ينظر "علم سيكولوجيا الأعماق" إلى مفهومي الأنوثة والذكورة على أنهما مفهومان شاملان لا يقتصران فقط على الفوارق البيولوجية والجنسية، بل يتعدّيانها ليطالا شتى مظاهر وأنماط الحياة وعلى جميع المستويات.
وإذا ما افترضنا بأن البشر كتلةٌ واحدةٌ وقمنا بشطرها عرْضياً بالسكين، فإن الذكورة ستتربَّع على القسم الأعلى، بينما ستأخذ الأنوثة النصف السفلي.
فالذكر يمثّل الظاهر من الشيء، بينما تمثّل الأنثى الأشياء الباطنية.
إن الأنوثة والذكورة مبادئ عامة في كل شيء؛ في الطاقة والشكل والتفكير والسلوك وحتى على مستوى المهن، فقد قام علماء نفس الأعماق بتصنيف مهن مؤنّثة وأخرى مذكّرة. فالحطاب والبحّار والمحارب والجرّاح والعالم هم ذكور بامتياز في مهنهم التي يزاولونها، بينما تمثّل أعمال مثل الخياطة والتعليم والتمريض مهناً مؤنّثة.
الأنثى المرأة والذكر الرجل متمايزان، وحكاية هذا التمايز تبدأ منذ اللحظة الأولى في الحياة. حيث يعيش الحيوان المنوي المؤنّث ثلاثة أيام منتظراً فرصته في التلقيح إن تمّ، بينما يعيش الحيوان المنوي المذكّر ليوم واحد فقط ومن ثم يفقد تركيزه! وعلى الرغم من أن المذكّر لديه فرصة أكبرللتلقيح إذا ما انطلقا سوياً لأنه أسرع إلا أن فرصة الأنثى بالمحصلة أكبر في الظهور إلى الحياة.
وهذه رمزية نلحظ انعكاسها على جميع تفاصيل وطباع حياة كلا الجنسين. فالمرأة مثلاً صبورة منتظرة، بينما الرجل عجول ومبادر.
والمرأة في الحروب ممرّضة ومسعفة وولّادة، بينما الرجل يخترع هذه الحروب ويموت في سبيلها (بصرف النظر عن سيل المبرّرات التي يسوقها لتسويغ أفعاله). الرجل مغامر، محارب، فدائيّ ثم شهيد.
تحاول المرأة ما في وسعها للحفاظ على الحياة وإبقائها أطول فترة ممكنة، بينما يهرب الرجل من الحياة باتجاه المجهول ويقامر بها ويتفاخر في إهدارها!
وفي النتيجة المرأة أبدية - صيرورة، بينما الرجل آنيّ.
وعلى الرغم من وضوح هذا التمايز وهذا الفصل بين الجنسين، إلا أن كلا هذين الجنسين قد أدركا، وعلى مرّ العصور، ضرورة التصاق أحدهما بالآخر واعتبار أن كليهما جزآن من معادلة واحدة.
على سبيل المثال: امرأة شبه ضريرة بالكاد ترى أمامها تشبك ذراعها بذراع زوجها شبه العاجز عن السير بمفرده لإصابته بخلل في التوازن. يسير كليهما على الطريق وكل منهما يحتاج إلى الآخر حاجة ماسّة لإكمال طريقه. فالزوجة تريده لكي تبصر الطريق أمامها، بينما الزوج يحتاجها لضبط خطوته المتأرجحة والمهتزة.
حتى من خلال الزيجات المَرَضية، أي تلك التي يكون العصاب صاحب القرار فيها في اختيار الشريك ويكون فيها الحب مزيّفاً ونفعياً، تظهر تلك الحاجة الملحّة والمتبادلة من قبل الطرفين.
الرجل السادي يتزوّج فتاة (يرقة) مفرطة في الأنوثة يريدها هكذا فهي فريسته وهو صيّادها الوغد وهو سجانها وهي بدورها تشاركه لعبته هذه و"تسجد" دائماً أمام جلادها!
فتاة أخرى مسترجلة في سلوكها ولباسها ومشيتها (تحسد الذكر حسد القضيب) تبحث في زواجها وفي اختيار شريك حياتها عن رجل مخنَّث يسهل عليها "خصاؤه".
لكن ماذا لو مر على هذه الحالات الطبيب النفسي وقام بشفائها؟ ما هي يا ترى النتائج المتوقعة ؟ بالتأكيد الانفصال هو أولها، من ثمّ البحث عن شريك جديد. فالجلّاد المريض بعد شفائه لن يعود بحاجة إلى عبدته، بل سيبحث عن زوجة طبيعية وزواج عادل.
إن هذا التعايش السيكولوجي الخطير للغاية، وعلى الرغم من كونه كذلك، يعطي مثالاً قاطعاً على الحاجة الأساسية التي تدفع كلا الجنسين إلى الاندماج والوحدة ككل واحد... وهذا يضيء لنا أحد أهم رموز العقل الجمعي، وهو "وحدة الثنائي".

كاتب وباحث سوري.