التقمّص هو اعتقاد شعبيّ بامكانية انتقال الروح، وذلك من خلال تقمّصها شخصيةً أخرى عبر ارتداشها ثوباً (جسداً) جديداً.
إن الانتقال الروحيّ المزعوم يحصل عندما يموت إنسان ويولد إنسان آخر، فيكون هذا الطفل الوليد حاملاً لروح ذاك الشخص المتوفى.
وهناك الكثير من الروايات المحكيّة التي نسمعها بين الحين والآخر تتحدَّث عن طفل أتى من بلد إلى بلد أخر، لم يزره سابقاً، يحمل معه أسراراً شخصيةً تخص رجلاً متوفى ويثبت صحتها أقارب المتوفى، جازمين بذلك أن هذا الطفل يحمل روح قريبهم الذي مات منذ زمن ليس ببعيد.
وبما أن الروح هي أداة التقمّص، وهي الحاملة لذاكرة الحياة السابقة فإنها ستكون محور مقالنا هذا في مناقشة ظاهرة التقمّص بمنطق علمي محايد بعيد عن العواطف.
كان الفلاسفة القدماء، ومعهم اللاهوتيون على حد سواء، يطلقون مصطلح "روح" على نبض الحياة في الكائن الحيّ، وذلك سببه أن العلم كان لا يزال في بدايته، ولم يكشف لنا بعد عن الكثير من الأسرار والخفايا التي تخصّ الكائنات الحيّة بما فيها الإنسان.
أما في زمننا الحاضر فقد اختلف الأمر كثيراً. فما كان يُسمّى روحاً هو اليوم "تفاعل بيوكيميائي" يحصل في الجسم الحي، ويتوقف هذا النشاط وهذا التفاعل بموت الكائن ذاته.
والمسألة كما نراها هنا، ليست تبديل مصطلح بآخر، بل هي نتيجة تحوّل جذري في مفهومنا للحياة في الكائنات. حتى إن مصطلح "علم النفس" لا يعني بالنفس حالةً لاماديةً بل يقصد بها مجموع العمليات العقلية التي يؤديها الذهن الفردي كوظيفة، وبالتالي فإن علم النفس هو علم السلوك الإنساني بمصطلح أدقّ. حتى أن أعظم الفلاسفة القدماء كانوا قد خلطوا بين إدراك الإنسان لذاته والروح، أو لنقل إنهم كانوا يطلقون على إدراك الذات مصطلح "روح".
واليوم نعرف، من خلال العلم، بأن إدراكنا لذواتنا هو وظائف عقلية تعود إلى أدمغتنا، حيث يستطيع جذع الدماغ (ساق المخ) الإحساس بالحرارة والبرودة والضوء والمكان. وهذا يمكن اعتباره إدراكاً بدائياً للذات يتطوّر وتتوسّع آفاقه باتجاهه صعوداً إلى قشرة المخ حيث الحواس والإرادة والشعور على سطح اللحاء (العقل).
وليس بعيداً عن هذا السياق، نسأل أنفسنا: ما هذه الروح "العجائبية" التي تنقل معها المعلومات والذاكرة؟ وكيف تحافظ عليها في رحلتها هذه؟!
ومن باب التوضيح فإن عمليات تخزين المعلومات معقدة للغاية ولا أجد ضرورة في استعراضها هنا، لكنني سأكتفي بمثال صغير يوضّح غايتنا هنا.
إن تمرير تيار كهربائي، في المختبر، على الفصوص الصدغية لمخ الخروف، القريب من مخ الإنسان، يؤدي إلى حالة من استرجاع ذاكرة تشبه إلى حد كبير كرّ لشريط سينمائي، والخلاصة هي في أن كل من الذاكرة والتذكّر مسائل كيميائية-عضوية تتلف بتلف الخلايا الحاملة لها.
إن للمهاد (اللاشعور) قدرات هائلة مجمَّدة وغير مستثمَرة نحاول توضيحها في مثال بسيط: طُلِبَ من رجل، خلال تجربة، أن يحاول عدَّ العواميد التي سيراها في طريقه وهو يجلس في سيارة. تسير هذه السيارة بسرعة كبيرة بحيث يكون بوسع هذا الرجل رؤية العواميد في الشارع ولكن يستحيل عليه عدُّها. وعندما سألوه في نهاية التجربة: كم عموداً رأيت؟ أجاب: 8 أو 9 عواميد، لكنهم عندما سألوه هذا السؤال وهو خاضع "للتنويم الإيحائي" قال: إن العدد هو 11 عموداً، وهذا هو العدد الفعليّ!
وهذا مثال واحد من بين عدد كبير من الأمثلة عن قدرات "العالم اللاشعوري" في الذهن الفردي لكل إنسان.
وقد يكون تفسير ظاهرة التقمّص مكانه هنا، أي بقدرة اللاشعور لدى هذا الطفل على استقبال ذبذبات كهرومغناطيسية (أصوات) في الحياة الراهنة، ولا تعود إلى حياة سابقة يزعم أنه كان يعيشها، كنوع من التوحّد السمعي إن صح القول، أو قدرة خارقة في السمع تجعله يسمع أشياء تحصل في البعيد فتكون هذه المعلومات التي يكرّرها آنية الوقوع في ذهنه.

&باحث سوري في علم النفس التحليلي.