحافات" الأخرى التي لن يتخطاها العلم حافات أصعب على التحديد الملموس. &وإذا كان المؤلف دي سوتوي مصيباً في ما يذهب اليه فان الأبحاث الأخيرة أظهرت ان الزمن "ظاهرة ناشئة" وانه "متحرك" وليس "مطلقاً" وان بعض الجسيمات محصنة ضد الزمن. &ويلاحظ جونثان ري في مراجعته كتاب دو سوتوي في صحيفة الغارديان ان المؤلف يذهب الى ان العلماء لن يعرفوا أبداً كيف يمكن لاطلاق نيورونات (خلايا عصبية في الدماغ) ان يولّد "وعياً" و"إحساساً بالذات". &واخيرا يعود مؤلف "ما لا نستطيع ان نعرفه" &الى مجال اختصاصه ليقول ان الرياضيات تحوي حقائق لا نستطيع ان نعرفها. &وينوه ري بأن المؤلف يختلف في ختام كتابه مع من يعتبرون العلم تزكية للالحاد قائلا ان الله ربما مات بوصفه كائناً خارقاً يبدي اهتماماً شخصياً بأحوالنا ومصائرنا ولكن دو سوتوي يرى ان بامكاننا إعادته الى الحياة بمساواته "مع الفكرة المجردة عن الأشياء التي لا نعرفها". &
يأخذ ري على دي سوتوي ان محاجَّته بشأن حافات المعرفة السبع محاجَّة مبهمة وضبابية وانه لا يدرك ان مساحات شائعة من المعرفة الانسانية تهتم بمعنى الانسان وفهمه لا بالحقيقة العلمية وتفسيرها. &فهي تهتم ، على سبيل المثال ، بالجمال أو التاريخ والشعر والذاكرة ، أو الحب والشيخوخة والموت ، أو ما تستطيع الكلمات ولا تستطيع ان تعبر عنه. &وإذا اردنا البحث في أهمية الايمان الديني وصلاحيته فلعل من الأجدى ان نبدأ بمبهمات الخبرة البشرية وليس السير مع دي ساتوي في توجهه الى أحدث نتائج الأبحاث العلمية. &يصف ري العلم بأنه محاولة بطولية للكشف عن حقائق طبيعية لاشخصية ويعتبره البعض أنجح مشروع في التاريخ. &ولكنه يبقى مؤسسة بشرية مثقلة بالضعف البشري وإذا كانت هناك حدود للعلم فأن اسبابها قد تعود الى الكراهية والضحالة وضيق الأفق والاكتفاء بما تحقق بقدر ما تعود الى استعصاء العالم غير البشري ومجاهيله.
What We Cannot Know by Marcus du Sautoy
Published by 4th Estate
&