نعيش في زمنٍ يغزوه الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. الفنان والمخرج الأميركي آندي وارهول هو من رأى كيف سيكون التواصل ومفهوم المجتمع الاستهلاكي في مستقبلٍ لم يعرفه سواه في عصره.

إيلاف من بيروت: توفي آندي وارهول منذ 30 سنة، إنما ما مهّد إليه في أعماله ذو صلة وثيقة بالمجتمع الحالي. هذا ما ورد خلال دراسة تدعو إلى النظر مجددًا في أعماله، في متحف ويتني للفن الأميركي.&

عندما ينعدم وجود الخط الفاصل بين الشهرة والإنجازات الحقيقية، عندما يلعب البرنامج التلفزيوني المباشر دور المطلق لبرنامج المكتب السياسي، وعندما تُقاس الحالة بعدد النقرات وعدد المعجبين وعدد المتابعين، يتبيّن أن وارهول هو الأب الروحي لعصرنا الذي تسيّره وسائل الإعلام والتواصل.&

طريقة مختلفة

في بداية عام 1960، قرر مع زملاء له في فن البوب أن يرفض مذهب التعبيرية التجريدية لأنها تقمع البعد النفسي للفرد، مفضلًا عليها الفن الذي يمنح فرصة اختبار الاستهلاكية. فاستعمل التقنية الميكانيكية وتقنية الصورة كي يصف بعض المنتجات التجارية (كوكا كولا وشوربة كامبل) وأيقونات ثقافة البوب (إلفيس بريسلي ومارلين مونرو)، كما الجانب الآخر من قصة النجاح الأميركية (أعمال الشغب المرتبطة بالعنصرية، العنف والموت) من دون أن يحكم أو يلجأ إلى المقدمات، بل مزج الصالح والطالح ببساطةٍ في سوق واحدة.&

كان معروفًا بولعه بالشهرة، وفي الوقت نفسه كان يقول إنه في ظل اقتصادٍ يضج بأسماء كبيرة، مثل ماديسون أفينيو وهوليوود، صحيح أن الشهرة لا تقدّر بثمن، إنما في الوقت نفسه لا قيمة حقيقية لها، فهي عابرة.&

في سوقٍ تعطي أهميةً للصورة، كل ما يهم هو الرؤية والنظرة إلى المستقبل. ومن الضروري أن يرى المرء وجهه على غلاف المجلات، أن يكون حاضرًا وموجودًا كالسلعة على الرف، جاهزًا للبيع وسهل المنال.&

تواصل مع المشاهد

ممكن أن تبدو نظرة وارهول بائسة، لكنها تنضوي على نوع من الديموقراطية، إذ يرى أن كل شيء وكل فردٍ قابل للتبديل.&

أبرز ما حققه وارهول كان ابتكاره فكرة "15 دقيقة من الشهرة"، حصد بفضلها سلطةً دامت فترةٍ لم يستطع زملاؤه منافسته فيها. ارتكز استمراره في هذه المسيرة إلى حياده المدروس، الذي سمح له أن يكون موضع تقدير الماركسيين والرأسماليين على حد سواء. أما بالنسبة إلى بعضهم، فانفصاله هذا كان سبب إدانته.

لكن من المؤكد أنه من غير الممكن معرفة ما إذا كان ساخرًا من الاستهلاكية، أو محبذًا لها، ناقدًا أو معززًا لها، لأنه قدّم نفسه بصورة المتلقي السلبي للثقافة المحيطة.

كان صفحةً بيضاء، مرغمًا المشاهدين على ملء الفراغات استنادًا إلى نظرتهم الخاصة، وقد أفصح بوضوحٍ عن هذه الطريقة خلال برنامج قدمه في عام 1984 والذي كان عبارة عن امتحانٍ كاملٍ للشخصية.&

المستهلك المتبدّل

نقل وارهول الأسطورة الأميركية إلى مستوياتٍ مختلفةٍ صنعها بنفسه. فالمستهلكون لم يملكوا هويات محددة. وخلافًا لمن سبقه من الذين اعتنقوا مذهب التعبيرية التجريدية، لم ينغمس في البحث عن هوية "حقيقية" لكن مأمورة.

بنظره، لم يكن للأفراد مركز ثابت، بل هم حزمة من الرغبات التي تتغير بحكم تجاوبها مع آخر الصيحات، شهيتهم دائمًا مفتوحة ولا يشبعون. السلع التي يشترونها، البرامج التي يشاهدونها، الملابس التي يرتدونها، هي التي تعرّف عنهم.&

نذكر أيضًا أن وارهول كان يحلم بنشر الحرية، ويسعى إلى منح الأفراد فرصة تجديد الذات. وكان يقر بدور الإعلام في كسر الحواجز وإلغاء الطبقية بين الفن الراقي والتجارة، بين العام والخاص.&

تسارعت الأفكار وطرائق التعاطي التي طرحها في عصر الانترنت الذي نعيش فيه. وسواء أرآه بعضهم حلمًا أو كابوسًا، فهذا واقع رآه وارهول قبل سواه، وهو من بدأ بتحويله إلى واقعٍ.
& &
أعدّت "إيلاف" هذا التقرير عن "إكونوميست". الأصل منشور على الرابط:
https://www.economist.com/books-and-arts/2018/11/17/andy-warhol-was-a-prophet-of-media-saturated-modernity &
&