يستخدم وليام بولك في كتابه "الحملات الصليبية والجهاد" المعلومات الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية ليبيّن كيف غزت القوى الأوروبية شعوب الجنوب منذ فجر الإسلام في القرن السابع، مشيرًا إلى أن مثل هذه الفظائع تُبرَّر بذرائع مثل: "أدمغة السود تختلف عن أدمغة البيض".

إيلاف من بيروت: ينقل وليام بولك في كتابه "الحملات الصليبية والجهاد" Crusade and Jihad (المكون من 352 صفحة؛ منشورات بيغاسوس) ينقل عن مسلم شاب درس في جامعة أميركية قوله إن هجمات 11 سبتمبر على مركز التجارة العالمي أسفرت عن مقتل نحو 2500 شخص، في حين أن الإمبرياليين قتلوا ما لا يقل عن 25 مليون مسلم، وحاولوا تدمير طريقة حياتهم وديانتهم.

أدمغة وأهلون
بولك، وهو مؤرخ ودبلوماسي ومستعرب مرموق عمل مستشارًا للرئيسين كندي وجونسون، يتخذ من هذا اللاتناظر في المظلومية بين البيض وغير البيض، أو شعوب الشمال وشعوب الجنوب، موضوعة مركزية في كتابه ذي العنوان الآسر والمضلل في آن. 
فالحملات الصليبية الحقيقية لا تشغل من الكتاب إلا صفحات قليلة. وموضوع بولك الحقيقي هو الآثار المدمرة التي تركتها دول الشمال في بلدان الجنوب، التي هي شعوب مسلمة بالدرجة الرئيسة.

فحتى الكونغو، يشكل المسلمون 10 في المئة من سكانها. ويذكّرنا فولك بأن الاستعمار البلجيكي قتل من الكونغوليين بين عامي 1884 و1908 ضعف ما قتله النازيون من اليهود والغجر على أقل تقدير ـ ما بين 10 و15 مليون كونغولي. كما ارتكب المستعمرون البلجيك أعمال اغتصاب وقطع الأيدي أو الأقدام ونهبوا ثروات الكونغو.

من المصادر التي يقتسبها بولك الدبلوماسي والسياسي الهندي شاشي ثارور، الذي يقول إن سياسات بريطانيا الاقتصادية مسؤولة عن موت 30 إلى 35 مليون هندي بسبب الجوع، وإن ملايين الأطنان من القمح صُدرت من الهند إلى بريطانيا، حتى في ذروة المجاعة.

يستخدم بولك كمًا واسعًا من المعلومات الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية ليبيّن كيف أن القوى الأوروبية غزت شعوب الجنوب واغتصبتها ونهبتها منذ فجر الإسلام في القرن السابع. ويشير الكاتب إلى أن مثل هذه الفظائع كانت تُسند بمواقف التفوق العرقي وتُبرَّر بذرائع مثل أن الأفارقة والآسيويين "لا يشعرون بالألم" وأن "أدمغة السود تختلف عن أدمغة البيض".

دور الطيران
لم تكن شعوب الجنوب التي وقعت ضحية هذا العدوان كلها من المسلمين، لكن بولك يقول إن القتال أصبح شكل المقاومة الرئيس للدفاع عن ديارهم ومجتمعاتهم، مشيرًا إلى الأمير عبد القادر الجزائري وجوزيف بروز في يوغسلافيا وعمر المختار الذي قاد المقاومة ضد الاستعمار الإيطالي، وشنقه الفاشيون الإيطاليون أمام حشود من الليبيين في عام 1931 بأمل واهم في سحق المقاومة بمشهد جثة متدلية من حبل.

يتناول بولك دور الطيران الحربي قائلًا إن رئيس الوزراء الإسباني في الفترة من 1923 إلى 1940 ميغيل بريمو ريفيرا أمر سلاح الجو بتدمير المحاصيل والأسواق والقرى والحيوانات في المغرب، بما في ذلك استخدام الغاز السام إلى جانب القنابل الانشطارية والحارقة.

يستعرض بولك في كتابه جرائم الاستعمار الأميركي للفلبين بعد الحرب الإسبانية ـ الأميركية في عام 1898. وحين سُئل الجنرال الأميركي روبرت بارترسون هيوز، حاكم مانيلا العسكري، في مجلس الشيوخ عام 1902 عن حرق القرى والمحاصيل، أجاب "إن هؤلاء الناس ليسوا متحضرين".

يجعل بولك من الواضح أن ارتكابات الإمبرياليين ضد شعوب الجنوب كانت مدفوعة بالجشع والطمع في ثرواتها الطبيعية سواء الذهب الذي أغرى المستعمرين البرتغاليين في الأميركيتين وأفريقيا أو القطن في مصر تحت السيطرة الاستعمارية البريطانية أو المطاط في أندونيسيا في ظل الاستعمار الهولندي.

بعيدًا عن المثل
في هذا السياق، يضع بولك الحركات الجهادية الحديثة التي تبدو في عرضه التاريخي كأنها "انتقام الجنوب". وبدلًا من النظر إلى الجهاديين على أنهم عناصر هامشية في النهاية القصوى من الطيف الإسلامي، فإنه يعتبر أيديولوجيتهم جزء أساسيًا، وإن كان مشكوكًا فيها من التيار الإسلامي العام. 

ويرى بولك أن الإيديولوجيا الجهادية اكتسبت قوتها ونفوذها ردًا على السياسات الأميركية. لكن المؤلف ليست لديه أوهام عن الحركات المناهضة للإمبريالية التي ظهرت ردًا على جرائم الشمال ضد الجنوب.

يقول إن نجاحاتها كانت في بعض الحالات كارثية بقدر كارثية الإمبريالية نفسها. وبحسب وليام بولك، فإن قادة هذه الحركات "بلا استثناء تقريبًا خيّبوا آمال الذين ناضلوا من أجل الحرية... وأصبح الوصول إلى السلطة غاية بحد ذاته".

في غياب رقابة شعبية صارمة ومؤسسات مدنية فاعلة كان هم القادة، مثلهم مثل الجيوش القروسطية، نهب معسكرات المستعمر الراحل بدلًا من مواصلة ما بدأوه من حملات وطنية. وكلما نجحوا في ذلك ازدادوا بعدًا عن المُثُل التي كانت الدافع وراء نضالهم.